حرب الخليج الثالثة؟
تشير الدراسات الحربية والدفاعية، إلى أنه فيما يتعلق بتحليل احتمالات وقوع أي حرب، لا يجب الاعتداد كثيرا بالتهديدات، وإنما بالتحرّكات العسكرية التي تجري على الأرض
وما يتم في ساحة العمليات المحتملة حول العراق في الوقت الحالي، يشير إلى أن ما يجري فعليا، هو عملية أقرب إلى إعداد مسرح العمليات لحرب محتملة منها إلى عملية حشد قوّات لحرب تم تحديد موعد لشنّـها
لم تبدأ عملية نشر القوّات – بالمفهوم التقليدي الذي شهدته المنطقة قبل حرب الخليج عام 1991 – بعد، رغم أن عدد القوّات الأمريكية المتواجدة في المنطقة حاليا حول العراق ربّـما يتجاوز 25 ألف جندي.
إن حرب الخليج لعام 1991 التي نفّـذها تحالف دولي واسع النطاق بقيادة الولايات المتحدة، لم تكن تستند فقط على خطة عمليات عاصفة الصحراء التي بدأ تطبيقها يوم 17 يناير 1991، وإنما أيضا على خطة أخرى أكثر تعقيدا استغرق تنفيذها أكثر من ستة أشهر تحت إسم “درع الصحراء”، تمّ خلالها حشد ما يناهز 500 ألف جندي، وتبيّـن ،خلالها أن مشكلات الحشد لا تقـلّ تعقيدا عن مشاكل الحرب، سواء فيما يتعلق بطاقة قدرات النقل الاستراتيجي للوحدات والمعدات أو لمواقع انتشار القوّات وأساليب الإمداد والتموين والتنسيق مع “الدول المتحالفة”.
وبالطبع، لا يجوز افتراض أن حربا أخرى ضد العراق سوف تتطلب تكرار مثل هذه العملية بنفس خطواتها ومداها الزمني. فخبرة درع الصحراء الأولى وترتيبات ما بعد نهاية الحرب السابقة، ستمارس تأثيرات هامة.
فهناك حاليا قـوّات أمريكية كبيرة منتشرة بالفعل في الخليج (6000 في المملكة العربية السعودية و6000 في الكويت) وكذلك عمان وفي الجوار حول وداخل أفغانستان، إضافة إلى المياه المحيطة وقاعدة دييغو غارسيا، فضلا عن قيادة القوات الجوية والأسطول الخامس المرابطة في المنطقة.
لكن ذلك قد يُسهّـل عملية نشر القـوّات، مع اختصار مُدّتها، وقد يحدّ من أثر العوامل التي تُسبب “تأخيرات”. إلا أنه لن يختصر المجهود اللاّزم لها، خاصة وأنه يتم الحديث عن حرب تلعب فيها القـوّات البرية دورا رئيسيا.
في ظـلّ تلك الملابسات، توجد ارتباكات تحليلية حادّة. فإذا تمّ الاعتماد على السيناريوهات المطروحة حاليا للعملية العسكرية القادمة، على ضوء خبرة حرب الخليج 1991، فإن النتيجة المؤكدة هي أنه، بصرف النظر عما يقال بشأن توقيت أو سيناريو “العمل العسكري الأمريكي” المحتمل ضد العراق، يؤكد ما يدور عمليا أن الوقت لا يزال مبكّـرا للحديث عن حرب ضد العراق. فبوتيرة العمل الحالية، ربما لا يمكن بدء العمليات إلا في ديسمبر القادم.
سيناريوهات متعددة
لكن، إذا كانت وزارة الدفاع الأمريكية تفكر في خطط عسكرية غير تقليدية، لا تلعب فيها القـوّات البرية سوى أدوارا رئيسية إلى جانب القـوّات الجوية والقـوّات الخاصة والصواريخ المختلفة و”النشاطات السرية” وعناصر المعارضة العراقية، ربما لا يتطلب الأمر عملية حشد على غرار “درع الصحراء” في ظل إمكانية زيادة العدد الحالي للقـوّات إلى 50 ألف جندي خلال وقت قصير، خاصة وأن ما يجري في إطار عملية إعداد المسرح الحالية، يؤكد أيضا أن القوات الأمريكية لن تواجه مشكلات عسكرية حادة في نشر قـوّاتها بالصورة التي تتيح لها تنفيذ معظم السيناريوهات التي تسرّبت إلى الإعلام خلال الأسابيع الأخيرة. فالطريق إلى بغداد أصبح مفتوحا تقريبا من اتجاهات الكويت في الجنوب، وتركيا في الشمال، وربما الأردن في الغرب.
إن المؤشرات المتصلة بعملية الإعداد الأمريكية الراهنة لمسرح العمليات، تمهيدا للحرب المحتملة ضد العراق، تدفع في اتجاهات تتصل بالاحتمالين السابقين معا، وإن كانت تميل إلى ترجيح الاحتمال الأول، إلا إذا كانت هناك تفاهمات شديدة “الخصوصية” قد جرت بين الولايات المتحدة وكل من تركيا والأردن وقطر وعمان.
فعمليات الإنشاء المكثّـفـة التي تجري في قاعدة العديد الجوية في قطر، والتي تحولت فيما يبدو إلى قاعدة عسكرية بديلة لقاعدة الأمير سلطان الجوية في المملكة العربية السعودية والتي كانت تضم مابين 5000 و 6000 جندي و40 مقاتلة متعددة المهام، ويوحي طول بعض الممرّات التي يتم بناؤها، بأنها قد تُستخدم لانطلاق قاذفات ثقيلة. لكن التوقعات تشير إلى أن عمليات توسيع القاعدة لن تنتهي سوى في نهاية العام الحالي.
كما أن المناورات العسكرية الأمريكية التي تجرى بالتعاون مع الأردن، ويشارك فيها حوالي 4000 جندي أمريكي – وهو عدد كبير من القوات – على مدى ثلاثة أسابيع، تكتسب أهمية خاصة أيضا. فعلى الرغم من أن الجانب الأردني يؤكد أنها “لا تستهدف العراق” وأن القوات الأمريكية ستغادر فور انتهائها، فإن تدريبات تجرى بالقرب من غرب العراق، في صحراء مشابهة للصحراء العراقية، تكتسب أهمية قصوى، في ظل أن كل السيناريوهات المطروحة للحرب تتضمن دورا للقوات البرية، خاصة وأن كثيرا من الطرق البرية الأخرى الموصلة إلى بغداد، لا تزال مغلقة سياسيا.
موقف الأكراد
وهناك بوادر تحولات هامة في المواقف الكردية إزاء المشاركة في العمليات العسكرية الأمريكية. فقد كان الاتجاه السائد في الأوساط الكردية، هو أن خطأ عام 1991 لن يتكرر، وأن أمن “الأكراد” يقتضى عدم التورط في رهانات مكلفة، خاصة وأنهم لا يمتلكون قوة مسلحة على غرار “تحالف الشمال” في أفغانستان، ولن تقبل تركيا تسليحهم ببساطة.
لكن الأفكار التي طرحها في أنقرة “بول وولفويتز” مساعدوزير الدفاع الأمريكي، بشأن تسليح تركمان شمال العراق والتحول المفاجئ في موقف جلال طالباني – المقرب من تركيا – بشأن المشاركة في عملية إسقاط النظام السياسي في العراق، تشير إلى تطورات هامة من الاتجاه التركي – الكردي.
في الوقت نفسه، تشير تقارير مؤكدة إلى استعدادات أمريكية لعملية نقل واسعة النطاق لقوات ومعدات وذخائر إلى الشرق الأوسط. فقد ذكرت مصادر بعض شركات النقل البحري أن البحرية الأمريكية قامت بتجديد عقود استئجار السفن البحرية مع عدد من الشركات الأوروبية، مع استئجار سفن ضخمة جديدة لنقل طائرات هليوكوبتر وآليات ومعدات عسكرية وذخائر من الأراضي الأمريكية وأوروبا إلى قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، علما بأن 95 في المائة من عمليات نقل المعدات والأفراد خلال عملية درع الصحراء قد تمّـت بحرا.
في إطار كل ذلك، تكتسب الالتباسات المشار إليها أهميتها. فالتحرّكات العسكرية الحالية لا تتم بالمعدل المتصور لشن حرب تهدف إلى إسقاط نظام سياسي، بما يتضمنه ذلك من مواجهات قد تكون طويلة المدى، لا تُقارن بما حدث في عملية إسقاط حركة طالبان في أفغانستان، خاصة وأن الأمر كله أقرب إلى تدخل عسكري منه إلى “ضرب” بمفهوم عام 1991، فما سيحدث هو عملية ذات شقّـين، ترتبط بإزاحة النظام القائم ثم إقامة نظام جديد على أنقاضه كما حدث في كوسوفو وأفغانستان.
لكن أيضا، هناك ألعاب حرب كثيرة يمكن أن تمارس، كإمكانية بدء الضربات الجوية واستكمال الحشد في إطارها، وتنفيذ خطط عسكرية غير تقليدية على غرار “بغداد أولا”، أو استهداف الرئيس العراقي، وليس قـوّاته أو مؤسّساته من البداية أو تنشيط كل أنواع العمليات السرية داخل العراق مرة واحدة لإرباك النظام وإسقاطه من الداخل. فأبعاد التحرّكات العسكرية الحالية حول العراق تجعل كل الاحتمالات مطروحة.
محمد عبد السلام – القاهرة
لا يجوز افتراض أن حربا أخرى ضدّ العراق سوف تتطلّـب تكرار الاستعدادات التي سبقت حرب تحرير الكويت بنفس الخطوات ومداها الزمني
هناك حاليا قوات أمريكية منتشرة في عدد من دول الخليج إلى جانب القوات العاملة في أفغانستان وتلك المتواجدة في المحيط الهندي وقاعدة دييغو غارسيا
لا يزال مبكّـرا الحديث عن حرب وشيكة ضد العراق. فبوتيرة العمل الحالية لا يمكن بدء العمليات قبل شهر ديسمبر المقبل
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.