حملة انتخابية هادئة لدرجة البرودة!
يستعد المغرب لإجراء أول انتخابات بلدية في عهد الملك محمد السادس في 12 سبتمبر.
هذه الانتخابات تشكّـل اختبارا لحكومة الوزير الأول إدريس جطو، وكذلك للأحزاب السياسية، وخصوصا منها التيارات الإسلامية.
بدأت يوم الخميس 28 أغسطس الحملة الانتخابية للاستحقاقات الجماعية والبلدية التي تجرى في المغرب في 12 سبتمبر الجاري. فلا الساحات العمومية ولا القاعات، شهدت كما العادة مهرجانات ضخمة، ولا الصحف لونت صفحاتها بالألوان الانتخابية للأحزاب التي تنطق باسمها، ويكاد غير المعنيين مباشرة بالاقتراع لا يشعرون أن البلاد على أبواب استحقاق انتخابي جديد.
أسباب هدوء الحملة أو برودتها متشابكة ومتداخلة، لبعضها علاقة بالوقت الذي بدأت فيه، أي في شهر أغسطس، حيث لازال الموظفون يتمتعون بإجازاتهم، وبعضها الآخر مرتبط بالأجواء العامة التي تعيشها البلاد منذ هجمات 16 مايو الانتحارية في الدار البيضاء، بالإضافة إلى علاقة الحملة بوضع الأحزاب المغربية وما تعرفه من مشاحنات داخلية، يراها الناخب خلافات شخصية أكثر منها مشاحنات أو خصومات حول قضايا تهمه مباشرة.
وتكتسي الانتخابات الجماعية (البلدية) القادمة أهمية كونها الأولى التي تُـجرى في عهد الملك محمد السادس، وإن كان الاستحقاق الانتخابي الثاني بعد انتخابات 27 سبتمبر 2002 التشريعية، وتجرى في إطار قوانين جديدة، حيث اعتمدت ثلاثة أنظمة انتخابية، حسب حجم السكان في الدائرة الانتخابية، وأعادت وحدة المدينة التي يفوق سكانها 500 ألف نسمة، واستحدثت منصب العمدة في هذه المدن.
سياسيا، تجرى الانتخابات البلدية في وقت لازالت تداعيات العمليات الانتحارية التي هزت الدار البيضاء في 16 مايو الماضي تُـهيمن على البلاد. فالمحاكمات لازالت مستمرة للعشرات من نشطي التيارات الأصولية المتشددة، والأجواء لازالت ملبدة بالتوتر بين التيارات الأصولية المعتدلة والتيارات الديمقراطية. وتجرى الانتخابات على إيقاع الكشف عن شبكة لتهريب المخدرات في مدينة تطوان تورّط فيها قُـضاة ورجال أمن كبار وضباط في الجيش.
نسيج انتخابي متشابك
سياسيا أيضا، تجرى الانتخابات بعد عام من انتخابات تشريعية أعادت للساحة السياسية المغربية نفس الأغلبية الحزبية، لكنها لم تمنح مهمة تشكيل الحكومة التي أوكلت لرجل تقني، وإن شاركت أحزاب الأغلبية فيها، وهو ما انعكس سلبا على تعاطي الفاعلين السياسيين والمواطنين مع الحكومة التي طبع عملها على مدار الشهور الماضية الركود في مختلف الميادين.
لذلك، تأمل النخبة السياسية تشكيلة حكومية جديدة بعد الانتخابات البلدية، يكون الفاعل فيها الأحزاب الأكثر تمثيلا في البلديات التي تشكل القاعدة الانتخابية لثلثي أعضاء مجلس المستشارين (الغرفة التشريعية الثانية).
على مستوى الأرقام، يتنافس 122.658 مرشحا يمثلون 22 حزبا، على 22.945 مقعدا موزعة على 19.451 مقعدا في الجماعات التي يقل عدد سكانها عن 25 ألف نسمة، و2978 مقعدا لـ 104 جماعة حضرية يبلغ عدد سكانها أكثر من 25 ألف نسمة، و516 مقعدا للمقاطعات في المدن التي يتجاوز عدد سكانها نصف مليون نسمة.
ويحتل حزب الاستقلال المشارك بالحكومة الرتبة الأولى في قائمة الترشيح بنسبة 10.52%، فيما يحتل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، متصدر الأغلبية البرلمانية، الرتبة الثانية بنسبة 9.72 %، واكتفى حزب العدالة والتنمية، الحزب الإسلامي الوحيد المشارك بالانتخابات، بالرتبة الحادية عشرة في القائمة.
وفي الأرقام أيضا، لم تتجاوز المرأة من بين المرشحين نسبة 5% في الوقت الذي كانت فيه جل الأحزاب تدعو إلى اعتماد نسبة لا تقل عن 20% للمرأة في المقاعد البلدية، على غرار ما حصلت عليه في الانتخابات التشريعية، وهي نسبة دفعت بعديد من المنظمات النسائية، ومنظمات المجتمع المدني للتحرك، وإن كان متأخرا، لعل المرأة تحصل على نسبة من المقاعد تفوق نسبتها من المرشحين.
ولم يتجاوز الجامعيون نسبة 18% من بين المرشحين الذين شكل أكثر من 50%، منهم مرشحون لم يتجاوز تحصيلهم العلمي على الشهادة الابتدائية. إلا أن نسبة المرشحين الشباب الذين تقل أعمارهم عن 34 عاما، وصلت إلى 30%، ولم تضم قوائم الترشيح سوى 13% من الذين تجاوزت أعمارهم 55 عاما.
عودة الانتماء الحزبي
إلا أن أبرز ما في أرقام مرشحي الانتخابات البلدية لعام 2003، تقلّـص عدد المرشحين اللامنتمين للأحزاب إلى 3033 مرشحا، أي بنسبة 2.47% بعد أن وصل عدد المرشحين اللامنتمين في انتخابات 1997 إلى أكثر من 15 ألف مرشح.
والتقلص الحاد في عدد المرشحين اللامنتمين، ليس شرطا أن يكون إشارة عن تطور إيجابي للعمل الحزبي المغربي، إذ تعود أسباب التقلص إلى النظام الانتخابي الجديد الذي اعتمد اللائحة الانتخابية المتكاملة، أي عدم قبول أية قائمة إذا لم تكن تضم مرشحين لكافة مقاعد الدائرة الانتخابية. كما أن عددا من اللامنتمين وجدوا حاجة الأحزاب لملء اللائحة، فرصة للالتحاق بقوائمها، علما أن الرتبة التي يحتلها المرشح اللامنتمي على هذه القائمة تعكس ثقله الاجتماعي والقبائلي والعائلي والمالي أيضا.
من الطبيعي أن الحملة الانتخابية ستعرف خلال الأيام القادمة سخونة وتصعيدا، وستمتلئ الجدران بصور المرشحين ملونة بلون الحزب الذي يمثله، وقد تذهب صحف الأحزاب إلى الألوان أيضا، لتصبغ بها صفحاتها الأولى، وستعرف الساحات والقاعات العمومية مهرجانات انتخابية حاشدة يتلو فيها كل حزب برنامجه ويقدم مرشحيه، مع إدراكه أن حسابات الناخب تتجاوز ما يتلى في المهرجان أو ما يتضمنه البرنامج ليصل إلى قراءة لتجربة سابقة في تسيير وتدبير الشأن المحلي والتعاطي مع القضايا التي تعرفها البلاد.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.