مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“حرب المياه” تنتظر يوما آخر؟

Keystone

"لبنان ربح جولة في حرب المياه مع إسرائيل، لكنه لم يربح الحرب". هكذا رأى المحللون السياسيون إلى نجاح لبنان يوم الأربعاء في تشغيل مضخات المياه على نهر الوزّاني، برغم معارضة إسرائيل العنيفة وتلويحها بالحرب.

من جهة ثانية، تضمن الاحتفال الرسمي والشعبي بمناسبة تدشين ضخ المياه، مفاجأتين…

المفاجأة في الاحتفال الرسمي والشعبي الذي أقيم يوم الأربعاء 16 أكتوبر لتدشين ضخ المياه، والذي شارك فيه كل القادة السياسيين اللبنانيين المسيحيين والمسلمين، كانت في الواقع مفاجأتين: الأولى، غياب دبلوماسيي السفارة الأمريكية الذين دعوا إلى المهرجان جنبا إلى جنب مع الدبلوماسيين الأوروبيين والروس (الذين شاركوا فيه)، والثانية، الحضور غير المقرر للرئيس اللبناني إميل لحود.

وقد أكد لحود نفسه في وقت لاحق، أنه قرر المشاركة كرد على مقاطعة واشنطن، التي كان بيان السفارة الأمريكية برّرها بأنها “جاءت تمشّيا مع موقفنا الرافض لعمل منفرد لأي من الطرفين، من شأنه تقويض الجهود للتوّصل إلى تفاهم حول مسألة المياه”.

ظلال كثيفة

هذا الموقف الأمريكي ألقى بظلال كثيفة من الشكوك حول ما قد يحمله المستقبل للبنان، في إطار حروب المياه التي تتوقع الكثير من الدراسات أن تكون السبب الرئيسي للحروب في الشرق الأوسط.

فبرغم أن الحكومة اللبنانية نجحت، وللمرة الأولى منذ العام 1948 (أي منذ قيام الدولة العبرية) في الحصول على ما تعتبره بعض حقوقها في مياه الأنهر التي تنبع في أراضيها. وبرغم أن هذا ترجم نفسه زيادة حصتها من 7 ملايين متر مكعب إلى 11 مليون متر مكعب لري 25 قرية، إلا أن هذا الإنجاز قد يكون مهددا لاحقا بردود الفعل الإسرائيلية.

ومعروف أن نهر الوزاني ينبع في لبنان ثم يسير نحو الميلين، قبل أن يدخل إسرائيل ليصب في نهر الأردن ومن ثم بحيرة طبريا. وهذه البحيرة تعتبر خزان المياه الطبيعي الوحيد في الدولة العبرية.

ويقول لبنان، انه يحق له وفق المواثيق الدولية أن يحصل على 55 مليون متر مكعب من الوزاني. هذا في حين تذكر إسرائيل بأن ثمة إتفاقا تم التوصل إليه قبل عام 1967، ينص على انه لا يحق للبنان سوى سحب أقل من عشرة ملايين متر مكعب سنويا من النهر.

الآن، ماذا عن نجاح لبنان في تحدي الموقف الإسرائيلي؟

خبطة ذكاء

يميل المراقبون في بيروت إلى الاعتقاد أن كل ما جرى حول الوزاني، كان من ألفه إلى الياء “خبطة ذكاء” لبنانية. إذ استفاد اللبنانيون من حقيقة انشغال واشنطن في التحضير لحرب العراق، وبالتالي رغبتها القوية بعدم فتح جبهة جديدة في الشمال بين لبنان وإسرائيل قد تؤثر على هذه التحضيرات، لزيادة مواردهم المائية.

وثمة حقيقة أخرى ساعدتهم على تحقيق هذه “الخبطة”، وجود قدرة حقيقية لدى “حزب الله” للرد على أي محاولة إسرائيلية لوقف العمل في إقامة المضخات على ضفاف الوزاني. وكان الأمين العالم للحزب حسن نصر الله هدد عشية تدشين ضخ المياه بالرد على إسرائيل “خلال دقائق” إذا ما دمّرت المنشآت المائية اللبنانية. لا بل قالت مصادر في الحزب لـ “سويس انفو” إن اللائحة التي وضعها هذا الأخير للمواقع الإسرائيلية التي كان ينوي قصفها، تضمنت العديد من المشاريع المائية الإسرائيلية في منطقة الجليل الأعلى.

بيد أن هؤلاء المراقبين أنفسهم يعربون عن قناعتهم بأن تل أبيب، التي سكتت على مضض في هذه المرحلة، ستنتظر الفرصة الدولية الملائمة لإعادة فتح ملف المياه على مصراعيه مع لبنان. وهي ستكون مستعدة بالفعل للدخول في حرب مع كل من حزب الله ولبنان وسوريا معا لفرض شروطها المائية عليهم.

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي شيمون بيريز ألمح إلى هذه المسألة، حين أبلغ الكنيست يوم الأربعاء 16 أكتوبر أن “الخطوة الانفرادية اللبنانية ستؤدي إلى تصعيد كبير مع إسرائيل. ونحن نحتفظ بحقنا بحماية مواردنا المائية وفق القانون والقانون الدولي”.

وفي الوقت ذاته كانت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية تنسب إلى مصادر في تل أبيب قولها إن “الأمريكيين يقفون إلى جانب الإسرائيليين في هذه المسألة، لأنهم لا يريدون إغضاب أرئيل شارون (رئيس الوزراء الإسرائيلي).

بالطبع، المسؤولون اللبنانيون ليسوا غافلين عن هذه الوقائع. وهم لذلك لم يبالغوا في استغلال “الفرصة” الإقليمية – الدولية التي سنحت لهم، فبقيت الحصة التي نالوها من الوزاني تحت مستوى “الخطوط الحمر”. كما أن نبيه بري، رئيس مجلس النواب اللبناني، كان يشير ضمنا إلى مخاوف لبنان غير المُعلنة مما قد يحمله الغد في صراع المياه، حين طالب الأمم المتحدة برسم “خط أزرق” مائي، أسوة بالخط الأزرق الترابي الذي رسمته بين لبنان وإسرائيل غداة انسحاب هذه الأخيرة من لبنان في 24 مايو من عام 2000.

هل عرفنا الآن لماذا قال المحللون بأن لبنان كسب معركة لا الحرب؟

سعد محيو – بيروت

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية