حرية الصحافة بمصر.. واقع أم خيال؟!
على الرغم من وجود حرية نسبية للصحافة في مصر، إلا أن حرية الحصول على المعلومات لا تزال مقيدة، وهو ما يدفع الكثيرين إلى اللجوء إلى الوسائل الإعلامية الحديثة مثل الإنترنت والفضائيات للبحث عن المعلومة.
في المقابل، يظل من الصعب الحديث عن ديمقراطية حقيقة في مصر دون وجود صحافة حرة مستقلة عن النظام السياسي القائم.
فيما يصرح الرئيس المصري حسني مبارك أنه يرفض “أي تدخل يحد من استقلالية الصحافة، أو يقيد حرية الرأي والتعبير”، ويقول إن “حرية الصحافة أصبحت من الثوابت الوطنية التي لا تقبل النكوص أو المساس”، ويباهي بأنه في عهده “لم يُقصف قلم ولم تمنع جريدة ولم يحبس صحفي لرأيه”، يقول عدد من الصحفيين والمثقفين المصريين إنه مازال هناك عشرات الصحفيين الذين يعتقلون ويحبسون ويختطفون ويهددون بالقتل أو يختفون تماما بسبب مواقفهم السياسية ومقالات الرأي التي ينشرونها.
ورغم أن سقف الحريات الصحفية بها أعلى من كثير من مثيلاتها العربية، فقد احتلت مصر – التاسعة عربيا- المركز الـ 128 في تقرير منظمة “مراسلون بلا حدود” الذي نشرته في 28 أكتوبر من عام 2004 حول حرية الصحافة في 167 دولة في العالم. فيما جاءت لبنان في المركز الأول عربيا، والسعودية في المركز الأخير.
فليس هناك من شك في أن حرية الصحافة والإعلام ترتكز على مجموعة من المقومات الأساسية وهي: حرية الوصول إلى المعلومات والحصول عليها وتداولها، وحرية إصدار الصحف والمطبوعات ووسائل الاتصال، وحرية التنظيم المهني والنقابي للعاملين في مجالات الاتصال والإعلام، فضلا عن وجود ضمانات دستورية وقانونية ومؤسسية لحماية حرية التعبير عن الرأي من تجاوزات الحكومات وأصحاب الأعمال.
الصحافة لحماية النظام أم المجتمع؟
ويؤكد الكاتب الصحفي مصطفى بكرى، رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير صحيفة الأسبوع المصرية المستقلة، أن “إغلاق الصحف وحبس الصحفيين لا يمكن أن يخدم الحرية أو الديمقراطية، وأنه علينا أن نطلق حرية الصحف المكبلة ونلغي عقوبة الحبس للصحفيين بدلا من إطلاق الشعارات”، مشددا أنه “على اتحاد الصحفيين العرب ونقابات الصحفيين في البلدان المختلفة القيام بدورها دفاعا عن حرية الصحافة والصحفيين”.
ويقول بكري في حديث خاص لـ “سويس إنفو”: “أنا أدرك أن قلم الصحفي قادر على أن يزلزل العروش ويتصدى للجبابرة ويكشف الزيف والفساد، غير أنه من المؤسف أن أقول إن حرية الصحافة باتت الآن في خطر شديد، وعلى الحكومة أن تترك الصحافة لتمارس دورها فهي عون للمجتمع وحماية لمنظومة القيم وترجمة لمشاعر الناس وآلامهم”.
ولا يخفي بكري وجود مشكلة تتعلق بتواصل الأجيال في الصحافة المصرية، حيث يقول: “من المؤكد أن هناك عدم تواصل بين جيل تربع على عرش الصحافة لفترة طويلة من الوقت وبين أجيال متعددة حرمت من تبوء المناصب القيادية بفعل سيطرة الجيل القديم، الأمر الذي نتج عنه وجود حلقة مفقودة بين جيل قد مضى وجيل يبحث عن الأمل، ومن الطبيعي أن تكون هذه الفئة ممن تربعوا على عرش الصحافة حامية للنظام الحاكم”.
ويضيف بكري: “هذه الفئة عملت دوما على عرقلة حرية الصحافة، وأصبح لها مجموعات محددة تشيع الفساد والإفساد، وصوروا الصحافة المصرية على أنها الدفاع عن النظام وليس عن المجتمع، ولذلك فإن الأجيال الجديدة تشعر أنه كما لا يوجد أي حراك سياسي في نظام الحكم لا يوجد أي حراك مهني داخل المؤسسات الصحفية، وهو ما يعنى أننا أمام حالة جمود عامة تمثل الصحافة جزء أساسيا منها”.
ويشير بكري إلى أن “أخطر ما يواجه الصحافة المصرية هو تزييف البعض منها أحيانا للحقائق والمعلومات وتبني خطاب سلطوي الهدف منه الترويج للمواقف السياسية للنظام والحكومات، وهو ما يعنى فقدان الصحفي لمصداقيته، غير أن هناك صحافة ناشئة في مصر استطاعت أن تثبت وجودها وأن تكسب مساحة واسعة من الانتشار ربما تعطى الأمل في النمو الطبيعي لصحافة مستقلة”.
ويختتم بكري حديثه قائلا: “على الدولة إن أرادت ازدهارا للحياة السياسية في مصر، أن ترفع يدها عن الصحافة، وأن تلغي كل العقوبات السالبة التي يحاسب على عليها الصحفي، وأن تطلق حق الصحفي في الحصول على المعلومات، وحرية إصدار الصحف والمجلات بالضوابط الأخلاقية”.
من جهة أخرى، تعتبر مصر من أكثر دول الشرق الأوسط استخداما للإنترنت، رغم أنها تطبق قوانين الطوارئ منذ حوالي 24 عاما في ظل استمرار القيود على حرية الصحافة والتجمهر في الأماكن العامة. ويذكر أن عدد مستخدمي الإنترنت المسجلين بمصر يناهز 2.5 مليون مستخدم، كما يتوافد العديد من المستخدمين الآخرين على مقاهي الإنترنت، فيما تشير بعض التقارير إلى أن العدد غير الرسمي لمستخدمي الإنترنت وصل لقرابة 6 ملايين شخص. وهناك وحدة متخصصة من الشرطة تعرف باسم “شرطة الإنترنت”.
حرية هامشية محدودة
ومع إقرار كثيرين داخل مصر وخارجها بأن هناك مساحة للحريات الصحفية في البلاد، إلا أن الكاتب الصحفي ممدوح الولي، عضو مجلس نقابة الصحفيين المصريين، يصف هذه المساحة بأنها “هامشية ومحدودة”. ويقول الولي في تصريح لـ”سويس إنفو”: “ما زالت هناك قيود وحواجز وحدود لا يمكن تخطيها في العمل الصحفي بمصر، ففي الصحف هناك قائمة بالممنوعات، وهناك حدود حتى بعد النشر، والممارسات اليومية تؤكد ذلك”.
وحول مسألة تواصل الأجيال بين الصحفيين، يقول الولي: “ليس هناك أي تواصل بين الأجيال الصحفية بمصر، غير أن ذلك لا يعني أن هناك قطيعة بين الأجيال الصحفية بقدر ما هي بسبب ضغوط الحياة، وموجة الغلاء الفاحش وارتفاع الأسعار وقلة الدخول، فضلا عن عدم وجود وقت لدى الطرفين”، مشيرا إلى أن “نموذج الصحفي المعلم قد اختفي تماما في هذا الزمان، فلم يعد هناك الصحفي المخضرم صاحب الخبرة الذي يجمع الصحفيين الشبان حوله ليعطيهم عصارة خبرته الصحفية وينقل لهم خبراته ليتعلموا منها، فضلا عن أن الجيل الجديد من الصحفيين يشعر أنه جيل الانترنت والصحافة الإلكترونية ومن ثم فهو يعتقد أن الجيل القديم راحت عليه، وانه لم يعد عنده ما يعطيه لهم”.
وحول تأثير الإنترنت على التقاليد الصحفية، يقول الولي: “لا زالت مسألة الانترنت والصحافة الالكترونية بادئة في مصر، كما أن ظروف الحياة وارتفاع الأسعار تقف عائقا، فهناك عدم إقبال من الصحفيين على التعامل مع الإنترنت، وأبسط مثال على ذلك أنه رغم أن مؤسسة الأهرام توفر صالة كبيرة للصحفيين بها 20 جهاز كومبيوتر متصل على الإنترنت طوال اليوم مجانا، إلا أنك لا تجد أكثر من صحفيين اثنين أو ثلاثة فقط يجلسون على الإنترنت أو يقومون بعمل بحث أو تحرير أو يطالعون المواقع الإخبارية العالمية”.
ويرفض الولي القول بأن مصر – رغم ما يقال عن وجود تضييق على الحريات الصحفية – أفضل من غيرها من الدول العربية، إذ يقول: “لماذا نقارن دائما أنفسنا بالدول العربية التي ليس فيها أي حريات صحفية مثل سوريا أو السعودية أو ليبيا أو تونس، هل نفعل ذلك لنرضي أنفسنا؟!، ولماذا لا نقارن أنفسنا بدول مثل لبنان أو الكويت أو قطر التي تطلق الحريات للصحافة وهو ما اتضح جليا من تقرير منظمة مراسلون بلا حدود الصادر في آخر شهر أكتوبر 2004 ؟!”.
ويضيف الولي “إذا أردت أن تتقدم فعليك أن تقيس سرعتك بسرعة المتنافسين معك، وحتى لو قسنا الأمر زمنيا فسوف نجد أنه في عام 79/80 كان هناك انفراجة أكثر مما نحن فيه الآن، وحتى قبل ثورة 1952، في أيام الملك، كان هناك حرية صحفية أكثر وأفضل من اليوم”.
الصحافة..مهنة لـ”الارتزاق”
وفي ختام حديثه مع سويس إنفو قال الولي: “وصف الصحافة بأنها السلطة الرابعة، تشبيه غير مضبوط وغير دقيق، فالواقع أن الصحافة في مصر هي أداة للسلطة الحاكمة، والباقي يسعى للقمة العيش، فالحقيقة أن هناك صحفيين موهوبين في الأقاليم، ولكن لم تتح لهم الفرصة للظهور، بسبب ضيق ذات اليد والبحث عن لقمة العيش”.
ويضرب الولي مثالا لما يعنيه فيقول: “رغم أن الأهرام هي أكبر مؤسسة صحفية في مصر، من كل النواحي وخاصة المادية، إلا أن الطابور الضخم المنتظر ليأخذ راتبه الشهري، يوم 26 من كل شهر – أول أيام صرف الرواتب في الأهرام – يعكس بصورة واضحة ظروف الحياة الصعبة في ظل الغلاء الفاحش والارتفاع الجنوني للأسعار، وباختصار شديد فإن العمل في الصحافة في مصر اليوم أضحي عملا للارتزاق واكتساب لقمة العيش، وأصبحت الصحافة – بكل أسف – مهنة ككل المهن وليست هواية ومبادئ”.
من جهته يقول الفقيه الدستوري والمفكر الإسلامي الدكتور محمد سليم العوا: “الأصل في قضايا النشر ألا تكون هناك عقوبة أساساً، واعتقد أن المقصود بتقرير عقوبة الحبس في قضايا النشر هو قصف الأقلام وحرمان الرأي العام من حقه في معرفة الحقائق والتمكين لصور الفساد التي نخرت عظام هذا البلد في كل موقع فيه”.
ويضيف العوا أن النصوص التي أضيفت لقانون العقوبات عامي 1993 و1995 لتغليظ العقوبات في جرائم النشر كانت كلها نصوصاً تفتقر إلى الدستورية لأنها تخالف 10 مواد علي الأقل في الدستور، وقد دفع في قضايا عديدة بعدم دستوريتها، مطالبا بإلغاء القانون رقم (23) لسنة 1995 الذي حرم الصحفي من حقه في إثبات صحة الوقائع التي نشرها، وألغي حق النقد المباح وحرم الصحفي من الحصول علي البراءة في قضايا النشر إذا ما كان النشر قد تم بحسن نية.
همام سرحان – القاهرة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.