إلغاء مئات الوظائف في شركة سيرونو.. “زلزال للإقتصاد السويسري”!
هذا العنوان يلخص الصدمة التي أحدثها الإعلان عن إغلاق مختبر شركة سيرونو في جنيف من قبل مجموعة ميرك الألمانية.
فبعد الاعلان عن إلغاء 1250 موطن شغل في جنيف، و 80 في كانتون فو المجاور، لم تخف وسائل الإعلام قلقها من هذا الطرد الجماعي، بل وصل الأمر ببعضها إلى مهاجمة المالك السابق للشركة ايرنيستو بيرتاريللي.
ومن الناحية العملية، يتعلق الأمر بحوالي 1330 عاملا من عمال المجموعة المتخصصة في صناعة الأدوية، الذين سيتم نقل 750 منهم الى مناطق إنتاج أخرى في حين سيتم إلغاء 500 موطن شغل من الآن وحتى أول سبتمبر القادم.
وهذه عينة من بعض العناوين التي اختارتها الصحف الصادرة هذا الصباح للتعبير عن مدى تأثير الصدمة التي أحدثها هذا الخبر: “العار”، “زلزال بالنسبة للاقتصاد السويسري”، “سماء عاصفة فوق بحيرة جنيف”، “الألمان يغلقون جوهرة الصناعة الصيدلانية في جنيف”، “شركة ميرك تدير ظهرها لجنيف”، “النهاية المأساوية لتحالف فاشل”.
فقد ذكّرت صحيفة لوكوريي (تصدر بالفرنسية في جنيف) بأن شركة ميرك – سيرونو كانت “تعرف بعض المشاكل. إذ أن جزيئ Rebif المشهور في علاج مرض التصلب المتعدد، أصبح من المواد المتوفرة في المجال العام، ولم تستطع الشركة الجديدة المنبثقة عن عملية الإندماج من العثور على جزيئ سحري جديد”.
“نجم سباق اليخوت ايرنيستو بيرتاريللي”
صحيفة “بليك” الشعبية الصادرة بالألمانية في زيورخ لم تكن ناعمة في تفصيلها للعبارات الصادرة عمن أسمته “نجم سباق اليخوت ايرنيستو بيرتاريللي”، عندما تحدثت عن “حزن واندهاش وريث سيرونو، إيرنيستو بيرتاريللي لإعلان الألمان عن إلغاء 1330 موطن شغل”. وتساءلت الصحيفة: “هل هذا كل ما في الأمر؟”، قبل أن تدين ما عبرت عنه بـ “العار”.
صحيفة بازلر تسايتونغ (تصدر بالألمانية في بازل) قالت: “كان بإمكاننا توقع أخبار غير سارة من طرف سيرونو، ولكن لم نكن نتوقع إغلاقا مفاجئا”، لكنها أشارت بإصبع الإتهام للسعر المبالغ فيه الذي دفعته شركة ميرك قبل ست سنوات من أجل شراء شركة سيرونو من ايرنيستو بيرتاريلي.
صحيفة تاغس انتسايغر (تصدر بالألمانية في زيورخ) ذهبت في نفس الاتجاه بقولها “لقد جنى نجم سباق اليخوت ايرنيستو بيرتاريللي من الصفقة 10 مليارات يورو، في حين أن عمال الشركة هم الذين يدفعون الثمن الآن. فقد كان ينظر إلى فوزه مرة ثانية في سباق أمريكا لليخوت على أنه أهم من الاعتناء بمستقبل شركة البيوتكنولوجيا التي ورثها من جده وقادها لمدة عشر سنوات”.
وتحت عنوان “المال، عنصر رفاهية السيد بيرتاريللي”، عاودت صحيفة “بليك” تقريعها بالإشارة إلى أنه “فضل في عيد ميلاده الحادي والأربعين، بيع الشركة التي تعتبر حصيلة جهود أجيال من عائلته”، بل ذهبت الى حد القول “لكن الحصول على هذا الإرث تترتب عنه مسؤولية، كمسؤولية الإستثمار في مؤسسة جديدة وخلق مواطن شغل”.
نهاية السنوات السّمان
تحت عنوان “هل هي نهاية سنوات الرفاهية؟”، تساءلت صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ قائلة “بالنسبة لاقتصاد منطقة جنيف، يعتبر ما حدث خسارة مريرة وإشارة الى أن سنوات الرفاهية قد تكون قد انتهت بالنسبة للكانتونات الناطقة بالفرنسية”.
الصحيفة الصادرة بالألمانية في زيورخ، أضافت بأن منطقة بحيرة ليمان “عاشت طفرة اقتصادية خلال العشرة أعوام الأخيرة لم تكن خالية من النقائص” التي جعلت المنطقة تتحول إلى شبه “منطقة أثرياء شبيهة ببيفرلي هيلز” (في الولايات المتحدة)، في إشارة الى الإرتفاع الجنوني في أسعار الأراضي المخصصة للبناء والإيجارات والمباني السكنية، مما أرغم عائلات على الرحيل. وانتهت الصحيفة إلى أن “هذا كله قد يصبح في عداد الماضي”.
صحيفة لا تريبون دو جنيف (تصدر بالفرنسية في جنيف) تساءلت من ناحيتها: “هل سيتبخر الحلم الذي راود العديد من الأشخاص بخصوص إقامة منطقة ابتكار في سويسرا الروماندية في مجالات علوم الإحياء على غرار سيليكون فالي؟”، لتتوصل إلى حقيقة مفادها أن “عمالقة صناعة الأدوية أصبحوا مُعرضين للهجمات من قبل منافسين جدد من الدول الصاعدة، ويمكن أن يتحولوا في بعض الأحيان الى عمالقة بأرجل من طين”، بل هي لا تستثني من بذلك مختبر نوفارتيس – ساندوز الشهير لصناعة الأدوية الجنيسة (Generics).
صحيفة لوتون (تصدر بالفرنسية في جنيف) تساءلت “هل تحولت منطقة بحيرة ليمان الى منطقة مغضوب عليها؟”وذكّـرت أن المصنع التقليدي لشركة نوفارتيس في برانجانPrangins في كانتون فُو المجاور لم يتم انقاذه مؤخرا إلا بجهود كبيرة من طرف السلطات المحلية والعاملين فيه.
صحيفة كورييري ديل تيتشينو (تصدر بالإيطالية في بيلينزونا) ترى من جهتها أنه يجب مراعاة العوامل المترتبة عن إعادة الهيكلة في إدارة سيرونو من قبل شركة ميرك، وبالأخص التخفيض في هامش أسعار بيع الأدوية. وتضيف “لقد قالت الشركة الألمانية بأنها تمر بمشاكل على المستوى العالمي، ونعرف أيضا على سبيل المثال بأنها تشهد بعض المشاكل في الحصول على مصادقة على تسويق دوائها الجديد لعلاج التصلب المتعدد”، لذلك ترى اليومية الأبرز في جنوب سويسرا أنه “قد يكون من الخطأ التسرع في اعتبار أن سويسرا بدأت تفقد ريادتها في مجال صناعة الأدوية”.
دعوة إلى “الحد من الأضرار”
صحيفة لا تريبون دي جنيف ترى أن المنطقة يوجد بها “ما يكفي من الوحدات الصغيرة بحكم ارتكازها على المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان”، وتضيف “أكيد أن هذه الكيانات الصغيرة لا توفر مناصب شغل متعددة، لكنها تسمح للبحاثة بالحصول بسرعة على المعارف الضرورية”.
صحيفة لوتون تعتبر من جهتها أن “السبب الرئيسي في هذا الاغلاق المفاجئ في مركز جنيف لهذه الشركة المتعددة الجنسيات يجب البحث عنه في نقص الإبتكار” وهي تعتقد أن “هذا القرار التعسفي مرده الى دوافع أخرى غير مجرد دوافع إعادة الهيكلة” لأن شركة ميرك تراهن – حسبما يبدو – على مستقبلها العلمي في مكان آخر غير جنيف.
وبشيء من البراغماتية، دعت صحيفة لوتون إلى “الحد من الأضرار”، معبرة عن الأمل في أن يسمح مختبر علوم الإحياء المتواجد في المنطقة والمدعوم بالمعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان، للبحاثة بتطوير برامجهم . واختتمت الصحيفة الصادرة في جنيف بالتذكير بأن شركة ميرك “ستخصص 30 مليون يورو في إطار الخطة الإجتماعية (المصاحبة لقرارات الطرد) من أجل إنشاء مؤسسات فتية” في المنطقة.
صحيفة أرغاو دعت من جهتها الى ضرورة تدخل رجال السياسة : ” لضمان إبداع حقيقي مقابل توفير الأمن وظروف العمل” مضيفة ” لقد حان الوقت لإبرام معاهدة حقيقية لأن السنوات القادمة ستكون فاصلة بالنسبة لمستقبل صناعة الأدوية في العالم. لأن العديد من براءات الاختراع ستصل الى نهاية صلاحيتها، الأمر الذي سيؤثر بشكل كبير في حجم مبيعات الشركات”.
ساهمت شركة سيرونو في نجاح أول تجربة للإنجاب المخبري في العالم: فقد ولدت لويز براون في عام 1978.
تحولت بعدها شركة اريس – سيرونو نحو البيوتكنولوجيا في بداية الثمانينات واستقرت في منطقة أوبون السويسرية في عام 1984.
عرف نمو الشركة جمودا في عام 1993 عندما توقفت دول أوربية عن تعويض الأدوية التي كانت تتميز بها. عادت عندها اريس – سيرونو الى التركيز على جزئي Rebif الموجه لعلاج التصلب المتعدد.
في عام 1996 تولى إيرنيستو بيرتاريلي عن عمر يناهز 31 سنة إدارة الشركة بدلا عن أبيه. وقد عرفت المبيعات تحت إدارته تضاعفا باربع مرات في اقل من عشر سنوات. وقد تحولت شركة ىريس – سيرونو الى شركة سيرنو واصبحت متداولة في البورصة.
في عام 2005 تم فرض غرامة مالية على الشركة في الولايات المتحدة الأمريكية بحوالي 700 مليون دولار لترويجها لأحد الأدوية في ظروف غامضة. وكان لتلك الغرامة وقع مؤثر على الشركة.
أعلنت مجموعة ميرك الألمانية التي تشغل حوالي 40 الف شخص في 67 بلدا، في شهر فبراير 2012 عن برنامج تقشف.
تقرر ضم قسم سيرونو- ميرك الى المركز الرئيسي في دارمشتات بألأمانيا من أجل إلغاء الوظائف والمهام المكررة المتواجدة في جنيف، الأمر الذي سيؤدي الى إلغاء 500 موطن شغل.
سيتم نقل حوالي 750 موظفا من جنيف: 130 إلى كانتون فو، والبقية الى ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية والصين.
تخطط شركة ميرك – سيرونو لإلغاء حوالي 80 موطن عمل من مراكزها الحالية في كانتون فو (أاوبون، كورسيي – فيفي، وكوانزان).
ستحتفظ شركة ميرك – سيرونو بحوالي 1000 وظيفة في سويسرا (مقابل 2100 حاليا) بما في ذلك 800 موطن شغل في كانتون فو.
سيمنح الـ 500 شخص الذين سيتم فصلهم فرصة البحث عن مكان عمل جديد. كما سيتم تخصيص حوالي 30 مليون يورو للمساعدة في إنشاء شركات صغيرة.
(المصدر: وكالة الانباء السويسرية ATS-SDA)
(نقله إلى العربية وعالجه: محمد شريف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.