مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حدود مغلقة.. وأزمات مستفحلة.. واتحاد في غرفة الإنعاش!

null

سيؤمّن الخط البحري المباشر بين مينائي الدار البيضاء وتونس، الذي دُشِّـن يوم الثلاثاء 1 مارس الماضي، تبادلا تجاريا بتكلِـفة نقل أقل من مصاريف النقل الجوي أو المرور عبر ميناء أوروبي، كما كان الحال عليه منذ استقلال البلدين عن فرنسا منتصف خمسينات القرن الماضي.

ومن المؤكد أن النقل البري عبر الجزائر التي تتوسط بلدان المنطقة، سيكون الأقل تكلفة ومشجّـعا على زيادة حجم التجارة البَـينِـية بين الدول المغاربية الخمس التي لا زالت تبحث عن صيغة سياسية تُخرج “الإتحاد” القائم بينها من غرفة الإنعاش.

الرمزية السياسية لافتتاح هذا الخط البحري الآن، أن كلا من المغرب وتونس باتا مُـقتنعين أن الحدود البرية المغربية الجزائرية المغلقة منذ 1994، ستبقى مُـوصدة على الأقل في المدى المنظور، وأن اتحاد المغرب العربي الذي يجمعهما مع ليبيا والجزائر وموريتانيا، سيبقى في غرفة الإنعاش، وأم بقاءه على قيد الحياة لن يكون متاحا إلا بفضل الأجهزة الطبية ليس إلا.

من جهة أخرى أكدت الرسالة المفتوحة لوزارة الخارجية المغربية من أجل فتح هذه الحدود والردّ الجزائري الرسمي عليها، أن مسؤولي البلدين يدورون حول جوهر الأزمة القائمة بينهما، دون الدخول في عُـمقها، وأن كل طرف يُحاول أن يحمل الآخر مسؤولية هذه الأزمة ويسعى إلى أن “يحرجه” أمام مواطنيه والفاعلين الإقليميين والدوليين.

الرباط تُـدرك أن الحدود البرّية المُـغلقة، لن تفتح بنداء مفتوح يوجّـه عبر وسائل الإعلام، لكنها أرادت أن تقول لأطراف دولية، تشمل الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا، التي دعت في أكثر من مناسبة إلى تفاهم جزائري مغربي يفتح الطريق بوجه إعادة إحياء الاتحاد الذي تأسس في فبراير 1989، أنها ليست المسؤولة عن استمرار تعثر إحياء المغرب العربي، الذي تُـراهن عليه الدول الثلاث، الأكثر تأثيرا في المنطقة، كتكتل سياسي وأمني واقتصادي.

من جانبها، تعلم الجزائر أن ملف علاقاتها مع المغرب متعدّد الأوراق والقضايا، منها ما هو ثُـنائي ومنها ما هو إقليمي، وأن الحدود البرية هي إحدى هذه الأوراق، بل قد تكون بالنسبة لها الورقة الأقل أهمية، لكنها تظل – في الحسابات السياسية – ورقة ضغط حقيقية على الرباط، لذلك لا تريد الجزائر تقديمها إلا مقابل ثمن يُـوازي قيمتها وحجم أثرها الاقتصادي والاجتماعي في المغرب.

اتهامات وإدانات.. ومن يدفع الثمن؟

في صيف عام 1994، شنّ هجوم مسلح على فندق في مراكش وقالت السلطات المغربية، إن منفذي الهجوم كانوا يتحدّثون لهجة جزائرية، وحمّـلت أجهزة المخابرات الجزائرية مسؤولية ذلك الهجوم، الذي أسفر عن مقتل سياح إسبان وجرح مواطنين مغاربة، وقررت إجراءات أمنية مشددة ضد المؤسسات والمصالح الجزائرية، وطلبت من المواطنين الجزائريين مُـغادرة الأراضي المغربية وفَـرضت تأشيرة دخول على الجزائريين أو مَـن هم من أصل جزائري، وحربا إعلامية شعواء.

وإذا كانت الجزائر، بحُـكم طبيعة الشخصية الجزائرية، رفضت الاتهامات المغربية وأدانت ما تعرّض له مواطنيها من “حُقرة”، فإنها لم تكتفِ بإجراءات مماثلة، بل زادت عليها إغلاق الحدود البرّية، التي لم تفتح على مدى السنوات الـ 14 الماضية، إلا لقافلة مريم الطبية التي نظّـمها النائب البريطاني جورج غالاوي سنة 2002 لصالح أطفال العراق تحت الحصار، وأيضا للمساعدات المغربية التي أرسلت للجزائر إبّـان الفيضانات التي عرفتها سنة 2003.

وأدى الإغلاق المُـحكم للحدود البرية بين الجزائر والمغرب، إلى انكماش اقتصادي وتنمَـوي للمنطقة الشرقية المغربية، التي كانت قد ازدهرت ما بين عامي 1988 و1994، باعتمادها على المواطنين الجزائريين، وأقيمت مشاريع تجارية وسياحية خصِّـيصا لهؤلاء، وإلى ازدهار التّـهريب بكل أشكاله وأنواعه، من المواد الغذائية إلى البشر الذين وجَـدوا أنهم، لصلة الرّحم فيما بينهم ولقطع 5 كلم تفصل بينهم، بحاجة إلى يومين على الأقل وتكاليف باهظة، لأن السبيل القانوني بالإضافة إلى التأشيرة (هو ذهاب ابن وجدة المغربية الحدودية إلى الدار البيضاء التي تبعد عنه 600 كلم) ليركب منها الطائرة إلى الجزائر العاصمة ومنها الى تلمسان أو مستغانم والعكس صحيح أيضا، لذلك يكون التّـهريب مقابل 300 درهما أقل تكلفة ومشقّـة، بل إن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قال في خطاب رسمي، إن ابنة شقيقته المُـقيمة في وجدة “تزور الجزائر تهريبا”.

لكن في سياسات الدول، خاصة إذا كانت تقوم على النكايات والمماحكات، فإن عذاب المواطنين وخسائر خزينة الدولة وتأخير تنمِـية وتعاون منطقة بأكملها، لا تكون لها الأولوية، حتى لو أخذت كل هذه المعطيات بعين الاعتبار.

“نتاج أزمة.. وليست سببها”

في ندوة سبق أن نظّـمها النادي الدبلوماسي المغربي بالرباط في عام 2005، قال نور الدين حشاد، مسؤول مَـقَـر الجامعة العربية في تونس، ونجل الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد، إن قضية الصحراء الغربية، العنوان الحالي للازمة بين الجزائر والمغرب، هي نتاج أزمة بين البلدين، وليست سبب الأزمة، وأثارت مقاربته هذه نِـقاشا ساخنا في حينه، لكن قراءة العلاقات الجزائرية المغربية، التي تراوحت منذ بداية الستينات حتى الآن، بين الحرب والتوتر والفتور، وأحيانا قليلة التعاون، يؤكِّـد صحّـة هذه المقاربة.

ولقد راكمت هذه الأجواء جفاءً بين البلدين، يحمل في كل مرحلة عنوانا يخفِـي ما في النفوس، دون أن يلغيها، كما أن فترات التعاون والحميمية بينهما كانت قصيرة (1972-1975) و(1988-1992) ولم تكن كافية لإزالتها، نظرا لأن البلدين يكونان في هذه المرحلة منشغلين في الاستفادة القُـصوى منها دون ضمان عدم عودة الماضي وإطلالته برأسه أمام أية عثرة تعتَـرض علاقات بلدين جارين.

وإذا ابتعد المحلِّـلون عن الآثار النفسية لفترات الحرب والتوتر والفتور والعتَـب الجزائري المُـعلن على تعاطي المغرب بتشفي مع حربه طوال عقد التسعينات مع الجماعات الأصولية المسلحة ومحاولة ابتزاز هذه الحرب، للحصول على مواقف جزائرية من قضايا مختلَـف عليها، فإن في العلاقات المغربية الجزائرية ملفّـات تراكمت منذ الستينات، وهي ملفات الحدود وترسيمها وممتلكات الجزائر بالمغرب والمغرب بالجزائر وقضية الصحراء الغربية، وتضيف لها الجزائر من أجل فتح الحدود، وثائق رسمية مغربية عن تورّط الجزائر في هجمات مراكش 1994 أو اعتذارا رسميا عن الاتهامات التي وجِّـهت لأجهزتها الأمنية.

ومسألة المُـمتلكات، تعني ممتلكات الدولة والمواطنين، لكنها تبقى مسألة تِـقنية يتِـم التفاهم حولها عبر الوثائق والمُـستندات والتعويضات، أما في مسألة الحدود، فهناك اتفاقية إيفران – تلمسان التي وقّـعت في عام 1972 ولم يُـصادِق عليها المغرب إلا في عام 1989، لأن المصادقة تحتاج إلى برلمان لم يكُـن قائما في حينه، لكنها لم تنشر بالجريدة الرسمية إلا سنة 1992، وحتى الآن، لا زالت خطوط الحدود لم تُـرسم وبات صعبا على المغرب أن يرسمها الآن، لأنه رسميا يعتبر حدوده البرية مع الجزائر تمتَـد من وجدة إلى تيفاريتي بالصحراء الغربية، وهو ما لم تعترف به الجزائر الت لا زالت تتمسّـك بأن الاتفاقية تعنِـي المغرب قبل 1975، أي قبل استعادته الصحراء الغربية من إسبانيا.

والصحراء الغربية باتت منذ 1975 عنوان العلاقات المغربية الجزائرية، فالجزائر التي اعتبرت اتفاقية مدريد التي سلّـمت بموجبها إسبانيا الصحراء للمغرب وموريتانيا، التِـفافا على دورها في المنطقة وعدم احترام تفاهمات جرَت بحضورها، وسلبا لحق الصحراويين في تقرير مصيرهم، وردّت على اتفاقية مدريد بدعم بلا حدود لجبهة البوليساريو، التي تطالب وتسعى من أجل إقامة دولة مستقلة في المنطقة المتنازع عليها، والمغرب اعتبر دائما أن الجزائر طرفا أصيلا في نزاع الصحراء وأن جبهة البوليساريو، واجهة للأطماع الجزائرية ورغبتِـها في الهيْـمنة على المنطقة.

وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود وما عرفته من تحوّلات وتطورات في العلاقات الثنائية أو الإقليمية أو التحولات الدولية، بقي هذا موقف الرباط والجزائر، يغيب أحيانا عن الخطاب الرسمي، لكنه لا يتغيّـر، تُـستخدم في التعبير عنه مُـفردات وجُـمل تعبِّـر عن مرحلة، لكنه يبقى في جوهره كما هو.

وخلال العقود الثلاثة الماضية، كان موضوع الصحراء الغربية عنوان الأزمة والحائل دون وِئام جزائري مغربي وتعاون مغاربي في إطار اتحاد، سُـرعان ما انتقل إليه وبَـاء التوتّـر الجزائري المغربي، دون أن تكون لديه القُـدرة، ليس فقط لعَـزل علاقات البلدين الشقيقين الكبيرين هذا النزاع، بل فقَـدَ القدرة لعزل نفسه عن هذا الوباء.

محمود معروف – الرباط

أفاد بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون، أن المملكة المغربية دعت بروح من الصداقة الأخوية والصدق الكامل، إلى تطبيع العلاقات مع الجزائر وفتح الحدود بين البلدين.

استجابة لتطلعات الشعبين الجلية، التي تجمع بينهما قواسم مشتركة وتحقيق آمال ساكني الحدود، خاصة الأسر المعنية، وكذا فتح الطريق لتدفق السلع التي تشكل اليوم موضوع حركة غير قانونية وتهريب علني.

وأضاف البلاغ، الذي توصلت وكالة المغرب العربي للأنباء بنسخة منه، يوم الخميس الماضي، أن المملكة المغربية تجدد إرادتها لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين الجارين، آخذة بعين الاعتبار ماضيهما ومصيرهما المشتركين.

وفيما يلي نص البلاغ: “أثارت السلطات العليا بالجزائر في الأسابيع القليلة الماضية مسألة الحدود مع المغرب، حيث أشارت في هذا الصدد إلى أن هذه الأخيرة لا يمكن إعادة فتحها في الوقت الحاضر بسبب العراقيل المرتبطة بالظروف التي أدت إلى إغلاقها.

وتثير بعض التصريحات التي أدلت بها السلطات الجزائرية أسبقية التوصل إلى تسوية نهائية للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.

وفي هذا الصدد تود المملكة المغربية تقديم التوضيحات التالية:

1 – إن إغلاق الحدود كان بقرار أحادي من الجزائر في سنة 1994، في سياق مناخ دولي وإقليمي وثنائي، أصبح اليوم متجاوزا.

2 – إن إغلاق الحدود بين البلدين الشقيقين يشكل اليوم حالة فريدة واستثنائية في العالم، ويتعارض مع تطلعات الشعوب المغاربية وانتظارات شركائهم والمتطلبات الإقليمية للسلم والتنمية.

3 – اتخذت المملكة المغربية في هذا السياق سنتي 2004 و2005 العديد من المبادرات الموجهة نحو المستقبل، تهدف إلى تشجيع تطبيع العلاقات الثنائية، وإعطاء انطلاقة جديدة فعلية لبناء المغرب العربي. وقررت المملكة المغربية في هذا الإطار إلغاء إجراءات تأشيرة الدخول على الرعايا الجزائريين الأشقاء عشر سنوات بعد فرضها، ونوهت بالقرار المماثل التي اتخذته السلطات الجزائرية معربة عن أسفها أن الحدود بقيت منذ ذلك الوقت مغلقة.

4 – تجدد المملكة المغربية إرادتها لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين الجارين، آخذة بعين الاعتبار ماضيهما ومصيرهما المشتركين.

5 – وفي هذا الإطار تدعو المملكة المغربية بروح من الصداقة الأخوية والصدق الكامل إلى تطبيع العلاقات الثنائية وفتح الحدود بين البلدين، وهكذا يمكننا الاستجابة لتطلعات الشعبين الجلية التي تجمع بينهما قواسم مشتركة وتحقيق آمال ساكني الحدود خاصة الأسر المعنية، وكذا فتح الطريق لتدفق السلع التي تشكل اليوم موضوع حركة غير قانونية وتهريب علني.

(المصدر: صحيفة المغربية بتاريخ 22 مارس 2008)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية