حمّــام دم .. ومزايدات!
في الوقت الذي تختلف فيه وجهات نظر الرئيس الجزائري وقائد هيئة أركان جيشه أمام الملأ، حول مسائل العنف والحوار مع الإسلاميين، ردّت جماعات الموت بارتكاب مجزرة ذهب ضحيتها العشرات.
حدث هذا في نفس يوم العيد الأربعين لاستقلال الجزائر عندما انفجرت عبوة وسط سوق شعبية في بلدة سوق الاربعاء على بعد حوالي عشرين كيلومتر من العاصمة.
توقع كثيرون أن تلجأ جماعات الموت الجزائرية إلى عمليات تفجير ضخمة، ولكن لم يتوقع أحد أن يكون موعد التفجير يوم 5 يوليو، يوم الذكرى الأربعين لاستقلال الجزائر.
يحمل توقيت الهجوم دلالة سياسية خاصة تجعل موقف السلطات حرجا جدا، لأن يوم الخامس من يوليو هذا العام، تزامن مع انتشار ضخم لقوات الجيش، بالإضافة إلى الانتشار التقليدي لقوات الدرك والشرطة، في الوقت الذي صدرت تصريحات رسمية حول إمكانية إلغاء حالة الطوارئ، وتعيين شخصية مدنية وزيرا للدفاع.
وبذلك، يكون قتل عشرات الابرياء في تفجير يوم الجمعة، وسيلة من وسائل إظهار ضعف قوات الأمن، رغم ما يظهر من حذرها الشديد، ويزيد من متاعب الشرطة العلمية، التي فشلت على مدى أشهر في تقفي أثر مخابر صناعة القنابل، رغم توفرها على إمكانات ضخمة، لم تتوفر لها، عندما كانت تكتشف المخابر باكثر سهولة في أواسط التسعينات.
معضلة اخرى تتمثل في وجود العاصمة بمراكزها الحيوية في وضع حرج جدا، لأن التفجيرات ستصل إليها في غالب الأحيان، ولأن جماعة التكفير والهجرة، وأصحاب المصالح، يتشابهان في اساليب العمل، حسب المصادر الأمنية. فكلاهما يحلق اللحى، ويستعمل النساء والمراهقين في زرع القنابل، باستغلال الضعف الفكري أو عن طريق الإغراء بالمال.
الرئيس والمؤسسة العسكرية
وفي كل الأحيان، وبقصد أو من دون قصد، فإن تفجير يوم الجمعة، يخدم المعارضين للحوار مع الإسلاميين، مسلحين كانوا أو مدنيين، ويحتّم ربطه بالتصريحات السياسية التي أطلقها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ورئيس هيئة أركان الجيش محمد العماري.
فكلاهما انتقد الآخر حيال سياسة الوئام المدني، التي تقضي بالحوار مع الإسلاميين، فعندما يمتدحها الرئيس الجزائري، ينتقد بعضها رئيس هيئة أركان الجيش محمد العماري. وعندما يقول قائد هيئة الأركان، إن الأعمال المسلحة انحسرت، وفي المقابل لا يزال الإسلام السياسي قويا، يرد الرئيس الجزائري بكلام يُفهم منه أنه يُحمّل قوات الأمن مسؤولية حماية المواطنين.
وعندما يُعين الرئيس الجزائري وزير العدل السابق أحمد أويحي، وزيرا مكلفا بمهمة لدى رئيس الجمهورية، يرد قائد هيئة الأركان، أنه لا يُعارض تعيين وزير مدني على راس وزارة الدفاع. ثم ليتسرب بعد ذلك أن الشخص المقصود في كلام قائد هيئة الأركان، هو احمد أويحي نفسه، لينتهي العجب من إمكانية تعيين وزير مدني في وزارة الدفاع، بما أن أحمد أويحي تُلقّبه اوساط جزائرية عديدة ب “رجل الجيش ورجل المهمات السيئة”. وتزداد قوة هذا الطرح، إذا علمنا أن الرئيس الجزائري قد تمكن من تحجيم دور الكثيرين ممن وُصفوا بأنهم: “المقربون” لأصحاب القرار قبل مجيء بوتفليقة.
ومن بين هؤلاء، زعيم حزب التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية، سعيد سعدي وكذلك خليدة مسعودي، العلمانية المتصلبة، وهي الآن وزيرة للثقافة وناطقة باسم الحكومة، أجبرها بوتفليقة، على التخلي عن أسلوب الرد الارتجالي على أسئلة الصحفيين، والعمل بأسلوب القراءة من الإجابات المعدة سلفا.
وعلى هذا الأساس، يكون تسريب خبر إمكانية تعيين أويحي وزيرا للدفاع، ردا للجميل الذي قدمه أويحي وإحراجا للرئيس الجزائري الذي يتهمه خصومه بأنه يريد تجميع كل السلطات في يد واحدة.
الغائب الحاضر
وتقول مصادر رسمية موثوقة، إن الجنرال خالد نزار، رئيس الاركان السابق، خلال فترة إلغاء المسار الانتخابي عام 1991، والموجود في فرنسا للشهادة في قضية تتعلق بضابط سابق اتهم قوات الجيش الجزائري بالقتل والمذابح والاختطاف، قد يكون درس مسألة محاكمته مع شخصيات فرنسية بارزة، وبعد تأكده من أن المحكمة ستُخلي سبيله، راح يتجول في شوارع باريس، أمام عدسات الصحافة الفرنسية.
وبالنظر إلى الوضع الداخلي الجزائري، قد تُصبح تصريحات نزار في باريس من أن السلطات ستطلق سراح قائدي الجبهة الإسلامية عباسي مدني وعلي بن حاج، في غضون عام، من باب تحصيل الحاصل، لأن مدة عقوبة علي بن حاج ستنتهي مع موفى العام المقبل.
ويرى اكثر المراقبين، أن الوعد بإنهاء حالة الطوارئ وبالحرية السياسية، ما هي إلا حلول ظرفية لإسكات غضب الرأي العام الداخلي والخارجي، ولربما تكون هناك أوراق أخرى تستعمل في وقتها المحدد، تماما كما تستعمل بعض المهدئات لأنواع محددة من الآلام.
هيثم رباني – الجزائر
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.