حماس ما بعد “أحمد ياسين”
"ليس من دافع سوى التقدم، ولا من مُـعيق سوى التردد، ورياح الفرص تهُـب من كل جانب.. ولا يكون اغتنامها برَدّة فعل عاطفية مشحونة بالانتقام، بل بالانتصار بالدم.."
يبدو أن هذا هو بعض المنطق الذي سيتحكم في تمشي وممارسة القيادة الجديدة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بعد اغتيال إسرائيل لمؤسسهاومرشدها الروحي.
ينتصر الفلسطينيون لحماس التي تنتصر لهم. وعندما يقضي شيخها ومؤسسها اغتيالا بصواريخ إسرائيلية، تأخذ مسألة الانتصار مداها، وتُـقيد عوامل الربح والخسارة العامة والخاصة بميزان من قوة.
ولما لم يجف دم الشيخ خارج المسجد الصغير الكبير في حي الصبرة، حيث انطلقت حماس قبل أقل من 15 عاما، يتسع الحديث أيضا ليتجاوز دائرة الانتقام وسياق التداعيات السلبية المباشرة إلى ساحة تضج بأفكار وأفعال القيادة والريادة.
ولاريب أن ذهاب الشيخ المؤسس يترك فجوة كبيرة، وأن مثل هذه الضربة تَـطال عوامل الكسر والتخريب والإضعاف، لكن الصورة الأشمل والأوسع في إطارها المستقبلي تحمل مزايا قوة يُـمكن تلمسها بوضوح، إن أُزيح ستار سواد الحزن والحداد.
وما كادت تمضي أيام ثلاثة على فجيعة الاغتيال، حتى كان القياديون الشبان في الحركة الإسلامية المعارضة، والفتية عمرا، يرمون أحزانهم ويتجاوزون روابط العاطفة، وينطلقون مُـعلنين قيادة جديدة للحركة التي تزاحم على الصدارة الفلسطينية..
لا يحتمل الأمر تأجيلا وتأخيرا وترددا، بل حسما قاطعا، وتماسكا راسخا لايفتح مجالا للتأويل. فالحركة العقائدية البراغماتية تُـدرك وتستشعر مخاطر الدخول في التأويل، فضلا عن حساسية وأهمية الاجتهاد.
لم تجد حماس أسبابا للمنازعة الداخلية. فلا عُـقدة الحرس القديم والجديد في المنظمة الشابة حاضرة لتُـفرز دواعي المنافسة، ولا الخلاف مُـحتد في صفوفها حول رفض أو قبول تسوية تهدد بالانقسام والصراع.
ليس من دافع سوى التقدم، ولا من مُـعيق سوى التردد، ورياح الفرص تهُـب من كل جانب، محليا وإقليميا ودوليا،واغتنامها لا يكون برَدّة فعل عاطفية مشحونة بالانتقام، بل بالانتصار بالدم المسفوك في حضرة القوة.
دفنوا “شيخهم” ونهضوا
لم تكن المنظمة الإسلامية في انتظار اغتيال زعيمها الروحي، لكن لحظة الفعل تفتح أبوابا ما كان يُـرجى ولوجها سابقا، ولم يكن بالحُـسبان أيضا ان سقوط الشيخ القعيد على هذا النحو، سيُـؤسس لمرحلة نهوض جديدة.
حماس كانت للتّـو منشغلة في التنسيق مع سلطة الحكم الذاتي، عن طريق الحوار مع فتح وباقي الفصائل، في مسألة الترتيب لمرحلة ما بعد الانسحاب الإسرائيلي الأحادي المزعوم من قطاع غزة، وهي في ذلك بصفة رأس حربة المعارضة، بل أكثر في مقاييس ومعايير مراقبين، وهي التي كانت تعد “ميثاق شرف يهدف إلى جمع مختلف أطياف السياسة الفلسطينية، وطنية وإسلامية، تحت سقف إطار واحد، بل إن الحركة المعارضة، كانت أكدت عزمها واستعدادها للتعاون مع الجميع في سبيل تولي زمام الأمور بعد انسحاب إسرائيل. وبكلمات أدق، فإن حماس كانت مستعدة للمشاركة في السلطة، وليس الاستيلاء عليها.
ثمة تاريخ غير بعيد لهذا النهج. فبعد الهدنة الأولى، التي تحقّـقت في عهد رئيس وزراء السلطة السابق محمود عباس، حيث يقول مسؤلوون إن حماس كانت قد توصّـلت إلى قرار بالمشاركة في الحكومة الفلسطينية عن طريق ترشيح إسماعيل أبو شنب، القيادي فيها والذي اغتالته إسرائيل في أغسطس الماضي.
حماس كانت في صلب البحث عن تعزيز جديد لموقعها، وترجمة عملية تتعدى سياق كتائب القسام والضرب بالنار، قبل أن يقع شيخها في مصيدة إسرائيلية دموية، وهي كانت تعد لمرحلة جديدة.
وفي حين ظن ارييل شارون أنه يُـضعف حماس ويُـحطمها بمثل ضربة كتلك التي فجّـرت دماغ أحمد ياسين، كان العقل في الحركة الدينية السياسية يتغلّـب على روح الغضب، ويأخذ بعين الاعتبار والكياسة بضرورة النهوض.
ولما انطلقت أولى التجمعات الغاضبة، ضمّـت عشرات الألوف في مدن وقرى ومخيمات الأراضي المحتلة، وراحت مثيلاتها تردد “حماس حماس” في أصقاع الدنيا، كان “شيوخ الحركة الجدد” يترقّـبون بعين الرضا جَـني ثمار الهبة الشعبية.
حماس “ما بعد ياسين”
يُـشير أحد قياديي حركة فتح في الضفة الغربية، أنه لم يَـسعه القول عندما شارك في إحدى التجمعات الضخمة التي نظمتها حماس لمناسبة اغتيال زعيمها، سوى أنهم (أي حماس) “قادرون على اعتقالنا”.
تحمل عبارة القيادي الميداني المخضرم أكثر من إشارة حول دور حماس كحركة قيادية فلسطينية، وحول مجمل العمل الفلسطنيي السياسي، لاسميا في سياق التحديات التي فرضتها عملية اغتيال الشيخ ياسين.
قال المسؤول الفتحاوي، إنه أخذ بمستوى التنظيم والانضباط والتخطيط والأموال والجهود التي صرفتها حماس في إخراج المهرجانات الشعبية التي أقيمت في مختلف المناطق الفلسطينية إثر عملية الاغتيال.
وأكثر من ذلك، فإن الطريقة التي راح قادة حماس يقدمون فيها أنفسهم وحركتهم قد تغيّـرت أيضا، لقد تبدلت لهجة المشارك بالند، وانحسرت ألفاظ الكآبة والتأبين أمام موجات التحدي والظهور بمظهر القوي.
الفصائل الأخرى، كما يروي مقرّبون، باتت في حيرة حول كيفية وطريقة التعامل مع حماس “ما بعد ياسين”، مع حماس التي اختارت استغلال الظروف التي أدت إلى توسيع قاعدتها الشعبية على نحو غير مسبوق.
ربما تكون الظروف والمعطيات لم تنضج بعد لأخذ ما سلف في إطار الحقيقة العملية، لكن ثمّـة قرار حقيقي اتخذته حماس، ومفاده “الانتصار بالدم”.
هشام عبد الله – رام الله
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.