الإختيار الصعب بين “حماية الخصوصية” و”الإستجابة لمتطلبات الأمن”
اعتماد جواز السفر بالاستدلال الأحيائي هل سيتحول إلى عملية تسجيل قسري للبيانات الشخصية لقرابة 7 ملايين سويسري، أم أنه مجرد خطوة ضرورية لمكافحة الانتهاكات، والإخلال الأمني، وعمليات التدليس؟ هذا هو لبّ الجدل القائم اليوم في سويسرا بين جبهة المؤيّدين وتحالف المعارضين، ومن المنتظر أن تشتد حدة المعركة مع اقتراب موعد الإستفتاء العام المنتظر تنظيمه في 17 مايو 2009.
وترى لجنة مشتركة من عدة أحزاب في أغلبها يسارية التوجه، تدعمها بعض قوى اليمين، أن هذه الخطوة تنتهك مجال الحريات العامة، وتنال من حماية البيانات الشخصية والخصوصيات الفردية.
ويرى دانيال فيشر، وهو نائب برلماني من حزب الخضر أن “جواز السفر المقترح هو محاولة من الدول لبسط سيطرتها على المواطنين على نطاق دولي”. لكن الحكومة وأنصارها خاصة من الليبراليين وأحزاب اليمين الوسط يرفضون هذه الاتهامات، ويقولون إنها خطوة منطقية لتعزيز الأمن و للوفاء بالتزامات سويسرا الخارجية خاصة بعد انضمامها إلى فضاء شنغن.
وفي ظل هذا التعارض الواضح بين مؤيد ومعارض، تبقى الكلمة الأخيرة للشعب الذي سيدلي بصوته يوم 17 مايو القادم، بعد أن استطاعت الجبهة المعارضة جمع 66.000 توقيعا، وهو رقم كاف لإجراء استفتاء عام حول الموضوع.
“قاعدة البيانات” المثيرة للمخاوف
بالنسبة للسلطات، يعزز الجواز الجديد المقترح سلامة الوثائق الرسمية السويسرية، ويمنع محاولات تدليسها، خاصة إذا علمنا أن العدد الكبير من النسخ التي تتعرض سنويا للإتلاف أو للسرقة. لكن ما يثير غضب المعارضين، هو عزم الحكومة على الاحتفاظ بكل المعطيات التي سيتضمنها القرص الدقيق المثبت في الجواز في قاعدة بيانات (أو بنك معلومات) مركزي، وذلك في الوقت الذي تخلت فيه بروكسل عن هذه الفكرة بعد معارضة شديدة من طرف البرلمان الأوروبي الذي رأى في هذا الإجراء “نيلا من خصوصيات المواطنين” الأوروبيين.
ويشكك المعارضون في ادعاء الحكومة أن المعلومات المحتفظ بها لن تُستخدم لأغراض أخرى، كتحقيقات الشرطة والمتابعات الأمنية، ويتساءل دانيال فيشر: “يتذكر الجميع في سويسرا فضيحة الملفات السرية أثناء الحرب الباردة في الثمانينات، فمن منا كان يتصور أننا سنواجه بعد 20 سنة نفس المشكلة؟”.
ويشير النائب عن حزب الخضر إلى غياب أي ضمانات بشأن الوعود التي تقدمها الحكومة، مشددا على أنه “في زمن الملفات السرية، ادعت الحكومة أنها لم تكن تعلم شيئا، حتى لا تتحمل تبعات ما جرى، فمن يضمن ان الحكومات القادمة ستلتزم بما تقوله الحكومة الحالية؟”.
الجواز الجديد وحرية التنقل
بالإضافة إلى ما سبق، يتذرع المؤيدون بالأنظمة المعمول بها في بلدان الإتحاد الأوروبي، وبالإجراءات الأمنية المشددة التي اعتمدتها الولايات المتحدة الأوروبية، كأساس للقول بأن اعتماد جواز الاستدلال الأحيائي مسالة ضرورية إذا أراد السويسريون الإبقاء على حرية التنقل التي ينعمون بها، لان كل سفر يتطلب بداهة حيازة جواز سفر تتوفر فيه شروط البلد المتوجه إليه. وليس من المقبول بحسب رأيهم إذن أن تظل سويسرا حالة إستثنائية داخل المجال الأوروبي، ناهيك انه من المتوقع ان تعتمد هذا النوع من الجوازات 90 دولة في العالم بنهاية هذه السنة.
بالإضافة إلى ذلك تقول الحكومة ومؤيدوها أن الوثيقة الجديدة “تمكن سويسرا من تلبية متطلبات ومعايير فضاء شنغن، الذي أصبحت سويسرا عضوا فيه منذ ديسمبر 2008”. وتتطلب المعايير الأوروبية من سويسرا اعتماد جواز السفر بالاستدلال الأحيائي بحلول فاتح مارس 2010.
لكن هذه الحجة لا تروق للمعارضين، وبالنسبة لمارغريت كينر، نائبة برلمانية هي الأخرى: “بإمكان سويسرا مواصلة العمل بالجواز العادي، وتقدير الحالات حالة بحالة، كأن تعمد إلى إستخراج جواز بالإستدلال الأحيائي في الحالات التي تواجهها مشكلة”. لكنها تضيف: “حتى الآن لم تعترضنا أي مشكلة في السفر إلى الولايات المتحدة، أما بالنسبة للإتحاد الأوروبي، فالبطاقة الشخصية تكفي بمفردها للتنقل”.
كذلك يعتقد كارلو سوماروغا، نائب برلماني من الحزب الاشتراكي أن المشروع الذي تقدمت به الحكومة يتجاوز بكثير مقتضيات الإندماج الأوروبي، ومن هنا نستطيع ان نرفض جواز السفر الجديد من دون أن نعرّض للخطر اتفاقياتنا الأوروبية”. ويضيف النائب الاشتراكي: “التصويت “بلا” يوم 17 مايو القادم، لن يؤدي بالضرورة إلى إقصاء سويسرا من فضاء شنغن، كما تدعي الحكومة”.
وإذا ما حصل ذلك فعلا، تسمح ملاحق اتفاقية شنغن بالدعوة إلى تشكيل لجنة مشتركة تكلف بتقديم حلول ومسارات أخرى، وهذا ما يمنح للحكومة الفدرالية الوقت الكافي، ويعطيها فرصة لصياغة مشروع جديد يأمل المعارضون أن لا يتضمن هذه المرة بنك بيانات مركزي.
الاستعصاء عن التدليس
هذه أيضا من النقاط التي يدور حولها الخلاف، فالحكومة تقول ان أحد أهدافها من هذا الإجراء حماية الوثائق السويسرية من الإستخدام غير القانوني، أو وقوعها في أيد غير سويسرية، وتقول ان 75.000 وثيقة هوية سويسرية تضيع سنويا، منها 13.000 جواز سفر، وفي هذا السياق تقول إفلين فيدمر شلومبف، وزيرة العدل والشرطة بالحكومة الفدرالية: “من المهم أن نضمن عدم استخدام تلك الوثائق لأغراض غير مشروعة”. ومن دون شك جواز الاستدلال الأحياني، ترى الحكومة أنه “أكثر ضمانة من الناحية التقنية،فسنويا يتم اكتشاف المئات من الحالات يستخدم فيها مسافرون وثائق مدلسة للدخول والتنقل من سويسرا وإليها”.
فهل هذا الإجراء كاف لمعالجة هذه التجاوزات؟ يجيب المعارضون بلا!. ولا يقفون عند هذا الحد، بل يستنجد هؤلاء بعالم المعلوماتية المعروف ميشال باشليداي ليثبتوا التبعات غير محمودة العواقب لهذا النظام الإلكتروني، وانعكاساته على خصوصية حياة الأفراد. وبحسب هذا الخبير في مجال السلامة المعلوماتية: “تسمح تقنية التعرف بواسطة الذبذبات الراديوية، المستخدمة في فك شفرات المعلومات الاحيائية برصد وتتبع تنقلات الشخص الحامل للجواز الاحيائي ، بنفس الطريقة التي يتم بها رصد الحامل لهاتف نقال”.
بل يذهب هذا الخبير السويسري في إثبات خطورة هذا النوع المقترح من جوازات السفر إلى حد نفي استبعاد أي جدوى محتملة لهذا النظام، ويعقب: “مع البرامج المتوفرة حاليا على شابكة الإنترنت، لا يحتاج المرء إلى أن يكون خبيرا حتى يستطيع الوصول إلى البيانات الموجودة على القرص الإلكتروني في الجواز، وتشفيرها”.
ويحلو لهذا الخبير إجمال الموقف بالقول: “ما تفعله الحكومةبهذا الشأن هو كمن يحتمي خلف أبواب مدرّعة، ثم يقوم بعدها بتوزيع المفاتيح على جميع من تخشاهم في الخارج”.
سويس إنفو والوكالات
فكرة أمريكية: جواز السفر بالإستدلال الإحيائي فكرة ظهرت في الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. ومنذ 25 أكتوبر 2006، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تطالب كل قادم لأراضيها أن يكون بحيازته جواز سفر متضمن لقرص إلكتروني يحمل بياناته الشخصية ، بما في ذلك صورته وبصماته الرقمية. وكل من ليس بحوزته هذا الجواز، يمنع من الدخول إلا إذا كان متحصلا على تأشيرة دخول.
حتى الآن ،اعتمدت هذا الجواز خمسون دولة، بما في ذلك كل البلدان الأعضاء في اتفاقيات شينغن. ومن المحتمل أن يصل عدد البلدان التي ستعتمد هذا الجواز إلى التسعين بموفى سنة 2009.
من المفترض أن تعتمد سويسرا يوم فاتح ماي 2010 هذا النوع من الجواز إذا صوت الشعب بنـعم في استفتاء عام سينظم يوم 17 مايو 2009، والقانون الذي سيصوت عليه السويسريون يفترض تثبيب قرص إلكتروني يحمل السـّمات البيولوجية للشخص، لكن لا شيء تقررحتى الآن.
تكلفة النسخة ، من المفترض أن تبلغ 140 فرنك بالنسبة للكهول، و60 فرنك بالنسبة للأطفال. وستحتفظ الجواز التي بحوزة المواطنين الآن على شرعيتها على حين انتهاء صلاحيتها.
منذ 2006 تختبر سويسرا هذا النوع من الجوازات، والنتيجة التي ستنتهي إليها هذه التجربة الأولى من الممكن أن تعزز الإتجاه إلى تعميم استخدام هذه الوثيقة بالنسبة لجميع المواطنين السويسريين.
بعد ان أقر البرلمان مشروع القانون الذي تقدمت به الحكومة والذي يسمح بإعتماد الجواز بالإستدلال الإحيائي، تشكلت جبهة معارضة من عدة احزاب، وإستطاعت هذه الجبهة جمع التوقيعات الضرورية لتنظيم إستفتاء عام حول هذه المسألة وهو ما سيتم فعلا يوم 17 مايو 2009.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.