حكم ذاتي تحت السيادة المغربية
يثير الإقتراح الجديد الذي تقدم به المغرب بمنح الصحراء الغربية حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية الكثير من الأسئلة.
ويبدو أنه من المطلوب مغربيا أن يتم تقديم إجابات محددة على بعض التساؤلات قبل طرحه على الجهات الخارجية المعنية بالنزاع في الصحراء الغربية.
يثير اقتراح المغرب بمنح الصحراء الغربية حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية الكثير من الأسئلة، لكن يبدو أن من المطلوب – مغربيا أولا – أن يتم البحث عن إجابات واضحة قبل طرحه على الجهات المعنية بنزاع الصحراء.
فالاقتراح، حتى وإن رفضته جبهة البوليزاريو، سيشكل أحد محاور التحرك السياسي الذي ستعرفه المنطقة في المرحلة المقبلة، ومن المنتظر أن يحاول الطرفان – من خلاله – كسب مؤيدين لرؤيته للنزاع ولكيفية تسويته، وهو ما سيدخل النزاع والمنطقة في نفق جديد لا يعرف أحد متى الخروج منه.
كانت فكرة الحكم الذاتي لتسوية نزاع الصحراء الغربية قد طرحت للمرة الأولى عام 1985 بين الجزائر والمغرب، على ضوء ما كان الملك الحسن الثاني قد أعلنه من أنه “لا يريد في الصحراء سوى العَلَم والعُـملة والطابع البريدي”، أي رموز سيادة الدولة، وتوصّـل الطرفان إلى نقاط كثيرة، إلا أن الجزائر طلبت حينها بقاء العَـلم المغربي في الصحراء على أن تضاف له “علامة متميزة”.
تسوية سلمية للنزاع
الاقتراح الذي أعلنه العاهل المغربي الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الثلاثين للمسيرة الخضراء، جاء في سياق محاولات مغربية لتجاوز مأزق التسوية السلمية للنزاع الصحراوي، بعد أن تمسكت جبهة البوليزاريو بتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي التي تمحورت حول مشروع وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر (حين كان يتولى مهمة تسوية النزاع بصفته ممثلا شخصيا للأمين العام للأمم المتحدة)، وتمسك المغرب بتحفظه على المشروع وما تضمنه من أفكار تعني حسب رأي الرباط “تكليف المغرب بإعداد دولة لجبهة البوليزاريو”.
كان مشروع جيمس بيكر نتاج مهمة تولاّها ست سنوات، أدرك بعدها أن الأجواء الداخلية لأطراف النزاع والأجواء الإقليمية لم تنضج بعدُ لتسوية سلمية للنزاع، ورأى – بدعم من الإدارة الأمريكية – أن فرض حل على الأطراف المعنية هو السبيل الأسلم لإنهاء النزاع، بغض النظر عن موقف أي طرف من هذا الحل، وهو ما رحبت به جبهة البوليزاريو في حينه، وشعر المغرب برُعب مما سيأتي به، فقرر بعد أن يستبعد “فرض” الحل عليه بدعم فرنسي، القيام بتحرك يقدم من خلاله مبادرة تلقى قبولا إقليميا ودوليا.
جاءت مبادرة الملك محمد السادس، وإن تأخرت زمنيا، تتويجا لتحركات مغربية منذ عام 2000، حين بلور المغرب موقفا اعتبره الحد الأقصى الذي يذهب فيه، وتمثل في حل سياسي متوافق عليه، يوفر شكلا من أشكال الوضع المتميز للمناطق الصحراوية المتنازع عليها، وكان هذا الموقف يصطدم، ليس فقط بموقف جبهة البوليزاريو الصلب مدعوما بموقف جزائري قوي ومؤثر، بل أيضا بموقف دولي يرتكز على مرجعية الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن.
المبادرة الجديدة لم تتبلور حتى الآن، حيث لم يُعلن لا عن خطوط عريضة ولا عن تفاصيل، باستثناء “منح الصحراويين حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية”. فالعاهل المغربي اكتفى بالقول أنه سيجري مشاورات مع قادة الأحزاب المغربية وشيوخ القبائل وأعيان الصحراء حول هذه المبادرة، وطلب منهم الإدلاء بآرائهم حول كيفية تطبيقها، بعد أن كان مستشاروه أجروا خلال الأسابيع الماضية مثل هذه المشاورات. وحسب مصادر موثوقة، فإن بعض من تم التشاور معهم أبدوا تخوفات، وإن لم تصل إلى درجة التحفظ أو الاعتراض.
تحفظ واعتراض
هذا التحفظ والاعتراض نابع من مخاطر وتداعيات الحكم الذاتي كفكرة على مستقبل المغرب الأقصى واستقراره ووحدته، إضافة إلى وما تثيره من تساؤلات لا إجابات واضحة عليها. وفي الوقت نفسه، فإن وصول المشروع، إذا ما قُـدر له أن ينطلق ويسير، إلى أن يصبح قرارا دوليا ينفذ وينهي النزاع، إضافة إلى موافقة جبهة البوليزاريو والجزائر على المبدأ.
لكن الأهم، هو التفاصيل والإجابات على الأسئلة، التي لن تكون مغربية فقط، بل سيشارك فيها، إضافة لأطراف النزاع، أطراف دولية فاعلة في المنطقة، وتحديدا فرنسا وإسبانيا، وأساسا الولايات المتحدة. وهنا يؤكد المغرب أن المظلة الدولية ليست فقط ضرورية لمبادرته، بل أيضا شرطا أساسيا لإنهاء النزاع.
ومن الأسئلة التي سيبحث الملك مع الأحزاب والأعيان والشيوخ عن إجابات لها وتقدير قبول الإطراف الأخرى بها، هل سيكون الحكم الذاتي للسكان المقيمين في الصحراء أم للصحراويين؟، وما هي حدود استقلال الإقليم عن الدولة المركزية؟ وما هي سلطات وصلاحيات مؤسسات هذا الحكم القضائية والتشريعية والتنفيذية؟، وما هو دور جبهة البوليزاريو في المفاوضات والحكم فيما بعد؟، وما هو دور الأمم المتحدة بعد الوصول إلى اتفاق وبدء التنفيذ وبعد التنفيذ؟، وما هي ضمانات عدم التراجع عن الحكم الذاتي؟، وما هي الضمانات لعدم ذهاب الإقليم نحو الاستقلال؟
وإذا كان مشروع جيمس بيكر وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1495 الصادر في يوليو 2003 قد أجاب على هذه الأسئلة بما لا يناسب المغرب، فإن إجابات المرحلة القادمة، إذا ما شاركت فيها الأطراف الإقليمية والدولية لن تكون – حسب أكثر التوقعات – أكثر انسجاما مع الرؤية المغربية.
مخاطر الحكم الذاتي
في العالم، توجد أشكال متعددة للحكم الذاتي أو الاستقلال الذاتي، وإذا كان الملك الحسن الثاني أبدى إعجابه على الدوام بالتجربة الألمانية، فإن الملك محمد السادس يميل أكثر إلى التجربة الإسبانية، نظرا لأن نظامها الإداري يعتمد أكثر من شكل في الحكم الذاتي الممنوح للأقاليم، فالحكم الذاتي في مقاطعة الأندلس يختلف عنه في كاتالونيا أو في الباسك.
ولعل الميل المغربي للتجربة الإسبانية نابع من إدراك الرباط أن منح الصحراء الغربية وحدها حكما ذاتيا سيثير احتجاجات مناطق مغربية أخرى، التي قد تطالب بتدبير شؤونها المحلية على غرار الصحراء، ولأن المغرب يعلن منذ سنوات ذهابه نحو نظام الجهات، أي اللامركزية، ومنح السلطات الواسعة للأقاليم فيما يتعلق بتدبير شؤونها المحلية، وهو ما ينص عليه الدستور، فإن ما يجري في العراق من محاولات تفكيك تحت شعار الفدرالية، وما يجري في السودان منذ اندلاع أزمة دارفور، يجعل المتخوفين المغاربة من مخاطر الحكم الذاتي يتمسكون بتوجسهم ويقاومون الفكرة من أساسها.
قد يكون مشروع الحكم الذاتي المقترح مبادرة سياسية لإحراج جبهة البوليزاريو والجزائر، وكسب متعاطفين جدد مع المغرب، وقد تكون حركة سياسية لإشعار الأحزاب المغربية بأهمية دورهم في الحياة السياسية وصناعة القرار، لكنه بالتأكيد ليس حلا للنزاع، على الأقل في هذه المرحلة، لأن المنطقة لم تنضج بعد لتسوية النزاع، ولأن الأطراف الدولية الفاعلة لم تشعر بعد أن هناك ما يستلزم الذهاب نحو حل خارج حساباتها ورؤيتها لمنطقة لازالت لم تتبلور بعد.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.