حقـُوق الإنسان في تونس بين التعـهُّدات والإشـادة والتـشكيك
تعهدت تونس أثناء تقديم تقريرها يوم الثلاثاء أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل التابعة لمجلس حقوق الإنسان باستضافة مقررين خاصين وبتعزيز الدور العملي للشركاء في عملية مراقبة احترام حقوق الإنسان.
هذه الوعود التي أشادت بها دول مجلس حقوق الإنسان مع طرح بعض التساؤلات بخصوص حرية الصحافة والتجمع ودور المجتمع المدني، لم تصل لحد إقناع المنظمات المعارضة التونسية بجدية نوايا السلطة التي وصفتها بـ “مناورات تمليها الظروف”.
استمعت آلية الاستعراض الدوري الشامل التابعة لمجلس حقوق الإنسان لتقرير تونس كثالث بلد يخضع لهذه المراجعة، بحيث تدخلت 64 دولة إما للإشادة بإنجازات تونس في مجالات حقوق الإنسان المختلفة ولطلب توضيح حول إنجاز معين، أو الاستفسار حول ملفات كانت قد أثارتها إما المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان أو الآليات الخاصة لحقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة.
ولا شك أن ما يجب استخلاصه من هذا التمرين هو إعلان وزير العدل وحقوق الإنسان التونسي البشير التكاري أمام الدول الأعضاء صباح الثلاثاء 8 ابريل في جنيف، عن “التزام تونس بتوجيه دعوة للمقررين الخاصين التابعين لمنظمة الأمم المتحدة للقيام بزيارة لتونس”. وهو ما يُنظر له عادة على أنه من الالتزامات العملية في مجال التعاون مع الآليات الخاصة لحقوق الإنسان.
ولكن الوزير التونسي، الذي أعاد تأكيد ذلك في ندوته الصحفية، لم يوضح نوعية المقررين الخاصين الذين ستوجه لهم الدعوة ولا الفترة المحددة لذلك، بل اكتفى في رده على تساؤلات الصحفيين بالقول “أن ذلك سيتم في عام 2008″، مشددا أمام إلحاح الصحفيين على أنه عندما “يعلن بلد أمام محفل أممي أنه يوجه دعوة لمقرر خاص، فإن ذلك يعني أنه سيوجه له الدعوة، وكونوا مطمئنين بأن ذلك سيتم ابتداء من العام 2008، وبعد تحديد ذلك مع المقرر المعني”.
لغة جديدة
واستمع مجلس حقوق الإنسان لتقرير تونس أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل التي ستخضع لها كل الدول؛ وهو التقرير الذي عرضه وزير العدل وحقوق الإنسان التونسي البشير التكاري بمساعدة وفد هام.
التقرير الذي استعرض، مثلما هو معتاد في مثل هذا الصنف من الوثائق، التلاؤم القائم بين التشريعات الوطنية ومتطلبات المعاهدات والمواثيق الدولية التي صادقت عليها الدولة التونسية، تضمن هذه المرة نبرة جديدة في الخطاب الرسمي التونسي نذكر منها استجابة البلاد لتوصيات صادرة عن آليات أممية لحقوق الإنسان، مثل التعديلات القانونية الخاصة بتعزيز دور الأحزاب في الحياة السياسية، أو تعديل المادة 40 من الدستور لتعزيز التعددية في عملية الترشيح في الرئاسيات.
وفيما يتعلق بموضوع محاربة التعذيب مثلا، أوضح التقرير أنه استجابةً لتوصيات آليات حقوق الإنسان، تم تعديل تعريف التعذيب في القوانين التونسية تماشيا مع المادة الأولى من معاهدة مناهضة التعذيب، بل ذهبت تونس إلى حد استعراض جدول بـ 205 من حالات موظفين استخدموا نفوذهم لممارسة العنف ضد سجناء وقدموا للمحاكمة.
بل تضمن التقرير الرسمي لتونس توصيات ممثلي المجتمع المدني التي قال السيد الوزير عنها في رد على تساؤلات سويس إنفو “إنها تعكس إرادة إشراك منظمات المجتمع المدني حتى ولو أننا لم نكن متفقين معهم حولها”.
إشادة وتساؤلات
مناقشة تقرير تونس حظيت بتدخل 64 دولة كانت في أغلبها تدخلات لعبت فيها الدول العربية والإسلامية وبعض الدول الإفريقية، بل حتى الغربية مثل اليابان، دور التأكيد على الإنجازات التي ترى هذه الدول أن تونس قد حققتها في مجالات حقوق الإنسان المختلفة، من حقوق المرأة إلى التعليم، أو تحقيق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز مظاهر التضامن الاجتماعي ومحاربة الفقر.
وإذا كانت أغلب التدخلات قد جاءت لتأكيد الإنجازات، فإن بعض الدول، وعلى خلاف ما تم في تقرير البحرين، تجرأت نوعا ما على طرح بعض التساؤلات للاستفسار من الوفد التونسي بخصوص بعض المواضيع مثل تساؤل بريطانيا عن “قلق بخصوص حرية التعبير والتجمع”.
وتساءلت فرنسا بأدب حول “كيفية اعتزام تونس تعزيز التعامل مع منظمات المجتمع المدني”، وهي المواضيع التي أعاد ممثل الولايات المتحدة طرحها بقوله “نرغب في الاستماع لرد الوفد بخصوص تساؤل بريطانيا (حرية التعبير) والتعبير عن القلق بخصوص مصادرة بعض الصحف”، كما تساءل عن “التغييرات المتعلقة بالقانون الانتخابي والنفاذ إلى وسائل الإعلام”.
وفي إطار الرد على تساؤل حرية التعبير والرأي، أوضح الوفد التونسي بأنه لا يوجد سجناء من الصحفيين وأن “الرقابة المفروضة على بعض المواقع تتعلق بمواقع تدعو إما للعنف أو تروج للجنس”.
وعلق الوزير على الأجواء التي تمت فيها المناقشة بالقول “إن التقرير التونسي حظي بالترحيب، وهذا لن يعمل إلا على تشجيعنا على التعاون مع الآليات الخاصة بحقوق الإنسان”.
تفاؤل لا تشاطره المنظمات التونسية المعارضة
منظمات المجتمع المدني التونسية المعارضة، بما في ذلك الرابطة التونسية لحقوق الإنسان ومنظمة النساء الديمقراطيات والجمعية التونسية لمناهضة التعذيب، ترى، مثلما عبرت عن ذلك سهام بن سدرين، الناطقة الرسمية باسم المجلس الوطني للحريات بتونس (محظور) أن “ما تم من تقييم أمام لجنة حقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة في نيويورك مغاير تماما لما سمعناه في آلية الاستعراض الدوري الشامل لحد أننا نعتقد اننا نتحدث عن بلدين مختلفين”.
وأضافت سهام بن سدرين في هذا السياق: “إننا في بلد لا نتمتع فيه بحق التنقل بحرية، ولا بحق نشر الصحف أو تنظيم مظاهرة سلمية، ولا الحق في العدالة. وقد قدم كل منا شكاوى أمام العدالة بخصوص تجاوزات، ولم تقبل أي منها وعددها أكثر من 60 شكوى… لأن العدالة اليوم تخضع كلية لإشراف الشرطة، وليس حتى للجهاز التنفيذي”.
أما راضية نصراوي، من الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب، فترد على التصريحات التي تمت سواء في نيويورك أو جنيف بخصوص مناهضة التعذيب أوالحديث عن معاقبة مرتكبي جريمة التعذيب بالقول: “صحيح أنه على مستوى القوانين، يمكنهم الإدعاء بأنهم قاموا بخطوة. ولكن كمحامية ومدافعة عن حقوق الإنسان وممثلة لمنظمة مناهضة للتعذيب، يمكنني القول بأن التعذيب في تونس وسيلة من وسائل الحكم، ولا أحد يسلم من التعذيب، سواء كان معتقلا سياسيا أو غير ذلك، وسواء كان إسلاميا أو من تيار اليسار”.
وبخصوص مواقع الإنترنت التي تم إغلاقها، والتي قال الوزير التونسي إنها مواقع تحث على الإرهاب أو العنف”، أوضح مختار الطريفي رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان أن “موقع منظمته وموقع الفرع التونسي لمنظمة العفو الدولية من المواقع المغلقة أيضا”.
آمال على كل حال!
وعن سؤال لسويس إنفو عما إذا كانت كل هذه الوعود المقدمة في تقرير تونس ومن خلال تصريحات السيد وزير العدل، لا يمكن أن يتم الاحتفاظ منها بأية آمال حول إمكانية تحسين واقع حقوق الإنسان في تونس من وجهة نظر هذه المنظمات المعارضة، يجيب مختار الطريفي بقوله “تفاؤلي نابع من كون وزير العدل في بلدي قدم تعهدات أمام لجنة حقوق الإنسان في نيويورك قبل أيام، وكرر ذلك اليوم في جنيف أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل، وبغض النظر عن صدقية ذلك أو عدمها، هذا يجعل الصحفيين أو السفراء شاهدين على ما قيل”.
ويضيف مختار الطريفي “أملي أن يمارس كل في إطار مهامه، من صحافة ومحافل أممية وسفراء دول وممثلي المجتمع المدني، دوره لتحقيق هذه الوعود في دعم لما طالبنا به دوما، سواء في مجال إنهاء عقوبة الإعدام أو لدعوة المقرر الخاص المعني بمناهضة التعذيب لزيارة تونس، أو ما أعلن عنه الوزير من تشكيل فريق عمل لرفع التحفظات المسجلة في مجال مناهضة كل أوجه العنف ضد المرأة… وذلك حتى لا تبقى كل هذه الوعود مجرد تصريحات جوفاء”.
سويس انفو – محمد شريف – جنيف
وزير العدل وحقوق الإنسان التونسي البشير التكاري:
“إن بلدا يعلن أمام محفل أممي أنه يوجه دعوة لمقرر خاص، فإن ذلك يعني أنه سيوجه له الدعوة، وكونوا مطمئنين بأن ذلك سيتم ابتداء من العام 2008 وبعد تحديد ذلك مع المقرر المعني”.
راضية نصراوي، من الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب:
“ما تم من تصريحات هو للمحافل الدولية، وهذا الخطاب هو لتحسين الصورة التي يرغبون إعطاءها عن تونس، أما نحن فلا نوهم أنفسنا بالمرة لأن الوزير يمكن أن يقدم الوعود التي يرغب في تقديمها، أما بالنسبة لنا فيجب أن تكون البداية بالإحترام الفعلي والعملي لحقوق الإنسان في تونس، وما نلاحظ وقوعه اليوم هو العكس بالذات”.
السفير الياباني مستشهدا بأقوال زميله في تونس: “الصورة المعطاة عن تونس هي صورة حضارة عريقة”.
أنطوان مادلان، مدير بالفدرالية الدولية لحقوق الإنسان:
“صدمت لسماع السفير الياباني يصف تونس بنموذج الديمقراطية، أود أن أعرف ما هي المعايير اليابانية لتحديد مفهوم الديمقراطية في بلد تم فيه انتخاب الرئيس بن علي بأغلبية 99%”.
مختار الطريفي رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان:
“ما تقوم به الدول في آلية الاستعراض الدوري الشامل من مدح لانجازات الدولة المقدمة لتقريرها يشبه ما يتم عندنا في تونس أثناء الأفراح من تقديم هدايا يتم تسجيلها على أمل تقديم مثيل لها عندما ينظم الآخرون أفراحهم”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.