حكومة الرئة الواحدة
تنفّـس الفلسطينيون صعيدا طيِّـبا مع انطلاق أول حكومة وِحدة وطنية ترأسها حركة حماس وتشارك فيها حركة فتح وفصائل وطنية أخرى.
لكن الحكومة التي يُـعوَّل عليها لكسر الحِـصار الإسرائيلي والدولي المفروض على الفلسطينيين، تتنفّـس من رئة واحدة.
بالرغم من أن جميع الإشارات الطيبة، التي جلبتها هذه الحكومة معها بعد أشهر من المواجهات الدامية بين عناصر فتح وحماس، واحتمالات انجرار الفلسطينيين إلى الدرك الأسفل، في ظل حصار قاس ومرير، إلا أن احتمالات بقائها واستمرارها، تظل مرهونة بعوامل داخلية وخارجية.
ومع أن اتفاق مكة الأخير قد أسس لعلاقة جديدة بين حركتي فتح وحماس يتوقع أن تمهد لاختراقات في الحصار، إلا أن الفصيلين الكبريين على الساحة الفلسطينية لا زالا يدوران في فلَـك مُـواجهة كل للآخر، الأمر الذي يُـبقي وضع الاستقرار الحالي هشًّـا وضعيفا.
ثمة يقين مفاده أن حماس، التي ظلت على رأس حكومة الوحدة الوطنية، ليست حماس، التي قادت الحكومة الفلسطينية العاشرة وارتبطت بالحصار والمقاطعة، بيد أن غموضا يُـسيطر أيضا على التوقعات المتعلقة بقوة الحكومة الحالية وقدرتها على العمل في ظل تناقضات كثيرة.
صحيح أن حكومة الوِحدة حازت على ثقة المجلس التشريعي وعلى تأييد كامل من جميع الفصائل الرئيسية (باستثناء الجبهتين، الشعبية والقيادة العامة)، وأنها حازت أيضا على تأييد منظمة التحرير الفلسطينية ودول عربية وإسلامية.
لكن هناك ما هو أكثر من ذلك، وفي التفاصيل غير المُـعلنة للمفاوضات، التي سبقت تشكيل الحكومة بين فتح وحماس، ما يمكن أن يكون دليلا على وجود ثغرات في جسم الحكومة، التي يُـفترض أن تكون ضد الصَّـدمات، لاسيما وأن الفلسطينيين قد خرجوا للتَّـو من فمِ النار.
تشكيلة التناقض
لم تكن تشكيلة الحكومة الجديدة لتُـلفت أنظار كثيرين، ما دامت تضم أعضاء من كل من فتح وحماس بشكل أساسي، لكن الإمعان في النظر مُـجددا يُـمكن أن يكشف عن نقاط ضعف، ربما أريد لها أن تكون هناك عن قصد أو أن طبيعة العلاقة بين النقيضين، حماس وفتح، لم تنضُـج بعدُ لاحتواء أكثر مما هو متوفر حاليا.
أولى هذه النقاط، تتعلّـق بمنصِـب وزير الداخلية، وهو المنصب الذي طالما أكّـدت كل من حماس وفتح أنه كان العَـقبة الكأداء في طريق وِحدتهما. وقد أعطي الانطباع أن الخلاف يدور حول إيجاد شخصية قوية ذات كفاءة، وفي نفس الوقت، يجب أن يكون من خارج إطار الحركتين.
لكن النتيجة جاءت على غير هذه المعايير، بل على النقيض منها، وبالرغم من أن وزير الداخلية الجديد هاني القواسمي يُـعتبر شخصية مستقلة، إلا أنه لا يملك خِـبرة أو دِراية بشؤون الأمن ولا هو كذلك ابن فصيل وصاحب قُـدرة في المجال.
وقال أحد مسؤولي فتح، الذي رفض الكشف عن هويته، ردّا على سؤال حول تفسير ذلك “لم تكن أبدا مسالة وزير الداخلية هي القضية الحاسمة، بل البرنامج السياسي للحكومة، وبالتحديد ما يتعلق بالاعتراف بإسرائيل والاتفاقات الدولية”، التي تطالب اللجنة الرباعية حماس بالاعتراف بها.
وهناك من يُـضيف على ذلك ويقول إن مفاوضا ت حماس وفتح لم تُـفض إلى نتيجة حول مطالِـب حماس بالحصول على حصّـتها في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، لاسيما في البِـعثات والسِّـفارات في الخارج، وفي مناصب المحافظين في الداخل وفي مؤسسات أخرى.
وفي حين لم يكن بوِسع الطرفين الانتظار أكثر، قرر الرئيس محمود عباس الدخول في مرحلة تشكيل الحكومة، على الطريقة التي انتهت عليها. وتقول مصادر مقرّبة من عباس إنه عندما اكتشف أن الإدارة الأمريكية وإسرائيل لن تقبلا بأقل من شروط الرباعية، بغضِّ النظر عن شخصيات حركة فتح المشاركة، فإنه اختار التشكيلة الحالية، لكنها تشكيلة تحمل تناقُـضات كثيرة وتنذر بتفجير الأمور.
ثمة رئيس وزراء من حماس ونائب رئيس وزراء من فتح متناقضين كليا، ووزراء مُـنقسمون، كل حسب الفصيل الذي رشحه لتولّـي المنصب.
ويقول مسؤولون إن عباس يدرك أن مثل هذه التشكيلة، وفي ظل استمرار الحصار، لابد وأن تفشل، الأمر الذي سيعطيه الفرصة للإعداد لانتخابات جديدة تشريعية ورئاسية.
هشام عبد الله – رام الله
غزة (رويترز) – خفّـت حدّة المقاطعة الدبلوماسية للحكومة الفلسطينية المستمرة منذ عام، حين التقى نائب وزير الخارجية النرويجي مع إسماعيل هنية، رئيس الوزراء الفلسطيني، وهو من قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة يوم الاثنين 19 مارس 2007.
وهذا الاجتماع هو الأول بين هنية ودبلوماسي أوروبي رفيع منذ أن فرض الغرب حظرا اقتصاديا ودبلوماسيا على الحكومة الفلسطينية في مارس 2006 للضغط على حركة حماس الحاكمة للاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف وقبول اتفاقات السلام المرحلية.
وأعادت النرويج، وهي ليست من أعضاء الاتحاد الأوروبي، كل الروابط السياسية والاقتصادية مع السلطة الفلسطينية، بعد أن شكلت حماس وحركة فتح، التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، حكومة وحدة وطنية يوم السبت 17 مارس الجاري.
وقال نائب وزير الخارجية النرويجي ريموند يوهانسن للصحفيين “نأمل أن تساند كل الدول الأوروبية، بل وأيضا الدول الأخرى .. حكومة الوحدة هذه”، وتابع “نأمل أن تعمل حكومة الوحدة باجتهاد من أجل تحقيق توقعات المجتمع الدولي”. ولم يتحدد بعد بوضوح موقف الاتحاد الأوروبي تجاه حكومة الوحدة.
وهون مسؤولون إسرائيليون من شأن اجتماع يوهانسن مع هنية ووزير الخارجية الفلسطيني الجديد زياد ابو عمرو، قائلين إن العقوبات الاقتصادية ضد الحكومة التي تتزعمها حماس لا زالت قائمة.
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع يوهانسن، أشاد ابو عمرو بما وصفه موقف النرويج الجريء لكونها أول دول أوروبية تعترف بالحكومة الجديدة بشكل كامل، وتابع أن الجانبين ناقشا العديد من القضايا، وشملت تأمين دعم المجتمع الدولي لرفع الحصار.
وكانت المفاوضات التي أسفرت عن أول اتفاق سلام مرحلي بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد جرت في أوسلو ووقع الاتفاق في واشنطن في عام 1993 ليمهد الطريق لإقامة السلطة الفلسطينية.
واجتمع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس مرارا، ولكن لم يلتق هنية.
وتقول حكومة الوحدة الوطنية إنها “ستحترم” الاتفاقات السابقة، ولكن لم يتضمن برنامجها السياسي الدعوة للاعتراف بإسرائيل، بينما يؤكد على أن جميع أشكال المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل حق مشروع.
وأمس الأحد، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت بمقاطعة الحكومة الجديدة بكامل أعضائها، بمن فيهم الوزراء غير الأعضاء بحماس، وأوضح أنه لن يجري محادثات مع عباس في الوقت الراهن بشأن إقامة دولة فلسطينية. ولم يتضح مدى التأييد لسياسة اولمرت على الصعيدين، المحلي والدولي.
وأظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة يديعوت احرونوت أن 39% ممن شملهم الاستطلاع يؤيِّـدون إجراء محادثات مع حكومة الوحدة الفلسطينية الجديدة وأن نسبة 17% تؤيد إجراء محادثات مع وزراء فتح فقط.وقالت الولايات المتحدة إنها ستقاطع الحكومة الجديدة، ولكنها لم تستبعد محادثات غير رسمية مع وزراء من خارج حماس.
وتنوي بريطانيا السماح بإجراء اتصالات دبلوماسية مع وزراء من غير الأعضاء في حماس، ويتوقع أن تحذو الأمم المتحدة حذوها.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 19 مارس 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.