حـُقوق الإنسان: “الحل الوسط” الخاص بالسودان بين الترحيب والتشكيك
من القرارات التي تمخضت عن الدورة الأخيرة لمجلس حقوق الإنسان، تمديد مهمة المقررة الخاصة لحقوق الإنسان في السودان، وإنهاء مهمة فريق الخبراء المكلف بمتابعة أوضاع حقوق الإنسان في دارفور.
ويعتبر مؤيدو إلغاء مهمة فريق الخبراء حول دارفور هذا القرار اعترافا باستعداد السودان للتعاون مع آليات حقوق الإنسان، بينما ينظر إليه المعارضون كإضعاف للعمل الجيد الذي شرع المجلس في تحقيقه في مسألة دارفور.
ما ميز أشغال القسم الثاني من الدورة السادسة لمجلس حقوق الإنسان التي انعقدت في قصر الأمم في جنيف ما بين 10 و14 ديسمبر الجاري، اعتماد قرار والمصادقة على 12 مشروع لائحة، من بينها إنهاء مهمة الخبراء المكلفة بمتابعة أوضاع حقوق الإنسان في دارفور، وتجديد مهمة المقررة الخاصة حول السودان، وإقامة آلية معنية بحقوق الشعوب الأصلية، وتجديد مهمة مقررين خاصين مثل المكلف بأوضاع المرحلين داخليا، والمقرر الخاص المكلف بمناهضة مظاهر عدم التسامح الديني.
كما تطرق المجلس لأوضاع حقوق الإنسان في ميانمار، مطالبا السلطات بالامتثال لما جاء في تقرير المقرر الخاص، وبالإفراج عن المعتقلين ومتابعة مرتكبي الانتهاكات.
اعتراف بتعاون السودان!
وكان الموضوع الذي أثار جدلا واسعا في هذه الدورة إنهاء مهمة فريق الخبراء المكلف بمتابعة أوضاع حقوق الإنسان في دارفور، والذي كان مكونا من سبعة خبراء تابعين لآليات خاصة لحقوق الإنسان.
المجلس برر هسذا القرار بـ”برهنة الحكومة السودانية عن تعاونها مع آليات حقوق الإنسان”. كما أعرب عن ارتياحه “للحوار البناء الذي أقامته الحكومة السودانية مع الخبراء”، مشيرا إلى أنه سجل “الجهود التي تقوم بها الحكومة السودانية من أجل تطبيق القرارات التي ساهم فريق الخبراء في إعدادها”.
لكن المجلس عبر في نفس الوقت عن “قلقه لكون العديد من هذه القرارات، ولأسباب مختلفة، لم تجد طريقا للتطبيق بالشكل المرجو، الأمر الذي لم يسمح ببلوغ المستوى المطلوب من تحسن أوضاع حقوق الإنسان في دارفور”. وأعرب المجلس بالخصوص عن قلقه حول “عدم تقديم مرتكبي الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي للمحاكمة”.
تعبير المجلس عن هذا القلق في قرار تم اعتماده بتوافق الآراء، دفع العديد من منظمات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق الإنسان إلى المطالبة بـ”طريقة أخرى من التعاون البناء” مع السلطات السودانية، إذ تعتقد تلك المنظمات أنه كان على المجلس ترك مزيد من الوقت لفريق الخبراء لإتمام عمله في دارفور حتى شهر يونيو من عام 2008.
وترى بيغي هيغس، رئيسة حملة منظمة هومان رايت واتش، أن “المجلس قد عمل، بقراره إنهاء هذه المهمة، على إضعاف قيمة عمل المجلس في السودان”.
“التعاون بدل الإدانة”
وفي قرار تم اعتماده بدون تصويت، قبل مجلس حقوق الإنسان تمديد مهمة المقررة الخاصة لحقوق الإنسان في السودان، الأفغانية سيما سمر، لمدة عام آخر. وهو ما اعتبره بعض المراقبين تمديدا أيضا لمهمة مراقبة تطبيق توصيات فريق الخبراء الذي كانت ترأسه السيدة سمر.
وطالب المجلس في هذا القرار حكومة السودان بمواصلة تقديم الدعم للمقررة الخاصة، والامتثال لمطالب زيارتها، وتزويدها بكل المعلومات الضرورية لإنجاح مهمتها.
كما طلب المجلس من المقررة الخاصة تقييم احتياجات السودان، وتعبئة الدعم التقني والمالي الدولي الضروري لمساعدة هذه البلاد في مجال حقوق الإنسان، والسهر على متابعة تطبيق التوصيات الواردة في تقرير فريق الخبراء، وكذا رفع تقرير للمجلس في دورته القادمة في شهر مارس 2008.
ولئن حاولت مصر، باسم المجموعة الإفريقية، معارضة تجديد مهمة المقررة الخاصة من منطلق معارضة تجديد مهام كل المقررين الخاصين المكلفين بأوضاع خاصة في بلدان معنية على أساس أن ذلك عرف انتقائيا وتسييسا في الماضي، فإن الإجماع فرض قبول تمديد هذه المهمة.
وهذا ما ثمنه ممثل السودان عبد الدائم زمراوي، بتقديم الشكر لكل من ممثل مصر باسم المجموعة الإفريقية وممثلي باكستان باسم منظمة المؤتمر الإسلامي على محاولات تجنيب التجديد. بل شكر الممثل السوداني سويسرا أيضا على الجهود التي قامت بها للتوفيق بين مواقف المجموعتين الافريقية والغربية.
وكان السفير السويسري بليز غودي قد نوه في كلمته بعد التصويت إلى أن سويسرا كانت ترغب في الاحتفاظ بالمهمتين الخاصتين بالسودان، ولكن المفاوضات لم تسمح بذلك “مع الأسف” (حسب تعبيره)، مما اضطر سويسرا الى الوقوف الى جانب الإجماع. لكن السفير السويسري عبر عن الثقة في رؤية المقررة الخاصة حول حقوق الإنسان في السودان تقوم بمهمتها على أحسن وجه.
وإذا كان عدد من الدول الغربية غير مرتاح لوضع حقوق الإنسان في دارفور ولم يعارض قرار إلغاء مهمة فريق الخبراء، فلأنه كان يعرف جيدا أن التمسك بإبقاء مهمة فريق الخبراء وتمديد مهمة المقررة الخاصة حول السودان ليس بالأمر الممكن نظرا للتفوق العددي للدول النامية داخل المجلس.
وهو ما يترك انطباعا من أن المنطق السائد اليوم داخل مجلس حقوق الإنسان، بعد التعثر الذي عرفه في بداية مشواره، بدأ يسير نحو تفضيل فكرة التعاون بدل الإدانة والتشهير التي كانت سائدة في لجنة حقوق الإنسان.
غير أن نجاح هذا المنطق يبقى مرهونا بمدى استعداد الدول للتخلي عن الذرائع، للقيام بتحسين فعلي، على أرض الواقع، لسجلها في مجال حقوق الإنسان.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
في ختام الدورة السادسة لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، علق رئيس مجلس حقوق الإنسان السفير الروماني دوروس رومولوس كوستيا على ظاهرة عودة المجلس لاتخاذ القرارات بالتوافق بين مختلف الكتل الجغرافية بقوله “نأمل في أن نستمر في اتخاذ القرارات في المستقبل بالتوافق، لأن التوافق أمر محبذ ومرغوب فيه، وفي أغلب الأحيان يعتبر الوسيلة الأكثر نجاعة لتحقيق الأهداف مثلما أظهرت ذلك معالجة أوضاع حقوق الإنسان في بعض الدول”.
غير أن رئيس المجلس حذر من مخاطر المبالغة في الجري وراء التوافق بأي ثمن بقوله “لكن تحقيق التوافق بأي ثمن يعتبر فخا قد يقود الى الانحراف عن المبادئ وعن مفهوم الأشياء”، قبل أن يضيف “لذلك علينا أن نجد الوسيلة الملائمة وأن نحاول كل مرة الرقي بالمعايير الى أعلى (…)”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.