حظر استهلاك الحشيش .. مستمر!
بعد جلسة عاصفة، رفض مجلس النواب رفع عقوبة تعاطي الحشيش، فيما يعد فشلا في توجه الحكومة إلى تقنينه والسماح باستهلاكه.
وعلى الرغم من أن 10 أصوات فقط هي التي حالت دون تعديل قانون المخدرات في سويسرا، إلا أن النقاش حوله أظهر فرقا في التوجهات بين غرفتي البرلمان.
بدعم من حزب الشعب اليميني والمسيحي الديموقراطي واقلية من الليبراليين، رفض مجلس النواب السويسري مساء الاثنين 14 يونيو تعديل قانون المخدرات، حيث طالبت بعض الأطراف رفع عقوبة تعاطي الحشيش.
وقد شهد المجلس مداخلات من مؤيدي ومعارضي رفع عقوبة التعاطي، كانت مشحونة بدوافع مختلفة، فمؤيدو رفع العقوبة يرون فيها حماية للشباب من التعاطي في السر والوقوع تحت ضغوط عصابات مروجي المخدرات، بينما يلوح المعارضون بالمخاطر الصحية الناجمة عن الإسراف في تعاطي الحشيش وتأثيره على الشباب.
ويرى حزب الشعب السويسري (اليميني) أن السماح بتعاطي الحشيش يمثل إشارة خاطئة إلى الشباب ويقلل المسافة الفاصلة بين المخدرات الخفيفة والأخرى الثقيلة، ومن المحتمل أن يساعد هذا على تحويل سويسرا إلى قبلة للباحثين عن سراب المتعة من خلال المخدرات.
واللافت للنظر أن وزير الشؤون الداخلية (تشمل الصحة العمومية) باسكال كوشبان من مؤيدي رفع العقوبة، نظرا لانتشار تعاطي الحشيش في البلاد، وأنه من الأفضل – حسب رأيه – أن يكون التعاطي تحت اشراف المتخصصين بدلا من التداول في السر.
ردود فعل متباينة
وجائت ردود الفعل على نتيجة التصويت متفاوتة، فقد أعلنت “لجنة الأمن الاجتماعي والصحة” عن سعادتها لرفض القانون، الذي كان سيعمل على ازدياد نسبة المدمنين، لا سيما مع ارتفاع نسبة المواد الفعالة في المخدرات بشكل متواصل.
كما قالت المتحدثة باسم اللجنة روت ناف بأن فكرة رفع العقوبة عن المدمنين إخلال بالمعايير الدولية، وذلك استنادا إلى توصية الامم المتحدة في 26 فبراير 2002، التي تطالب بعدم السماح بتداول الحشيش.
في الوقت نفسه رأي النواب الليبراليون بأن الإبقاء على العقوبة لا يتماشى مع ارتفاع نسبة المدخنين، ومن شأنه أن يقوي من شبكات الجريمة المنظمة ويساعد على ارتفاع عمليات التهريب، والجرائم المرتبطة به.
ومن الملفت أن جمعية حماية الشباب (Pro Juventute) أعلنت أنها ستدعو لعرض القانون المرفوض على الاستفتاء الشعبي العام، وذلك بدعم من اتحاد المعلمين والفدرالية السويسرية لموظفي الشرطة الفدرالية.
قانون قديم وفعالية متهالكة
يعود القانون الحالي للتعامل مع المواد المخدرة إلى عام 1951 مع تعديل وحيد طرأ عليه في عام 1975، وقد تغيرت بالطبع الكثير من المعطيات حول سلوك السويسريين في تعاطي المخدرات خلال تلك السنوات، مما دفع بالمتخصصين إلى النظر في كيفية تعديل هذا القانون بما يتماشى مع المعطيات الحالية.
في الوقت نفسه حرص الخبراء على أن يشمل القانون الجديد أربعة نقاط أساسية، الأولى الحماية من الوقوع في شرك الإدمان، والثانية كيفية علاج المدمنين بالفعل، والثالثة مواجهة أساليب القمع المعارضة للقانون والأخيرة تفادي المخاطر المحتملة من تأثير تطبيق القانون الجديد، وهو ما رآه المعارضون تناقضا كبيرا بين ظاهره وباطنه.
كما كان من المفترض أن يضم القانون الجديد فقرة تتعلق بعلاج المدمنين تنص على الاعتراف بحق الحالات الصعبة من المدمنين في الحصول على كمية من المخدرات تحت إشراف طبي، بعد ما اعتبره الخبراء نجاح تجربة توزيع الهيروين على مدمنين تحت إشراف طبي في بعض الكانتونات.
المشكلة الحقيقية التي واجهت البرلمان في جلسته هي الصراع حول تقنين تعاطي الحشيش أم منعه، حيث رأى بعض النواب بأن السماح بزارعة الحشيش للاستخدام الخاص لا غبار عليه، استنادا على دراسة أعدها “المركز السويسري لمشاكل الكحوليات والمخدرات” جاء فيها أن حوالي نصف مليون شخص يتعاطون الحشيش بشكل دائم أو كلما أتيحت لهم الفرصة في سويسرا، كما رأوا بأن تعديل القانون ورفع عقوبة التعاطي يشكل نوعا من الواقعية في التعامل مع ملف المخدرات.
في الوقت نفسه أعلن مجلس النواب عند فتح النقاش حول تلك القضية أن تطبيق قانون تجريم تعاطي الحشيش “لا يتناسب منطقيا مع المعطيات الحالية، بل لابد من أخذ التغيرات المجتمعية بعين الاعتبار مع النظر إلى الخلفية القانونية”.
تعديلات متناقضة
وكانت بعض الترجيحات تشير إلى أنه من المحتمل أن يسمح القانون الجديد بزراعة وتعاطي الحشيش في أطـر محددة، استنادا إلى الرأي القائل بأن تعاطيه بنسب معقولة أشبه بتعاطي الكحوليات وتدخين السجائر، على أن يقوم الجهاز التشريعي بإعداد القوانين المتعلقة بذلك.
ويفهم من تصريحات الحكومة بأن السماح بتعاطي الحشيش لا يشكل خطرا كبيرا، في مقابل تحسين الإجراءات المتبعة لمنع الإدمان.
واللافت للنظر أن مجلس الشيوخ (الغرفة الصغرى للبرلمان الفدرالي)، وعلى الرغم مما عرف عنه بالنهج المحافظ، قد وافق مرتين على إجراء التعديلات المقترحة على القانون الحالي لجعله أكثر ليبرالية.
في المقابل، أسفر آخر اقتراع أجري في مجلس النواب (الغرفة العليا للبرلمان الفدرالي) حول القانون في عام 2003 عن رفض 96 نائب لتعديله بزيادة 4 أصوات فقط عن المؤيدين، حيث وقف حزب الشعب السويسري وأغلبية المسيحيين الديموقراطيين وأنصار التوجه الليبرالي في صفوف الرافضين.
المعارضون والمؤيدون كل على موقفه
وعلى عكس المتوقع لم تتغير كفة الموازين أثناء مناقشة تعديل القانون، ولم يتنصل الرافضون من موقفهم، أو حول المؤيدون رأيهم متأثرين بما شهده الرأي العام في الآونة الأخيرة من اختلاف حاد في وجهات النظر بين كلا الطرفين.
أما الخبراء والمتخصصون فلهم رأي آخر، فقد أعلنت السيدة جانين ميسرللي المتحدثة باسم المركز السويسري للكحوليات والمخدرات أن الفرق بين المخدرات الثقيلة والأخرى الخفيفة تغير استنادا إلى مفاهيم ثقافية وليس بعد الرجوع إلى حقائق علمية.
فارتفاع نسبة المادة الفعالة في الحشيش “تيتراهايدروكاربينول” المعروفة اختصارا بـ THC له مضاره ومنافعه، فمن مميزاته أن المدخن لا يضطر إلى استهلاك مادة كثيرة للوصول إلى التأثير الملموس، ومن سلبياته أن معتادي التدخين الخفيف يفاجئون من شدة التركيز عند التعاطي.
ومن الواضح من تصريحات هذا المركز أنه يدعم تقنين تعاطي الحشيش، فالسيدة ميسرللي تقول مثلا بأن من يتجرع قنينة من شراب الفودكا في وقت قصير يدخل في عداد المتعاملين مع المخدرات القوية، أي أن من يدخن قدرا قليلا من الحشيش كمن يتناول كأسا من أي مشروب كحولي آخر لا يعاقب القانون على تعاطيه.
كما ترى في حديثها إلى سويس انفو بأن “رفع العقوبة عن التعاطي سيسمح للجهات المختلفة بالاتصال المباشر مع مستهلكي الحشيش وتقديم الوسائل اللازمة لحمايتهم سواء من السلبيات أو من سوء الاستغلال”.
الكلمة الأخيرة للناخب
يُـشـار إلى أن قرار مجلس النواب ليس نهاية المطاف. فالديموقراطية المباشرة في سويسرا تسمح بعرض الملف مجددا على الرأي العام من خلال استفتاء شعبي.
وحتى ذلك الموعد سيحشد المؤيدون والمعارضون كل ما لديهم من حجج واسانيد لإقناع الناخبين بآراءهم ووجهات نظرهم، لتبقى الكلمة الاخيرة بيد المواطن الذي سيختار بين أمرين: إما أن يقبل بتقنين تدخين الحشيش ويتحمل ما سينجر على ذلك من عواقب، أو أن يضعه في قائمة المحظورات ويتجنب مساوئه.
تامر ابو العينين – سويس انفو
صدر أول قانون في سويسرا حول المخدرات في عام 1924 وجرم تعاطي الأفيون والمورفين.
اعتمد البرلمان السويسري في عام 1991 أول نظام للتعامل مع قضية انتشار المخدرات تسمح بعلاج المدمنين ولو عن طريق توزيع جرعات مجانية.
في عام 1997 رفض الناخبون مبادرة لمنع المخدرات وحماية الشباب منها
وفي عام 1998 رفضوا مبادرة أخرى لمنع تجريم المخدرات.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.