“الإحتلال المُزمـن… جريمة ضد الإنسانية”
في ظل عجز المجموعة الدولية عن تحريك الملف الفلسطيني، دعا المقرر الأممي الخاص المكلف بحقوق الإنسان في الاراضي المحتلة ريتشارد فولك إلى "انتهاج لغة جديدة للتشهير بازدواجية المعايير، ومحاولات التمييع، ولتجاهل وسائل الاعلام الغربية للقضية الفلسطينية"، كما اعتبر "الإحتلال المزمن" من طرف إسرائيل للأراضي العربية "جريمة ضد الإنسانية".
مثلما كان مقررا، قدم المقرر الخاص المكلف بمتابعة أوضاع حقوق الإنسان في الأراضي العربية المحتلة ريتشارد فولك يوم الإثنين 2 يونيو 2012 تقريره الدوري أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف، مشددا على الأضرار الناجمة عن استمرار عملية الإستيطان واتساع نطاقها.
وقال في ندوة صحفية عقدها في قصر الأمم عقب ذلك إن عملية الإستيطان في الأراضي العربية التي تحتلها إسرائيل “بلغت حدا لا يُمكن معه العودة الى الوراء، ويجعل من المستحيل تحقيق إقامة الدولة الفلسطينية” المنشودة.
المسار السلمي.. “خدعة”!
من جهة أخرى، يرى المقرر الأممي الخاص – وهو مواطن أمريكي من أصول يهودية وأستاذ متخصص في القانون الدولي – أن “سياسة توسيع المستوطنات التي تنتهجها إسرائيل بشكل متسارع تعمل على غلق باب حل الدولتين الذي من المفروض أن يكون ردا على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني”، وخلُص إلى أن ذلك “يعمل على تقوية الشعور بأن المسار السلمي ما هو إلا خدعة بدل أن يكون وسيلة لإيجاد حل”.
وفي تقريره الجديد الذي جاء في 16 صفحة، أوصى السيد ريتشارد فولك بضرورة اتخاذ قرار في مجلس حقوق الإنسان يسمح للمجلس وللهيئات المعنية بإعداد دراسة مُفصّلة عن مبالغة إسرائيل في استخدام الحبس الإداري على نطاق واسع في الأراضي المحتلة.
ونظرا لاستمرار الإحتلال الإسرائيلي لأكثر من نصف قرن، وعدم اتضاح آفاق نهايته، طالب ريتشارد فولك مجلس حقوق الإنسان بتعيين لجنة لدراسة ما إذا كان القانون الإنساني الدولي الحالي يغطي الأوضاع المترتبة عن استمرار الإحتلال الإسرائيلي طوال هذه المدة. كما طالب المجلس بدعم طلب الرأي الإستشاري المُقدّم إلى محكمة العدل الدولية بخصوص لجوء إسرائيل إلى تحويل السجناء الفلسطينيين إلى سجون داخل إسرائيل، ورفض حق الزيارة.
من جهة أخرى، حث فولك على مطالبة مجلس حقوق الإنسان باتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة المبادرة التشريعية الإسرائيلية الرامية إلى إضفاء الشرعية على إقامة المستوطنات التي تعتبر فاقدة للشرعية من وجهة نظر القانون الإسرائيلي الحالي إضافة إلى دعوة المجلس إلى تخصيص مزيد من الإهتمام لقرار إسرائيل القاضي برفض التعاون الطبيعي مع آليات حقوق الإنسان ومن ثم مع المقرر الخاص المكلف بأوضاع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ولدى تقديمها لتقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان، اكتفت السيدة كيونع واك وانغ، نائبة المُفوّضة السامية بالتذكير بأن إسرائيل سبق لها أن طلبت في دورة مارس الماضي بتعليق تعاونها مع مكتب المفوضية، مُعربة عن “الإستغراب”، في حين دعت الولايات المتحدة أثناء النقاش إلى “ضرورة التخلي عن استهداف إسرائيل وحدها وإلغاء البند الذي يتطرق فيه المجلس خصّيصا لأوضاع حقوق الإنسان في الأراضي العربية المحتلة”.
الاحتلال المزمن “يفرض استخدام لغة جديدة!”
وفي ندوة جانبية على هامش اجتماع مجلس حقوق الإنسان، نظمتها يوم الثلاثاء 3 يونيو “منظمة بديل”، المركز الفلسطيني لمصادرة حقوق المواطنة واللاجئين، عاد المقرر الخاص ومعه نخبة من ممثلي منظمات المجتمع المدني للتطرق مجددا إلى هذه النقاط بمزيد من الحرية والتفصيل.
في هذا السياق، وبالنظر إلى طول فترة الإحتلال، اعتبر المقرر الخاص ريتشارد فولك أن “القانون الإنساني الدولي الذي وُجد من أجل معالجة مرحلة احتلال مؤقتة لا يمكن أن يقدم لمن هو تحت احتلال مزمن ما يسمح له بمواجهة تراكمات على الأرض، وهذا ما يتطلب استخدام لغة جديدة”، على حد قوله.
ومن مواصفات هذه “اللغة الجديدة” التي يرى المقرر الخاص وجوب اعتمادها في مثل حالة الإحتلال الطويل الأمد للشعب الفلسطيني “ليس فقط الحديث عن احتلال، بل التشديد على طابع التفرقة العنصرية للإحتلال، الذي أدخل نظاما مزدوجا في القوانين والحقوق، وضرورة الحديث عن طابع الإحتلال الإستيطاني الذي يترتب عنه ترحيل السكان من أراضيهم بنوايا أن يكون ذلك الترحيل دائما ونهائيا، وخلق حالة فرض أمر واقع لإدماج تدريجي”.
وفي هذا الصدد، يرى المقرر الخاص أن هذه اللغة هي التي تنقل لنا الواقع المعاش من قبل الفلسطينيين سواء كانوا من المقيمين في القدس الشرقية أو في المناطق التي تشهد تغييرات جذرية في محيطهم التقليدي من هدم متواصل للمنازل الفلسطينية وتجريف للأراضي وغير ذلك.
“بحثا عن قانون إنساني جديد”
على صعيد آخر، أشار المقرر الخاص إلى أن تراكم الأحداث في منطقة الشرق الأوسط يدفع كثيرين إلى تناسي بأن “هناك مآس تحدث في ظل الإحتلال الإسرائيلي”، من بينها عمليات الإضراب عن الطعام التي تمثل “أكبر تعبير عن مقاومة اللاعنف وتهدف إلى جلب الإنتباه إلى ظروف الإعتقال”، على حد تعبيره.
ومن بين هذه الحالات أكرم الرقاوي الذي أضرب عن الطعام لحوالي 83 يوما، ودخل في غيبوبة لمدة يومين. وفي هذا السياق، قال المقرر الخاص “إن ذلك يمثل مستوى اليأس الذي أصبح فيه من هم اليوم محل اعتقال من هذا النوع، كما يعكس بروز ظاهرة الإضراب عن الطعام كأسلوب جديد من أساليب المقاومة”.
وأكد السيد فولك أن هذا الصنف من المقاومة، أحرج دولا مثل الولايات المتحدة التي “قامت بحملة واسعة لصالح المُضرب الصيني عن الطعام، وهي مُحقة في ذلك، إلا أنها تجاهلت المضربين الفلسطينيين عن الطعام الذين لديهم قضية أكثر أهمية وأكثر شرعية تاريخيا”، على حد رأيه.
وفي مداخلته أمام المشاركين في الندوة، لم يتردد المقرر الأممي الخاص في توصيف ذلك بـ “عملية تطهير عرقي”، رغم أن ذلك قد يبدو تعبيرا “استفزازيا نوعا ما” حسب اعترافه، لكنه استدرك ليقول بأن “الأمر يتطلب من الناحية الأخلاقية أن نكون في بعض الأحيان مستفزين من أجل مخاطبة الضمير في مواجهة محاولات العديد من القوى الرسمية التي تحاول التحكم في إبقاء هذه القضية قدر الإمكان بعيدة عن الرأي العام وعن الأذهان”.
حذر أحد خبراء الأمم المتحدة يوم الاثنين 2 يوليو 2012 من أن مصداقية مجلس حقوق الانسان “في خطر كبير” إن لم يفعل شيئا حيال تجاوزات الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية و”ثقافة المستوطنات”.
وقال المقرر الخاص للأمم المتحدة حول وضع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة ريتشارد فولك “إن مصداقية مجلس حقوق الانسان في خطر كبير إن لم يفعل شيئا حيال عدم تعاون وعدم احترام” اسرائيل لتوصيات المجلس.
وأضاف متوجها إلى صحافيين عقب اجتماع لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، “إن لغة الإنتقاد لا تساعد في شيء الشعب الفلسطيني إن لم يكن هناك تحرك”.
وشدد فولك على أن الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية لا يحظون بأي حماية من القانون الاسرائيلي وأن طريقة معاملتهم هي شكل من أشكال التمييز. وتابع “أعتقد أن علينا استخدام (هذه) العبارة”، مشيرا إلى ممارسة التمييز المنهجي حيال الفلسطينيين من قبل السلطات الإسرائيلية.
وانتقد المقرر الخاص للأمم المتحدة بشدة المجتمع الدولي معتبرا أنه يُسهّل سياسة الإستيطان الإسرائيلية. وقال “إن المجتمع الدولي يتآمر – ربما بصورة لا إرادية – في عملية غير منصفة على الإطلاق للشعب المعني بهذا النزاع”، مضيفا أن “عملية السلام كانت خديعة بدلا من أن تكون وسيلة لإيجاد حل”.
وأشار فولك إلى أن 3500 مبنى كانت قيد البناء العام الماضي في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وهذا الرقم لا يتضمن البناء في القدس الشرقية.
(المصدر: وكالات)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.