حالة خراب فلسطينية
ثمة ما هو أكثر من اقتتال ومواجهة داخلية وأقل قليلا من حرب أهلية، ذلك الذي تشهده الأراضي الفلسطينية، لاسيما قطاع غزة، حيث هناك مواجهات دموية متواصلة بين حركتي فتح وحماس.
إنها حالة خراب لم يسبق وأن ضربت بمثل هذه القسوة، وهي كذلك تستعصي على الفهم، خصوصا أمام إصرار الطرفين أن “الدم الفلسطيني محرم” وأنه “لن ننجـر إلى حرب أهلية”، بالرغم من المواجهات اليومية التي توقِـع قتلى وجرحى، وتُـلحق دمارا بمختلف مستويات المجتمع الفلسطيني.
ففي حين لا تتوفر إحصاءات دقيقة حول مجمل الإصابات، إلا أن مسؤولين ومراقبين يقولون إن عدد القتلى ناهز المائة، معظمهم مدنيون وبينهم أطفال، منذ أوائل العام الماضي ومرورا بمطلع عام 2007، بل أن بعض المصادر ترفع التقديرات إلى قرابة 200، مؤكدين أن ذلك يشمل عمليات قتل واغتيال، تبادل فيها الطرفان الاتهامات حول المسؤولية، مع أن ذلك لم يمنع بأي حال من استمرار المواجهة.
وفي غضون ذلك فشلت المفاوضات حول تشكيل حكومة وحدة وطنية، وأكد الرئيس محمود عباس عزمه على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة، مُـبقيا الباب مفتوحا لتشكيل الحكومة الوطنية.
لكن دعوة الرئيس عباس لم تنجح في الضغط على أي من الطرفين في التراجع، بل أن حماس صعّـدت هذه المرة من لهجتها ضد عباس إلى درجة اعتبار دعوته هذه “مجرد وجهة نظر”، وفق ما جاء على لسان أكثر من مسؤول في الحركة.
ودخلت العلاقة بين الرئاسة، المسحوبة على فتح، والحكومة التي تقودها حماس مرحلة خطرة أخرى مع اشتداد خلاف الطرفين حول وضع القوة التنفيذية التي أسسها وزير الداخلية من حماس، سعيد صيام، ورفضتها الرئاسة وحركة فتح.
ومع إصرار الرئاسة على حل القوة التنفيذية (نحو ستة آلاف عنصر)، اختار كل من رئيس الوزراء إسماعيل هنية ووزير داخليته الرد على ذلك بإعلان مضاعفة عدد القوة إلى 12 ألفا.
الغوص في المجهول
وقد ترافقت المواجهة الدامية مع حملة “تحريض” لا تتوقف، يشارك فيها مسؤولون من حركتي فتح وحماس وتستخدم فيها الصحافة والتلفزيون والإذاعات، ولا تخلو من دعوات واضحة بإقصاء كل طرف للآخر.
ويرى قدورة فارس، وهو احد قيادات حركة فتح الشابة أن “ثمة حلقات ضعيفة” هي المسؤولة عن دفع الأمور على الساحة الفلسطينية إلى مثل هذا الوضع المتردي.
ويفسر قدورة، وهو أحد الذين شاركوا في عام 2003 في ترتيب أول وقف إطلاق نار بين إسرائيل من جهة، وفتح وحماس من جهة أخرى، أن “هؤلاء مجموعات من المسؤولين من الطرفين يتصرفون بعيدا عن أي طرف وطني، ويعبرون عن مصالح ضيقة”.
ويعتقد قدورة أن “المشكلة سياسية، حيث تسعى حماس إلى استحواذ حصتها في النظام السياسي الفلسطيني، بما يشمل منظمة التحرير”، ويضيف “يمكن التوصل إلى برنامج مشترك يُـتيح تشكيل حكومة وحدة وطنية”.
لكن مصادر مطّـلعة تقول إن “المواجهة الكبرى” بين حماس وفتح قادمة لا محالة، وأنه لن يكون من السهل التوصل إلى مصالحة قبل ولوج هذا “النفق المظلم المجهول” من المواجهة المحتملة.
ويدلّـل هؤلاء على ذلك بالطريقة التي تمّـت بها عمليات الاغتيال والقتل التي وقعت في قطاع غزة خلال العام الماضي، ولمشاركة القوة التنفيذية في كثير من هذه الهجمات والعمليات.
وقد وصلت الأمور إلى حد امتنع فيه مسؤولون أمنيون كبار عن التدخل لوقف عمليات قتل واختطاف، لاسيما عملية اغتيال العميد في الأمن الوقائي محمد أبو غريب، بعد أن حوصر منزله في عملية استُـخدمت فيها القذائف والصورايخ.
وأكدت مصادر في الرئاسة، أن عباس طلب من عشرات من قيادات في غزة “التقاعد” من مناصبهم أو بالأحرى، فقد أقالهم.
توقعات متشائمة
ولا يعتقد كثيرون أنه سيكون من السهل تجاوز الأزمة الحالية دون إراقة المزيد من الدماء والدخول في موجات خراب وتدمير.
ويقول المحلل السياسي علي الجرباوي في حديث مع سويس انفو “ستستمر المواجهة حتى يكون هناك رابح وخاسر، وبعد ذلك، ستتم المصالحة، لكن سيكون الجميع قد خسر حينئذ”.
ويرى الجرباوي أن حركة فتح “أضعف من أن تتمكّـن من احتواء حركة حماس ومنعها ومن الوصول إلى أهدافها في فرض نفسها على الساحة الفلسطينية”، ويضيف “كذلك، فإن الرئيس عباس لم يعد بمقدوره فعل الكثير”.
لكن مقربين من الرئاسة يقولون إن عباس “يدرك تماما ما يفعله وأنه واع تماما لمسألة اتخاذ القرارات بميزان من ذهب”.
ويرى هؤلاء أن الرئيس “ربما ينتظر اندلاع غضب شعبي عارم يساعده على إجراء انتخابات جديدة أو حتى على مساعدته في إقالة الحكومة”.
وفي تك الاثناء، أعلن مسؤول في حركة فتح أن أعضاء من حركتي فتح وحماس يعكفون على صوغ مبادرة لإنهاء حالة الاقتتال والمواجهة بين الحركتين.
وقال المسؤول، الذي رفض الكشف عن هويته، إنه “أجرى حوار أوليا مع مسؤولين من حماس في غزة وطرح عليهم القيام بمبادرة مشتركة بين أعضاء من الطرفين لإنهاء حالة المواجهة القائمة التي تنذر باندلاع حرب أهلية”، وأضاف “أستطيع التأكيد أن ثمة أرضية قوية قد تأسست من خلال هذا الحديث ويمكن البناء عليها، حيث عقد اجتماع لاحق لبلورة الفكرة”.
هشام عبد الله – رام الله
قال رفيق الحسيني مساعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إن الرئيس يدرس خيارات التعامل مع القوة التنفيذية التابعة لوزير الداخلية الفلسطينية، إذا لم تدمج في الأجهزة الأمنية.
وصرح للصحفيين مساء يوم الأربعاء 10 يناير 2007 “أن الرئيس عباس بانتظار رد من سعيد صيام، وزير الداخلية الفلسطيني على قراره الداعي إلى دمج القوة التنفيذية بالأجهزة الأمنية من أجل تحديد كيفية التعامل معها.، وتابع قائلا “إن من بين الخيارات التي يدرسها الرئيس في حال عدم الموافقة على دمج القوة التنفيذية بالأجهزة الأمنية، عزل عناصرها”.
وكان عباس وافق على طلب وزير الداخلية بتعيين 5000 عنصر من الفصائل الفلسطينية في الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية في أبريل الماضي، إلا أن هذه القوة أصبحت قوة خاصة تابعة لوزير الداخلية، وهو ما يُـعد مخالفة لقانون الأمن الفلسطيني، وبررت الحكومة الفلسطينية تشكيل القوة التنفيذية بترهل القوى الأمنية الفلسطينية وعدم استجابتها لأوامر وزير الداخلية.
وكان عباس أصدر مرسوما في شهر أبريل الماضي يقضي باعتبار القوة التنفيذية خارجة على القانون، إذا لم تدمج في الأجهزة الأمنية، وعاد وأكد على مرسومه قبل يومين، في ظل تصاعد الاقتتال الداخلي. وقال الحسيني إن قرار الحكومة بمضاعفة عدد أفراد القوة التنفيذية، هو تحدٍّ غير مقبول للرئيس.
وعرض الحسيني رسائل متبادلة بين الرئاسة والحكومة حول تسلسل تشكيل القوة التنفيذية، التي رفض الرئيس التوقيع على طلب لوزير الداخلية بتعيين 1500 عنصرإلى جهاز الشرطة ليكونوا قوة تنفيذية في الضفة الغربية المحتلة.
وردت الحكومة الفلسطينية على قرار الرئيس بدمج القوة التنفيذية بالأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية، بمضاعفة عددها لتصل إلى 12 ألفا. وحول الحوار الوطني الفلسطيني، قال الحسيني إن الرئيس لن يشارك في جولات الحوار القادمة التي وضع لها سقف زمني لا يتجاوز الأسبوعين، مضيفا أن الرئيس سيحدد خياره الذي يرى فيه مصلحة الشعب الفلسطيني بعد انتهاء المدة المحددة للحوار، مؤكدا في الوقت ذاته أن الخيارات المطروحة صعبة.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 10 يناير 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.