مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حصيلة عشر سنوات من الرفض!

السيد فيلبر يتوسط عضوين في المجلس الفدرالي أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقد إثر رفض السويسريين إنضمام بلادهم إلى المجال الاقتصادي الأوروبي Keystone

عشرُ سنوات مرت على الاستفتاء الشعبي التاريخي، الداعي إلى انضمام سويسرا إلى المجال الاقتصادي الأوروبي.

الناخب السويسري أدلى آنذاك بكلمته ورفض المبادرة. أما اليوم فإن البعض ينظر إلى الخلف.. ويكاد يتحسر!

ليس هناك شخص أشد تحسرا على رفض مبادرة عام 1992 من السيد رينيه فيلبر، عضو المجلس الفدرالي السابق. فهو من أشد المؤيدين لانضمام سويسرا إلى الاتحاد الأوروبي، ولا يزال يصر اليوم على أن بلاده أضاعت على نفسها فرصة كبرى بتصويتها ذاك. أو كما يقول بتعبيره الخاص:”كان التصويت بداية ً لانهيار المشروع الذي قدمناه إلى الشعب السويسري، الداعي إلى المشاركة في بناء أوروبا التي ننتمي إليها”.

انهيار ذلك المشروع أدى في تداعياته إلى بحث الكنفدرالية عن بدائل أخرى تحميها من العزلة وسط المحيط الأوروبي، وأثمر جهدُها عن توقيعها على سبع اتفاقيات ثنائية تنظمُ علاقاتها مع الاتحاد الأوربي، لاسيما التجارية منها والمتعلقة بحرية تحرك الأفراد.

بيد أن هذه الاتفاقيات لا تبدو مقنعة للسيد فيلبر:”الكل يتحدث عن الاتفاقيات الثنائية. لكن رغم كل ادعاءات المعسكر الرافض لانضمام سويسرا فإن تلك المعاهدات لم تقدم طريقا سهلاً للتحرك. فالمفاوضات مع بروكسيل لا زالت متواصلة، وهي صعبة للغاية. وفي التحليل النهائي، لن تمثل الاتفاقيات سوى حل مؤقتٍ”.

مواقف تبدلت .. ولكن!

قبل عشر سنوات، كانت الكانتونات السويسرية الناطقة باللغة الفرنسية من أشد المؤيدات للانضمام إلى المجال الاقتصادي الأوروبي. لكن الموقف اليوم يبدو مختلفا. فالحماس بدأ يتراجع، والدعوة إلى الالتحام بأوروبا أصبح صوتها خافتا.

أما السبب الذي يقدمه المراقبون لذلك التبدل فلا يزيد عن تلك الاتفاقيات الثنائية، التي لا تحوز على رضا السيد فيلبر. صحيح أنه يفسر ذاك التغيير بتراجعٍ موازي في اهتمام النخبة السياسية بهذا الموضوع، إلا أنه يقر في الوقت ذاته أن الاتفاقيات الثنائية قد لعبت دورا كبيرا في ذلك، خاصة وأنها وفرت العديد من الامتيازات للسويسريين دون الحاجة إلى التخلي عن سيادتهم في مجالات أخرى.

لكن شرح الأمور بهذه الطريقة لا يعطي انطباعا متكاملا:”علينا أن لا ننسى أن التفاوض على الاتفاقيات الثنائية أصبح أكثر صعوبة اليوم عما كان عليه الأمر قبل عشر سنوات. فالتشريعات الأوروبية تتطور باستمرار وإلى المدى، الذي يضاعف من تكاليف تكيفنا معها”.

أما أهم خسارة تكبدتها سويسرا نتيجة ً لعدم انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي فهي، على حد قناعة السيد فيلبر، فقدانها لما يسميه ب”حريتها السياسية”. يقول:”تُسخر الحكومة الفدرالية والبرلمان السويسري جهودهما لتعديل القوانين السويسرية كي تتواءم مع نظيراتها الأوروبية. من الناحية الرسمية، نحن لسنا ملزمون بفعل ذلك، ولكن من الناحية الواقعية لن نستطيع البقاء دون إجراء تلك التغييرات”.

وبنفس النسق، فإن سويسرا تدفع ثمنا باهظا، في رأي السيد فيلبر، بسبب تفضيلها طريق العزلة:”نحن ندفع الثمن لأننا لسنا جزءا من كتلة قوية. ولأننا في عزلة، تحولنا إلى صيد سهل. بدا ذلك جلياً للعيان أثناء قضية ودائع اليهود، وستتكرر الحكاية من جديد مع القضايا المرفوعة على البنوك السويسرية بسبب علاقتها مع نظام الميز العنصري في جنوب إفريقيا”.

وفي الحصيلة ما هو إيجابي أيضا!

كانت مؤسسة “المستقبل السويسري” قد أصدرت دراسة، ستنشر في شهر ديسمبر المقبل، سعت فيها إلى تقييم حصيلة العشر سنوات الأخيرة من عدم انضمام سويسرا إلى الاتحاد الأوروبي. وللوهلة الأولى، تبدو الحصيلة مقلقة.

فعندما يتعلق الأمر بالنمو الاقتصادي تبدو سويسرا متأخرة عن نظيراتها الأوروبيات. حيث لم يتجاوز نموها، في الفترة بين عام 1992 و2001، نسبة 1.1%. ولتحتل بذلك المرتبة الأخيرة بين غيرها من بلدان الاتحاد الأوروبي ( معدل النمو في تلك البلدان وصل إلى 2.9%، أي ثلاثة أضعاف النسبة السويسرية).

رغم ذلك، فإن الدراسة تلقي بتبعات ذلك على تراخي النخبة السياسية في تبني إصلاحات اقتصادية هيكلية. والأهم، فإنها أظهرت في الوقت ذاته أن سويسرا تتصدر أوروبا في العديد من المجالات. فهي تحتل المرتبة الرابعة في انخفاض نسبة البطالة، والمرتبة الثالثة في أفضل مستوى معيشة، والمرتبة الثانية في حجم استثماراتها في الخارج، والمرتبة الأولى في معدل تغير أسعارها.

ومادام الحديث عن حصيلة عدم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فإن السيد فيلبر يفضل أن يختتم حديثه لسويس إنفو بدعوة إلى التفكير:”هل نستطيع أن نعيش دون علاقات مع الاتحاد الأوروبي، أم أنها حيوية للغاية لمصالحنا”. وعلى ما يبدو من العشر السنوات الماضية، فإن سويسرا لازالت قادرة على الحياة دونها.

إلهام مانع – سويس إنفو

رينيه فيلبر معروف بمواقفه المؤيدة لانضمام سويسرا إلى الاتحاد الأوروبي. يعتقد العضو السابق في المجلس الفدرالي بأن القضية لم تعد تشكل محورا لأولويات الساحة السياسية منذ أن صوت السويسريون ضد عضوية المجال الاقتصادي الأوروبي عام 1992. كما يقول بإن الاتفاقيات الثنائية بين سويسرا والاتحاد الأوروبي لا تزيد عن بديل مؤقت. لكنه ينتقد تلك الاتفاقيات باعتبارها وضعت سويسرا في موقع المضطر لقبول ما يمليه عليها الاتحاد، وحرمتها من إمكانية التأثير على عملية التفاوض.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية