“الديمقراطية المباشرة ليست ديانة”
يُعرَف عن سويسرا بأنها نموذج للديمقراطية. ولكن فِنسَنت كوشول، الكاتب والكوميدي السويسري، يرى ضرورة توفر الكنفدرالية على أنظمة حماية، بغية تحسين النظام السياسي واجتناب وقوع "الحوادث"، كما حدث عند مصادقة أغلبية الناخبين على المبادرة الداعية إلى حَظر بناء المزيد من المآذن.
وكان الكِتاب – الدليل – الذي ألَّفه كوشول مع المصمّم ورسّام الكاريكاتير فيليب بيكلان، المعروف تحت إسم “ميكس وريمكس”، والذي يحمل عنوان “المؤسسات السياسية السويسرية”، قد نُشِرَ باللغة الإنجليزية مؤخّراً تحت عنوان “الديمقراطية السويسرية بإيجازرابط خارجي“، بعد أن حقّق انتشاراً كبيراً كأحد أكثر الكُتب مبيعاً.
وقد حصل كوشول، الذي درس العلوم السياسية في جامعة لوزان، على شهرة واسعة من خلال البرنامج الإذاعي اليومي الساخر “120 ثانية”رابط خارجي (120 Secondes)، الذي قدّمه برفقة صديقه فِنسَنت فيون. وعلى مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية، كانت جميع تذاكر العرض المسرحي “120 ثانية تقدّم سويسرا” الذي يقدمه الكوميديان على مسارح سويسرا وباريس، قد نفذت بسرعة فائقة. ومن المقرّر أن يُطلِق الفريق برنامجاً أخبارياً ساخراً على التلفزيون السويسري الناطق بالفرنسية (TSR) إبتداءً من يوم 17 يناير من العام المقبل 2015.
swissinfo.ch: سَجَّل كتابك حول الديمقراطية السويسرية مبيعات تفُوق 250,000 نسخة، ولاسيما بين المدارس والمُرَشّحين للحصول على الجنسية السويسرية، وها أنت تنشر النسخة الإنجليزية. هل تُثير الديمقراطية السويسرية هذه الدّرجة من الإهتمام حقاً؟
فنسنت كوشول: قد لا يبدو الموضوع مثيراً للوهلة الأولى، ولكنّنا نرى – وهذا ما تثبته الإحصاءات – أنه يجذب إهتمام الناس. عندما تبذُل مجهوداً لتبسيط وشرح جوْهر الأشياء، سوف تُدرك أن هناك الكثير من التساؤلات التي تشغلهم وبأنهم مهتّمون حقاً.
swissinfo.ch: يقول الرئيس السويسري ديديي بوركهالتر إن الديمقراطية المباشرة تجري في عروق الكثير من السويسريين، هل أنت من ضِمن هؤلاء؟
فنسنت كوشول: كلاّ (يضحك)، فالنظام السياسي السويسري مزيج من عدّة مكوِّنات مختلفة، والديمقراطية المباشرة هي عُنصر واحد فقط.
إن الديمقراطية المباشرة تشجِّع على توافق الآراء، حينما يبحث البرلمان عن حلٍّ وسط لتجنّب الوصول إلى مرحلة الإستفتاءات، التي تمثِّل حجر عثرة في النظام، يؤدي تباطؤ سير الأمور. الفدرالية مهمة جداً أيضاً، وكذلك هي التعدّدية الثقافية. ويبرهن استقرار هذا النظام، مدى ما يتمتّع به من نجاح، على الرّغم من هذه الفُسيفساء.
في إعتقادي، يمثل النظام السياسي السويسري نظاماً نموذجياً. وسيكون من الجيِّد لو أمكن التعرّف عليه بشكل أفضل، ليكون مصدر إلهامٍ للدول الأخرى، ولكني لا أريد أن أبدأ بالوعظ حول مدى جودته.
swissinfo.ch: هل بالإمكان تصدير النموذج الديمقراطي السويسري إذن؟
فنسنت كوشول: لستُ متأكداً من ذلك، إذ تتوفّر سويسرا على ثقافة سياسية خاصة بالفعل. هناك نوع من النُّضج السياسي. لقد رفض الناخبون السويسريون العديد من المبادرات الشعبية – مثل مبادرة الحدّ الأدنى للأجور، أو تلك المتعلقة بزيادة العُطل السنوية من أربعة إلى ستة أسابيع – ولكني متأكّد من أن مبادرات كهذه كانت ستحظى بالقبول في دُول أخرى. عندما يصوِّت الناس ضدّ مصالحهم الشخصية، يعكِس ذلك ثقافة سياسية خاصة، وهو أمر غريب جداً عند مُراقبته من الخارج.
كذلك يخشى الناس إمكانية تحوّل الديمقراطية المباشرة إلى سلاح بِيَد الشعبويين. وقد كانت كذلك بالفعل في عدد قليل من المرّات، ولكنها حالة نادرة جداً في الواقع.
swissinfo.ch: هل هو حقاً نظام نموذجي، عندما يُمكن أن تصِل تكلفة إيصال مبادرة ما إلى مرحلة الإستفتاء الشعبي إلى نحو 500,000 فرنك سويسري (515,000 دولار)؟
فنسنت كوشول: بالتأكيد، ولكن هناك الأسوأ دائماً في مكان آخر، مثلما هو الحال في الولايات المتحدة. بعض المبادرات الشعبية في سويسرا تُصيبنا بالصدمة عند إمعان النظر في الموارد المُستثمرة [لإنجاحها]، مثل تلك المناهضة لإنشاء صندوق عمومي موحّد للتأمين الصحي. هنا، كان من الواضح إستثمار جهات فاعلة لملايين الفرنكات بالنظر إلى مصلحتها القوية في الحفاظ على النظام الحالي، لأنها كانت ستخسر الكثير [لو نجحت المبادرة].
وفي هذا السياق، نجِد بعض الإساءة في تطبيق النظام. وهنا يُمكننا أن نتصوّر إمكانية إدخال أنظمة حماية، بُغية الحدّ من الإنفاق على المبادرات الشعبية، وضمان الشفافية المالية، لمعرفة المبالغ المُستثمَرة من قِبل رابطة أرباب العمل السويسرية (إيكونومي سويس) مثلاً خلال كل عملية تصويت.
إن وضع قيمة مالية للعملية الديمقراطية ليس أمراً إيجابياً. ومن ناحيتي، أؤيِّد فتح الحسابات الخاصة بالأحزاب السياسية. علينا أن نضمن أن لا يكون شراء الديمقراطية مُمكناً، وإلّا فأنها ستكون غير مجدية.
swissinfo.ch: من الملاحظ أن نسبة الإقبال بين الناخبين الشباب، منخفِضة. وهم يشكون ليس من عدد الإقتراعات المُبالَغ فيها، ولكن من تعقيدها الشديد أيضاً. كيف يمكن تصحيح ذلك؟
فنسنت كوخول: في بعض الأحيان تكون المسألة فنية، ولكني لا أظن أن عدد الإقتراعات مبالَغ فيه. الكثير من الديمقراطية لا يقتُل الديمقراطية.
هنا يأتي الدور الأساسي للتربية والتعليم المدني. ينبغي أن تكون الصفوف الدراسية مكاناً لمناقشة الثقافة والسياسة. من المهِم أن يصبح الناس أكثر اهتماماً بالشؤون العامة. وقبل فهْم كيفية عمل الأشياء بالتفصيل، عليك أن تفهم أن لدينا جميعاً دوراً نلعبه، وهو مثير للاهتمام. حينئذٍ سيرغب الأشخاص في أن يصبحوا طرفاً فاعلاً في النظام.
swissinfo.ch: قال الرئيس الألماني يواخيم غاوك في أعقاب الإقتراع المُناهض للهجرة في 9 فبراير 2014، إنه يحترم القرار السويسري، ولكنه يرى أن بإمكان الديمقراطية المباشرة أن تصبح “خطراً حقيقياً” في القضايا المعقّدة، التي يصعب على المواطنين إدراك ما يترتّب عنها من آثار أحياناً. هل ينبغي أن تكون لنا القدرة على التصويت على كل شيء: أوروبا، الهجرة، الأسلحة النارية، أسبوع عطلة إضافي ….؟
فنسنت كوشول: كان تصويت يوم 9 فبراير (المؤيِّد للحدّ من الهجرة) نتيجة نقص في المعلومات [المتعلّقة بالتطبيق والتبعات] لدى المواطنين. لا يصح أن نصوِّت على كل شيء. نحن بحاجة إلى أنظمة حماية معيَّنة.
التصويت على الهجرة بحدّ ذاته، ليس معقداً، فالنتيجة إما “نعم” أو “لا”، ولكن هناك عواقب معقّدة تترتّب عن ذلك. وبعض هذه العواقب قانونية، وهذا الأمر لم يوضَّح جيداً للناخبين. أنا متأكد أن النتيجة لن تكون نفسها لو تم الإقتراع اليوم. كان هناك نقْص واضح في المعلومات وفي الإبلاغ بشأن مسائل تتعلّق بالبحث العلمي والتنقل والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي والإتفاقات الثنائية.
swissinfo.ch: هل تحتاج سويسرا إلى محكمة دستورية لتقْيِيم مدى مُناسَبة بعض المبادرات؟
فنسنت كوشول: نعم. نحن بحاجة إلى التحقق من المبادرات بشكل أكثر دقّة. وبرأيي تفتقر هذه المسألة إلى الإدارة الصحيحة. لقد كان تصويت 9 فبراير خطيرا جداً. إنه كارثة في الواقع، كذلك كانت مبادرة الحد من بناء المزيد من المآذن، وكلاهما تحمّل عواقب دولية لسويسرا.
لا ينبغي أن يكون بمقدور الديمقراطية المباشرة التعامل مع جميع القضايا. أنا لا أتّفق مع ما يردده حزب الشعب (يمين شعبوي) بأن للقانون السويسري الأسبقية على القانون الدولي. قد يُخطِئ الناس، وهم ليسوا على حقّ دائماً، وهذا ما حدث يوم 9 فبراير.
الأمر الصادم في سويسرا، هو ترديد كل سياسي تقريباً بأن “الشعب السويسري على حقّ”. أنا لا أتّفق مع هذا الشعار. الديمقراطية المباشرة ليست ديناً، والمواطن ليس إلاهاً.
swissinfo.ch: وِفقاً لآن ماري هوبر – هوتز، المستشارة الفدرالية السابقة (من الحزب الليبرالي الراديكالي)، ينبغي أن تُحظَر الأحزاب السياسية الكبيرة من إطلاق المبادرات الشعبية، لأنها تفرط في استخدامها. ما هو رأيك؟
فنسنت كوشول: هذا مثير للإهتمام من وجهة نظر فلسفية، لاسيما وأن اعتماد المبادرات الشعبية [في الدستور السويسري] في مطلع القرن التاسع عشر، كان لحفظ التوازن السياسي (مع الجماعات التي لم تكن مُمَثلة في العملية البرلمانية). واليوم، يُطلِق حزب الشعب السويسري – وهو الأكبر في الكنفدرالية – مُعظم هذه المبادرات. أنا لا أعتقد أن الآباء السويسريين المؤسِّسين كانوا يهدِفون إلى إستخدام هذه الأداة على هذا النحو عندما قاموا بتقديمها. ولكني أرى أن اقتراحها استفزازي ولن يحظى بالموافقة أبداً.
swissinfo.ch: ما هي التحسينات الأخرى التي يمكن إدخالها على النظام الديمقراطي السويسري؟
فنسنت كوشول: إن نسبة مشاركة الناخبين الممثلة بنحو 40% ليست سيِّئة. ولكن هذه لا تمثل سوى 40% من مجموع المواطنين السويسريين، وليست 40% من مُجمل عدد السكان.
علينا أن لا ننسى أن الكثير من الناس الذين يعيشون هنا والذين وُلِـدوا هنا محرومون من حقّ التصويت. وبالإمكان تصحيح هذه المسألة أيضاً، لكي يتسنّى للأشخاص الذين يعيشون في سويسرا، والذين جعلوا منها ما هي عليه اليوم، المشاركة في أسلوب الحياة فيها وتطويره. لدينا العديد من الأشخاص المُستبعَدين من النظام،. وهناك حوالي مليونيْ أجنبي. إن هذا يتطلّب بعض الوقت، ولكني أودّ أن أراه يتحقّق. فالسويسريون ليسوا أصحاب الهوية [السويسرية] الوحيدين في الكنفدرالية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.