“حقوقيون” مصريون يُغادرون مناصبهم.. انسحاب أم تجديد؟!
اتّـفق عددٌ من قادة المنظّـمات العاملة في مجال حقوق الإنسان بمصر والعالم العربي، على أن العمل الحقوقي يتعرّض للتّـضييق والحِـصار من الأنظمة والحكومات العربية، التي تُـصٍـر على عدم الاستجابة للنِّـداءات الحقوقية المتكرّرة بشأن توسيع هامش الحريات واحترام حقوق الإنسان
وأشاروا إلى أن “الدولة تتخفّـى وراء ما يُـسمى بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، والذي تمّ تأسيسه قبل 4 سنوات”، واصفين إياه بأنه “مجلس شكلي، ليس له دور”!
ففيما ينظر إليها البعض على أنها محاولة لتجديد الدِّماء وإعطاء الفرصة للشباب لإثبات مواهبهم في قيادة العمل الحقوقي ويراها البعض نوعًا من الحرية التي تتَّـبعها المنظمات في تَـداوُل السلطة، كرسالة للحكَّـام والقيادات الرسمية العربية، التي لا ترغب مُـطلقا في ترْك الكُـرسي طواعية، يعتبِـرها آخرون يَـأسًا من الإصلاح والتَّـغيير الذي يبدو مُـستحيلا في ظِـل هذه الأوضاع.
وكانت أنباء قد تردّدت على مدى الأسبوعين الماضيين عن تخلّـي أربعة من قيادات العمل الحقوقي في مصر والعالم العربي عن مواقعهم في قيادة المنظمات الحقوقية، وتراوحت أسبابهم ومبرِّراتهم بين اليأس من الإصلاح والتغيير، والرّغبة في فتح الباب أمام قيادات شابة وضخِّ دماء جديدة في شرايين العمل الحقوقي.
وفي محاولة منها للوقوف على حقيقية الأنباء والأسباب والدوافع وراء اتِّـخاذ هذه القرارات وتأثيرها على مستقبل حقوق الإنسان بمصر واستمرار المنظمات في القيام بدورها، التقت سويس إنفو عددًا من ناشطي حقوق الإنسان بمصر وهم: بهي الدّين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والفائز بجائزة الدولة الفرنسية لحقوق الإنسان، وحافظ أبو سعده، الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان ومفوض الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان بجامعة الدول العربية، ومحمد فائق (وزير الإعلام في العهد الناصري)، الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، ونجاد البُـرعي، رئيس جمعية تنمية الديمقراطية وأحد مؤسسي المنظمة العربية لحقوق الإنسان.
تخلي وليس انسحابًا!
ففي البداية، نفى الناشط الحقوقي نجاد البرعي ما تردّد عن انسحابه من المجتمع المدني أو تركه العمل في مجال حقوق الإنسان، وأضاف: “لم أقل إنني انسحبت من العمل في مجال حقوق الإنسان، إنما قلت سأتنازل عن إدارة المنظمة لأترك موقع المدير لغيري، وذلك لكي أتفرّغ للكتابة وإبداء الرأي بكافة الطرق”، واستطرد قائلا: “لن نفعل مثل الرئيس مبارك، فنظل في مواقعنا حتى الوفاة”.
وقال نجاد في تصريحات خاصة لسويس إنفو: “إن الحياة تتجدّد ولابد أن تكون هناك دِماء جديدة تقود المؤسسات الحقوقية، فأنا عمري الآن 52 عامًا وأعمل في مجال حقوق الإنسان من سن الثلاثين، أي منذ 33 عامًا، وقد كُـنت أمينا عاما للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان وسِـني أقل من 40 عامًا، لافتًا إلى أن تخلِّـي القيادات في المنظمات الحقوقية عن مواقعها هو اتِّـجاه جديد يسود الحركة الحقوقية المصرية، وأقرب مثال لذلك: محمد زارع ومحمد فائق وحافظ أبو سعده، وآخرون…”.
واستبعد نجاد أن يترك موقِـعه بسبب الإحباط أو اليأس من الإصلاح، واستطرد قائلا: “الحالة تتدهور، ولكن هذا ليس معناه أن أعتزل العمل الحقوقي، بل لابد علي أن أقابل هذا بجهد أكبر، وعلي أن أقاتل بشكل أقوى، وما فعلته هو قتال، ولكن من موقع آخر”.
وعن مستقبل منظمات ومؤسسات حقوق الإنسان في مصر، قال نجاد: “لا شك أنها حقَّـقت نجاحًا، والناس عرفتها، إلا أن قُـدرتها على إحداث التغيير ستظلّ ضعيفة، فهي لا تمتلك سوى الكلمة، ولن تكون مؤثرة وفاعلة، ما لم تُـدرك السلطة التنفيذية أهمية احترام حقوق الإنسان وطالما استمرّت في استخدام أساليبها القمعية”، موضِّـحًا “طالما نستيقِـظ في الصباح، فسيكون هناك أمل، لكن لا أمل في الإصلاح في ظل الحكومة الحالية”، على حد قوله.
واختتم نجاد، رئيس جمعية تنمية الديمقراطية حديثه بالتأكيد على ضرورة “إزالة هذا النظام السياسي واستبداله بنظام أكثر انفتاحًا”، وقال: “لا نستطيع أن نتعامل مع نظام سياسي يتعامل مع “الفايس بوك” بعقلية الستِّـينيات ويعطي اليوم علاوة قدرها 30%، ثم يرفع الأسعار بعد أقل من 24 ساعة بنسبة 60%!!
تصعيد دماء جديدة!
ومن جهته، يتَّـفق محمد فائق، الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، مع نجاد البرعي في نفيِـه ترك العمل في مجال حقوق الإنسان، وإن اتَّـفقا على ترك موقِـعهما في قيادة المنظمتين، نافيًا أن يكون انسحابه من المنظمة العربية لحقوق الإنسان بسبب اليأس من الإصلاح والتغيير.
وقال فائق في تصريحات خاصة لسويس إنفو: “انسحابي كان رغبه تُـراوِدُني في كل اجتماع للجمعية العمومية، وقد استجابت لي الجمعية العمومية الأخيرة”، مشيرًا إلى أنه قرّر ترك الموقع لتصعيد دِماء جديدة، وبعد أن أيْـقن أن المنظمة وصلت إلى حالة من النُّـضج والقدرة على العمل المؤسسي الذي يؤهِّـلها للاستمرار.
وأضاف فائق: “أنا موجود فيها كعضو في مجلس أُمَـناء المنظمة ولن أتركها، وسأعطي فيها كل جُـهدي”، لافتًا إلى أن “تركي هذا الموقع كان رغبه قديمة، شجّـعني على تنفيذها في هذا التوقيت، أنني أدركت أن المنظمة قادِرة على الاستمرار”، مشيرًا إلى أن هذا القرار لصالح المنظمة، فلابد أن يكون هناك تداول للمسؤولية.
وعمَّـا تردّد عن أن السبب من تركه لهذا الموقع هو اليأس من الإصلاح، قال فائق: “صحيح أن الإصلاح في بلادنا يُـواجه مشاكل متعدّدة، ولكن ليس معنى هذا أن نترك مواقعنا ونترك القضية والساحة، بل إن الأمر يحتاج مِـنا إلى تكثيف الجهد”، وقال “لدي التزامات أخرى في منظمات دولية وعربية أقوم فيها بدوري”.
وعن مستقبل حقوق الإنسان في مصر، قال فائق: “هناك مشاكِـل كبيرة تواجه الحركة الحقوقية في الدول العربية عمومًا، منها الهجمة الأمريكية الشَّـرسة على المنطقة واحتلالها للعديد من دول المنطقة، إضافة إلى الأسلوب الأمريكي في محاربة الإرهاب، والذي انعكس على المنطقة كلها، يضاف إليه الاندماج بين أمريكا وإسرائيل وتركها المجال لجرائم الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، معتبرًا أن “كل ذلك يعكس حالة حقوق الإنسان في المنطقة العربية”.
واختتم الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان حديثه، مشيرًا إلى أن “هناك أساب أخرى لتردّي الحالة العربية لحقوق الإنسان، في مقدّمتها: المأزق الذي تعاني منه الأنظمة العربية فيما يخص قضية التنمية وتراجع عملية الإصلاح وعدم قبول الولايات المتحدة الأمريكية بنتائج الديمقراطية، مثلما فعلت مع حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، التي وصلت إلى السلطة بطريقة ديمقراطية.
حرية تداول “السلطة”!
ومن ناحيته، نفى حافظ أبو سعده، الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان الأنباء التي تحدّثت عن نِـيته التخلِّـي عن منصبه في الوقت الحالي، لكنه أشار إلى أنه لا ينوي الترشح للانتخابات المُـقبلة، التي ستجريها المنظمة في العام المقبل.
وقال أبو سعده في تصريحات خاصة لسويس إنفو: “غير صحيح بالمرّة أنني أنوي تقديم استقالتي من منصبي، على غِـرار ما قام به نجاد البرعي، ولكن كل ما أقدَمت عليه، هو التفكير في عدم الترشح للانتخابات المقبلة المقرّرة العام المقبل، وذلك لإعطاء فرصة للشباب، لإثبات مواهبهم في تولي مثل هذه المناصب، وأيضًا كنوع من الحرية التي تتَّـبعها المنظمة في تداول السلطة، ولضخّ دماء جديدة قادرة على مواصلة المشوار”.
وأرجع أبو سعده الأسباب التي دفعته لاتخاذ هذا القرار، إلى إيمانه بفكرة تداول السلطة ليستمر عمل المنظمة بدون خلل، خاصة وأن العمل الحقوقي في مصر لا يزال بحاجة إلى جهود كبيرة، لِـما يلاقيه من عدم استجابة من الحكومة ولما يلقاه من عوامل أخرى تُـعرقِـل مسيرة العمل الحقوقي، مثل بعض العادات التي يتَّـبعها المصريون، والتي تُـعوِّق حصول المرأة والطفل على كافة حقوقهما التي كفلها لهم القانون.
وأوضح أبو سعده أنه يعمل منذ 6 سنوات في منصبه كأمين عام للمنظمة، وقد آن الأوان لأن يكتفي بهذا القدر، خاصة أنه لا زال أمامه عام على الانتخابات الداخلية للمنظمة، سيسعى خلاله لتحقيق عدد من المشروعات التي يحتاج لها العمل الحقوقي في مصر، حتى يُـسلِّـم الراية للجيل الذي يليه على أكمل وجه.
وعن مستقبل حقوق الإنسان في مصر، قال أبو سعده: “لقد حقَّـقنا طوال السِـتّ سنوات الماضية عددا من النتائج الملموسة وأنشأنا عددا من المجالس الحقوقية الخاصة بعمل المرأة والطفل، وحتى على مستوى حقوق المواطن، فيما يتعرّض له من قِـبل الأمن أو النظام الحاكم، وأنه على الرّغم من تعرّض المنظمة لعراقيل عديدة، إلا أننا خطونا خطوات ناجحة عديدة، وهناك خطوات في المستقبل على الطريق ستكون أكثر نجاحا بإذن الله”.
نظام لا يتعامل إلا بالعصا!
ويرجع بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، إقدام عدد من قيادات منظمات حقوق الإنسان في مصر إلى التخلِّـي عن مناصبهم، إلى المعاناة واليأس الذي عايشوه في تغيير الأمور وإصلاح الأوضاع إلى الأفضل، وذلك في ظلّ نظام لا يتعامل مع مُـعارضيه إلا بالعصا، ولا يعرف لحقوق الإنسان طريقًا.
وقال بهي الدين في تصريحات خاصة لسويس إنفو: “دعنا نعترِف بأن قيادات المنظمات الحقوقية في مصر يعملون بكلّ جدّ واجتهاد من أجل تحقيق العدالة المرجُـوَة في المجتمع، إلا أن قيادات الأمن لا تترك لهم الفرصة لينجحوا، وبالتالي، فإن الكثير منهم يأبى أن لا يستمر”، مشيرًا إلى أن “الدولة تتخفّـى وراء ما يُـسمى بالمجلس القومي لحقوق الإنسان الذي يترأسه الدكتور بطرس غالي، والذي هو ليس إلا مجلس شكلي، ليس له دور”.
وكشف بهي الدين عن أن هناك تدهوُر خطير في أداء المجلس خلال العام الأخير، فقد تطوّع في أكثر من مناسبة وبدأ ينوب عن الحكومة، وأحيانا ينافسها في الردّ على التقارير الدولية لحقوق الإنسان، وهي أدوار ليست من مهامّ المجلس ولا ينص عليها قانون إنشائه، مشيرًا إلى أن الغريب، هو أن المجلس الذي يشكو من عدم تلقِّـيه ردود ومعلومات من الحكومة، يقوم بالردّ على تقارير المنظمات الدولية، بنفس الطريقة التي تردّ بها الحكومة المصرية على تقاريره، فيقول للمنظمات الدولية إن معلوماتكم غير دقيقه.
وكان بهي الدين أحد اثنين (مع الدكتور أحمد يوسف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة)، رفَـضا ترشيح الرئيس مبارك لهما بتجديد العضوية في تشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان لدورة جديدة، تمتدّ ثلاث سنوات، وقالا في خِـطاب الاعتذار، إنهما لا يشعُـران بأية فائدة للمجلس ويعتبرانه “مجرّد ديكور”.
القاهرة – همام سرحان
القاهرة (أ ف ب) – طالبت 24 منظمة حقوقية وغير حكومية مصرية يوم الأربعاء 8 مايو، الرئيس المصري حسني مبارك بعدم تمديد حالة الطوارئ السارية في البلاد منذ تولِّـيه الحكم قبل 27 عاما.
وقالت المنظمات في بيان تلقت وكالة فرانس بريس نسخة منه، إنها تناشد مبارك عدم “تمديد حالة الطوارئ لمدة أخرى عند انتهاء العمل بها في 31 مايو الجاري من أجل استقرار البلاد واحتراما من مصر لتعهُّـداتها الدولية”.
واعتبرت المنظمات الأربع والعشرون، ومن بينها المنظمة المصرية لحقوق الإنسان والمركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة ومركز ابن خلدون لحقوق الإنسان، أنه ليس هناك مبرّر لاستمرار العمل بقانون الطوارئ، إذ تتضمن القوانين العادية ما يكفل مواجهة الإرهاب، وهو الحجة الرئيسية التي تستند إليها الحكومة المصرية لاستمرار العمل بقانون الطوارئ.
وأكد البيان أنه لما كانت “القوانين العادية التي تضمّـنت نصوصا يمكن بها مواجهة الإرهاب الذي تذرّعت به الحكومة لمد العمل بقانون الطوارئ كفيلة بضمان الاستقرار في ظل العمل بها، فإن مد العمل بهذا القانون، يفقد سند مشروعيته”.
وأضافت المنظمات أن “التعهّـدات الحكومية بعدم استخدام قانون الطوارئ في مواجهة أصحاب الرأي والفِـكر وأرباب القلم، وأنه يهدف إلى ملاحقة الإرهاب فقط”، لم يتم الوفاء بها.
وأشار البيان في هذا الصّدد إلى أن “المنظمات الموقعة ومن خلال رصدها ليوميات الأحداث، تؤكد استخدام هذا القانون في مواجهة الصحفيين والنقابيين والعاملين في مجال حقوق الإنسان، وهو ما تدل عليه القضايا التي تنظرها محاكم أمن الدولة، طوارئ والمحاكم العسكرية في الوقت الحالي”.
وطالبت المنظمات الرئيس مبارك “بتنفيذ وعده، الذي أعلنه في خطاب ألقاه أثناء حملته للانتخابات الرئاسية (في صيف 2005) بإلغاء حالة الطوارئ في مايو 2008 أو بمجرد الانتهاء من إعداد قانون مكافحة الإرهاب”.
وحالة الطوارئ سارية في مصر منذ اغتيال الرئيس المصري السابق أنور السادات في السادس من أكتوبر 1981.
وكان وزير الشؤون القانونية والبرلمانية المصري مفيد شهاب صرح في أغسطس الماضي أن حالة الطوارئ ستلغى في مصر في نهاية 2008، سواء كان قانون مكافحة الإرهاب جاهزا في ذلك التاريخ أم لا”.
وكانت منظمة العفو الدولية وصفت تعديلات دستورية أدخلها نظام مبارك في مارس 2007 بأنها “أخطر مساس” بحقوق الإنسان منذ إعادة العمل بقانون الطوارئ عام 1981. وانتقدت المنظمة بصفة خاصة تعدّي المادة 179 الذي يتيح للسلطات اعتقال المشتبه بهم وتفتيش مراسلاتهم ومراقبة هواتفهم بدون إذن قضائي.
(المصدر: وكالة أنباء فرانس برس “أف. ب” بتاريخ 8 مايو 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.