مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حماس في ثوب جديد

القيادي في حركة حماس الدكتور محمد غزال يعلن في ندوة صحفية عقدها في نابلس يوم 12 مارس 2005 عن مشاركة الحركة في الإنتخابات التشريعية الفلسطينية المقبلة Keystone

تختار حركة المقاومة الإسلامية حماس الحرب كما تختار السلم أو كما تطلبهما معا.

وهذا، اقتناصا لا افتراسا، كي لا يكون هامش واسع أو صغير يوقع الحركة الإسلامية في مطب الشبهات وحتى لا تحول التأويلات أمام التقدم الحاسم عند المنعطفات..

هكذا جاء قرار حماس، التي طالما رفضت اتفاق أوسلو أو المشاركة في المؤسسات المنبثقة عنه، لتُـعلن اليوم أنها مستعدة لخوض الانتخابات التشريعية المقررة الصيف المقبل لانتخاب نواب من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى برلمان الحكم الذاتي.

وإذ يكون الانتخاب والترشح وفق قوانين ذات المؤسسة التي وُلدت من رحم أوسلو، فإن الحركة الإسلامية المعارضة تجد أن لابدّ ولا غضاضة الآن في الانضمام إلى مرحلة جديدة من عُـمر الحكم الذاتي الذي ظلّـت تصفه بالمؤامرة.

لعل التفسير السياسي للخُـطوة الكبيرة غير المسبوقة، ولكن المتوقعة، يكمُـن أكثر في قدرة وقوة حماس على التماسك، وعلى قراءة صحيحة للظروف المحيطة، أكثر من كونه مجرّد تكتيك تُـبادر إليه الحركة الإسلامية كي لا تطيح العاصفة برأسها.

وفي قراءة الموقف أيضا ما يُـشير إلى طبيعة حماس السياسية، وإلى مطامحها في الوصول إلى سدّة الحكم الفلسطيني، في وقت يكاد يدخل فيه التيار الوطني، ليس في فلسطين وحسب، في مرحلة الضعف والتلاشي.

وليس التوقيت هنا بالدافع الأساسي، بل النقطة التي وصلت عندها تفاعالات الموقف الفلسطيني العامإاثر وفاة الزعيم التاريخي ياسر عرفات، ودخول حركة فتح، زعيمة الساحة، في مرحلة ضعف وانقسام.

ولم تكن حماس لتعمل وفق قوانين المعارضة على ساحة معيّـنه فقط، وإنما إنها بالأساس تمثل كذلك المشروع الحيوي الأول لحركة الإخوان المسلمين ذات الإمتدادات العالمية، وعليها أن تتحرك في إطارها العام أيضا.

ربما كان الأمر من حسن طالع حماس أنها تستطيع الاعتماد على مخزون كبير من الموارد المادية، والبشرية، والمعنوية، يمكنها من دخول عمر النضوج السياسي بما يليق من المظهر والمحضر.

الانعطاف

حتى طريقة حماس بإعلان قرار المشاركة في الانتخابات التشريعية، جاءت على أصول جديدة تليق بمرحلة أحكمت أسبابها وشروطها على مقاسات تستوجب أدوات ولغة وحضورا يؤشر على الانعطاف والانتقال ويتطلب المواءمة والملاءمة.

وإن حافظت حماس في إعلانها على مصطلح المقاومة، فإنه ظل مرتبطا بقرار أعم وأشمل، ألا وهو اللجوء إلى حرب السياسية والمنافسة، وسلوك في دروب الديمقراطية والحوار والتداول السلمي للسلطة.

حتى في تلك اللحظات الشديدة من عمر المقاومة، لم تلجأ حماس إلى الظهور، لا بأنها تريد قلب الموازين واحتلال السلطة وتغييرها بالقوة، وليس مثال قرار السلطة الفلسطينية عام 1996 بشن الحرب على حماس، إلا دليل قوي على قرار الحركة الإسلامية بعدم الدخول في مواجهة فلسطينية – فلسطينية.

وليست الإشارة هنا سوى دليل آخر على الرؤية البعيدة لحماس بدخول مُـعترك السياسة حين اللحظة المناسبة لذلك، واستخدام المقاومة جسرا قويا منيعا يمنحها الحصانة، كلما أرادت ذلك، وفي أي زمان.

لم تكن مجرد إشارات، بل تبعتها مواقف جاءت على لسان زعيم الحركة الروحي الراحل الشيخ أحمد ياسين قبل اغتياله العام الماضي، وتأكيده أن حماس تقبل حلا قائما على دولتين.

استجابة للتغيير

وحتى لا تترك حماس الأمر مجرد نظريات سياسية وحبرا على ورق، فإنها عمدت خلال العقد الماضي، بل منذ لحظة انطلاقها عام 1978 إلى نشر شبكة قوية من المنظمات الخيرية العاملة في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية.

وقد شكّـلت سنوات الحكم الذاتي الأخيرة فرصة كبيرة لهذه المنظمات والمؤسسات أن تنمو وتترعرع، وتحظى بدعم وتمويل خارجي، عربي وإسلامي، على حساب السلطة الفلسطينية التي غرقت في أتون الفساد وانصراف الممولين والداعمين عنها.

وبذلك، تكون انعطافة حماس قد تحققت بفعل تغيير المناخ السياسي والضغوط الدولية الكبيرة، لوقف المقاومة إلى حد كبير، ولكن قدرة الحركة الإسلامية على التعامل مع الضغوط والاستجابة للتغيير، وكذلك اعتمادها الشامل والأوسع على حركة الإخوان المسلمين، ظلت العامل الأهم، وهي وإن تعلن المشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة، فإنها تفعل ذلك وقد دخلت تجربة الانتخابات البلدية وحققت فيها نصرا كبيرا أمام المنافس الأول حركة فتح، وتستعد كذلك لدخول المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية.

ربما خسرت حماس معركتها في تغيير منظمة التحرير وبرنامجها عن طريق مؤتمرات الحوار الوطني خلال السنوات الأخيرة، وربما تكون أيضا قد خالفت أساسها الأصولي، ووافقت على المشاركة في مؤسسات أوسلو، لكنها تُـطـلُّ الآن بثوب جديد ووجه نضـر على منظمة التحرير وعلى النظام السياسي الفلسطيني المنهك، من خلال دخول المجلس التشريعي، في الوقت الذي لم يعد فيه أحد يتذكر أوسلو.

هشام عبدالله – رام الله

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية