حتمية الهجوم الأمريكي؟
في الوقت الذي تُعرب فيه الدول العربية والأوروبية عن معارضتها لضرب العراق، أعلن الرئيس جورج بوش أنه سيوضح موقفه من العراق في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 12 سبتمبر.
ويبدو أن الحملة الأمريكية المرتقبة أصبحت أمرا حتميا إلى درجة أن عددا من العسكريين والخبراء يؤكدون وقوعها في شهر نوفمبر المقبل.
منذ أن أكّد نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني قبل أيام استمرار الاستعدادات الأمريكية لشن “الحرب الاستباقية” على العراق، والعاصمتان اللبنانية والسورية تعيشان هاجسا وحيدا: متى الضربة؟
ويبدو هنا وكأن المصادر اللبنانية القريبة من سوريا تملك ما هو أكثر من التحليل، حين تشير إلى أنها تصّدق ما يقوله بعض الجنرالات الأمريكيين والإسرائيليين من أن الضربة قد تحدث في أواخر أكتوبر أو في شهر نوفمبر.
ولا تستبعد المصادر اللبنانية أن يحدث الهجوم “في أي يوم أو حتى أية لحظة”. وتُعرب عن اعتقادها بأن الولايات المتحدة تنفّذ هذه الأيام عملية “تمويه إستراتيجي” واسعة النطاق، لتغطية هجومها العسكري الوشيك على العراق.
وتعتبر المصادر اللبنانية الأحاديث الأمريكية المفاجئة عن وجود صعوبات في نشر القوات الأمريكية حول بلاد الرافدين، ووقف نشر غسيل الخطط العسكرية فوق سطوح الإعلام الأمريكي والدولي، “جزءا من هذا التمويه الاستراتيجي”.
ونقلت المصادر اللبنانية عن مسؤول أمني سوري رفيع المستوى قوله، أن واشنطن بدأت في الآونة الأخيرة في نشر “معلومات مضللة”، بهدف دفع الرئيس صدام حسين نحو تقديرات خاطئة للوضع، من جهة، واستعادة جزء من عنصر المفاجأة التكتيكية التي أفقدتها إياها التسريبات حول خطط غزو العراق، من جهة أخرى.
ومعروف أن عمليات التمويه الاستراتيجي تكون، عادة، خطوة تسبق مباشرة بداية العمليات العسكرية الفعلية. فالتمويه في الواقع هو طلقة الرصاص الأولى غير المعلنة، المؤذنة بالهجوم المفاجئ. وغالبا أيضا ما ينفذ الهجوم بعد وقت قصير من إطلاق عمليات التمويه.
وتجدر الإشارة هنا إلى أمر مهم، هو إن بدء التبريد الإعلامي الأمريكي للأحاديث التسخينية العسكرية، جاء مباشرة بعد إطلاق نظرية بوش – تشيني الجديدة حول “الحروب الاستباقية” Preemptive wars، أي العمليات العسكرية الوقائية التي لا تعني سوى أمر واحد لا غير: شن الحرب فجأة وبدون سابق إنذار، والاعتماد على عنصر المباغتة لإرباك الخصم وتسريع انهياره.
ويبدو أن عمليات التمويه الاستراتيجي الأمريكية الراهنة تُهيّء للانقضاض في أي وقت على العراق، لاسيما وأن هنالك حديثا عن وجود وحدات استخبارية أمريكية داخل الأراضي العراقية، خصوصا في المناطق الشمالية الخاضعة للفصائل الكردية.
السيناريوهات المحتملة؟
أما السيناريوهات والتكهنات المتداولة الآن في بيروت حول أجواء الحرب، فهي تسير على النحو الآتي:
أولا، أن الرئيس العراقي صدام حسين لن يجرؤ على قصف إسرائيل بأسلحة تقليدية أو غير تقليدية، لأن الدولة العبرية أبلغته رسميا بأنها ستدّمر بغداد وباقي المدن العراقية بالقنابل النووية، إذا ما سقط عدد كبير من المدنيين الإسرائيليين في الهجمات العراقية المحتملة.
ثانيا، إن الولايات المتحدة قد تستخدم في حملتها ضد العراق ترسانتها النووية وغير التقليدية (خاصة الأسلحة النووية التكتيكية)، إذا ما تعرّضت قواتها إلى هجمات كيماوية أو جرثومية.
ثالثا، أن القوات الأمريكية ستبادر في اليوم الأول من بدء الحرب إلى احتلال غرب العراق. وهذا سيمنع صدام من إطلاق صواريخه نحو إسرائيل. كما أنها لن تركّز هجماتها سوى على قوات الحرس الجمهوري الخاص، وستترك “منافذ” للجيش النظامي العراقي لحثّـه على الانقلاب على صدام.
رابعا، إن فكرة “بغداد أولا”، أي احتلال العاصمة في بداية الحملة العسكرية، تبدو مغرية للأمريكيين، لأنها ستسفر عن محاصرة نظام صدام سريعا من الجنوب والشمال والوسط.
خامسا، لا يستبعد أن تقوم الطائرات والصواريخ الأمريكية بهجمات مباغتة على بغداد، تستهدف محاولة اغتيال صدام عبر قصف القصور والمقرات التي قد يكون فيها.
والرهان الأمريكي هنا هو على قدرة سلاح الجو والصواريخ والأسلحة الذكية الامريكية على كسب المعركة حتى قبل أن تبدأ. وهذا قد يقلص الخسائر البشرية الأمريكية إلى حد كبير.
لكن هل كل هذه الاحتمالات في محلها؟ دمشق وبيروت لا تحاولان الإجابة على هذا السؤال. وهذا لسبب مقنع. فهما منهمكتان الآن بأمرين اثنين في آن: الاستعداد للزلازل التي قد تحدثها الضربة الأمريكية للعراق، ومعالجة القلق على المصير الذي ينتظرهما من جراء الاجتياح الأمريكي الوشيك، وهو قلق عالي الوتيرة!
سعد محيو- بيروت
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.