حضر الواقع العربي وغابت السينما الوثائقية العربية
فاز الفيلم الألماني "الأبناء"، للمخرج فولكر كووب بالجائزة الكبرى للدورة الثالث عشرة لمهرجان السينما الوثائقية، الذي استضافته مدينة نيون السويسرية في الفترة الفاصلة بين 20 و26 أبريل الحالي.
ويلقي الفيلم الضوء على جزء من تاريخ أوروبا خلال القرن الماضي، وذلك من خلال قصة مؤثرة ومشوّقة لعائلة بولندية، شَرّدت أفرادها الحرب العالمية الثانية، حيث أجبِـرت الأم على الهجرة إلى ألمانيا تاركة وراءها عدد من أبنائها يواجهون المصير المجهول، ويصوّر الفيلم معاناة تلك الأم وشعورها بالذنب.
حصل على جائزة هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية، فيلم فرنسي بلجيكي “مشهد لصيد الخنزير”، للمخرج كلوديو بازنزا، وفيه يطرح حقيقة الموت وكيف يمكن التعايش معها.
أما جائزة جمهور مدينة نيون، فقد فاز بها الفيلم السويسري “الصوت الأصيل” (Heimatklange)، للمخرج ستيفان شفايتسر، ويثير هذا الفيلم قضية الفلكلور السويسري ودلالاته الوطنية ودوره في صياغة هوية هذا البلد، جاعلا من الموسيقى مجالا لصراع الأجيال وجسر العبور للمستقبل.
وتوزّعت بقية الجوائز على أفلام وثائقية تميّـزت بمناصرة القِـيم والقضايا الإنسانية، مثل ظواهر اللجوء والهجرة والحياة في المدن الكبرى والعنف المستشري فيها والفقر والفوارق الاجتماعية، بالإضافة إلى أعمال جمعت بين الواقع والخيال في تأمّـلات تساءلت حول منبع السعادة الإنسانية، وكيف يمكن مواجهة القلق الوجودي والفراغ النفسي، الذي أصبح قرين الحضارة المعاصرة.
ومثّل هذا المهرجان، الذي امتدّت أنشطته طيلة الأسبوع، عرسا ثقافيا شاملا، إذ بالإضافة لعروض الأفلام التي احتضنتها خمس قاعات ليلا ونهارا، نُـظمت العديد من المحاضرات، ناقشت وضع السينما الوثائقية ووفّـرت فرصا للجمهور للالتقاء بالمخرجين والمنتجين.
ونُظمت أيضا ورشات عمل حول فن التوثيق وكيفية التعامل مع آلات التصوير الحديثة، ولم تغب الأسئلة المركزية، مثل ما هو الفيلم الوثائقي؟ وما أهمية إفراده بمهرجان دولي مثل مهرجان نيون؟
لكن الملفت في هذا المهرجان، غياب السينما العربية، وإن لم يغب الواقع العربي، إذ عُـرضت ثلاثة أفلام حول الواقع الفلسطيني وفيلمان عن الجالية العربية في فرنسا، بالإضافة إلى فيلم وثائقي عن الحياة الاجتماعية في واحة بجنوب المغرب.
ولإلقاء المزيد من الضوء عن فعاليات هذا المهرجان وعن السينما الوثائقية وواقعها في العالم العربي، أجرت سويس انفو هذا الحوار مع رائد أنضوني، أحد المشاركين في المهرجان وأحد أعضاء لجنة التحكيم بالمهرجان.
سويس انفو: من هو رائد أنضوني؟
رائد أنضوني: أنا فلسطيني من بيت لحم، تركتها منذ زمن طويل، وأقمت في رام اللهّ، أعمل بمجال الإنتاج والإخراج في السينما الوثائقية منذ عشرة أعوام. أعمل بشكل مستقل وأهدف من خلال هذا الفن إلى إضفاء المعنى على الحياة، بعيدا عن المتاجرة والتوظيف. قمت بالعديد من الأفلام الوثائقية، عُـرضت داخل فلسطين وخارجها، وفي مهرجانات دولية ومن خلال القنوات التلفزيونية.
سويس انفو: لماذا السينما وليس مجال آخر؟
رائد أنضوني: كل شيء يبدأ هواية ثم تأتي مرحلة الاحتراف. وحب السينما ولد معي وتجذّر، نتيجة لرحلة أسئلة نابعة من رفضي لكل ما هو مسلّـم به، فكرا وواقعا، وكانت لدي رغبة في المعرفة وفي البحث عن ذاتي في هذا الواقع.
سويس انفو: هل هي الذات الفردية أم الجماعية؟
رائد أنضوني: أقصد بالأساس الذات الفردية، ولكن مرجعيات الفرد هي جزء من مجتمعه. أنا هو أنا، وتركيبتي ذاتية بحتة، لكن مرجعياتها هي المجتمع. أنا أنظر مثلا إلى فلسطين كخيار وليس كقدر، ولو أعطيت فرصة للاختيار في أي جانب من الصراع “أكون”: في الجانب الفلسطيني أو الجانب الإسرائيلي؟ سأختار فلسطين، لأنها تمثل الجانب الإنساني من الصراع.
سويس انفو: ليست المرة الأولى التي تشارك فيها في هذا المهرجان، ما الجديد الذي لفت انتباهكم هذه السنة؟
رائد أنضوني: لأول مرة أكون في لجنة تحكيم في مهرجان دولي بهذا المستوى، سابقا كنت في التحكيم في الأردن والإمارات.. وأخذَت مني هذه المهمة كل الوقت، ولكن بشكل عام، الملفت في هذا المهرجان هو تواجد هذا العدد الهائل للمختصين في مجال السينما الوثائقية في مدينة صغيرة مثل نيون، الأمر الذي يساعد على الالتقاء والتعرف على أصحاب الصناعة السينمائية.
كذلك، المهرجان ليس عرض أفلام فقط، بل يهتم بكل ما يتعلق بالإنتاج والتوزيع وفنون التوثيق والتصوير، وينظم المنتديات والمحاضرات وتعرض التجارب المختلفة. أريد الحضور لهذه المناسبات، لأنها فرصة لربط العلاقات والانفتاح على العالم السينمائي وتبادل الرأي والتجربة مع سينمائيين مشهورين.
سويس انفو: لنتحدث عن التوزيع الجغرافي والقضايا والمواضيع التي أثارتها الأفلام المشاركة؟
رائد أنضوني: مواضيع هذه الأفلام متعدّدة وثرية، والنتيجة التي توصّـلت إليها من خلال مشاهدتي للأفلام المشاركة، أن السينما الوثائقية في الشرق والعالم العربي ينتظرها مستقبل واعد، أما نظيرتها الأوروبية، فهي في مأزق لأن الحياة رتيبة لديهم ولم تبق فيها مساحات معتمة للاستثمار فنيا، ولكي يجدوا موضوعا يقدمونه في فيلم، عليهم أن يذهبوا بعيدا للبحث عنه. هناك أفلام مصورة في مستشفيات، وكأن مشاكلهم انحصرت في المؤسسات الإستشفائية، أما واقعنا العربي، فهو ثري بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الحية، وبالقضايا الإنسانية البحتة، لكن نحتاج إلى قليل من الحرية في التعبير والإنتاج لكي تتفتّح أزهار الإبداع.
سويس انفو: لكن، حتى الأفلام التي تتعلق بالقضايا العربية والإفريقية في هذا المهرجان أنتجها وأخرجها أوروبيون؟
رائد أنضوني: المشكلة أن رؤوس الأموال العربية والأنظمة العربية لا تساعد على الإنتاج الثقافي المبدع. أنا أحترم اهتمام الآخرين بقضايانا، ولكن لا أرضى أن تُـنتج ذاتي الثقافية في مصانع الآخرين. الإنتاج الثقافي هو إعادة إنتاج للذات وأرفض أن يسرق الآخرون ذاتي، ويقول محمود درويش “من يروي الحكاية، يمتلك أرض الحكاية”، وبالنسبة لفلسطين، إذا أخذوا الأرض، فلا يجب أن يأخذوا ثقافة الأرض كذلك.
سويس انفو: السينما بطبيعتها تعالج قضايا الإنسان بأبعادها المتشابكة، فما الذي يميّـز السينما الوثائقية عن بقية الأعمال السينمائية؟
رائد أنضوني: السينما الوثائقية لا تصنع المجهول، وليس لديها سجادة حمراء وليس فيها أبطال، والموضوع هو الوضع كما يقدم نفسه، وهي تترك للمشاهد بناء علاقة مع الواقع، وليس مع الخيال. ومع ذلك، أنا لا أؤمن بالموضوعية في الفن ولا وجود لها، لأنه ما دام هناك مصوِّر وراء الكاميرا، فهو يختار وينتقي.
منتهى مهمة هذه السينما، أنها تعلمنا كيف ينظر المخرج لهذا الواقع، وقيمة السينما الوثائقية، هي توليد الأسئلة في ذهن المشاهد، وهذا أهم من الأجوبة التي تقدمها، والفيلم الناجح، هو الذي يكون فيه الخط المعرفي متوازي مع الخط العاطفي، وهو الفيلم الذي يترك للمُـشاهد الإحساس بالحياة، بما في هذه الحياة من فراغ واكتمال وما فيها من خير وشر ومن سعادة وشقاء.
سويس انفو: هل تتفق مع القول “تقدم السينما الخيالية ظلال الحقيقة، في حين تقدم السينما الوثائقية الحقيقة في ذاتها”؟
رائد أنضوني: هذا صحيح إلى حدٍّ ما، ولكن من السينما الخيالية أيضا ما يُـلامس الحقيقة عن قرب، ولأول مرة أسمع هذه المقولة، هي جديرة بالتأمل.
بالنسبة لي، جوهر المشكلة هو في الإجابة عن السؤال التالي: لماذا ينتج المنتج هذا العمل؟ ما الغرض الذي يريد أن يصل إليه حامل الكاميرا؟ وهذا مهم جدا، لأن المشاهد حسّـاس في السينما الواقعية، يعرف متى يحاول المخرج الالتفاف على الواقع أو متى ما حاول الغش والخداع!
سويس انفو: هل مجرد التقاط صور عن طريق الهاتف النقال أو الكاميرا الهاوية يدخل ضمن هذا الفن؟
رائد أنضوني: ليس هناك تعريف مجمع عليه، لكن السينما في وجهة نظري لابد أن تتوفّـر على بُـعدين: الموضوع، والبعد الجمالي الذي فيه احترام للمشاهد، ليس المُـهم الموضوع فقط والمشهد الشيّق، لابد أن تتوفر اللغة السينمائية، وقبل أن تجرب، عليك الاطلاع على تجارب الآخرين.
سويس انفو: في لجنة التحكيم، ما هي معايير الجودة التي تحتكمون إليها في تقييم الأفلام؟
رائد أنضوني: هناك اتِّـفاق على أن المحكم يمثل نفسه بذاتيته وبتجاربه. وطريقة نظرنا للأفلام، مرتبطة بالأنا والذات، من حيث هي تجارب فنية وحياتية، والمتفق عليه، هو التساؤل حول دوافع المخرج في هذا العمل، وإن كان قد نجح في الدفاع عن تلك الدوافع.
سويس انفو: الكثير من الأفلام المعروضة تلبّـي انتظارات مخرجيها أكثر منها تعبيرا عن حقيقة موضوعاتها، والكثير من الأفلام ذات بعد أنتوغرافي، تبحث عن الطرافة والإثارة وإثبات تفوّق الذات على الموضوع؟
رائد أنضوني: في السينما الوثائقية هناك سؤال أخلاقي كبير، وهو جزء من معايير الجودة فيها، وهو أمر حساس جدا، قد تذهب إلى بلد وتحوّل الناس إلى أدوات من أجل أن تنتج شريطك بدلا من أن تدخل في علاقة إنسانية حقيقية معهم.
هناك أفلام أشمئِـزّ من مشاهدتها، لأن منظومتها الأخلاقية متدينة، وإذا كان المُـخرج يصدر عن نظرة استعلائية من موضوعه، من السهل معرفة ذلك، وهذا مؤلم، لأن السينما الواقعية اشتغال مع الموضوع، وليس على الموضوع، وعلى المخرج أن يحترم ويقدّر استعداد الآخرين للدخول في الشراكة معه في هذا العمل. والفيلم الوثائقي يتميّـز بدرجة عالية من الحساسية في معالجة الموضوع.
سويس انفو: السينما الوثائقية تتميّـز بنقل الصورة والحدث، إلى أي حد يساعد ذلك في قيامها بدور تواصلي بين الثقافات والشعوب؟
رائد أنضوني: أنا مِـن الذين يخافون من تحميل السينما مهمات أو أسئلة سياسية أو وطنية أو لها علاقة بالتواصل، أتمنى أن تقوم السينما بذلك بتلقائيتها، لكن من دون أن تحمِّـل نفسها مسؤولية ذلك. أنا مثلا لا أبحث عن الانتصارات الكبرى، والسينما لن تحرر أرضا مغتصبة ولن تغيِّـر الواقع الاجتماعي للناس، كل ما تفعله هو ملامسة البُـعد الإنساني في الأفراد، بعيدا عن النظام الذي صنعه الإنسان بنفسه.
سويس انفو: يسود العالم نظام استهلاكي لم يترك للهويات وللتعدد من معنى، ما دور السينما في مقاومة هذه العولمة؟
رائد أنضوني: المشكلة، أن جزءً هاما من الإنتاج السينمائي يغذّي هذه النزعة، وسينما هوليود أفضل مثال للإنتاج الاستهلاكي، أما السينما الوثائقية فهي محدودة بالمقارنة مع غيرها، والكل مدعو لمقاومة هذه النزعة. أؤمن بأن الواقع الاقتصادي والاجتماعي، هو الذي يغيِّـر الثقافة وأن الثقافة لا تغيِّـر الواقع.
سويس انفو: من السَّـهل ملاحظة الأوجه الفنية في فيلم “ارتجال” والفيلم السويسري “الصوت الأصيل”، الذي عرض عند افتتاح هذا المهرجان، كِـلا الشريطين يختار الموسيقى جِـسرا للعبور للمستقبل، هل هذا صحيح؟
رائد أنضوني: كلاّ، الفيلمين يصنّـفان في مجال القضايا الاجتماعية، والفيلمان هما حول صراع الأجيال، وفي السينما تستخدم العناصر الجمالية المتاحة للتعبير.
وفيلم “ارتجال”، كان قصة نجاح في زمن الهزيمة وكان قصة هوية وكيف تتشكل مع الزمن ومع تغيّـرات المحيط، كان قصة عائلة، مثلما كان الفيلم السويسري قصة مجتمع، يتأرجح بين المحافظة والسّـعي إلى الانطلاق، والمشترك بين الفيلمين، الاعتقاد أن الهوية مسألة منفتحة على التطور مع الاحتفاظ ببعض الثوابت.
سويس انفو: حضر الواقع العربي من خلال العديد من الأفلام، لكن السينما العربية كانت غائبة عن هذا المهرجان، لماذا تميل السينما العربية عادة إلى الخيال والرومانسيات؟
رائد أنضوني: السينما الوثائقية من المُـمكن أن تنجح أكثر في العالم العربي، أولا، بأن ميزانيات إنتاج الشريط الوثائقي أقل وموضوعاته متوفِّـرة في منطقتنا، ربما الخوف من مواجهة الحقيقة وربما الرقيب أيضا، الخارجي والداخلي. الفيلم الوثائقي يتطلب إنسانا حرا في فكره ومستقلا في قناعاته، وهذه ميزات نادرة في منطقتنا.
سويس انفو: بعض أعمالكم تجد القبول في بلدان أوروبية أكثر منها في البلدان العربية، لماذا؟
رائد أنضوني: طبعا والسبب بسيط، لأن التلفزيونات العربية نوعان: إما تجاري استهلاكي، هدفه جذب المشاهدين ثم وضع الإشهارات، وإما تلفزيونات رسمية تابعة لحكومات، ليس من مصلحتها تقديم الواقع كما هو، وأن هذه التلفزيونات هي مِـلكا للقطاع العام وليس لعامة الشعب. عرضت أفلامي على تلفزيون ARTE (وهي قناة ألمانية فرنسية) لأنها قناة تحترم ذوق الجمهور، أما حكوماتنا فتخاف من الثقافة الجادة.
أجرى الحوار عبد الحفيظ العبدلي من مدينة نيون
قائمة الأفلام الإحدى عشر الحاصلة على الجوائز في مهرجان السينما الوثائقية بنيون عام 2007
الجائزة الكبرى لمهرجان نيون (15.000 فرنك سويسري): فيلم “الأبناء” لفولكر كووب من ألمانيا.
جائزة هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية (10.000 فرنك)، مشهد لصيد الخنزير، لكلوديو بازنزا من فرنسا وبلجيكا.
جائزة الجمهور مدينة نيون (5000 فرنك) لفيلم “الصوت الأصيل”، لستيفان شفايتسر من سويسرا.
جائزة الكنيسة الكاثوليكية بسويسرا (5000 فرنك)، فيلم “مرحبا أوروبا” لبرونو أولمير من فرنسا.
جائزة الشباب (2500 فرنك) لفيلم “دسيسة في كابول”، لدان أليكس من بلجيكا.
جائزة وكالة التنمية والتعاون السويسرية (5000 فرنك) لفيلم “زحف التصنيع” لجنيفر بشوال من كندا.
جائزة النظرة الجديدة من كانتون فو (5000 فرنك) لفيلم “شارع أخ مثلي 4” لأرتشيل كيتاغوري من جورجيا.
جائزة السينما السويسرية من تلفزيون سويسرا الروماندية (الناطقة بالفرنسية) (7000 فرنك) لفيلم “مسرح العمليات” لبونوا روسل من سويسرا.
جائزة جمعية الكتّـاب السويسريين (10.000 فرنك)، لفيلم “العودة إلى غوري” لبيير إيف بورغو من سويسرا.
جائزة نظرة على الجريمة من جمعية محامي جنيف (5000 فرنك) لفيلم “الجانب المظلم للسيدة البيضاء”، لباتريسيو هونري كاي من كندا.
الجائزة الخاصة لمؤسسة جون توم بلينتن (5000 فرنك ) لفيلم “مشرع الدولة”، لفريديريك وايزمان من الولايات المتحدة.
استمرت الدورة الثالثة عشر لمهرجان نيون من 20 إلى 26 من الشهر الجاري، ونظمت أوّل دورة لهذا المهرجان سنة 1969، ويتولى إدارته منذ عشرة سنوات السيد جون بيير.
بلغ عدد الأفلام التي عرضت هذه السنة، 137 فيلما جاءت من 23 بلدا مختلفا، منها 39 فيلما دوليا، عرضت لأوّل مرة.
بلغ عدد الجمهور، الذي تابع العروض خلال أيام المهرجان، 27.000 مشاهد، أي بزيادة ملحوظة عن السنة الماضية.
تراوحت قيمة الجوائز بين 15.000 فرنك سويسري (الجائزة الكبرى) و2.500 فرنك سويسري (جائزة الشباب)، وبلغت القيمة الإجمالية لتلك الجوائز الإحدى عشر، 80.000 فرنك سويسري.
بدأ افتتاح العروض بالفيلم السويسري “الصوت الأصيل” واختمت بفيلم “الشبح”، للمخرج البريطاني برومفيلد.
يعيد هذا المهرجان الاعتبار للسينما الوثائقية، إذ حرصت الأفلام، التي عرضت خلال أيام المهرجان على تقديم الوقائع كما هي في الواقع، وسعت الإدارة المنظِّـمة إلى الدخول عقب كل عرض في حوار مباشر مع الجمهور حول الأسئلة التي يثيرها الفيلم، والنظرة التي ينظر بها للظاهرة والرسالة التي يسعى المخرج إلى إيصالها للجمهور.
أما الأعمال التي عرضت، فكانت على درجة كبيرة من الثراء والتنوّع. ومن الأفلام التي حفلت بها هذه الدورة، وكانت على قائمة المنافسة الدولية، عشرين فيلما، منها الفيلم السويسري “الصوت الأصيل” (Heimatklange)، للمخرج ستيفان شفايتسر، ويثير هذا الفيلم قضية الفلكلور السويسري ودلالاته الوطنية ودوره في صياغة هوية هذا البلد، وكيف يمكن أن يمثل هذا الفن جسر العبور للمستقبل عبر إعادة قراءة تاريخ هذا الفلكلور وتطويره بما يتوافق والقيم الجمالية المعاصرة.
وفي المجموعة نفسها، نجد فيلما بعنوان “دسائس كابول”، ويروي مخرجه دان أليكس، وهو صحفي بلجيكي من أصل روماني، قصة آخر رجليْ دين يهوديين في كابُـل، يتنافسان على تمثيل ديانتهما في بلد غادره أتباعهما منذ أن حل بالسلطة نظام طالبان، كما يكشف الفيلم عن التوظيف الاجتماعي للرموز الدينية لتحقيق مكاسب شخصية، وهو ما جعل رجليْ الدين متباغضين متنافسين.
وأيضا فيلماْن آخران، الأول إيراني بعنوان “الوقت ليس متأخر بالنسبة للحرية”، للمصوّر الشاب مهارداد آسكوي، ويلقي الضوء على شخصية أربعة أطفال إيرانيين في مؤسسة عقابية، ومن خلال هذا الفيلم استطاع المخرج لفت النظر إلى حالة الإحباط العميقة التي يعيشها جيل بكامله، أنهكت كاهله المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها المجتمع الإيراني.
وأما الفيلم الثاني، فهو فيلم وثائقي إسرائيلي لجيرالد آلون، يبدأ بمسائلة الأسُـس التي تقوم عليها النظرية الصهيونية ويبحث في حقيقة الدور الذي يلعبه الدِّين في تأجيج الصِّـراع في الشرق الأوسط، ويلقي الضوء على الدور المركزي للمؤسسة العسكرية في المجتمع الإسرائيلي، الذي لا يكاد يخرج من حرب حتى يستأنف أخرى. كما يكشف الفيلم عن التجاذب والاستقطاب الداخلي بين التصوّر التوراتي للصراع القائم على نظرية “إسرائيل الكبرى”، والتصور العلماني الذي يؤمن بدولة ذات حدود معترف بها دوليا، ويتخذ الفيلم من حادثة إجلاء المستوطنين من غزة العام الماضي، نقطة تجلي لهذا الاستقطاب.
ولا تقلّ أهمية الأفلام التي هي خارج المنافسة الدولية، نذكر منها على سبيل المثال، فيلم رشيد جيداني “على نهجي”، وفيه يوثق بالصوت والصورة مراحل تأليفه لروايته الثانية، بعد أن اتهم بسرقة نص روايته الأولى، وكأن لسان حال متهميه يقول، كيف لشاب من أصول مغربية عمل بناء ثم ملاكما أن ينافس في حلبة الإبداع والكتابة، لكن الفيلم يثبت أن الإبداع يولد من رحم الإرادة، والذكاء قسمة عادلة بين الجميع.
وأما فيلم السينمائي البلجيكي فريديريك ديفيي “رسالة للملك”، فيعالج أوضاع اللاجئين في بلجيكا وفي أوروبا بصفة عامة. وفي باحة هذا القصر الأثري، الذي تحوّل إلى سجن يخضع إلى إدارة خفية، يتم التعرف على أحد اللاجئين الأفارقة كان بصدد كنس المكان، ويعبـّر هذا اللاجئ عن عزمه على الكتابة للملك “الله”، مشتكيا له من الظلم الذي ألحقته به الحكومات بعد أن يئس من عونها وتفهمها، ومذكِّـرا بأن المسيح عليه السلام كان لاجئا، وتغرب شمس الفيلم باستعطاف الحكومات من أجل إيقاف حملات الطرد التعسفي ضد اللاجئين.
لكن القصص الطريفة والنصوص الجادة والمعالجات العميقة لقضايا النفس البشرية والمجتمعات الإنسانية المتعددة، ثقافيا وحضاريا، لا تقف عند هذه الأمثلة، إذ نجد أفلام وثائقية حول واقع المزارعين الفلسطينيين الذين يفلحون أرضهم تحت وابل الرصاص، واللاجئون الأفارقة الذين يقطعون الصحاري الموحشة والبحار المتموجة من أجل الوصول إلى الأرض الموعودة، والنساء ضحايا الاتجار في الجنس البشري، بالإضافة إلى شهادات وعيِّـنات عمّـا تعانيه البشرية اليوم من توترات نفسية وانهيار قِـيمي وحروب وكوارث.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.