مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حكومة لبنان: “برلمان شرق أوسطي” مُـصـغّـر

الصورة الرسمية للحكومة اللبنانية الجديدة التقطت بالقصر الرئاسي في بعبدا يوم 16 يوليو 2008 Keystone

حين أعلن عن تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، سارع العديد من المحللين السياسيين اللبنانيين إلى وصفها بأنها "برلمان مصّغر".

لم يكن هذا الوصف مجانباً للحقيقة. فقد تمثّلت في ثاني حكومة يشكّلها فؤاد السنيورة منذ العام 2005 كل قوى المعارضة والموالاة الموجودة في مجلس النواب اللبناني بلا إستثناء. فنالت المعارضة الثلث المعّطل(11 وزيراً) الذي فرضته بقوة السلاح حين إجتاحت بيروت في 7 مايو الماضي ثم كرّسته دبلوماسياً في إتفاق الدوحة. والموالاة تقاسمت في ما بينها 16 مقعداً، فيما حظي رئيس الجمهورية الجديد ميشال سليمان بثلاثة وزارات أهمها الداخلية والدفاع.

بيد أن هذا التوصيف يبقى ظلاً لصورة، حين نطل على التطورات الداخلية اللبنانية من زاويتها الحقيقية بصفتها مجرد مرآة للتطورات الخارجية، وإنعكاساً مباشراً لطبيعة موازين القوى فيها. حينها ستبدو حكومة السنيورة الثانية “شرق أوسط مصّغراً” وليس فقط “برلمانياً مصغراً”.

المكاسب والجوائز في “لحظة هدنة”

فسوريا وإيران، اللتان تدعمان قوى المعارضة( حزب الله، حركة أمل، التيار العوني وقوى مسيحية أخرى، وبعض الأحزاب العلمانية)، باتتا موجودتين بقوة في السلطة التنفيذية عبر الثلث المعّطل. ومن هذا الموقع ستكونا قادرتين على إحباط العديد، إن لم يكن كل، الخطوات التي يمكن أن تتخذها الحكومة خاصة على صعيدي السياسة الخارجية والأمنية.

فقرار مجلس الأمن الرقم 1701 والذي نص على نزع سلاح كل القوى المسلحة، لن ينفّذ. والخطوات الإجرائية المتعلقة بالجزء اللبناني من المحكمة الدولية الخاصة بعملية إغتيال الرئيس رفيق الحريري وغيره من الإغتيالات، لن تر النور. إضافة إلى ذلك، ستستعيد سوريا عبر بوابة الثلث المعطل جزءاً مهماً من نفوذها الذي فقدته عقب خروج قواتها العسكرية من لبنان العام 2005.

في المقابل، حصل المحور الشرق أوسطي الأخر المتّمثل بأميركا والسعودية على جملة “جوائز ترضية”: إنتخاب رئيس جديد للجمهورية بات في الشهور الأخيرة أقرب إليهما بعد أن كان في السابق مرشح سوريا؛ إبقاء السنيورة رئيساً للحكومة برغم الهزيمة العسكرية الماحقة التي لحقت بـ “تيار المستقبل” الذي يدعمه في بيروت؛ وأخيراً، منع تداعي ما تبقى من مواقع تيار 14 آذار\ مارس الموالي لهما لصالح قوى 8 آذار\ مارس المناهض.

وبالتالي، كانت هذه التشكيلة الحكومية بحق لحظة هدنة بين القوى الإقليمية – الدولية المتنازعة على السيطرة على إقليم الشرق الأوسط – قزوين. هدنة يستعد فيها كلا الطرفين لمرحلة صراع جديدة تستخدم فيها كل أوراق الضغط الدبلوماسي والسياسي والإقتصادي، ولا يستثى منها حتى الضغط العسكري، كما يخشى العديد من المراقبين الذين يحذّرون من أن الرئيس الأميركي بوش ربما لا يغادر البيت الأبيض قبل أن “ينجز المهمة” عبر شن حرب جوية على إيران.

إضافة، طبيعة عمل (أو لا عمل) الحكومة الداخلي، سيكون مؤشراً مهماً وفاقعاً على طبيعة العمل (أو اللا عمل) على الصعيد الشرق أوسطي. فإذا ما سار كل شيء على ما يرام في ما يتعّلق بالبيان الوزاري، وبقانون الإنتخابات الجديد التي يفترض أن تجري مطلع صيف 2009، وبالإجراءات الإقتصادية التي يجب أن تتخذها الحكومة تلبية لمطالب صندوق النقد الدولي والإتحاد الأوروبي، وبمسألة المحكمة الدولية، يكون هذا دليلاً على حدوث “تقدم ما” على جبهة التفاوض الدبلوماسي، خاصة على المسار السوري – الغربي.

أما إذا ما تعثّرت الحكومة بحقل الألغام التي ولدت في أحضانها، فهذا سيكون أولى بشائر وصول الوضع الإقليمي- الدولي إلى نقطة التفّجر مجدداً، وبالتالي إلى نهاية الهدنة الحالية.

ثمة سيناريو ثالث بالطبع هو اللاعمل، أو حال الجمود والشلل. بيد أن هذا سيكون دليلاً هو الآخر على إنتهاء الهدنة الإقليمية – الدولية، وإن لم تتخذ هذه النهاية الأشكال العنفية بالضرورة.

جذور تاريخية

رب معترض هنا: أليس ثمة مبالغة كبيرة في الإطلالة على الوضع اللبناني على هذا النحو الذي ينزع منه كل أو معظم معطياته الداخلية، ويطل عليه بصفته مجرد حصيلة “اليد الخفية” الخارجية، أو كنتيجة “لحروب الأخرين على أرضه”، كما يقول السياسي والصحافي اللبناني غسان تويني؟

ليس هناك في الواقع مبالغة، لا في الحاضر ولا في الماضي.

حاضراً، القوى الطائفية الراهنة تعتمد إعتماداً كاملاً تقريباً على القوى الإقليمية والدولية وعلى كل الصعد. حزب الله، على سبيل المثال، يحصل (على ما يقال) على أكثر من 600 مليون دولار سنوياً من إيران لتمويل قدراته العسكرية ومشاريعه الإجتماعية. و”تيار المستقبل ” ينال (على ما يقال أيضاً) ما بين 300 إلى 400 مليون دولار سنوياً من السعودية. وما يتساقط من هذا المال السياسي الغزير، يذهب إلى بقية القوى والأحزاب اللبنانية. ولأنه لا سياسة بلا مال، كان طبيعياً أن تكون السياسة في الداخل خاضعة لإرادة أصحاب المال في الخارج.

هذا في الحاضر.

أما في الماضي، فقد كان لبنان يثبت مراراً وتكراراً طيلة تاريخه الحديث بأنه غير قادر على حكم نفسه بنفسه. وحين تسنح له الفرصة لذلك، كان يسقط سريعاً في لجج الفوضى والحروب الأهلية الساخنة منها والباردة.

على سبيل المثال، حقبة السلام والإستقرار المديدة الوحيدة في هذا التاريخ برزت بعد إتفاق الدولة العثمانية مع خمس دول أوروبية (فرنسا وبريطانيا والنمسا وروسيا وبروسيا) العام 1864 على تسوية داخلية لبنانية، تم خلالها أول تقسيم للسلطة على أسس طائفية. هذا السلام إستمر نحو 50 عاماً، ليس بسبب “لبنانية اللبنانيين”، بل لأن كثرة الدول الكبرى المشاركة فيه ضمنت قدرته على الإستمرار.

حقبة الإستقرار الثانية كانت في ظل العهد السوري (1990- 2004) الذي نال شرعيته هو الآخر من إتفاق الطائف الدولي – العربي (أمريكا، السعودية.. الخ)، ونجح في حمل قادة الطوائف اللبنانية على تقنين صراعاتهم داخل أطر سلمية. وكذا حدث قبله في فترة الإنتداب الفرنسي (1920- 1943)، حيث لم تسجل أعمال عنف بارزة، برغم المرحلة الإنتقالية الدقيقة من الحكم العثماني إلى السلطة الإستعمارية الفرنسية.

وحدها حقبة الإستقلال (1943-1975) شهدت سلسلة لم تنقطع من الأزمات الداخلية العنيفة، التي توّجت بحرب أهلية شاملة العام 1975 كادت أن تقضي على الكيان اللبناني برمته.

صناعة لبنانية 100%؟

كل هذه الوقائع تصب في خانة يتيمة واحدة: النظام الطائفي اللبناني، المستند إلى صيغة تقاسم السلطة بين الطوائف (أو بالأحرى بين النخب الطائفية الحاكمة) فشل طيلة 150 سنة في التطور إلى نظام ديمقراطي حقيقي يستند إلى فكرة الدولة-الأمة. ومع مثل هذا الفشل، كان إحتمال الإستقلال الذاتي يتبخر هباء منثوراً، وكان لبنان يصبح في حاجة دائمة إلى إمبراطورية،(أو إمبراطوريات)، ودولة (أو دول عدة) لتحقق الإستقرار فيه، ولتمنع تدهور صراعات طوائفه إلى حروب اهلية.

الباحثة اللبنانية البارزة ماري جويل زهار، لاحظت في دراسة لها بعنوان “تقاسم السلطة في لبنان”، أن هذا الأخير يضطرب حين يستقل، ويستقر حين لا يكون مستقلاً. وتاريخه يدل على أنه في حاجة دائمة لأن يكون “محمية أجنبية”.

ولكن أين حديث الرئيس السنيورة، ومعه الخارجية الأمريكية، عن “صناعة لبنانية مائة في المائة” للحكومة الجديدة، من كل هذه المعطيات؟

إنها محض خيال. خيال رغائبي بالتحديد. فصيغة الحكومة لم تولد في بيروت “اللبنانية” بل في الدوحة الدولية-الإقليمية. وما ترك للبنانيين ليفعلوه في بيروت، لم يكن أكثر من تناتش هامشي لبعض الحقائب الوزارية. والتشكيلة الحكومية ذاتها، تعكس التوازنات الإقليمية – الدولية الراهنة أكثر بكثير من تمثيلها للتوازنات الداخلية اللبنانية.

وعلى أي حال، هذه الحقيقة ستبرز بجلاء بعد قليل، حين يتبيّن أن “حكومة الوحدة الوطنية” لن تكون في الواقع سوى حكومة “الصراعات الوطنية” التي ستكون في حاجة دائمة إلى “قاض” خارجي ليحكم بين اطرافها أي أنها لن تكون أكثر من “برلمان شرق أوسطي” مُـصـغّـر.

سعد محيو- بيروت

تاريخ:

– أنشيء حزب الله الذي يشاطر ايران المفاهيم الاسلامية الشيعية بمساعدة الحرس الثوري الايراني عام 1982 لقتال القوات الاسرائيلية التي غزت لبنان. وما زال حزب الله يلقى دعما قويا من طهران. كما انه يلقى دعم دمشق. وهو مدرج على قائمة التنظيمات الارهابية في الولايات المتحدة.

– قاتل حزب الله اسرائيل على مدى 34 يوما عام 2006 في حرب أدت الى مقتل 1200 لبناني و159 اسرائيليا وجاءت بعد ان أسر حزب الله جنديين اسرائيليين في غارة عبر الحدود في 12 يوليو تموز. وقال الحزب حينها انه اسر الجنديين تمهيدا لمبادلتهما مع سجناء في اسرائيل من بينهم سمير القنطار الذي يعد اقدم سجين لبناني في السجون الاسرائيلية. وعلى الرغم من قرارات الامم المتحدة وتوسيع مهمة قوة حفظ السلام الدولية فقد استعاد حزب الله قدراته المسلحة منذ الحرب.

– اعلن حزب الله النصر على اسرائيل عام 2000 عندما سحبت قواتها من جنوب لبنان الذي تقطنه غالبية شيعية.

– نفذت مجموعات غامضة مرتبطة بحزب الله عددا من العمليات الانتحارية ضد اهداف غربية واختطفت رهائن غربيين في بيروت في الثمانينات. وكان اعنف هذه العمليات الهجوم الانتحاري الذي دمر مركزا لمشاة البحرية الامريكية في بيروت في اكتوبر تشرين الاول عام 1983 وادى الى سقوط 241 قتيلا. وكانت احدى هذه المجموعات تدعى الجهاد الاسلامي ويعتقد انها كانت بقيادة عماد مغنية وهو القيادي العسكري لحزب الله الذي اغتيل في سوريا في 13 فبراير شباط.

حزب الله اليوم:

– يحظى حزب الله الذي يعتبر حركة سياسية ومجموعة مسلحة بدعم جماهيري واسع في صفوف الشيعة في لبنان وله نفوذ بين الشيعة يفوق اي فصيل شيعي اخر.

– انخرط حزب الله في الحياة السياسية اللبنانية بشكل اوضح عام 2005 بعد مغادرة القوات السورية لبنان وسيطرة التحالف المناهض لسوريا على نتائج الانتخابات البرلمانية التي اعطت حزب الله 14 مقعدا من اصل 128 مقعدا في مجلس النواب.

– شارك وزيران من حزب الله في حكومة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة لكنهما استقالا في نوفمبر تشرين الثاني عام 2006 لان التحالف الحاكم رفض منح المعارضة حق النقض (الفيتو) في الحكومة. ونال حزب الله وحلفاؤه ومن بينهم حركة امل الشيعية والزعيم المسيحي ميشال عون هذا المطلب أخيرا في مايو ايار بعد ان سيطر حزب الله وحلفاؤه مؤقتا على بيروت. والان للجماعة وزير واحد في حكومة السنيورة التي شكلت هذا الشهر.

– لحزب الله قوة عسكرية قوية في لبنان اقوى من اي فصيل اخر او الجيش. ويقول ان ترسانته هي للدفاع عن لبنان في وجه اسرائيل وانه لن يتخلى عن سلاحه الا في اطار استراتيجية دفاع وطني.

– دعا قرار مجلس الامن الدولي 1559 الذي رعته الولايات المتحدة وفرنسا واقر في سبتمبر أيلول عام 2004 الى نزع سلاح كل الميليشيات اللبنانية.

– طالما تعهد حزب الله بعدم استخدام سلاحه الا ضد اسرائيل لكنه استخدمه في وجه خصومه اللبنانيين في مايو ايار عندما قال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله للمرة الاولى انه سيستخدم السلاح دفاعا عن السلاح.

(المصدر/ وكالة رويترز بتاريخ 16 يوليو 2008)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية