مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حرية التنقل بين إجراءات التشاور وتهديد الإستفتاء

Keystone

منحت الحكومةُ السويسرية الأوساطَ المعنية مهلةً إلى 27 فبراير القادم لإبداء رأيها حول توسيع اتفاقية حرية تنقل الأشخاص لتشمل العضوين الجـديدين في الاتحاد الأوروبي، بلغاريا ورومانيا.

ومازال اليمين المتشدد، بزعامة حزب الشعب و”منظمة العمل من أجل سويسرا مستقلة ومحايدة”، يرفع سلاح الاستفتاء الشعبي للتصدي لتوسيع تطبيق الاتفاق. ولا يبدو أنه سيدخر جهدا لمحاربة السياسة الخارجية لبرن، خاصة مع الاتحاد الأوروبي.

يوم الأربعاء 30 يناير الجاري في برن، وضعت الحكومةُ السويسرية للتشاور البروتوكولَ الإضافي للاتفاق المبرم مع الاتحاد الأوروبي حول حرية تنقل الأشخاص. وكما أُعلن يوم الثلاثاء 30 يناير في بروكسل، سيتم فتح سوق العمل السويسرية أمام المواطنين البلغاريين والرومانيين بصفة تدريجية ومنضبطة (أي أنها خاضعة للمراقبة).

فقد أعطت مجموعة “الرابطة الأوروبية للتبادل الحر (إيفتا)” في الاتحاد الأوروبي، التي تدير العلاقات مع سويسرا والنرويج وأيسلندا وإمارة الليختنشتاين، يوم 23 يناير الضوء الاخضر لحل يوافق كافة الأطراف. لكن ذلك الحل لا يتلائم بالضبط مع المطالب التي عبرت عنها سويسرا في جلسة مفاوضاتها الاخيرة مع بروكسل في 12 ديسمبر الماضي.

وسيمكن لسويسرا، وفقا للاتفاق الجديد، الحفاظ على جملة من القيود (نظام الحصص، وإعطاء الأولوية للعمال السويسريين، ومراقبة الأجور، وتحديد شروط العمل) لمدة سبع سنوات بعد دخول النص حيز التطبيق. وقد تم تحديد حصص تدريجية سنوية لتراخيص الإقامة، إذ سترتفع التصاريح قصيرة المدى (إلى سنة) من 3620 في العام الأول إلى 11664 في العام السابع، والتصاريح طويلة المدى (إلى خمس سنوات) من 362 إلى 1207.

شرط الوقاية

وبعد انتهاء صلاحية هذا النظام الانتقالي لمدة سبع سنوات، سيسمح شرطُ وقاية أحادي الجانب لبرن، في حال تدفق ضخم للعمال القادمين من هذين البلدين، بإعادة اعتماد نظام الحصص لمدة ثلاث سنوات إضافية.

سويسرا، التي كانت تأمل في البداية الحصول على مهلة إضافية لمدة خمس سنوات بسبب ضغط هجرة يفترض أن يكون أقوى من بلغاريا ورومانيا، ضحـّت برغبتها حول هذه النقطة. في المقابل، حصلت على ألا يدخل توسيع اتفاق حرية تنقل الأشخاص حيز التطبيق إلا بعد التصديق عليه من قبل الأطراف المعنية، وليس بأثر رجعي اعتبارا من يناير 2007.

وفي هذا السياق، ذكّرت صحيفة لوتون الصادرة بالفرنسية في جنيف يوم الخميس 31 يناير الجاري أن برن كانت ترغب في ضمان صيغة “سبعة زائد خمسة”، أي سبع سنوات من نظام الحصص متبوعة بخمس سنوات يمكن إدارتها بـ “شرط الوقاية”. وكان يُفترض أن تُحتسب هذه الفترة انطلاقا من عام 2007، تاريخ انضمام بلغاريا ورومانيا إلى الاتحاد الأوروبي، أي أن نظام الحصص كان سيتواصل إلى عام 2014 وشرط الوقاية إلى 2019.

لكن ممثلي الاتحاد، مثلما تشرح الصحيفة، فضلوا صيغة “سبعة زائد ثلاثة” تُحتسب اعتبارا من سنة المصادقة التي لا يمكن أن تتم قبل صيف 2009، وبالتالي ستتواصل الفترة الإنتقالية الخاضعة للقيود إلى 2019، أو إلى ما بعد، إذا ما تاخرت عملية المصادقة.

“نتيجة أفضل مما كان متوقعا”

توماس دوم، مدير اتحاد أرباب العمل السويسري أعرب عن اعتقاده بأن نتيجة المفاوضات مع بروكسل جاءت أفضل مما كان متوقعا. ولاحظ أن “الفترة الانتقالية قد تبدأ إذن في خريف 2009 على أقرب تقدير”. ويعتبر اتحاد أرباب العمل الاتفاق “إيجابيا” عموما، إلى جانب الحزب الراديكالي والحزب الديمقراطي المسيحي.

وسيـُعرض توسيع اتفاق حرية الأشخاص على البرلمان الفدرالي اعتبارا من الربيع القادم، جنبا إلى جنب مع التجديد العام للاتفاق المبرم لفترة أولية مدتها سبعة أعوام الذي يخضع للتشاور إلى نهاية فبراير القادم.

وقد يـُدعى الشعب السويسري إلى صناديق الاقتراع يوم 17 مايو 2009، نظرا لتهديدات اليمين المتشدد بطرح استفتاء شعبي حول الموضوع. وقد أكد حزب الشعب السويسري يوم الأربعاء 30 يناير من جديد عزمه على إطلاق استفتاء مُزدوج: ضد تجديد اتفاق حرية تنقل الأشخاص، وضد توسيع الاتفاق ليشمل رومانيا وبلغاريا. وستقول جمعية مندوبي الحزب كلمتها النهائية الصيف القادم على أقصى تقدير.

سلاح الاستفتاء …

وفي تصريحات لوكالة الأنباء السويسرية يوم الأربعاء، ربط غريغور روتس، الامين العام لحزب الشعب، وهانس فير، مدير “منظمة العمل من أجل سويسرا مستقلة ومحايدة” المصير الذي يرسمه كلاهما لتمديد حرية تنقل الأشخاص إلى رومانيا وبلغاريا بالحفاظ على السيادة الضريبية لسويسرا.

ويعتبر فير الاتفاق غير كاف إذ قال:”إن الفترة الانتقالية لمدة 7 سنوات وشرط الوقاية الذي يتواصل 3 سنوات هما ذات الإجراءين المطبقين على الدول العشر الأخرى التي التحقت مؤخرا بالاتحاد”، منوها إلى أن الحكومة الفدرالية “كانت تقول دائما إن خطر الهجرة من رومانيا وبلغاريا أهم بكثير، نظرا للفرق في مستوى المعيشة (بين سويسرا والبلدين)، وبالتالي فإن هذا القرار غير منطقي”.

وقد نوهت صحيفة “لوتون” إلى أن “منظمة العمل من أجل سويسرا مستقلة ومحايدة”، التي تعتزم تكريس جهودها حاليا لاطلاق مبادرتها الشعبية الهادفة إلى توسيع الحقوق الشعبية في مجال المعاهدات الدولية في منتصف مارس القادم، لم تتخذ بعد موقفها من هذه القضية، لكن مديرها يطرح، بصفة شخصية، ثلاثة شروط مقابل التخلي عن طرح الاستفتاء: فرض “شرط وقاية” غير محدود الصلاحية، التزام بلغاريا ورومانيا باستعادة رعاياها المجرمين، واحترام الاتحاد الأوروبي للسيادة الضريبية لسويسرا.

وتشدد الصحيفة على أن حزب الشعب سيعتمد بالتأكيد هذا الشرط الأخير، خاصة بعدما أعلن أنه “سيقدم يوم الجمعة 1 فبراير أول عينة من سياسته المُعارضة على شكل معركة ضد السياسة الخارجية للحكومة الفدرالية وخاصة الاتحاد الأوروبي”. وتضيف “لوتون” بشيء من التهكم “يصعب تصور أتباع كريستوف بلوخر (وزير العدل والشرطة السابق الذي أطاح به البرلمان الفدرالي يوم 12 ديسمبر الماضي) وهم يحرمون نفسهم من متعة رفع سلاح الاستفتاء”.

… وشبحُ المقصلة

أما اتحاد النقابات السويسرية، الذي يعتبر هذا الاتفاق “مقبولا”، إلى جانب الحزب الاشتراكي، فيعتقد أن الاستفتاء ليس مسألة جوهرية في الوقت الراهن. لكن دانييل لامبار، رئيس الخبراء الاقتصاديين في الاتحاد، نوه إلى أن اتحاد النقابات السويسرية يشترط تعزيز الإجراءات المُرافقة لتطبيق الاتفاق التي يجري التفاوض بشأنها حاليا مع الإدارة الفدرالية ومنظمات أرباب العمل.

وأضاف لامبار في تصريحاته لوكالة الانباء السويسرية يوم الأربعاء 31 يناير أن اعتماد شرط خاص أمر حيوي، لأن هذا الشرط يُفترض أن يسمح باعتماد الحصص لدخول سوق العمل السويسري في حال تدفق كبير للعمال البلغاريين والرومانيين. وأضاف في هذا الصدد: “سيكون من الضروري مراقبة التحركات داخل سوق العمل لأن الخطر كبير. فالأجور في رومانيا وبلغاريا أقل بعشر مرات من سويسرا(…)

وتظل المخاطر التي يمكن أن تنجم عن الفشل في التوصل إلى اتفاق في هذا الملف كبيرة جدا نظرا لـ “بند المقصلة” الذي يربط الاتفاقيات الثنائية الأولى بين سويسرا والاتحاد الأوروبي. وقد يفسد تصويت الشعب السويسري بـ”لا” يوم 17 مايو 2009، في حال طرح استفتاء، حزمة الاتفاقيات برمتها، أو حتى بعضا من اتفاقيات الحزمة الثانية مثل اتفاقية شنغن ومعاهدة دبلن.

عملية قد تكلف برن 250 مليون فرنك

مارتان هيسبرونر، رئيس قسم “حرية التنقل” في المكتب الفدرالي للهجرة اعتبر أن التسوية التي توصلت إليها برن وبروكسل “مقبولة”.

ونظريا، يفترض أن يسمح توقيع البروتوكول بالاحرف الأولى من قبل المفوضية الاوروبية (الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي) والسلطات السويسرية، باطلاق المفاوضات حول ملف حساس آخر: مساهمة مالية جديدة من قبل سويسرا تقدر بحوالي 250 مليون فرنك على مدى خمس سنوات، لتقليص الفوارق الاقتصادية والاجتماعية في الاتحاد الأوروبي بعد توسيعه إلى 27 عضوا.

رومانيا وبلغاريا، اللتان ستوجه لهما هذه المساعدة، طالبتا يوم الثلاثاء 29 يناير الجاري بفتح المفاوضات حول هذا الموضوع “بأسرع وقت ممكن”.

ولئن لم يصدر بعد رد الفعل السويسري، فإن وزيرة الخارجية، ميشلين كالمي – ري كانت قد أكدت يوم 8 يناير الجاري أن بلادها “تعتزم اتخاذ قرار مبدئي” حول هذه المسألة “بعد اختتام المفاوضات” حول حرية تنقل الأشخاص.

وقد نوهت صحيفة “لوتون” في هذا الشأن أن اتخاذ سويسرا القرار حول مساهمة التضامن التي يفترض تقديمها لرومانيا وبلغاريا – على غرار المساعدة التي قدمتها برن للدول العشرة التي استفادت من عملية التوسيع الأوروبي السابقة من خلال “مليار الاندماج” – سيتم في إطار قانون مساعدة دول شرق أوروبا، وستسجل المساعدة السويسرية، التي لا تخضع لاستفتاء، في سياق “قرض إطار”.

سويس انفو مع الوكالات

هي جزء من حزمة الاتفاقيات الثنائية الأولى المُبرمة بين سويسرا والاتحاد الأوروبي التي صادق عليها الشعب السويسري في تصويت شعبي في عام 2000.

دخل الاتفاق حيز التطبيق يوم 1 يونيو 2002 مع الدول الخمسة عشر “الأولى” الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

في سبتمبر 2005، وافق الشعب على توسيع هذا الاتفاق ليشمل الدول العشر الجديدة في الاتحاد (استونيا، ليتوانيا، لاتفيا، هنغاريا، بولونيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، تشيكيا، مالطا، قبرص) التي انضمت الى الاتحاد الأوروبي في 1 مايو 2004.

تنتهي صلاحية اتفاق حرية تنقل الأشخاص المبرم مع الاتحاد الأوروبي في نهاية 2008. وبينما سيمدده الاتحاد الأوروبي ضمنا، ستقوم سويسرا بتمديده بواسطة قرار فدرالي قابل للطرح في استفتاء شعبي.

وقعت اتفاقيات شنغن في عام 1985 في البلدة التي تحمل نفس الإسم في اللوكسمبورغ، من قبل فرنسا وألمانيا ودول البـِنلوكس (هولندا وبلجيكا ودوقية اللوكسمبورغ).

وفرت هذه الاتفاقيات التي تخص قطاعي العدل والشرطة، الإطار القانوني للإلغاء التدريجي لتفتيش الأشخاص في الحدود الداخلية للاتحاد الأوروبي.

لضمان الأمن، ينص اتفاق شنغن على تعزيز المراقبة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وعلى تعاون حدودي أفضل بين أجهزة الشرطة ومكافحة مُنسقة للجريمة المنظمة.

تم توسيع تطبيق اتفاقيات شنغن يوم 21 ديسمبر 2007 إلى 9 من البلدان العشرة التي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2004. وكانت قبرص الاستثناء.

يمكن لكل مواطن من إحدى البلدان الموقعة على اتفاقية شنغن، الدخول إلى البلدان الأخرى بدون تأشيرة. نفس هذا المبدأ يُطبق على الأجانب المتحصلين على ترخيص إقامة في أي بلد عضو في شنغن.

الدول الأعضاء حاليا في فضاء شنغن هي: فرنسا وألمانيا وبلجيكا واللوكسمبورغ وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا والنمسا واليونان والدنمرك والسويد وهولندا وفنلندا، كما أن أيسلندا والنرويج شريكان في الفضاء دون أن يكونا عضوين في الاتحاد الأوروبي.

بريطانيا وايرلندا بلدان عضوان في الاتحاد، لكنهما لم ينضما بعد إلى فضاء شنغن.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية