حرية الصحافة تتعرض للتهديد في الشمال والجنوب
سلط "التجمع الخامس من أجل حقوق الإنسان" المنعقد في جنيف الأضواء على حرية الصحافة في ظل ما يسمى بـ "الحرب على الإرهاب" وتعدد وسائل الإعلام الحديثة من فضائيات ومواقع ومدونات ومنتديات حوار وغيرها على شبكة الإنترنت.
وإذا كانت الأخطار التي تتهدد الصحافيين تتجلى واضحة من خلال ما يحدث في جبهات القتال ومواقع الصراعات المسلحة في العالم، فإن التهديدات المحدقة بحرية الصحافة في كبريات العواصم الغربية لا تقل خطرا في نظر المشاركين في التظاهرة.
خصص “التجمع من أجل حقوق الإنسان” دورته الخامسة المنعقدة في جنيف لمناقشة وضع حرية الصحافة ليس فقط في جبهات القتال حيث تكاثر استهداف الصحفيين في حياتهم، بل أيضا في كبريات المدن في اكبر الديمقراطيات في العالم، وهذا منذ إطلاق الولايات المتحدة وحلفائها ما يسمى بـ “الحرب ضد الإرهاب”.
فقد توالى على المنصة صحفيون مخضرمون ومدراء وسائل إعلام ونقابيون من سويسرا ومن خارجها لتقديم صورة عن وضع حرية الصحافة اليوم ولتقييم العمل الصحفي المقدم للجمهور سواء في البلدان الغربية او في البلدان النامية.
“تسونامي في وسائل الإعلام”
روجي دو ديسباخ، مؤسس “مكتب التحقيقات الصحفية” ورئيس التحرير الأسبق لجريدة لا ليبيرتي السويسرية، قدم تقييما لوضع الصحافة اليوم في سويسرا واختص بالذكر الصحافة التي دأبت على القيام بالتحقيقات الصحفية المعمقة.
وتتمثل النتيجة التي خلص إليها في أن المنافسة القاتلة أدت إلى إضعاف الجودة الصحفية، كما تطرق إلى ظاهرة التنافس المحموم على الإستجابة لرغبات القارئ وأشار إلى أن الصحف الصغيرة بدأت تسير بدورها على خطى الصحف الكبرى لكي تظل على وجه الحياة.
ويرى دو ديسباخ أن الخطر يكمن في عاملين: تركيز وسائل الإعلام في أيدي مجموعات محددة وتعدد وسائل الإعلام الجديدة من إنترنت ومنتديات حوار وغيرها.
واعتبر أن التعددية في وسائل الإعلام التي ظهرت مع انتشار استعمال شبكة الإنترنت أو ما أسماه بـ “تسونامي في وسائل الإعلام”، لم تعمل إلا على زيادة الغموض وعدم الفهم، مضيفا بأن شبكة الإنترنت “تعمل على الترويج لمعلومات خام يجب التحقق منها وغربلتها” وأكد أن شبكة الانترنت “سوف لن تحل محل الإعلام التقليدي إلا إذا تخلى هذا الأخير عن مهمته”.
على كل، يعترف روجي دو ديسباخ بأنه “على الرغم من هذا كله، هناك من الصحف ومن الصحفيين من لا زال يواصل عمله على أحسن وجه”.
محاربة الإرهاب ضيقت الخناق
راشيل كوهين مديرة قسم حقوق الإنسان بالفدرالية الدولية للصحفيين، تعرضت للعقبات التي تعترض العمل الصحفي اليوم وعددتها في قائمة طويلة تشمل التعرض للقتل بإطلاق النار المباشر او عن طريق الخطأ والاعتقال والرقابة وضعف حماية المصادر وممارسة الضغوط السياسية وتركيز امتلاك الصحف بين ايدي مجموعات معينة وضعف حقوق العمل وإفلات من يرتكب تجاوزات في حق الصحفيين من العقاب.
وتضيف راشيل كوهين أن من يسلم من هذه العراقيل كلها “يختار طواعية الرقابة الذاتية إذا لم يُجبر على التزام الصمت او يتعرض لهجمات وجروح”.
وفي تساؤل عما تقوم به الحكومات للتصدي لهذه الظواهر، تقول كوهين “إن الحرب ضد الإرهاب عززت سلطة الحكومات ضد الصحفيين، وجعلت الوصول الى المعلومات أمرا متعذرا في العديد من الأحيان، وأضعف إمكانية الحفاظ على سرية المصادر”.
وإذا كان أغلب المتدخلين قد استشهدوا عن هذه التجاوزات بما يحدث في ميانمار (أو بورما) هذه الأيام، فإن ممثلة الفدرالية الدولية للصحفيين استشهدت أيضا بما يحدث في مصر من محاكمات لعدد من أشهر الصحفيين امام محاكم أمنية تقول عنها أنها “بمثابة محاكم عسكرية”.
حرية الصحافة ليست في مأمن
جيرار سابي، المدير السابق للإذاعة السويسرية والرئيس الحالي لفرع مراسلون بدون حدود في سويسرا، تطرق الى التراجع المسجل في الغرب بخصوص التضامن مع قضية الصحفيين، وتضاؤل المقاومة في الدول الغربية لكل ما يمس بحرية التعبير والصحافة، مرددا الشعار المعروف لدى منظمة مراسلون بدون حدود “لا تنتظروا إلى أن تُحرموا من الحرية لكي تهبوا للدفاع عنها”.
وقد خصص تدخله للحديث عن بعض الحالات التي تعرضت فيها وسائل الإعلام والصحفيين في سويسرا الى مضايقات حيث تطرق إلى قضية وزارة الدفاع ضد صحيفة “تسونتاغس بليك” التي لا حقت قضائيا ا الصحفيين الذين نشروا رسالة فاكس مصرية وردت فيها معلومات عن عن السجون السرية التي أقامتها وكالة الإستخبارات الأمريكية في عدد من البلدان الأوروبية، وإلى القضية التي أثيرت حول رسم كاريكاتوري لوزير العدل والشرطة كريستوف بلوخر، وإلى طلب السلطات من المراسلين المعتمدين في القصر الفدرالي (مقر الحكومة والبرلمان الفدراليين) الإفصاح عن انتماءاتهم السياسية.
وقد وجد جيرار سابي في تدخل زميله كريتسيان كامبيش أحد مؤسسي جمعية “الإعلام في خطر” سندا لدعم إنذاره الخاص الموجه للإعلاميين في سويسرا إذ تناول هذا الأخير الظاهرة المتفشية في الإعلام السويسري مؤخرا والمتمثلة في الخلط بين المواد التحريرية والمحتويات ذات الطابع الإشهاري أو الإعلانات التجارية.
وقد ورد هذا التحذير أيضا في مضمون النداء وجه في أكتوبر 2005 إلى مجلس الصحافة (وهي الهيئة التي تسهر على احترام أخلاقيات المهنة في سويسرا)، وحصل على أكثر من 600 توقيع مساندة في سويسرا الروماندية (الناطقة بالفرنسية) في غضون شهر واحد وأسفر عن تأسيس جمعية “الإعلام في خطر”.
مناضلون في الخارج وصامتون في الداخل
مراسلة الجريدة الفرنسية ليبيراسيون، فلورانس أوبينا التي اختطفت في العراق قبل أن يُفرج عنها بعد التدخلات المكثفة، أوضحت في مداخلتها بأن “الصحفي يتم اختطافه في مناطق الصراع لا لما كتبه ولكن لمجرد أنه صحفي، ولأن ذلك سيكون له صدى أوسع”. وهذا هو ما استخلصته من تجربة اختطافها بحيث أن مختطفيها لم يكن لهم أي علم بما تكتبه ولم يرغبوا حتى في التعرف على ما كتبته.
ومع ذلك دافعت فلورانس اوبينا عن ذهاب الصحفيين الى مناطق الصراع حتى ولو أن ظروف العمل ليست ملائمة لأن غيابهم “معناه عدم معرفة ما يجري بدقة”.
ولم تتردد الصحفية الفرنسية في توجيه انتقادات لمنظمة مراسلين بدون حدود “التي تصول وتجول للدفاع عن الصحفيين في الخارج ولا تجرؤ على إدانة التجاوزات في فرنسا”، حسب قولها.
وفي تطرقها للظواهر التي تعرفها وسائل الإعلام الفرنسية في عهد الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي، قالت أوبينا “إن سياسة الإعلام السياسي او سياسة الاتصال السياسي بوسائل الإعلام أصبح أمرا عاديا”، وأشارت إلى أن “الصحفيين الفرنسيين لم يعودوا قادرين عل التحرك ضد هذا الواقع”.
وانتهت الى القول بأن “الصحفي الفرنسي الذي يندد بما يحدث في بلدان أجنبية مثل تونس لا يقوى اليوم على القيام بذلك في فرنسا”.
تشخيص بدون حلول
وقد اكتفى المتدخلون في القسم الأول من المنتدى على الأقل، بتشخيص وضع حرية الصحافة ليس فقط في مناطق الصراعات بل أيضا في البلدان المتقدمة او بالأخص الأوروبية. ولم يقدم احد منهم اقتراحات حول كيفية تحسين حماية الصحفيين من كل التهديدات باستثناء تقديم تدريبات لهم من قبل بعض المنظمات حول كيفية التصرف في مناطق الصراعات.
وإذا كانت راشيل كوهين من الفدرالية الدولية للصحفيين قد ذكّرت بالمادة 19 من ميثاق حقوق الإنسان الذي ينص على ضرورة حماية حرية التعبير والصحافة، واعترفت بأن “الطريق ما زال طويلا للتوصل الى قانون دولي لحماية الصحفيين”، فإن فلورانس أوبينا تعارض توفير أية حماية للصحفيين خارج اعتبارهم مدنيين يجب حمايتهم وترى أن “الصحفي هو مواطن ككل الناس”.
وقد بدا واضحا من النقاشات وجود تباين في الآراء بين الصحفيين الغربيين – على الأقل – حول موضوع الحماية التي يُفترض توفيرها لرجال الإعلام وخاصة في مناطق الحروب والصراعات المسلحة.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
الفدرالية الدولية للصحفيين: 600 الف عضو في 150 جمعية في 114 بلدا
مراسلون بدون حدود: لها تسعة فروع في العالم وعدد من المكاتب في عدة عواصم وينتسب لها أكثر من 3000 عضو في العالم
من إحصائياتها:
82 صحفي قتلوا في عام 2006
70 صحفي قتلوا منذ بداية العام 2007
1500 صحفي هددوا او أصيبوا بجراح
150 صحفي مازالوا معتقلين
900 وسيلة إعلام تعرضت للرقابة
من بين 190 بلدا في العالم، لا يوجد سوى 80 تُحترم فيها حرية الصحافة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.