حديث “التهدئة” بين قبضة إسرائيلية حديدية وتشتت فلسطيني مزمن
يطُـول الحديث عن مشروع التَّـهدِئة المُـرتقبة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية بزعامة حركة حماس الإسلامية كثيرا، لكن تفاصيل القضية غير المُـعلنة، ربما تؤسِّـس لاتِّـفاق لن يعمِّـر طويلا.
ولا يكفي النِّـظر مَـلِـيا في نُـسخة المُـقترَح المكتوب، الذي أعلنته حماس ولم توافِـق عليه إسرائيل حتى الآن، للخروج بأجوبة شافِـية حول ماهية المشروع المُـقترح، بل إن الأمر بتطلّـب استِـدعاء عناصِـر محلية وإقليمية أيضا.
وليس غريبا أن تكون مَـصر، الرّاعية لهذه المفاوضات، وهي القريبة من جميع الأطراف، إذ ثمّـة عناصِـر مصرية محلية تقف أيضا وراء استعدادها لبذل كلّ ما هو مطلوب، حتى تسكت أصوات المَـدافِـع على مُـختلف الجبهات.
وخلال الأشهر الماضية، أخذت القضية أبعادا وصِـيَـغا مُـختلفة ومُـتناقضة، حملت في طيَّـاتها عناصِـر تحتاج إلى مزيد من التوضيح، لاسيما ميزان الرّبح والخسارة لكل طرف وقُـدرة الفلسطينيين على الخروج بإنجاز يستحِـق الثَّـمن المدفوع مُـسبقا.
وفي مسألة الثّـمن المدفوع، يخرج إلى السَّـطح مأزق الانقِـسام الفلسطيني الحالي والتَّـبعات التي تفرضُـها الاحتمالات القوية لفَـشل مفاوضات السلام، التي تقودها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل.
يُـضاف إلى ذلك، تداعِـيات السنوات الأخيرة جميعا وتأثيرها المُـباشر على قُـدرة السلطة الفلسطينية المُـنهَـكة، وتراجعها إزاء انسداد آفاق التّـسوية السياسية وثبات حماس كند قوي، بالرّغم من الحِـصار المفروض عليها.
ولعل حديث التّـهدئة الجاري يصُـبُّ مباشرة في عناصِـر القوة والضّـعف لدى حركة حماس ورغبتها في الاستمرار، دون الثمن الباهِـظ الذي يدفعه قِـطاع غزّة جرّاء الحِـصار مباشرة، ونتيجة عملية القتل اليومي الذي تُـمارسه إسرائيل.
وعلى خلفِـية هذا الوضع المعقَّـد، يتوجّـب النَّـظر إلى مسألة التَّـهدِئة على أنها جزء مركّـب غير بسيط، من كُـلّ مُـركّـب غير واضح يسير استنادا إلى مجموعة من الاعتبارات الفلسطينية والإسرائيلية والمصرية والإقليمية المختلطة.
السِـرّ في الاسم
ولما كانت المسألة على هذا المستوى من الغموض والالتباس، كان لابد من اختيار اسم قادِر على إخفاء النَّـوايا الحقيقية، ألا وهو التّـهدئة أو “دي اسكلايشن” بالانجليزية، إذ مع مثل هذا الاسم، يمكن للجميع الالتزام أو النكوص.
ويقول اللِّـواء المُـتقاعد واصف عريقات في حديث إلى سويس انفو “التَّـهدئة ليست سوى تلاعب في الألفاظ، وهي جُـزء من الهُـدنة، وليس في الأمر سوى استِـخدام مُـصطلحات جديدة للتغطية على الحقيقة”.
وأضاف “التَّـهدئة على عكس وقف إطلاق النار، ليس فيها ما يُـمكن أن يلزم أحدا وليس هناك وجود لطرف ثالث ليُـراقب، وإسرائيل تريدها لأنها لن تلتزم بها إذا شاءت”.
ويرى اللِّـواء عريقات أن إسرائيل “تعمَـل فقط على استِـخدام الحديث عن التَّـهدئة مع مواصلة اعتداءاتها ومَـجازِرها، لأنها تريد فقط كسب الوقت حتى موعِـد احتفالاتها بذكرى قيامها الستين، ثم تريد الدّخول في مرحلة جديدة لا يُـمكن تحديدُ معالِـمها”.
وتطرح التّـهدئة التي تتحدّث عنها حماس، وقفا لإطلاق الصواريخ على إسرائيل، مقابل رفع الحِـصار عن غزّة وفتح المعابِـر ووقف الاعتداءات الإسرائيلية، لكن مسألة رفع الحِـصار تظلّ في مهبِّ الريح، لاسيما مع الموقف الإسرائيلي.
ومن جانبها، تقول الرئاسة الفلسطينية، إن حماس تسعى من خلال هذه التَّـهدئة، إلى تعزيز موقِـعها لدى الجمهور الفلسطيني من خلال التَّـهديد باقتِـحام معبَـر رفَـح على الحُـدود المصرية والضغط لإنهاء الحِـصار عن القطاع.
موقف السلطة الفلسطينية
وقد أسهمت عملية الضّـغط، التي تمارسها حماس على الحُـدود مع مصر، في خلقِ قلَـق مَـصري داخلي، دفع السلطات المصرية إلى بذل كلّ جُـهدها لتحقيق الهُـدنة، خِـشية أن يتِـم اختراقٌ جديد للحُـدود، ويدفع مصر إلى موقِـف لا تُـحسَـد عليه، وهو جُـهد امتَـدّ إلى الحُـصول على “تفويض كامل” من السلطة الفلسطينية ورئاستها في سبيل تحقيق هذه الهدنة. ويشير هذا التفويض، الذي حصلت عليه مـصر، إلى الموقف المربك والضّعيف للسلطة الفلسطينية من مسألة الهُـدنة.
السلطة الفلسطينية لا تستطيع، بحكم خِـصامها والانقسام مع حماس، أن تلعَـب دورا أساسيا في عملية الهُـدنة، ولا هي كذلك قادِرة على التخلِّـي عن هذا الدّور، لاسيما وأنها تقول إنها ممثلة الفلسطينيين وتقود مُـفاوضات سلام تستدْعي أيضا تثبيت التّـهدئة.
ويقول أحمد غنيم، عُـضو المجلس الثوري لحركة فتح في حديث لسويس انفو: “الجهود الدولية والإقليمية المتعلِّـقة بالهُـدنة هي جهود تحترمها كل الأطراف، لكن مسؤولية التوصُّـل إلى هُـدنة، ليست متعلِّـقة بالطّـرف الفلسطيني فقط، وإنما متعلِّـقة بالموقف الإسرائيلي”.
وأضاف “بالنسبة لحماس، فهي مُـطالبة باتخاذ موقِـف متقدّم حِـيال الوحدة الوطنية، لاسيما وأن الرئيس محمود عباس أعلن أنه مُـستعد للحِـوار، إذا ما قبِـلت حماس المبادرة اليمنية”.
لكن حماس ماضية في مُـحادثات الهُـدنة، في الوقت الذي لا تستطيع فيه السلطة الفلسطينية القيام بأي خُـطوة من شأنها أن تخرِّب جهود التهدئة، وبالتالي، تضيف إلى خراب جُـهودها في المفاوضات.
وما بين مُـصطلحات الهُـدنة والتَّـهدئة ووقف إطلاق النار، يبقى الأمر الواقع على الأرض واضحا: إسرائيل تُـواصل إحكام قبضَـتها على الفلسطينيين وحماس تنتظِـر تعزيز دورها، في حين يتعزّز الانقسام الفلسطيني شيئا فشيئا في انتظار هُـدنة لن تدوم، إذا ما تحقّـقت، سوى برهة من الزّمن.
هشام عبدالله – رام الله
القاهرة (رويترز) – قالت حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية يوم الثلاثاء 29 أبريل، إن أي هُـدنة مُحتملة مع إسرائيل لن تقيد حقّها في الردّ على أي ضربات تنفِّـذها الدولة اليهودية في الضفة الغربية.
وقال أبو عماد الرفاعي – وهو عضو كبير في حركة الجهاد الإسلامي – إن الجماعة أبلغت الوسطاء المصريين أنها وافقت بشروط على اقتراح لحركة حماس بخصوص هدنة مع إسرائيل تبدأ في قطاع غزة.
وأضاف لرويترز في القاهرة بعد محادثات مع رئيس المخابرات المصرية عمر سليمان “وافقنا على التّهدئة في غزة.. هذه الموافقة مشروطة بأنه أي عدوان إسرائيلي على مجاهدينا وشعبنا في الضفة الغربية، سواء بالاغتيال أو المجازر، سوف يكون لنا موقِـف، ونحن لنا كامِـل الخيار بالردّ على هذه المجازر”
وكانت حركة المقاومة الإسلامية حماس قالت، إن مدّ الهُـدنة إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، يمثل “خيارا”.
ودعت مصر 12 جماعة فلسطينية لإجراء محادثات لتحقيق إجماع بشأن اقتراح حماس الأسبوع الماضي، هُـدنة بين إسرائيل والفلسطينيين لمدّة ستة أشهر. وقالت حماس، التي تُـسيطر على قطاع غزّة، إن الاقتراح سيتضمّـن أيضا إنهاء حِـصار تقودُه إسرائيل للقطاع.
ورفضت إسرائيل الاقتراح بوصفِـه مخطّـطا من جانب حماس لكسب الوقت والإعداد لمزيد من المعارك.
وقال أبو عدنان البابا، عضو القيادة المركزية للِـجان المقاومة الشعبية، إن جماعته وافقت على إسقاط شرط أن تبدأ الهُـدنة في غزّة والضفة الغربية في نفس الوقت، وأضاف البابا أن لِـجان المقاومة الشعبية – وهي تحالُـف لفصائل تشمل أجنحة عسكرية تطلق الصواريخ على إسرائيل – ستبقي عينيها مفتوحة وتحدّد كيفِـية التعامل مع الوضع في حينه إذا شنت إسرائيل عمليات عسكرية في الضفة الغربية.
وقال رمزي رابح، العضو الكبير في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، إن جماعته أبلغت سليمان أن الهُـدنة يجب أن تبدأ في كل الأراضي الفلسطينية، وأضاف “مصر قالت نحن نتفهَّـم موقفكم”.
وقال ناصر عزّت، العضو الرفيع في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إن جماعته تتشكِّـك في جدوى أي هُـدنة مع إسرائيل، لكنها لن تخرق الإجماع الفلسطيني.
وقال عزّت “بالنسبة للجبهة الشعبية، موضوع التّهدئة مبدئِـي، لا نراه موقفا صائبا ما دام هناك احتلال”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 29 أبريل 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.