حقوق الإنسان في إيران.. بين ضغوط الغرب وتضامن الدول النامية
شددت إيران أثناء تقديم تقريرها الأول أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل التابعة لمجلس حقوق الإنسان في جنيف على أنها تعمل جاهدة لاحترام معايير حقوق للإنسان مع مراعاة الخصوصية الدينية والثقافية، وانتقدت بشدة "استخدام الدول الغربية لمسائل حقوق الإنسان كوسيلة للضغط على الثورة الإسلامية".
لكن الدول الغربية التي جندت نفسها بشكل لم يسبق له مثيل في مجلس حقوق الإنسان، أجمعت في إدانتها للعديد من الإنتهاكات وفي مقدمتها “قمع المتظاهرين في أعقاب الانتخابات الأخيرة، والحد من حرية التعبير والصحافة، وتنفيذ عقوبة الإعدام بشكل مفرط، والتضييق على بعض الأقليات الدينية وبالأخص طائفة البهائيين”.
تعبئة من كلا الطرفين
يبدو أن إيران كانت تتوقع أن تستغل الدول الغربية فرصة تقديم تقريرها الأول يوم الإثنين 15 فبراير أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل، من أجل نبش ملفات لم تفلح في تصفيتها في مواجهات سابقة. لذلك أحضرت الى جنيف وفدا يتكون من أكثر من 33 ممثلا لمختلف الوزارات بما في ذلك نوابا برلمانيين وخمسة نواب وزراء بقيادة محمد جواد لاريجاني، الأمين العام للمجلس الأعلى لحقوق الإنسان في إيران.
في المقابل، لم يتأخر الطرف الغربي عن تعبئة طاقاته إما بشكل مباشر (مثلما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية بإرسال نائب وزيرة الخارجية لرئاسة الوفد الأمريكي، أو أحد السفراء المتقاعدين الذي عمل لعدة سنوات في إيران من أجل تحريك الحملة الإعلامية التي سبقت تقديم التقرير) أو عبر تجنيد المنظمات غير الحكومية إما الغربية أو الإيرانية المعارضة للنظام والتي توجها حضور حاملة جائزة نوبل للسلام شيرين عبادي التي لم تتردد في إدانة “انتهاكات النظام الإيراني من جهة، ورياء الغرب من جهة أخرى الذي يدّعي الدفاع عن الشعب الإيراني في الوقت الذي يُضيّق فيه الخناق على منح التأشيرات لعامة الناس في حين أن قادة النظام يواصلون التحرك بدون قيود”.
وقد وجد كل من الطرفين من يناصره داخل المجلس، حيث وقفت الدول الغربية كتلة واحدة لإدانة ما تراه نقائص في سجل حقوق الإنسان لدى الجمهورية الإسلامية في إيران فيما لقيت طهران في الدول العربية والإسلامية والنامية عموما مناصرا يُعتمد عليه في “الإشادة بالتجربة الإيرانية وطلب تعميم الإستفادة منها”.
مثالية ، وتعاون مع الآليات !
من يتصفح التقرير الحكومي الإيراني، أو يستمع الى تدخل المندوب الإيراني أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل، تتكون لديه قناعة من أن الجمهورية الإسلامية لا تعرف اية مشاكل مع آليات حقوق الإنسان.
إذ يشير التقرير الى أن التشريعات الوطنية “تراعي الحريات، وتضمن الحقوق، وتحارب الانحرافات”. كما أن إيران أقامت عدة مؤسسات وطنية للإشراف على تطبيق معايير حقوق الإنسان في الحياة اليومية وفي مقدمتها المجلس الأعلى لحقوق الإنسان بآلياته المختلفة سواء لجنة حقوق الإنسان المعنية بالقضايا الدولية لحقوق الإنسان أو اللجنة المنشأة بموجب المادة 90 والتي هي بمثابة لجنة تلقي المظالم على المستوى الوطني، واللجنة القضائية والقانونية التي تراجع القوانين وتعمل على جعل التشريعات الوطنية مطابقة للقوانين والمعاهدات الدولية.
وإذا كان التقرير قد أسهب، بصورة نظرية، في تعداد المبادئ التي يقوم عليها القانون، فإنه ذكّـر أيضا بأن إيران انضمت إلى أكثر من 22 معاهدة دولية إما لحقوق الإنسان أو لحقوق العمال وإلى برتوكولات إضافية لها.
كما تطرق التقرير لعدد من الحالات التي التي تعاونت فيها إيران مع بعض آليات حقوق الإنسان مثل قيام المفوضة السامية لحقوق الإنسان بثلاث زيارات لإيران (مرتين في عهد السيدة ماري روبنسن، ومرة واحدة في عهد السيدة لويز آربور).
من جهة أخرى، أشار التقرير إلى أن “جمهورية إيران وجهت دعوة مفتوحة منذ عام 1998 إلى آليات حقوق الإنسان لزيارة إيران”. وقد تم لحد اليوم إنجاز زيارة فريق العمل المعني بالإعتقال التعسفي، وزيارة المقرر الخاص المعني بحرية الرأي والتعبير، والمقرر الخاص المعني بحقوق المهاجرين، والمقرر الخاص المعني بمسالة العنف ضد المرأة، والمقرر الخاص المعني بالحق في السكن اللائق، والخبير المستقل المعني بالعنف ضد الأطفال.
نظرة مغايرة لمنظمات المجتمع المدني
على العكس من ذلك، ترى آليات حقوق الإنسان والعديد من المنظمات غير الحكومية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، أن واقع حقوق الإنسان في إيران مغاير على أرض الواقع ويحتاج الى مزيد من الإصلاحات.
فقد أشار تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الى أن اللجنة الإسلامية لحقوق الإنسان في إيران “لا تعترف بها لجنة التنسيق الدولية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان كهيئة تمتثل لمبادئ باريس”.
كما أعربت المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة عن “قلقها من وجود نساء في انتظار تطبيق عقوبة الإعدام في حقهن”. وأشار كل من الأمين العام للأمم المتحدة والمفوضة السامية لحقوق الإنسان في تقاريرهما الى إفراط إيران في تطبيق عقوبة الإعدام. كما أحال فريق العمل المعني بالاختفاءات القسرية على الحكومة الإيرانية منذ عام 1980، أكثر من 532 حالة ولم يتم إلى حد اليوم الفصل في 515 منها.
وقد خصص التقرير الذي أعدته الآليات الأممية لحقوق الإنسان حيزا وافرا للحديث عن التجاوزات التي سُجلت بعد الانتخابات الرئاسية في 12 يونيو 2009 والتي أدت الى مقتل 20 شخصا على الأقل، مشيرا الى أنه “لم يتم لحد اليوم القيام باي تحقيق مستقل”. كما أعربت المفوضة السامية لحقوق الإنسان عن “القلق لارتفاع عدد الإعتقالات… الناجمة عن الإستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الحرس الثوري او ميليشيات البسيج (المتطوعون)”.
ومن بين منظمات المجتمع المدني التي أبدت رأيها في تقارير لخصتها المفوضية السامية لحقوق الانسان، نذكر “مركز السياسة الخارجية” الذي انتقد “كون إيران لديها سجل حافل بالتحفظات التي تود من خلالها إنكار مواد وأحكام القانون الدولي التي تعتبرها مخالفة للشريعة الإسلامية والتشريع الداخلي المعمول به”.
نفس الملاحظة وردت من المؤتمر اليهودي العالمي الذي يرى أن “حقوق المرأة وحرية التعبير والحرية النقابية وحرية الصحافة المنصوص عليها في الدستور تخضع لقيود من قبيل “ضمن نطاق مبادئ الإسلام” و”ما لم تكن تمس بمبادئ الإسلام”. أما هيئة التضامن المسيحي العالمي فطالبت بتوضيح “دور الشريعة ونطاقها” ومعالجة “التضارب القائم بين أحكام الشريعة والمعايير الواردة في العهدين الدوليين” لحقوق الإنسان.
منظمة دار الحرية Freedom House طالبت من جهتها إيران “بالتعاون التام مع المقرر الخاص المعني بمسالة التعذيب ومع فريق العمل المعني بالاحتجاز التعسفي”، كما أشارت إلى “انتزاع الإعترافات (من المعتقلين) بممارسة التعذيب”.
منظمة العفو الدولية تطرقت الى التمييز ضد المرأة خصوصا في مجالات الزواج والطلاق، وفي تولي بعض المناصب مثل القضاء وفي مجال الشهادة. كما أوردت منظمة العفو ارقاما عن تنفيذ حالات الإعدام (346 في عام 2008، و 318 في عام 2009). وأشارت المنظمة أيضا إلى وجود حالات الإعدام خارج نطاق القانون والى أن “العديد من الأحداث تعرضوا لعقوبة الإعدام”.
وإذا كانت رابطة حقوق الإنسان الكردية قد أدانت “الوضع المزري للسجناء الأكراد”، فإن منظمة حقوق الإنسان الأهوازية أدانت من ناحيتها “تعرض العرب للتمييز في قطاع النفط والخدمة المدنية”.
وقد حظي موضوع التمييز في مجال الحق في حرية الدين والمعتقد بحيز وافر في تدخل منظمات المجتمع المدني. إذ على الرغم من إشارة منظمة أهل البيت إلى أن “أفراد الأقليات الدينية من قبيل المسيحيين واليهود والزرداشتيين يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها المسلمون”، فإن هيئة التضامن المسيحي العالمي انتقدت خضوع “كافة أنشطة القليات الدينية لرقابة وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ووزارة الإعلام”.كما أشارت منظمة العفو الدولية الى أن “عددا من المسيحيين الإنجيليين الذين حاولوا القيام بأعمال تبشيرية تم القاء القبض عليهم”. اما المجتمع البهائي الدولي فيرى أن “السلطات حاولت لمدة طويلة منع البهائيين الإيرانيين من المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والتربوية والمجتمعية ومن تبادل معتقداتهم مع الآخرين”.
رفض الانتقادات.. وإدانة ” التسييس”
رد السلطات الإيرانية على العديد من الإنتقادات الواردة في تقارير منظمات المجتمع المدني وآليات حقوق الإنسان والتي أوردتها الدول الغربية أثناء تدخلها بقوة أمام المجلس تجلى من خلال قوة اللهجة التي استعملها المندوب الإيراني محمد جواد لاريجاني عندما شدد في مستهل تدخله على ضرورة أن “يتعهد الجميع بالاستماع للآخر والتعلم منه، وبالتعاون معه بدل المواجهة، وباحترام الاختلاف في الموروث الثقافي وإبداء التسامح والتفهم تجاه الاختلافات الثقافية في المجتمعات البشرية”.
أما التقرير الحكومي فقد خصص، في سابقة من نوعها، فقرة بأكملها لهذه المواجهة مع الغرب حيث أشار الى أنه “مع انتصار الثورة الإيرانية وظهور الكتلة الغربية، استُخدمت حالة حقوق الإنسان في إيران دائما كأداة سياسة لممارسة الضغط ولدعم بعض الدوافع السياسية المغرضة لدى بلدان غربية محددة…”.
وبعد هذا الاستعراض لتقرير إيران الذي شهد رقما قياسيا في عدد الدول المسجلة للإدلاء بكلمتها أي 84، وعدم تمكن سوى 60 من التدخل) سيعرض مجلس حقوق الإنسان توصياته الختامية بخصوص تقرير إيران يوم الأربعاء 17 فبراير الجاري.
محمد شريف – جنيف – swissinfo.ch
في مداخلتها أمام آلية الإستعراض الدوري في مجلس حقوق الإنسان، انتقدت سويسرا “استخدام القوة المُـفرطة من طرف قوات الأمن” الإيرانية، وطلبت إحالة المسؤولين عن تلك التجاوزات على القضاء. كما دعت إلى ضمان الحق في حرية التعبير والتنظم.
من جهة أخرى، دعت برن سلطات طهران إلى إلغاء عقوبة الإعدام للقصَّـر وحظر عقوبات الرجم والقطع والجلد، واعتبرتها “عقوبات قاسية مخالفة للإلتزامات الدولية لإيران”.
كما أوصت سويسرا السلطات الإيرانية بإجراء “تحقيق حول حالات الإعدام خارج إطار القضاء والتعذيب وضمان محاكمة نزيهة تتطابق مع المقاييس الدولية”.
أخيرا، أعربت برن عن الأمل في أن تُـلغِـي إيران جميع القوانين التمييزية تجاه الأقليات العرقية والدينية (العرب والأكراد والبهائيين).
سارعت الدول الغربية هذه المرة لاحتلال المراتب الأولى في قائمة تدخل الدول امام آلية الاستعراض الدوري الشامل لانتقاد سجل إيران في مجال حقوق الإنسان.
وتبعا لذلك كانت الولايات المتحدة أول من تدخل لكي تشير الى “الإدانة الصارمة للتصعيد في الحد من حرية التعبير، بإغلاق محطات إخبارية، واعتقال صحفيين إيرانيين وأجانب، وسجنهم أو عرقلتهم في القيام بعملهم، وبعرقلة الوصول الى شبكة الإنترنت”.
وبعد أن عبرت الولايات المتحدة عن قلقها ” من تدهور أوضاع السجناء بعضهم امريكيون”، أعربت عن ” القلق العميق من الانتهاكات المرتكبة في مجال حرية الدين والمعتقد” خصوصا بالنسبة لطائفة البهائيين. ومن بين التوصيات التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية “ضرورة تمكين المتهمين بارتكاب جرائم من محاكمات تكتمل فيها الإجراءات القانونية والكف عن محاكمات ” صورية جماعية”. كما أوصت بضرورة السماح للمقرر الخاص المعني بمناهضة التعذيب من زيارة البلد.
فرنسا تطرقت للأحداث التي أعقبت الانتخابات الرئاسية في 12 يونيو 2009 وأوصت “بضرورة تشكيل آلية تحقيق دولية، مستقلة وذات مصداقية لتسليط الضوء على تلك الأحداث”
كما أوصت فرنسا “بقبول زيارة فريق العمل المعني بالاعتقالات التعسفية للتحقيق في ظروف اعتقال السجناء … وبعدم اللجوء الى محاكمات في جلسات مغلقة … وفي وضع حد لتنفيذ عقوبة الإعدام “.
إسرائيل التي كانت المتدخل الخامس في القائمة وبعد أن أشارت الى أن إيران “تمنع مواطنيها من التمتع بمعظم الحقوق الأساسية” عددت المنتمين الى فئة المرأة والأقليات العرقية والدينية مثل العرب والآذريين والبهائيين، والمسيحيين، والسنة، واليهود ومن يدافع عن هؤلاء.
ومن التوصيات التي قدمها ممثل إسرائيل “ضرورة وقف الحث على الكراهية بما في ذلك التصريحات التي تنفي وقوع المحرقة او الهولوكوست”.
بريطانيا عددت في تدخلها توصيات بضرورة السماح لآليات حقوق الإنسان بتحقيق زيارة البلد المقدمة منذ العام 2005 وتقديم دعوة للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة لإمكانية القيام بتحقيق في الأحداث التي عقبت الانتخابات”. كما طالبت بريطانيا إيران ” بضرورة وضع حد لحالات الإفلات من العقاب وذلك بالتوقف عن الادعاء بأن كل حالات الانتهاكات تنظر فيها العدالة “.
وإذا كانت باقي التدخلات الغربية تسير في نفس الاتجاه فإن تدخل الدول العربية والإسلامية والعديد من دول عدم الانحياز والدول النامية لم تدخر جهدا في ” لإشادة بالانجازات التي حققتها إيران في مجال حقوق الإنسان وحوار الحضارات”.
فنيكارغوا ذكرت بالبعد الثقافي الفارسي في الحضارة الإنسانية ووصفت الثورة الإيرانية “بالمثال المعبر عن التحرر من الأمبريالية”.
ممثلة لبنان اشادت بالانجازات الإيرانية في مجال حقوق الإنسان وبالأخص في مجال التعليم وحقوق المرأة. منتهية الى دعوة ” ايران لمواصلة المسيرة لتحقيق مبدأ ضمان التعليم للجميع”.
باكستان شجعت إيران على المضي قدما لحماية حقوق مواطنيها معربة عن اعتقادها بأن “تعزيز حقوق الإنسان لا يمكن أن يتم إلا إذا تم الابتعاد عن التسييس”.
وتمثل تدخل الجزائر في التحذير “من السقوط في أخطاء لجنة حقوق الإنسان (الراحلة)” مطالبة بضرورة العمل من أجل ” البناء وليس المواجهة” بالنسبة لدولة ” تمثل ديمقراطية ناشئة”. واعتبر المندوب الجزائري أن “حل المشاكل يجب ان يترك بين ايدي ابناء الشعب الإيراني”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.