حكومة إنقاذ حماس
يحتاج الاتفاق بين الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء إسماعيل هنية، حول تشكيل حكومة وحدة وطنية إلى اتفاق يُـبيّـن ماهية هذه الحكومة وخروجها إلى العلن.
فالأمر يتطلب غَـوصا في تفاصيل الحال الفلسطيني، والتدقيق إذا ما كانت الحكومة المُـفترضة ستأخذ بيد الفلسطينيين أم أنها ستنقذ قياداتهم، لاسيما حركة حماس.
يحتاج الاتفاق بين الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء إسماعيل هنية، حول تشكيل حكومة وحدة وطنية تنقذ الفلسطينيين من أزمتهم الحالية، إلى اتفاق آخر يُـبيّـن ماهية هذه الحكومة واحتمالات خروجها للعلن.
وأكثر، فإن الأمر يتطلب غَـوصا في تفاصيل الحال الفلسطيني المُـتدهور وفي التدقيق، إذا ما كانت هذه الحكومة العتيدة المُـفترضة ستأخذ بِـيَـد الفلسطينيين أم أنها ستنقذ قياداتهم، لاسيما حركة حماس.
وفي حين لم تتّـضح تفاصيل هذا الاتفاق، فإنه لا يُـتوقع أن تكون الملاحق السرّية المتعلّـقة به، ذات قيمة كبرى, خصوصا وأن الفلسطينيين يعيشون أزمة لا سابق لها، تتطلّـب تداعياتها كثير من الوضوح والشفافية، بل إن عامل الزمن لم يعد في صالح أحد، قيادةً وجمهورا، مع مختلف التقارير الدولية التي تؤكّـد أن الاقتصاد الفلسطيني على شفا الهاوية. وحسب أرقام البنك الدولي، فإن ما نِـسبته 67% من الفلسطينيين سيصبحون تحت مستوى خط الفقر.
وفي غضون ذلك، تحوّلت المناطق الفلسطينية إلى مجموعة من الكانتونات المعزولة وتوقّـفت حركة الاستثمار ولزم أكثر من 150 ألف موظف منازلهم بسبب الإضراب، وليس في الأفق أي مُـؤشر على قُـرب استئناف المفاوضات السياسية مع إسرائيل.
وبالرغم من تأكيد، كل من عباس وهنية على اتفاقهما والإصرار على أن الأمور في مسارها الصحيح، فإن إسرائيل واللجنة الرباعية، لا زالتا تُـصرّان على تلبية شروطهما الأولى من الحكومة الفلسطينية، والمتعلقة بالاعتراف بإسرائيل والاتفاقات الدولية ونبذ العنف.
وحتى الآن، فإن ما رشّـح عن اتفاق حكومة الوِحدة الوطنية، يُـشير أن حماس ستعترف بالمبادرة العربية للسلام، التي تقول بالاعتراف العربي بإسرائيل والتطبيع معها، مقابل سلام دائم يشمّـل قيام دولة فلسطينية في حدود 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس.
وقد سبق وأن تحدّث أكثر من مسؤول من حماس عن موافقة الحركة على قيام دولة فلسطينية مستقلة في حدود 67، مقابل هُـدنة مع إسرائيل، لكنها ظلّـت موافَـقة غير واضحة وغير رسمية، فضلا على أن إسرائيل لم تقبل بها.
تفاهم وليس اتّـفاق
ربما كان الأمر بمثابة أحجية تحتاج إلى تفسير، إذ كيف يُـمكن لحكومة وِحدة وطنية لا تلبّـي الشروط الإسرائيلية الدولية على الفلسطينيين، التي تُـحاصرهم تخنقهم، أن تشكّـل مخرجا لإنهاء هذا الحصار؟
المصادر المقرّبة من الرئيس عباس تقول، إنه توصّـل إلى تفاهُـم مع حماس، يقوم على اعتراف الحركة الإسلامية بالمبادرة العربية للسلام، الأمر الذي يعني اعترافا ضمنيا بإسرائيل، وأن تقبل الحركة بضمّ وزراء جُـدد منها، غير الوزراء الحاليين، إلى حكومة الوحدة الوطنية مع فتح وباقي الفصائل.
وينُـص التفاهم كذلك، على أن تُـوافق الحكومة الجديدة على قيام الرئاسة بتولّـي مهمّـة المفاوضات مع إسرائيل، ومقابل ذلك، يفترض أن يكون عباس قد حصل على دعم عربي لهذه الحكومة.
يتضمّـن الدعم العربي أيضا الطلب إلى واشنطن أن “تخفِّـف” موقِـفها من حكومة الوِحدة الجديدة وتمنحها فُـرصة للعمل، مقابل ذلك، تبدأ المجموعة الدولية بتخفيف حِـصارها عن الفلسطينيين وتسهيل وصول الأموال والمساعدات والإفراج عن أموال السلطة، التي تحتجزها إسرائيل.
تقول المعلومات الواردة من مكتب الرئيس الفلسطيني إن المجموعة الدولية بقيادة الإدارة الأمريكية “اقتنعت” بضرورة منح الرئيس عباس فُـرصة جديدة للتحرك، لاسيما إثر مَـواقفه “الحيادية” إزاء ملفات الشرق الأوسط، وأهمها الحرب الإسرائيلية على لبنان، ومواقفه السياسية المعتدلة بشكل عام.
ألغام في الطريق
حتى الآن، تبدو الصورة جميلة ومشجِّـعة على التفاؤل، لكن ثمّـة عقبات مُـحتملة يتوجّـب الإلتفات إليها، ويُـمكن أن تشكّـل عناصر تخريب تُـقوِّض أساس تفاهُـم عباس وهنية.
وفي حين كان عباس وهنية يبتسمان لعدسات المصورين ساعة إعلان اتفاقهما، كانت ثمّـة وجوه عابسة عديدة في صفوف، كل من فتح وحماس ووجوه لشخصيات اعتَـبرت أن التفاهم يشكّـل مخرجا لحماس ويقدّم لها يدا تنقذها من مأزقها.
ومن بين هذه الوجوه، مستشارون مقرّبون من عباس وشخصيات متنفذة في حركة فتح، رأت في نجاح الإضراب العامّ وقبول حماس بتشكيل حكومة وِحدة وطنية، فُـرصة لرفع وتيرة الضّـغط على حماس ودفعها إلى سقوطٍ مدوٍّ، بدلاً من التعاون معها.
في المقابل، “نجحت” حماس في المناورة، بعد أن شهرت بثقل الضغوط التي تسبّـب بها الإضراب العام، الذي أدى إلى “شلل تام” في المرافق العامة، إضافة إلى الأزمة المالية الخانقة.
وبناءً على ذلك، قرّرت الحركة الإسلامية التحرُّك بتكتيك الموافقة على مبدإ حكومة الوِحدة الوطنية، لتتحاشى سقوطا قويا وفشلا ذريعا لا تريده حماس، ولا تريده بشكل خاص حركة الإخوان المسلمين، التي تشكّـل حماس، مشروعها الناجح الوحيد الذي تمكّـن من الوصل إلى السلطة.
من شأن مثل هذا التكتيك أن ينقل أعباء الحِـصار وتداعياته المستقبلية من كاهل حماس إلى كاهل حكومة وِحدة وطنية لا تكون فيه الحركة الإسلامية مسؤولة عن الفشل وتدهْـور الأوضاع.
لكن تحقيق ذلك مَـنُـوط بعناصر أخرى، أهمّـها موقف فتح من الإضراب العام، إذ أن الحركة قرّرت مواصلته، بالرغم من موافقة حماس على حكومة الوِحدة الوطنية، وكذلك على موقف أولئك في حماس الذين ينظرون إلى الأمر على أنه استدراج للحركة خارج دائرة قُـدراتها وإمكانياتها إلى كمين مجهول.
هشام عبد الله – رام الله
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.