حسابات وتطبيع بين المغرب وإسرائيل!
غادر سلفان شالوم وزير الخارجية الإسرائيلي المغرب بعد زيارة دامت يومين، دون الإعلان عن فتح مكاتب الاتصال في الرباط وتل أبيب.
لكن الزيارة حققت ما كانت الدبلوماسية الإسرائيلية تطمح إليه من اختراق للمقاطعة التي نفذتها الدول العربية التي أقامت مع الدولة العبرية علاقات دون مستوى السفارات.
تَـنقّـل سلفان شالوم على مدى يومين بين الدار البيضاء، حيث التقى ممثلين عن الطائفة اليهودية المغربية، وتطوان، حيث استقبله العاهل المغربي الملك محمد السادس، والرباط لإجراء مباحثات مع نظيره المغربي محمد بن عيسى.
كانت زيارة سلفان شالوم للمغرب رسمية بكل ما تحمله الكلمة من علاقات بين الدول واستقبال حميمي على أعلى المستويات. ودون ذلك، لا يهم الدولة العبرية في هذه المرحلة التي يقود حكومتها ارييل شارون الذي يوصف بالأكثر تشددا في تاريخ الدولة أية اعتبارات أخرى، في وقت تتصاعد فيه الإجراءات القمعية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وسياسة التهويد ضد مدينة القدس ومسجدها الأقصى التي يرأس العاهل المغربي لجنتها الإسلامية.
ولان الدبلوماسية المغربية كانت (محرجة) من تلك الزيارة، فإنها حرصت على إلصاق اسم محمود عباس (أبو مازن)، رئيس الحكومة الفلسطينية في كل ما يتعلق بها أو ما يتعلق بمستقبل العلاقات الإسرائيلية المغربية، رغم أن الاتصالات بين الرباط وتل أبيب وصلت إلى مرحلة متقدمة قبل أن يزور عباس المغرب في نهاية شهر يوليو الماضي، ويعرض عليه المسؤولون المغاربة ما وصلت إليه هذه العلاقات.
وفي خريف عام 2000، أغلق المغرب مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط، بعد أن كان سحب مدير مكتب الاتصال المغربي من تل أبيب قبيل ذلك، ولم يكن الإغلاق وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدولة العبرية فقط استجابة لقرار القمة العربية التي عقدت في القاهرة في ذلك الشهر، بل نتيجة الضغط الشعبي الذي كانت تعبِّـر عنه مظاهرات في شوارع المدن المغربية أو ما يكتب في الصحف بمختلف اتجاهاتها.
التكيُّـف العربي!
والأهم أن الإرادة السياسية المغربية كانت تجد في سياسة الدولة العبرية، بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ما يناقض رغبة السلام التي عبّـرت عنها عدد من العواصم العربية من خلال فتح خطوط حوار أو مكاتب اتصال أو مكاتب وعلاقات تجارية، وتعمقت هذه الإرادة مع وصول ارييل شارون إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية.
على صعيد السياسة الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية طوال السنوات الثلاث الماضية، لم يتغيّـر أي شيء يشجع العواصم العربية التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الدولة العبرية على إعادة هذه العلاقات، بل أن هذه السياسة كانت تحُـول دون مجرد التفكير بإعادة الاتصال، خطوطا أو مكاتب.
لكن ما تغير في المنطقة العربية طوال هذه السنوات وفي السنة الأخيرة تحديدا، الكثير والكثير. فإضافة للاحتلال الأمريكي للعراق، بات الفلسطينيون يواجهون قَـدَرهم مع الدولة العبرية وحدهم، وقيادتهم في حصار بين جدران المقاطعة في رام الله، دون أن يكون بمقدور ولو عاصمة عربية واحدة اتخاذ قرار يُـشعِـر الفلسطينيين أن التضامن العربي معهم لازال قائما.
مغربيا، كان الفلسطينيون يأملون الكثير من المغرب الرسمي. فإذا كانت خطوة إغلاق مكتبي الاتصال في تل أبيب والرباط، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدولة العبرية أفقدت تل أبيب عاصمة كانت دائما أبوابها مفتوحة للمسؤولين الإسرائيليين، حتى قبل إقامة علاقات دبلوماسية بينهما، فإن المغرب يرأس لجنة القدس التي تضم 15 دولة عربية لعبت خلال العقدين الماضيين دورا هاما على الصعيد الدبلوماسي والمعنوي لمنع تهويد المدينة المقدسة.
وللمغرب الرسمي حساباته التي تتمحور في مراحل محددة حول قضية الصحراء الغربية أو قضية الوحدة الترابية كما تسمى مغربيا، وكثيرا ما كان العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني يجد من التحرك في القضايا أو من أجل القضايا العربية ما يعود بالإيجاب على الوضع المغربي في القضية الصحراوية.
لكن السنوات الثلاث الماضية عرفت ركودا دبلوماسيا مغربيا في القضايا العربية أو تجاه القضايا العربية، إن كانت القضية الفلسطينية أو القضية العراقية، ولم تعرف الساحة العربية أية مبادرة مغربية أو دورا مغربيا متميزا.
وضعية الدبلوماسية المغربية أفقدت البلاد مكانة عربية ودولية احتلتها منذ منتصف الستينات. وفي الوقت نفسه، أفقدتها أوراقا كانت تلعبها على الصعيد الدولي من أجل قضيتها الأساسية. وتغييب الدور المغربي عربيا ترافق مع ابتعاد تدريجي عن باريس الحليف التقليدي للرباط والالتحاق بالسياسة الأمريكية لدرجة الالتحام، إن كان في القضايا العربية أو الدولية، وبات المغرب الدولة العربية الأولى الحليفة لواشنطن في ما أطلقت عليه واشنطن الحرب على الإرهاب.
تباين المصالح والحسابات
واشنطن التي لا حليف لها إلا بما يخدم مصالحها، لم تكن ترى ما يراه المغرب في القضية الصحراوية. فلواشنطن حساباتها الجزائرية، موقعا ومكانة ونفطا وغازا واقتصادا. لذا، تنهج الولايات المتحدة الحياد السلبي أحيانا والإيجابي أحيانا أخرى، مرة تجاه الرباط، ومرة تجاه الجزائر.
وفي يوليو الماضي، أثناء مناقشة مجلس الأمن الدولي لقضية الصحراء الغربية، كادت حسابات واشنطن أن تكون محايدة إيجابا تجاه الجزائر وسلبا تجاه المغرب. فأدركت الرباط عزلتها الدولية بعد أن صوت مجلس الأمن بالإجماع على قرار لا يرضيها. لكن الدبلوماسية المغربية، بدلا من أن تستعيد المبادرة على الصعيد العربي والفلسطيني، توجّـهت نحو اللّـوبي اليهودي في الولايات المتحدة وكثفت اتصالاتها مع الدولة العبرية، وتوجّـتها بزيارة سلفان شالوم للرباط في بداية شهر سبتمبر الجاري.
ولأن زيارة شالوم للمغرب جاءت في وقت محرج، فلسطينيا وعربيا، وبعد أن اطمأنت إلى أن واشنطن ستعدل نسبيا موقفها تجاه قضية الصحراء الغربية، فإن الرباط لم تجد إلحاحا بما كانت قد وعدت به في نهاية شهر يوليو الماضي بإعلان إعادة فتح مكتب الاتصال المغربي في تل أبيب، والإسرائيلي في الرباط في ختام زيارة شالوم.
وتمحورت تصريحات المسؤولين المغاربة حول أن هدفهم من دعوة شالوم هو القيام بدور نشط في عملية السلام الفلسطيني الإسرائيلي في الإطار الذي يطلبه الطرفان من الرباط. لذلك، غادر سلفان شالوم العاصمة المغربية دون أن يتسنى له الإعلان عن فتح مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.