“حمَـاسُ وصدمةُ” عباس
يؤكِّـد مقرَّبون من الرئيس محمود عباس، أن سيطرة حركة حماس الإسلامية على قطاع غزة والأداء السيئ لقيادة حركة فتح، ربَّـما شكَّـلا الصدمة الكبرى في حياة هذا السياسي الفلسطيني المخضرم، الذي عمل لعقود بعيدا عن الأضواء.
بيد أن ثمة قناعة راسخة لدى هؤلاء وآخرين كثيرين، أن حماسَ عباس بتحقيق المشروع الوطني، المتمثل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وقناعته بالمُـضي قُـدما، لم يفترقا أبدا بالرغم من ذلك كله.
إذا كان الرجل قد عرف بزُهده بالمناصب والسلطة، رغم حياة حافلة بالسياسة منذ تأسيس حركة فتح عام 1965، فإن المقادير قادته ليتربَّـع على عرش الهرم الفلسطيني في ظروف لا سابق لها.
ومنذ تولي محمود عباس رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية ورئاسة سلطة الحكم الذاتي في نهاية 2004 وأوائل 2005، أثر رحيل ياسر عرفات، وعصفت الأزمات بأركان القيادة الفلسطينية من كل حدب وصوب.
وقد شكَّـل إصرار عباس على إجراء انتخابات عامة تشريعية تشارك فيها حركة حماس الإسلامية، بالرغم من ضغوط داخلية وخارجية بتأجيلها، أولى الحلقات في المشهد الصعب، الذي لا زال يتوجَّـب عليه إدارته وتوجيه دفَّـته.
ومع فوز حماس، توالت الضغوط الخارجية والإقليمية والدولية والمحلية على عباس بعدم السماح للحركة الإسلامية بتولّـي دفَّـة الأمور وتشكيل حكومة إسلامية خالصة.
لكن عباس، المعروف بعِـناده وإخلاصه لمبادئه، لم يكن ليقبل ذلك وواصل الحوار الذي كان بدأه مع حماس، على أمل ضمِّـها إلى النظام السياسي الفلسطيني، باعتبارها حركة سياسية فلسطينية تتمتَّـع بشعبية كبيرة.
وبالرغم من انخراط حماس في المواجهات مع عناصر حركة فتح منذ بداية عام 2006، إلا أن عباس ظلّ يعتبِـر الطرفين، حماس وفتح، مسؤولين عن الصراع الدائر، واستمر في تصميمه على إمكانية احتواء حماس بالحوار.
بيد أن هذا التصميم والإرادة، التي لم تكن تلين حتى لمطالب الولايات المتحدة ومعها الاتحاد الأوروبي بعزل حماس وحصارها، تبدّدت جميعا ساعة إعلان حماس سيطرتها على قطاع غزة، وتحَـوِّل عِـناد الرئيس وحماسه إلى إصرار معاكس تماما.
“انقلاب على الشرعية” و”صدمة كبيرة”
قبل ساعات على إعلان حماس سيطرتها على مقرات الأجهزة الأمنية في منتصف شهر يونيو الماضي، كان عباس قد خرج للتَّـو من اجتماع مع مسؤوليين من الاتحاد الأوروبي قال في ختامه إنه يُـحمِّـل كلا من حماس وفتح مسؤولية ما يحدث في قطاع غزة.
لكن في اللَّـحظة التي أعلنت فيها حماس رسميا سيطرتها على غزة، خرج الرئيس مُـعلنا أن ما حصل ليس سوى انقلاب على الشرعية، وأنه ليس ثمة حوار مع حماس قبل أن تعود عمَّـا فعلت وتعتَـذر ويحاسَـب المسؤولون عن ذلك.
والآن، وبعد نحو ثلاثة أشهر على ذلك، لا زال عباس على موقفه، بل أنه، وكما لاحظ مراسل سويس انفو في لقاء جرى مؤخَّـرا، أن الرئيس غاضب من حماس لدرجة تجعله يرفُـض حتى الحديث حول المسألة.
ويقول عبد الرحيم ملوح، نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهو الذي يعرِف عباس منذ نحو 35 عاما “أبو مازن رجل مخلص لما يؤمِـن به إلى أبعد الحدود، وما حدث في غزة، كان بمثابة صدمة كبيرة له”.
وأضاف ملوح في حديث لسويس انفو “حتى اللحظة الأخيرة، كان الرئيس يحمِّـل الطرفين، فتح وحماس، المسؤولية، وخلال لقاءاته مع المسؤولين الدوليين، كان يدافع عن حماس وعن دورها، لذلك، فإن ما حدث شكَّـل خيبة أمل كبيرة وقد ترك ذلك آثارا على سياسته”.
ويعتقد ملوح ومعه مسؤولون آخرون أن “خيبة أمل” عباس كانت كبيرة أيضا فيما يتعلق بأداء حركة فتح بالذّات في قطاع غزة، وكذلك في الضفة الغربية، وأن الأمر ترك أثره البالغ على رغبته في تكريس دور المؤسسة والديمقراطية في المجتمع الفلسطيني.
ويقول نمر حماد، مستشار عباس السياسي، “إن الرئيس كان صادقا جدا في حواره مع حركة حماس وأنه كان يعتقد بالفعل أنه يُـمكن ضم الحركة الإسلامية إلى النظام السياسي الفلسطيني، لكن ما حدث غيَّـر كل شيء”.
وأضاف حماد في حديث لسويس انفو “يؤمن عباس إيمانا راسخا أنه لا يتوجَّـب على الفلسطينيين التدخُّـل في شؤون أي طرف (دولة أو جهة)، ولكنه في المقابل، يرفض تدخُّـل الآخرين في الشؤون الفلسطينية، وربَّـما أن هذا الرأي يشكِّـل موقفه الأخير من حركة حماس ورفضِـه الحوار معها قبل أن تعود عمَّـا فعلت”.
ويعتقد عباس وأركان القيادة الفلسطينية أن حماس تحرّكت في غزة تلبيَّـة لأجندة خارجية، سوريا وإيران على الأرجح، لكنهم يرفضون الحديث عن ذلك علنا.
“تركوه وخانوه”
بيد أن آخرين داخل حركة فتح وخارجها يرون أن طبيعة وشخصية الرئيس عباس الصَّـادقة والطيِّـبة والمخلصة هذه، أدت إلى سلسلة من الإخفاقات، التي تهدِّد المشروع الوطني برمَّـته.
وقال مسؤول بازر في حركة فتح، رفض الكشف عن هويته “لقد تغلَّـب مسلك الرئيس الشخصي على كل شيء آخر، إذ كانت لديه آمال أكبر من قدراته ومهاراته”.
وأضاف “كان يعتقد أنه يمكن دمج حماس في النظام السياسي وأنه يُـمكن نقل هذه الحركة العقائدية الأحادية إلى أخرى تستطيع الاندماج مع الآخرين، وقد كان ذلك خطأً استراتيجيا”.
وقال “مشكلة عباس في عِـناده والعِـناد في السياسة، ليس قوة بالضرورة. أصر على الاستمرار في حوار حماس ومراقبة الأمور تتطور إلى حرب أهلية، وهو يقف موقف المتفرِّج، وبدلا من الوصول إلى نظام سياسي واحد، ضربت الوحدة الوطنية الفلسطينية، كما لم تُـضرب وتشق من قبل”.
واعتبر هذا المسؤول أن فترة حُـكم عباس “من أكثر الفترات تأثيرا سلبيا على وحدة الشعب الفلسطيني، وأنه لم يكن بمستوى التحديات، والمقعد الذي يجلس عليه أكبر بكثير من إمكانياته، مع أنه صادق ونواياه وطنية”.
وقال “لا يكفي أن تكون طيبا وصادقا لتحتَـل المقعد الأول، لكن يجب أن نؤكِّـد أن اللوم يقع بشكل أساسي على المجتمع الدولي، الذي تركه وحيدا، لقد تركوه وخانوه، وبالتأكيد أنهم كانوا يبحثون عن رئيس ضعيف ووجدوا ضالَّـتهم”.
هشام عبدالله – رام الله
غزة (رويترز) – تحدى آلاف الفلسطينيين من الموالين للرئيس محمود عباس، مسلحين من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يوم الجمعة 23 أغسطس الجاري في أكبر احتجاج ضد الحركة منذ سيطرتها على قطاع غزة في يونيو الماضي.
ونظمت حشود من أعضاء وأنصار حركة فتح، التي يتزعَّـمها عباس، مسيرة في قطاع غزة، فيما قذف العشرات بالحجارة مجمَّـعا أمنيا سيطرت عليه القوة التنفيذية، التابعة لحماس خلال هيمنتها على قطاع غزة، التي اتَّـسمت بالعنف.
وأطلق قائدو السيارات الأبواق، كما شوهد محتجُّـون يركبون على مقدمة السيارات. وقال شهود عيان إن مسلحين من حماس أطلقوا النار باتجاه المحتجِّـين والصحفيين، غير أنه لم ترد أنباء عن وقوع إصابات، وأمطرت واجهة أحد المتاجر بالرصاص، ولم يصدر تعليق فوري من حماس.
وهتف المحتجون، بينما كانوا يسيرون في الشوارع قائلين “الجهاد.. الجهاد”، بينما حطم آخرون موقعا أمنيا خاليا تابعا لحماس على جانب الطريق.
وذكر شهود أن رجال الأمن من حماس احتجزوا ثلاثة صحفيين، من بينهم مصور من وكالة الأنباء الفرنسية، بينما اعتدى آخرون بالضرب على مصور من رويترز وحاولوا اعتقاله قبل أن يحرِّره المحتجُّـون بالقوة، كما حطم رجال الأمن من حماس آلة تصوير تلفزيوني خاصة بصحفي آخر.
وقال مسؤول من فتح لرويترز “أحداث اليوم علامة واضحة على أن فتح لم تختف مع انقلاب حماس… الناس يرفضون قمع حماس لفتح. اعتقدت حماس أن بإمكانها القضاء على فتح.. إنهم مُـخطئون. فتح تنهض من جديد”.
وقال مسؤولون من فتح، إن حماس اعتقلت المئات من رجالها منذ أن سيطرت الحركة الإسلامية على قطاع غزة، وأضافوا أن أكثر من 100 لا يزالون في السجن وأن كثيرين تعرّضوا للتعذيب.
وردت حماس بقولها، أن جميع الاعتقالات غير سياسية وأنها تضمَّـنت توجيه تُـهم جِـنائية فقط، وأضافت أيضا أن قوات الأمن التابعة لعباس اعتقلت بدورها ما يصل إلى 500 من أنصارها في الضفة الغربية، حيث لا يزال عباس يحتفظ بالسيطرة.
وفشلت عدة محاولات لاستئناف المفاوضات بين الفصيلين، وكان عباس قد أقال الحكوم،ة التي تقودها حماس بعد سيطرة الحركة على قطاع غزة بالقوة.
(المصدر وكالة رويترز بتاريخ 24 أغسطس 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.