التجنيد الإلـزاميّ يفقد الدعـم تدريجيا في أوروبا
يُدلي النمساويون يوم الأحد 20 يناير 2013 بأصواتهم في استفتاء عام حول إلزامية التجنيد بصفوف الجيش، وهي قضية قد تكون أيضا محلّ استفتاء في سويسرا هذا العام، بعد أن تعاملت البلدان الأوروبية في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية كل على شاكلتها مع هذه القضية.
منذ بداية القرن الحادي والعشرين، ألغت سبع عشرة دولة (17) في قارة أوروبا التجنيد الإجباري أو قامت بتعليقه. وفيما لا تزال ستة (6) بلدان أعضاء في الإتحاد الأوروبي فقط متمسكة بإلزامية الخدمة العسكرية، يتوفر ثلثا بلدان القارة الثلاثة والأربعين اليوم على جيوش محترفة. فما الذي أدى إلى هذا الإلغاء التدريجي للتجنيد الإجباري؟ وهل هناك نموذج آخر جاهز للإستخدام؟
يقول تيبور سفيرسيف تراش، الخبير في علم الإجتماع العسكري بالمعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ: “كان في كل بلد من هذه البلدان نقاشها الداخلي بشأن هذه الظاهرة”. وما من شك في أنه كان لنهاية حقبة الحرب الباردة تأثير عميق على دور القوات المسلّحة، حيث لم يعد الغرب يُواجه خطرا من الكتلة الشرقية التي كان يتزعّمها الإتحاد السوفياتي سابقا”.
لم تعد المهمّة الأولى والأساسية لجيوش كثيرة الدفاع عن التراب الوطني، بل بات التركيز أكثر على البعثات الدولية كجزء من منظومة الأمم المتحدة، أو من حلف شمال الأطلسي، أو كجزء أيضا من المنظومة الأمنية للإتحاد الأوروبي، أو أيضا في إطار مهمات ثانوية كالنجدة خلال حصول كوارث، أو القيام بمهام أمنية لحماية المؤسسات العامة الحيوية ومقار السفارات وغيرها.
بالإضافة إلى ذلك، اعتُمدت فترات أقصر لخدمة عسكرية باتت من مهام جنود المليشيا، وتزامن ذلك مع “ميل عدد متزايد من الذكور لعدم أداء الخدمة العسكرية جملة واحدة”، كما أشار إلى ذلك سفيرسيف تراش، الخبير في علم الإجتماع العسكري.
نظام التجنيد الإجباري هو إلزامالمواطنين بالإلتحاق بنوع من الخدمة الوطنية.
في معظم الأحيان، يكون في شكل خدمة عسكرية، ولكنه قد يكون كذلك في صيغة خدمة مدنية بديلة.
يقول المعارضون للتجنيد الإجباري إنه ينتهك حقوق الأفراد، وهو نظام مُكلف للغاية.
يعود نموذج التجنيد الوطني إلى عهد الثورة الفرنسية في تسعينات القرن الثامن عشر.
أكثر من 50% من البلدان الأوروبية لا تتبع نظام التجنيد الإجباري، وقد علقت العمل به أو ألغته مرة واحدة.
سويسرا من البلدان التي حافظت على نظام التجنيد الإجباري على الرغم من المناهضة الشديدة له من قبل التيارات اليسارية ودعاة السلام.
البلدان المجاورة
فرنسا، الجار الغربي المباشر لسويسرا، كانت واحدة من أوائل البلدان التي أقدمت على التعليق الرسمي للتجنيد الإلزامي في القرن الحادي والعشرين، ثم التحقت بها إيطاليا سنة 2005، في حين انتظرت ألمانيا حتى عام 2011 قبل أن تبدأ الإعتماد بشكل كامل على قوات مُحترفة.
وفي ألمانيا، تزامن النقاش حول التجنيد مع ظهور مخاوف من نقص ممكن في عدد العاملين في مجال الرعاية الإجتماعية والصحية، وبات كثير من الرجال يفضلون القيام بخدمة مدنية (مثل العمل في دور المسنين) بدلا عن التدريب العسكري التقليدي. وفي الوقت نفسه، تبين أن هذا التغيير سيؤدي إلى الحد من الإنفاق والتكاليف، فضلا عما ظهر من عدم مساواة بين الشبان الألمان نتيجة للنظام القديم حيث لا يختار الخدمة العسكرية سوى ألماني واحد من بين ثلاثة.
وباستثناء سويسرا، فإن البلدان الثلاثة الأخرى هي أعضاء في حلف شمال الأطلسي كما تنتمي إلى الإتحاد الأوروبي. وقد تصبح النمسا، الجارة الشرقية للكنفدرالية، آخر المنضمين إلى قائمة البلدان التي تخلت عن إلزامية الخدمة العسكرية لمواطنيها.
وفقا لمراقبين، فإن النقاش الذي سبق الإستفتاء غير المُلزم في النمسا وظّفته واستغلّته الأحزاب السياسية نظرا لأن البلد سيشهد انتخابات برلمانية في موفى هذا العام. غير أن الحُجج التي استخدمتها الأحزاب في هذه المعركة الإنتخابية، لم تكن – مثلما كان متوقعا – صفتها كدولة محايدة وعضو في الإتحاد الأوروبي، ولا التكلفة التي تعدّ عاملا مُرجّـحا لكسب التأييد.
الحياد وقيم الجمهورية
السويد، دولة أخرى محايدة، تخلت عن الخدمة العسكرية الإلزامية في عام 2010. وقد غيّرت قواتها العسكرية من عقيدتها القتالية لتصبح مُوجّهة بشكل كامل إلى المهمّات ذات الطابع الدولي. من جانبها، لا تزال الجارة فنلندا، وهي من بين عدد قليل من الدول الأوروبية المحايدة مثل سويسرا، تفتخر بتمسّكها بنظام التجنيد الإجباري، وبالدور التقليدي للقوات المسلّحة، وهي مسألة تعود جزئيا لأسباب تاريخية.
في المقابل، نجد إيرلندا، وهي دولة أخرى مُعترف لها بالحياد، التي لم تعمل يوم بإلزامية التجنيد، وهو ما تسبّب في اندلاع أزمة حادة بينها وبين بريطانيا خلال الحرب العالمية الأولى. ووفقا لسيرسيف، خبير علم الإجتماع العسكري، فإنه بالإمكان إيجاد أنماط مستقرة للتجنيد في الدول المؤسسة على قيم الجمهورية بما في ذلك بلدان شمال أوروبا، وكذلك ألمانيا والنمسا وسويسرا. وبالنسبة له فإن “هذه البلدان تتمسّك في العادة بالمثل العليا القائمة على الروح العامة”.
أما النموذج البديل فيجد جذوره في الفلسفة السياسية التحررية، التي تجعل الحرية الفردية القيمة السياسية الرئيسية في جوهرها، وتبوّؤها مكانة فوق المصلحة الجماعية.
يصبح المواطنون الذكور القادرون والبالغون 19 عاما مُطالبين بالإلتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية، أما الخدمة العسكرية للنساء فهي اختيارية وطوعية.
يصبح النساء والرجال في حل من أمرهم بالنسبة للتجنيد بعد بلوغهم 30 عاما أو عند إكمالهم لفترة الخدمة الوطنية. وتوجد لوائح قانونية مختلفة لتقديم طلب للإنخراط في صفوف ضباط الصف، وكبار الضباط.
لم ينطلق العمل بنظام الخدمة الوطنية البديلة إلا في عام 1996، نتيجة لتعديل دستوري، وبعد سنوات من الجدل والنقاش.
يبلغ تعداد القوات المسلّحة في سويسرا 154373 فردا، وعدد الإحتياطي منها: 31767.
في عام 2012، خضع 23600 مجنّد للتدريب الأساسي.
يبلغ عدد النساء العاملات في صفوف القوات المسلحة حاليا 1034.
يعمل حوالي 2650 فرد في القوات المسلحة السويسرية كعسكريين محترفين.
دعاة سلام
في سويسرا، بقي اقتراح تقدم به دعاة سلام يهدف إلى إنهاء التجنيد الإجباري مُعلقا. وقد شرع البرلمان الفدرالي في شهر ديسمبر 2012 في مناقشة مبادرة صادرة عن مجموعة “سويسرا من دون جيش”. وستكون هذه هي المرة الثالثة في غضون 25 سنة التي يتم فيها عرض مبادرة لإلغاء إلزامية الخدمة العسكرية من طرف نفس هذه المجموعة.
في عام 1989، صوّت بشكل مفاجئ 35.6% من الناخبين لصالح مبادرتهم التي كانت في ذلك الوقت بمثابة “خرق للمحرّمات”، غير أن تلك النسبة انخفضت إلى 21.9% في تصويت مُماثل نظم سنة 2001 اقترح أصحابه حلّ الجيش الفدرالي وإنشاء فيالق طوعية للسلام.
وفي عام 2012، نجحت مجموعة من دعاة السلام، مدعومة من أحزاب يسار الوسط في جمع التوقيعات اللازمة لفائدة مبادرتهم الرامية إلى إلغاء التجنيد الإجباري وهي تهدف إلى إنشاء جيش من المتطوّعين، والحفاظ على الخدمة المدنية ولكن على أساس طوعي، لكن بسبب أحداث وتطوّرات لم تكن منتظرة، ستظل الأغلبية في سويسرا لصالح أنصار نظام التجنيد في السنوات القادمة.
(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.