مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حقوق الإنسان في العراق بين الخطاب الرسمي والواقع المتردي

مواطن عراقي يمر جوار جثث متكدسة لضحايا العنف الطائفي اليومي في مشرحة مستشفى اليرموك ببغداد يوم 5 فبراير 2007 Keystone

في الوقت الذي تقول فيه وزارة حقوق الإنسان العراقية إنها تسعى لنشر مبادئ حقوق الإنسان واحترام القانون الإنساني، تتفاقم الانتهاكات في البلاد بشكل لم يسبق له مثيل ما يهدد أول الحقوق البشرية أي الحق في الحياة.

وفيما حاول الوفد العراقي الرسمي إلى مجلس حقوق الإنسان التحسيس بهذه الجهود المبذولة، أدانت العديد من المنظمات الحقوقية عمليات الإعدام خارج نطاق القانون التي تمارس ضد شخصيات من النظام السابق.

في الوقت الذي لا زال مجلس حقوق الإنسان يتجنب الخوض عن أوضاع حقوق الإنسان في العراق بشكل مباشر، شهدت الدورة الرابعة الملتئمة حاليا تدخلا لوزيرة حقوق الإنسان العراقية السيدة وجدان سالم التي تحدثت عن عراق “تحول الى ساحة لتصفية الحسابات بين جهات عديدة”.

وعزت الوزيرة ذلك الى ما أسمتها بـ “الهجمة الإرهابية الكبيرة” وإلى “دخول عناصر لتنفيذ عمليات إرهابية بسب فتح الحدود”، في المقابل، لم تنف الوزيرة في تدخلها أمام المجلس “وجود انتهاكات متنوعة لحقوق الإنسان وفي مقدمتها انتهاك الحق في الحياة”.

الحق في الحياة أولا

السيد سعد فتح الله، مدير قسم الدراسات والبحوث بوزارة حقوق الإنسان العراقية، حاول التركيز في حديث لسويس إنفو على الانجازات التي تمت مشيرا الى الخطوات التي تحققت في المسار الديمقراطي، وفي تعميم التعريف بالمواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان وبالمؤسسات الساهرة على احترام حقوق الإنسان دوليا.

ولكن ما الجدوى من تعميم المعرفة النظرية بحقوق الإنسان في بلد يشهد انتهاكات بالشكل الحالي وبالأخص انتهاك الحق في الحياة، باعتراف مسؤولين عراقيين حاليين من بينهم الزعيم الكردي مسعود البرزاني؟

عن ذلك يجيب الدكتور سعد فتح الله: “صحيح أن الحق في الحياة هو الحق المنتهك بشكل كبير” ولكنه يحمل المسؤولية في ذلك “أولا، للقوة المتعددة الجنسيات، ثم دول الجوار والدول التي تصفي حساباتها مع أمريكا ومع قوات التحالف بدعم المجموعات الإرهابية في العراق”، على حد قوله.

في المقابل، اعترف المسؤول العراقي بأنه “بعد تفجيرات سامراء ظهر شرخ في المجتمع العراقي بالخصوص بين الطائفتين السنية والشيعية، وصلت الى حد التهجير أو القتل حسب الهوية”، مثلما يقول السيد سعد فتح الله.

ويشدد السيد فتح الله على أنه “بالرغم من التقدم الذي أحرز في باقي الحقوق، يبقى الحق في الحياة المطلب الرئيسي للمواطن العراقي، وفي غياب احترام هذا الحق تتعطل بقية الحقوق تقريبا كلية”.

قتل خارج نطاق القانون؟

في سياق متصل، وفيما ترغب الحكومة العراقية في تعزيز مبادئ حقوق الإنسان رغم الصعاب التي تمر بها البلاد، أقدمت يوم الثلاثاء 20 مارس 2007 على إعدام نائب الرئيس العراقي طه ياسين رمضان رغم معارضة العديد من المحافل الحقوقية الدولية وفي مقدمتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان (مقرها جنيف) على اعتبار أن المحاكمة لم تكن عادلة.

وهي العملية التي أدانها المحامي محمد منيب عضو لجنة الدفاع عن صدام حسين وأعضاء النظام العراقي السابق في لقاء جمعه مع الصحافة في جنيف. وصرح لسويس إنفو بأن “المخالفات في هذه المحاكمة وفي عملية الاعدام تكمن في أن النيابة العامة لم تطلب في يوم من الأيام حكما بالإعدام في حق السيد طه ياسين رمضان، وحتى القاضي رؤوف المعروف بتشدده اكتفى بإصدار حكم بالسجن مدى الحياة”.

ويضيف المحامي محمد منيب “بعد ان تقدمنا بطلب تمييز ضد الحكم بالسجن مدى الحياة، أعادت محكمة التمييز الملف للمحكمة الأم وطلبت منها تشديد العقوبة، وهذه سابقة لم تحدث من قبل في القضاء في العالم حسب علمنا وحسبما اطلعنا عليه من المؤسسات الأممية”.

وأعرب المحامي عن استغرابه لإصدار المحكمة حكما بالإعدام في حق طه ياسين رمضان بعد يومين فقط من تقديم طعن في طلب الاستئناف وهو ما يعني “أنها لم تطلع على الوثائق بالمرة”، حسب قوله.

وعما إذا كانت عملية الاعدام ستترتب عليها تبعات، تساءل الدكتور محمد منيب “نحن اليوم أمام عملية قتل خارج نطاق القانون فهل ستتحرك المفوضة السامية لحقوق الإنسان والمقررون الخاصون الذين أدانوا عدم شرعية هذه المحاكمة”؟، مشيرا إلى أن “مصداقيتهم مرهونة بمدى متابعتهم لمن ينتهكون القانون في وضح النهار خصوصا وأننا على ابواب محاكمة أخرى أي قضية “الأنفال” التي قد تسفر عن إعدامات أخرى”.

من جانبه، تساءل الدكتور سعد فتح الله، عضو الوفد الحكومي العراقي لمجلس حقوق الإنسان “لماذا هذا التركيز على شخص في الوقت الذي تتعرض فيه حقوق ملايين العراقيين للانتهاك؟”، مؤكدا في الوقت نفسه على أن “الردع مهم، وإذا كان انتهاك حقوق البعض من أجل توفير حقوق الملايين فأعتقد أنه موضوع أساسي”، على حد تعبيره.

ولكن ألا يزعج مسؤولا حكوميا عن حقوق الإنسان أن يتم ذلك بدون توفير الشروط الضرورية لإجراء محاكمة عادلة؟ عن ذلك يجيب السيد سعد فتح الله بالقول: ” نعم، نحن نعمل من أجل توفير الظروف الملائمة”. وفي هذا الإطار، تقابلت وزيرة حقوق الإنسان العراقية وجدان سالم مع المفوضة السامية لحقوق الإنسان لويز آربور، أثناء تواجدها في جنيف في الأيام الماضية وتحادثت معها حول هذه المسألة، ويقول السيد سعد فتح الله “إنه كان هناك توافق بين وجهات النظر حول هذا الموضوع”.

في سياق متصل، تساءل السيد سعد فتح الله مرة أخرى: “لماذا يتم التركيز على ظروف السجناء، علما بأن عددهم لا يتعدى 40 الف سجين في الوقت الذي يتجاوز فيه عدد سكان العراق 27 مليون نسمة”؟، وانتهي إلى القول: “إن ظروف عيش هؤلاء السجناء أحسن بكثير من ظروف عيش الكثيرين في الشارع العراقي”.

مفوضية لحقوق الإنسان.. مؤجلة؟

على صعيد آخر، دار حديث في الفترة السابقة عن تحضيرات لإنشاء مفوضية عراقية لحقوق الإنسان، لكن وبالرغم من التوصل لاتفاق حول القانون المنظم لعمل هذه المفوضية إلا أنه لم يُشرع بعد في تأسيسها تفاديا لسلبيات نظام المحاصصة المعتمد منذ عام 2003 لتقاسم السلطة بين الطوائف المختلفة في العراق.

عن هذا الملف يقول السيد سعد فتح الله، مدير قسم الدراسات والبحوث بوزارة حقوق الإنسان العراقية “أعتقد أن العملية السياسية تتم اليوم في العراق بشكل سيء من خلال المحاصصة، أي تسليم الوزراة الفلانية للطائفة الفلانية أو الحزب الفلاني”.

ويضيف المسؤول العراقي “لم نرغب في الشروع في تأسيس المفوضية في هذه الظروف حتى لا تتم السيطرة عليها بهذا الشكل السيئ” مشددا على أن وزارة حقوق الإنسان لم تعتمد نظام المحاصصة بل اعتمدت على الكفاءة بالدرجة الأولى “لذلك لا نرغب في التسريع بإنشاء مفوضية حقوق الإنسان حتى لا توئد قبل أن تولد”.

سويس إنفو – محمد شريف – جنيف

في نداء تم إطلاقه عبر “حركة شارة لحماية الصحفيين” التي يوجد مقرها في جنيف، وجه رئيس نقابة الصحفيين العراقيين مؤيد اللامي نداء إلى مجلس حقوق الإنسان من أجل إدانة “حملة الرعب والتخويف التي يتعرض لها الصحفيون العراقيون”.

وأشار رئيس نقابة الصحفيين العراقيين إلى أن “الصحفيين مستهدفون من كل الفئات المشاركة في الصراع”، مضيفا بأن “ما يحدث هو عبارة عن تقتيل لم يسبق له مثيل في تاريخ وسائل الاعلام”.

ويعتقد السيد مؤيد اللامي أن “قوات الإحتلال الأمريكية لم توف بالتزاماتها بموجب معاهدات جنيف في حماية المدنيين”.

كما طالب الصحفيون العراقيون بمناسبة حلول الذكرى الرابعة للحرب ضد العراق، المنظمات الإنسانية ومنظمات الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان وكل الدول المعنية إلى “وضع حد للعنف ومساعدة عائلات الضحايا وتقديم مرتكبي تلك الجرائم أمام العدالة”.

وأشار بيان نقابة الصحفيين العراقيين أيضا إلى أن “العديد من عائلات الضحايا لم يعد لها دخل، وأن العديد من الصحفيين ما زالوا مخطوفين او أنهم اضطروا لمغادرة منازلهم بسبب العنف”.

وإذا كان عدد الصحفيين العراقيين الذين قتلوا منذ بداية الحرب على العراق قد فاق المائتين (200)، فإن “حركة شارة لحماية الصحفيين” أفادت مؤخرا بأن “10 صحفيين عراقيين قتلوا أثناء تأدية واجبهم منذ بداية عام 2007”.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية