حصيلة 40 عاما من التعاون مع إفريقيا
بينما تتواصل قمة مجموعة الثماني في اسكتلندا بالتركيز على سبل مكافحة الفقر في إفريقيا، يجدر تسليط الضوء على سجل سويسرا في مجال مساعدة القارة السمراء على مدى 40 عاما.
السجل لم يخل من النجاحات ولم يسلم من الإخفاقات. لكن ما مصير تلك المساعدات التي تحولت إلى موضع جدل في وكالة التنمية والتعاون السويسرية؟
بمناسبة انعقاد قمة مجموعة الثماني من 6 إلى 8 يوليو الجاري في منتجع غلين إيغلز باسكتلندا وتركيزها على مكافحة الفقر في إفريقيا، أعدت صحيفة “لوتون” الصادرة بجنيف باللغة الفرنسية تقريرا مفصلا عن حصيلة المساعدات التنموية السويسرية في القارة السمراء على مدى 40 عاما (نسخة 6 يوليو 2005).
واستعرضت كاتبة المقال فاليري غرافنريد أبرز نشاطات وكالة التنمية والتعاون السويسرية التابعة لوزارة الخارجية في القارة السمراء منذ الستينات، بما فيها من نجاحات وإخفاقات، دون إغفال الانتقادات الموجهة لطريقة عمل الوكالة من قبل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية والأمم المتحدة.
التقرير انطلق من “الوضع الذي لا يُحسد عليه” رئيس الوكالة السويسرية للتعاون والتنمية فالتر فوست الذي لن يتلق أية إمكانيات مادية إضافية بعدما قرر البرلمان الفدرالي تخفيض نسبة نمو الميزانية المرصودة لها سنويا والتي تبلغ 1,2 مليار فرنك (معطيات عام 2003).
وتخصص سويسرا حاليا 0,41% من الدخل القومي الخام (أي ما يعادل 1,920 مليار فرنك) للمساعدات التنموية، بينما توصي الأمم المتحدة برفع حجم ذلك الدعم إلى 0,7% للمساهمة في تقليص الفقر إلى النصف بحلول عام 2015 وفقا لأهداف الألفية التي حددتها المنظمة الدولية.
“مساعدات مُبعثرة”؟
ابتعاد سويسرا عن النسبة المطلوبة من قبل الأمم المتحدة يجعلها عرضة لعدد من الانتقادات. فعلى سبيل المثال، لمح السيد مارك مالوش براون، المسؤول عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى سمعة جنيف الدولية ستـتأثر إذا ما قلصت سويسرا حجم مساعداتها التنموية.
لكن برن ربما حاولت تدارك الموقف بإعلانها مؤخرا عن التأييد لمقترح دول مجموعة الثماني المتعلق بإلغاء ديون 18 دولة من أكثر البلدان فقرا في العالم لدى البنك العالمي وصندوق النقد الدولي.
وقد أوضحت كتابة الدولة السويسرية للشؤون الاقتصادية بهذا الشأن أنه بإمكان سويسرا المساهمة في عملية تسديد الديون بحوالي 30 مليون فرنك سنويا لمدة لا تقل عن عشرة أعوام. لكن يتوقع أن يـُقتطع هذا المبلغ من المساعدات التنموية الحالية، وبذلك ينتظر أن تثير سويسرا موجة غضب أممية جديدة.
وكانت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية طلبت في تقرير حديث برفع المساعدات التنموية السويسرية، مع إدانة ما وصفته بعمليات “الرش” الكبيرة التي تقوم بها الكنفدرالية، في إشارة إلى “تبعثر” المساعدات على العديد من الدول.
وتشرف وكالة التنمية والتعاون السويسرية على “برامج خاصة” في كل من رواندا ومدغشقر وجنوب إفريقيا، بينما وضعت لائحة تضم سبعة بلدان تحظى بالأولوية في نشاطاتها في القارة السمراء (وهي بنين، بوركينا فاسو، مالي، النيجر، تشاد، الموزمبيق، تنزانيا)، كما تقوم بحفر الآبار وبناء المدارس وتقديم المساعدات الإنسانية في مناطق أخرى من إفريقيا.
فما هي نجاحات وإخفاقات الوكالة في القارة السمراء التي يوليها زعماء مجموعة الثماني عنايتهم هذه المرة في قمة اسكتلندا؟
صورة جميلة..لا تخلو من عيوب
عموما، تتمتع وكالة التنمية والتعاون السويسرية بصورة ومصداقية جيدتين في إفريقيا “لكونها أولا بلدا دون ماض استعماري، ولأنها لا تمثل قوة عظمى تفرض وجهات نظرها على الحكومات التي تتعاون معها”، مثلما جاء على لسان السفير السويسري السابق نيكولا إمبودن في تصريح لـسويس انفو.
لكن ذلك لا يعني أن أداءها خال من النقائص. فمن المؤاخذات التي عددتها صحيفة “لوتون” في تقريرها المفصل بناءُ الوكالة لآبار دون مستوى الفعالية المطلوبة، وتشييدها لجسور سُُرقت مواد بناءها في كل ضفة، وتنفيذها لبرامج مع شركاء يفتقرون للدقة.
وعلى مستوى الإخفاقات، لم تتمكن الوكالة على سبيل المثال من لأم الجرح الرواندي. ويذكر أن اتهامات وجهت لبرن بإقامة علاقات وثيقة جدا مع نظام الهوتو الذي كان يتولى زمام الأمور أثناء جرائم الإبادة التي شهدتها البلاد عام 1994.
وكانت الوكالة قد علقت نشاطاتها في رواندا بعد المذابح لتضع بذلك حدا لأكثر من ثلاثين عاما من الشراكة. لكنها استأنفت أعمالها في عام 1998 بتنفيذ برنامج خاص بقيمة حوالي 5 مليون فرنك سنويا، وهو مبلغ يقل عن الميزانية التي كانت مرصودة لرواندا قبل المذابح.
وفي نهاية عام 2004، مددت برن هذا البرنامج لمدة أربع سنوات، وأضفت عليه طابعا إقليميا إذ بات يشمل بورندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وفي عام 2005، بلغت ميزانية دائرة التنمية والتعاون لتنفيذ برنامج البحيرات الكبرى 8 مليون فرنك. يضاف إلى ذلك المساعدات الإنسانية للدول السبع التي تحظى بالأولوية والتي تقدر بـ15 مليون فرنك.
ويقر نائب مدير وكالة التنمية والتعاون السويسرية أدريان شفابفر بأنه كان على الوكالة أن تتراجع في رواندا في إطار ما وصفه بـ”الإخفاق الهائل للمجتمع الدولي في الوقاية من وفي وقف المذبحة”، لكنه يؤكد أنه لا توجد “فيلة بيضاء” في نشاطات الوكالة في إفريقيا. (ويُقصد بالفيلة البيضاء المشاريع الضخمة التي تفوق إمكانيات القارة وتتسبب في ديون وأضرار بيئية كبيرة).
إنجازات لا يُستهان بها
وماذا عن النجاحات إذن؟ ذكرت كاتبة المقال فاليري غرافنريد أولا المساهمة السويسرية في إحلال السلام في الموزمبيق الذي مزقته الحرب الأهلية لمدة ثلاثين عاما. فقد قادت برن برنامجا لتسريح المقاتلين ولتوفير التربية المدنية لرجال الشرطة لضمان ديمومة اتفاقيات السلام 1992. وتظل جمهورية الموزمبيق من الدول التي تتركز فيها مساعدات الوكالة، ومن البلدان التي ساهمت فيها في خفض نسبة وفيات الأطفال.
وكان مقتل موظفة تعمل لحساب الوكالة في العاصمة مابوتو في أكتوبر 1996 الغمامة الوحيدة التي عكرت الصورة في الموزمبيق. وبعد ثلاثة أشهر من هذا الحادث، فقدت الوكالة موظفا أخر في مدغشقر لتسارع بتجميد مساعداتها في تلك الجزيرة. ويشار إلى أن مدغشقر اختفت منذ عام 1998 من قائمة الدول التي تحظى بالأولوية في نشاطات الوكالة السويسرية، لكنها تستفيد من برنامج مساعدات خاص بقيمة 7 ملايين فرنك.
وفي إفريقيا الغربية، انضمت بنين منذ 1993 إلى قائمة دول الأولوية في الوكالة، بينما توجد مالي والنيجر على اللائحة منذ عام 1977 وبوركينا فاسو منذ 1976. وتعد قطاعات الصحة والتربية والتنمية القروية أقوى جوانب المساعدة السويسرية في إفريقيا.
أما تشاد الذي يقع ضمن “دول الأولوية” فيتلقى مساعدات الوكالة منذ 1964، مع توقف تواصل من 1979 إلى 1982 بسبب الحرب الأهلية. وفي عام 2005، خصصت وكالة التنمية والتعاون السويسرية وكتابة الدولة للشؤون الاقتصادية -اللتان تعملان يدا في يد في عدد من الدول الإفريقية- 16,5 مليون فرنك لدعم تشاد. وتسجل سويسرا حضورا مكثفا جدا على مستوى المساعدات الإنسانية في السودان وخاصة في إقليم دارفور.
وفي إفريقيا الجنوبية، تنشط الوكالة في دولة جنوب إفريقيا منذ أبريل عام 1994. وفي نهاية 2004، أي بعد عشر سنوات من سقوط نظام الميز العنصري (أبارتايد)، أعادت سويسرا توجّه مساعداتها في المنطقة ووسعتها لتشمل الدول المجاورة.
ومنذ عام 1981، تحضر سويسرا اجتماعات المانحين في “مؤتمر تنسيق التنمية في إفريقيا الجنوبية”، وساهمت في برامج بحث المركز الدولي للزراعة الاستوائية لتطوير الذرة التي تقاوم الجفاف والبرد. وفي أنغولا حيث تنشط الوكالة منذ 1995 (في مجال المساعدات الإنسانية)، ركزت المساعدات على استصلاح شبكات المواصلات.
وفي تنزانيا حيث توجد منذ الستينات، عززت وكالة التنمية والتعاون السويسرية نشاطاتها في عام 1981 بفتح مكتب لها هناك. وفي عام 2005، ارتفعت المساعدات العامة السويسرية إلى 29,6 مليون فرنك. ومن أبرز النشاطات التي تتولاها الوكالة مكافحة الملاريا بفضل توزيع واسع لواقيات من البعوض تحتوي على مواد مضادة للبعوض الناقل للمرض. أما في دول شمال إفريقيا، فتظل نشاطات الوكالة متواضعة جدا. وتخضع حاليا إستراتيجية الوكالة بصفة عامة لمراجعة كاملة.
“تقليص المساعدات لإفريقيا غير وارد”
وعندما سألت صحيفة “لوتون” نائب مدير وكالة التنمية والتعاون “ألا تعتقدون أن إلغاء الديون أكثر فعالية من المساعدات التنموية التي توصف مرارا بـ”جبس على ساق من خشب؟”، أجاب السيد أدريان شلابفر أن إلغاء الديون خطوة هامة من دون شك، مشيرا في المقابل إلى خطر إقبال الدول الفقيرة على طلب ديون جديدة.
ويرى المسؤول السويسري أنه يتعين استباق ذلك الخطر بـ”سياسة اقتصادية معقولة وبحكم رشيد”. وذكر أن سويسرا “قامت دائما بدور الريادة في هذا المجال، إذ أن الحكومة السويسرية تبنت عام 1991 -بمناسبة الذكرى 700 لميلاد الكنفدرالية- برنامجا مبتكرا لإجراءات تسديد ديون الدول النامية”.
وفي رده على انتقادات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية حول “تبعثر” المساعدات التنموية السويسرية، قال السيد شلابفر “نحن بصدد إعادة تقييم مشاريعنا على مستوى الفعالية والملاءمة والتكاليف. إن حاجيات الدول الفقيرة والتزام سويسرا داخل المنظمات الدولية وسَّعا بشكل كبير قائمة برامجنا، بينما لم ترتفع إمكانياتنا المادية إلا بمعدل طفيف”.
وعن احتمالات خفض المساعدات السويسرية للقارة السمراء، سارع نائب مدير وكالة التنمية والتعاون بتوضيح نقطة حاسمة قائلا: “البرلمان لم يلمس ميزانية الوكالة بل خفض فقط من معدل نموها. وأعلنت في نفس الوقت العديد من البلدان المانحة رفع حجم مساعداتها. وإذا ما أردنا مواصلة القيام بدور هام على مستوى فعالية مساعداتنا، يجب أن نكون أكثر دقة (في اختيار المشاريع)، وقد يعني ذلك الانسحاب التدريجي من بعض برامج الشراكة القديمة. لكن بما أننا ننشط بالدرجة الأولى في الدول الأكثر فقرا، فإن تقليص نشاطاتنا في إفريقيا لن يتطابق مع المهمة المسنودة للوكالة”.
وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن الانتقادات الموجهة إلى المساعدات التنموية السويسرية في القارة السمراء تتسم بالتباين. ففيما يعتبر البعض أن تلك المساعدات تحول دون تحقيق الدول الأكثر فقرا لتطور ذاتي، يرى البعض الآخر أنه يتعين على وكالة التنمية والتعاون بذل المزيد من الجهود بما أن تحسين ظروف الحياة في البلدان الفقيرة تساهم في نهاية المطاف في تخفيض عدد طالبي اللجوء في سويسرا…
إصلاح بخات – سويس انفو/ استنادا لتقرير صحيفة “لوتون” (نسخة 6 يوليو 2005)
تخصص سويسرا حاليا 0,41% من الدخل القومي الخام (أي ما يعادل 1,920 مليار فرنك) للمساعدات التنموية.
توصي الأمم المتحدة برفع حجم تلك المساعدات إلى 0,7% للمساهمة في تراجع الفقر إلى النصف بحلولو عام 2015.
الدول الإفريقية التي تحظى بالأولوية لدى الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون: بنين، بوركينا فاسو، مالي، النيجر، تشاد، الموزمبيق، تنزانيا.
الدول التي تشرف فيها الوكالة على برامج خاصة: جنوب إفريقيا، روندا، مدغشقر.
الدول التي تحظى بالأولوية على مستوى المساعدات الإنسانية: أريتريا، إثيوبيا، السودان، روندا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، بورندي، أنغولا، سيراليون، ليبريا، ساحل العاج، غينيا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.