مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

إيف روسي.. “الرجل الطائر”

إيف روسّـي لدى عبوره بحر المانش (بين فرنسا وبريطانيا) يوم 26 سبتمبر 2008. Bruno Brokken

في لقاء أجرِي معه في ربيع 2009 على هامش معرض الكتاب في جنيف، كشف المغامر الذي لقّـب نفسه بـ "الرجل الطائر" أنه بصدد تجريب آلة جديدة وأعلن أنه يريد خوض مغامرة الوادي الكبير في الولايات المتحدة، بعد أن نجح في عبور بحر المانش.

ويقول أول “رجل طائر”، عبَـر الممر البحري الذي يفصل بين فرنسا وبريطانيا بمحرّكات مثبّـتة تحت جناح مُـلتصق بجسمه، “لا أعرف ما الذي يدفعني، لكن لدي رغبة في تجاوُز نفسي والذهاب إلى أقصى حدود الحُـلم”.

swissinfo.ch: هل يُـمكن القول أن السماء لا حدود لها “للرجل الطائر”؟

إيف روسي: أعود للتوّ من إسبانيا، حيث ذهبت للقيام بتجارب في السقوط الحُـر في Empuriabrava قُـرب Figueras، وتتمثّـل الإيجابية في أنه يوجد ما يكفي من الفضاء حول المطار إذا ما كانت هناك ضرورة للتخلّـص من الحمولة، دون مسّ طريق أو بيت.

في الشتاء الماضي، أنجزتُ أنموذجين جديدين لأجنحة بالتعاون مع Ruag في مدينة Emmen بكانتون لوتسرن (وهي الشركة الوريثة لمؤسسات التسليح التابعة للكنفدرالية – التحرير) وذهبت لتجريبهما هناك. النموذج القديم كان أقلّ استقرارا، لكن الوضعية تحسّـنت وسأتمكّـن من الانتقال إلى مشروع عبور الوادي الكبير Grand Canyon فوق (أراضي) ولاية كولورادو (بالولايات المتحدة).

قبل شهر من الآن، تحوّلت إلى هناك لمعاينة المواقع وعثرت على مكان ملائم. إنه أمر رائع. توجد هناك مفردة (أي أرض محجوزة) للهنود. إنه مكان ذو رمزية.

هذه التجارب وهذه المشاريع تكلِّـف كثيرا…

إيف روسي: إن استخدام المَـعصَـفة (Soufflerie) لإعادة إنتاج الظروف عند الطيران، يحتاج إلى الكثير من الطاقة. فمن أجل تسريع كُـتلة من الهواء لتبلُـغ 300 كلم في الساعة بفضل مراوِح ضخمة، يُـحتاج عمليا، إلى الطاقة الكهربائية الضرورية لمدينة صغيرة.

وتبلُـغ تكلفة يومين من التجارب 100000 فرنك، وإلى حدّ الآن، تصرّفت طِـبقا لما أشعُـر به، بعد دراسة أولى لديناميكية الهواء أجريت قبل سبعة أعوام على جناح قابل للنّـفخ في أوكرانيا في مصنع طائرات سوخوي Sukhoï في كييف، لكن الأساس (التي تقوم عليه التجربة) هو نفسه على الدوام. فقط، انتقلنا ببساطة إلى الجناح الصُّـلب القابل للطّـي.

كم يزِن جناحك الحالي؟

إيف روسي: يزِن 55 كلغ، دون احتساب خزّانين بسعة 13 لترا من الوقود و4 لترات من الغاز المولِّـد للدخان. وإذا ما أضيف وزنِـي الشخصي، فإن المجموع يصِـل إلى 145 كلغ، تهبِـط نحو الأرض لدى مغادرتي للطائرة. وإذا ما قرّرت اصطحاب المزيد من الوقود لزيادة مدى رحلة الطيران، فسأكون أثقل مع خطر السقوط بسرعة، لكن الهدف لا يتمثل في الذهاب بعيدا، بل لدي الرغبة في ابتكار درّاجة نارية أو ما يُـشبه التزلّـج الهوائي، باختصار، قِـطعة لعِـبية (أي متعلِـقة بالألعاب)، لاكتشاف البُـعد الثالث.

عشّـاق القفز بالمظلات يقولون لي كلهم: “نتمنّـى أن يُـصبح ابتكارك في متناول كل الناس”. ومثلما هو الحال بالنسبة للمظلات الشراعية أو ما يُـعرف بـ “ديلتا”، توجد إمكانية هائلة للتطوير والتبسيط. أنا لن أقوم أبدا بتجربة الهبوط على الأرض، دون الاستعانة بالمظلات. النقطة الإيجابية، هو أنني لا أحتاج إلى مُـدرج للهبوط، ولكن ماذا أضعُ بدلا عن عجلات الهبوط؟ مجرّد عجلة صغيرة فوق الأنف.

ما الذي دفعك إلى الطيران بهذه الطريقة؟

إيف روسي: بدأت المسألة باكتشاف السقوط الحرّ، كما مارست الطيران كطيار عسكري مع طائرات من طِـراز Vampire وVenome وHunter وTigre وخاصة الميراج، التي استخدمتها أكثر من ألف ساعة طيران. طِـرت رفقة رجل الفضاء كلود نيكوليي، وكنّـا نتدرّب على القتال الجوي الواحد ضدّ الآخر. هو على Tigre وأنا على الميراج. إنه طيار تجريب لا نظير له، كما أنه مثال على المستوى الإنساني وفيما يتعلّـق بالمعارف على حدّ السواء.

أما بالنسبة للجناح الذي ابتكرته، فقد تلقّـيت مؤخرا طلب تطبيق عسكري (له) من طرف القوات الخاصة الأمريكية. فقد أرسلوا لي بروتوكول تقييم لملئه، لكن أحدا لم يأتِ لمشاهدتي وأنا أطير.

في بعض التجمّـعات الجوية، عُـرض أمريكي يُـطلَـق في طيران على المدار بفضل محرِّكات صغيرة تشغّـل بالذراعين…

إيف روسي: لقد شاهدت هذا (الرجل الصاروخ)، وهو يطير. إنه أمر رائع. هناك أيضا في Asnières في فرنسا، كيميائي مُـتخصِّـص في مادة “بيروكسيد الهيدروجين”، التي تقوم بتسريع عربات من طِـراز Dragsters (ذات محرِّكات قوية وتستخدم ثلاث عجلات)، وهو حائز على الرقم القياسي في السرعة بالدرّاجات بـ 250 كلم في الساعة، الذي أنجزه في مطار Payerne (كانتون فو). وتتمثّـل العملية في تحويل الطاقة إلى بخار مائي يُـدفَـع إلى أنبوبيْـن صغيرين يُـوفِّـران 180 كلغ من قوة الدّفع، لكن تِـقنية الطيران هذه متطوِّرة جدا.

لقد أتيحت لي فرصة تجريبها مشدودا بحبال معدنية، لكنني لم أتمكّـن من الاحتفاظ بتوازني. حاليا، يقوم ثلاثة “رجال صواريخ” بعروض، لكنهم يطيرون وهم مستقِـرّون على نقطتين وحيدتيْـن، أي بدون تماسُـك (قوة الدفع الدينامية الجوية، التي تجعل الطائرة تتماسك في الهواء) تقريبا. وفي صورة ما توقّـف الدّفع، فإنهم يسقطون كالحجارة. هناك أيضا مشكلة الوزن، فثلاثون لترا من مادة “بيروكسيد الهيدروجين” تزِن 40 كلغ على الظهر. إنهم يستهلكون لترا من الوقود في الثانية الواحدة، مقابل 5 إلى 7 أعشار اللتر لمحرّكاتي الأربع، أما فترة الطيران، فلا تستمرّ سوى ثلاثين ثانية مقابل 13 دقيقة لجناحي.

بإمكانك أيضا المشاركة في تجمّـعات جوية…

إيف روسي: ترِد عليّ اقتراحات من هذا القبيل، لكن عندما يتعلّـق الأمر بتجمّـع، يجب عليك أن تمُـرّ على مسافة قريبة من الأرض، حتى تُـمكن رؤيتك. لكن كي أشاهَـد وأنا أمُـرّ، يجب توفّـر شاشات عاكسة، وإلا فسأشبِـه “ناموسة تُـحدِث ضجيجا”.

هناك حلّ يتمثل في تصعيد المشاهدين إلى قمة جُـرفٍ (أو منحدر صخري)، مثلما قُـمت بذلك على ارتفاع 2000 متر في منطقة La Croix de Javerne في جبال الألب العابرة لكانتون فو، قُـرب مدينة Bex. فبإمكاني المرور على بُـعد 100 متر من الجمهور، مع الاحتفاظ بمجال (احتياطي) تحت قدمَـيّ.

هل أصبح بإمكانك أن تعيش من هوايتك؟

إيف روسي: باعتباري طيارا أعمل لدى شركة Swiss في قيادة طائرات من طراز Airbus A-320، حصُـلت على عطلة بثلاث سنوات دون أجر، لكنني لا زلت أبحث عن جهات راعية لتجميع ميزانية تُـناهز 600 ألف فرنك سنويا.

بيرتران بيكار، وبفضل مشروعه لصُـنع طائرة شمسية، يضع نفسه في مجال البيئة الواعِـد، أما مشروعي، فهو أكثر إثارة، ويتلخّـص في الدوران حول الغيوم لفترة عشر دقائق، مُـحدِثا أكبر قدر من الأحاسيس (أو الانفعالات). لكن البيئة تعنيني، فأنا أحلُـم باستخدام وقود بيولوجي، يُـنتج انطلاقا من نفايات، بالتعاون مع مدرسة المهندسين في جنيف.

أجرى الحوار أوليفيي غريفا – swissinfo.ch

(ترجمه من الفرنسية وعالجه كمال الضيف)

يقطُـن إيف روسّـي، الذي ولِـد في نوشاتيل يوم 29 أغسطس 1959، في كانتون فو، ويعتني هذا الطيار العسكري السابق والقائد الطيار لدى شركة Swiss للطيران كما ينبغي بلقياته البدنية.

“في كل صباح، أقوم بتمارين وبممارسة الجرْي لتقوية لسيقان، وفي الحقيقة، أحتاج إلى المرونة أكثر من حاجتي إلى القوّة. أحاول بالخصوص أن أقوم بأنشطة مفاجئة، وهكذا ذهبت إلى مصر، لأمارس رياضات Sky-Surf والألواح الشراعية، وهي أنشطة يلعب فيها المرء مع الطبيعة، حيث أن العُـنصر (الماء أو الهواء)، هو الذي يتحرّك حول الشخص، ويجب التأقلم معه بين الأمواج والتهيّـؤ لردّ الفعل”.

“أمارس أيضا الألعاب البهلوانية بطائرة صغيرة، ذات مقعدين وأظل متيقِّـظا، الشيء نفسه يحدُث مع الدرّاجة النارية، فأنا أجري بقوّة وبسرعة منذ 30 عاما، أعرف أنني قد أتعرّض إلى حادث، لكنني أحبّ الحركة. لا يعني ذلك أنني أهوى المخاطرة بذاتها، لكنني أحب إدارتها. لا خوف لدي وأكون مشدودا، مثلما هو الحال لسائق سيارة في انطلاق سباق الجائزة الكبرى Formula 1. هذا ليس خوفا. في أعقاب حادث أفلتت منه، شعُـرت بمخاوف ذات أثر رجعي، وقلت لنفسي: أنت لديك ملاك حارس جيّـد. شكرا للحياة!”.

في ربيع 2009، أنجِـز شريط يدوم 52 دقيقة حول إنجازات إيف روسّـي، وستقوم شبكة National Geografic الأمريكية الشهيرة، بالترويج للشريط، الذي يحمل عنوان “السويسري الطائر” عبر قنواتها التلفزيونية، التي يبلغ تِـعدادها 165، وهو يستعرض تاريخ المشروع منذ بدايته وينتهي بالتتويج لدى عبور بحر المانش.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية