الرقابة الإجتماعية .. ظاهرة جديدة
ابتكرت بلديتان سويسريتان أسلوبا جديدا لمراقبة المستفيدين من المساعدات الإجتماعية. بلدة إيمْن عينت مفتشا اجتماعيا، بينما لجأت أولتن إلى خدمات محققين خواص.
أما أساليب المراقبة لكشف المنتهكين فلا تختلف من مفتش لآخر: اقتفاء الأثر، أخذ الصور، التسجيل الصوتي… لكن “شيرلوك هولمز الاجتماعي” لا يدخل البيوت دون استئذان.
فكرة مراقبة المستفيدين من المساعدات الإجتماعية في سويسرا ليست جديدة. فقد بادر كانتونا جنيف ولوزان في العقد الماضي بتعيين مراقيين اجتماعيين يقومون بتحقيقات ميدانية لكشف التحايل على مكاتب المساعدات الإجتماعية.
لكن الجديد هو الأسلوب الذي اختارته بلدية إيمن في كانتون لوسيرن وبلدية أولتون في كانتون سولوتورن، وكلاهما تتواجدان في المنطقة السويسرية المتحدثة بالألمانية. فبينما أنشأت بلدية إيمْن منصبا فريدا في سويسرا بتعيينها في فاتح فبراير 2005 أول “مفتش اجتماعي” في البلاد، لجأت بلدية أولتون في شهر مايو الماضي إلى خدمات محققين خواص لكشف المنتهكين في مجال المساعدات الإجتماعية.
وقد أنشأ منصب “المفتش الاجتماعي” في إيمْن استجابة لمذكرة تقدم بها حزب الشعب السويسري (اليميني المتشدد) وصادق عليها برلمان البلدية. ووقع الاختيار من بين 197 مرشحا على المُخبر السابق في الوحدة الجنائية بكانتون لوسيرن كريستوف أودرمات (31 عاما، متزوج وأب لطفل) الذي ذاع صيت مواهبه في مجال التحقيق خلال السبع سنوات ونصف التي قضاها مع رجال الدرك في لوسيرن.
الإذن أولا..والزيارة ثانيا
وكُـلف المفتش أودرمات -الذي خاض تجربة مهنية أيضا في مجال المصارف والضرائب- بمراقبة المعطيات المرتبطة بالوضع الشخصي والعائلي للمستفيدين من المساعدات الإجتماعية، والتحقق مما إذا كان حدث تغيير في أوضاعهم منذ تاريخ تسلمهم لأول إعانة.
وحصل المفتش الاجتماعي على إذن بزيارة المستفيدين في بيوتهم لتكوين أفضل فكرة عن وضعهم وتوضيح بعض النقاط الغامضة، في عين المكان. كما أذن له بتوجيه أسئلة لجيران المعنيين للحصول على معلومات إَضافية. وفي بعض الحالات، يطلب من المستفيدين توقيع توكيل يسمح له بالتحقيق عن وضعيتهم المالية لدى المصرف الذي يتعاملون معه.
لكن المفتش لا يقتحم بيوت المستفيدين دون استئذان، إذن يتوجب عليه إبلاغهم مسبقا بالزيارة. كما لا يُُـُسمح له بتقمص دور الشرطي للقيام بمهام مثل التفتيش أو الاستجواب، وذلك وفقا للشرط الذي وضعه المسؤول عن حماية المعطيات الشخصية في كانتون لوسيرن.
وقد أعربت إيمن عن اعتقادها أن تعيين شرطي سابق في منصب “المفتش الاجتماعي” هو الحل الأفضل لكشف الغشاشين من بين 1156 مستفيد من المساعدات الاجتماعية في البلدة التي يبلغ عدد سكانها 27 ألف نسمة.
وكان رئيس البلدية بيتر شنيلمان (من الحزب الديمقراطي المسيحي) قد صرح لصحيفة 24Heures الصادرة بلوزان (نسخة 11/12 يونيو 2005) “لا يتوفر إلا الشرطي -في غالب الأحيان- على المعلومات الكافية المرتبطة بالقانون الأساسي لتحمل مسؤولية مثل ذلك المنصب (المفتش العام)”.
حصيلة خالية من أية مفاجئات
وبمناسبة مرور 100 يوم على بدأ نشاطات المفتش الجديد، عقد مكتب المساعدات الاجتماعية في إيمن يوم الأربعاء 29 يونيو 2005 مؤتمرا صحفيا للإعلان عن حصيلةِ أولى تجاربه. وسرعان ما تبين أن الحصيلة خلت من أي مفاجئات إذ أنها أكدت معلومات كانت بلدية إيمن على علم بها قبل تعيين المفتش.
وأوضح السيد رولف بورن، عضو حكومة إيمن والمسؤول عن قسم الشؤون الاجتماعية أن الأشخاص التي تـُقْدم على انتهاكات في مجال المساعدات الاجتماعية نادرة قائلا: “إن معظمهم صادقون ومتعاونون”. وهو تصريح قد “يصدم” حزب الشعب الذي ربما كان يتوقع استنتاجات تدين المستفيدين الأجانب بالدرجة الأولى.
وأكد مكتب المساعدات الإجتماعية في المؤتمر الصحفي أنه “يثق عموما بالمعطيات التي يدلي بها المستفيدون”. ولئن كان من السابق لأوانه جرد حصيلة نهائية لعمل مفتشها الاجتماعي الجديد، فإن بلدية إيمن أعربت عن رضاها عن عمله. وقال السيد بورن في هذا السياق: “لقد عزز (المفتش العام) ثقة السكان في عمل الخدمة الاجتماعية لأنهم يعلمون أننا نتوفر على وسيلة مراقبة”. وهي إشارة إلى المساعي التي تبذلها البلدية لطمأنة دافعي الرسوم الضريبية حول الطريقة التي تُستخدم بها أموال الضرائب.
في المقابل، نوهت البلدية إلى أن محاربة الانتهاكات لن تكفي وحدها للحد من ارتفاع الطلب على المساعدات الإجتماعية، مشددة على ضرورة اتخاذ إجراءات أخرى مثل توفير دعم أفضل لإعادة الإدماج على المستوى المهني.
وقد قام المفتش أودرمات بالتحقيق في 28 من جملة الملفات الـ651 التي يديرها قسم الخدمات الإجتماعية في إيمن. ولم يستنتج سوى 7 حالات غش. ويتعلق الأمر في غالب الأحيان بإعطاء المستفيد معلومات خاطئة عن عدد الأشخاص المقيمين معه في البيت. وكشف المفتش حالتين لم يعلن فيها المستفيد عن ممارسته لنشاط مدفوع الثمن.
وتوصلت تحقيقات المفتش إلى أن نسبة الانتهاكات لا تتعدى 1%، وهي نسبة تتوافق مع تقديرات الخبراء الذين توقعوا أن تتراوح الانتهاكات في إيمن بين 1 و3%.
إجراءات تسمح بالتوفير؟
أما بلدية أولتون التي لجأت منذ شهر إلى خدمات محققين خواص لمحاربة تلك الانتهاكات، فتسمح للمفتشين باستخدام أساليب التحقيق التقليدية من تتبع للخطى وأخد الصور والتسجيلات الصوتية، لكن شرط أن يتم ذلك خارج بيت المستفيدين من المساعدات الإجتماعية. وكان رئيس الشؤون الاجتماعية في أولتون بيتر شافر قد أوضح في تصريح لصحيفة 24Heures (نفس العدد المذكور أعلاه) أن مهمة المحققين الخواص “لا تهدف إلى تقديم كافة المستفيدين من المساعدات كنصابين محتملين، نحن نريد بتر العنصر الفاسد لكي لا ينتشر”.
لكن هل يمكن أن تنجح تحركات كل من إيمن وأولتن في تقليص نفقات الخدمات الاجتماعية؟ الآراء تتباين حول هذه المسألة. فبينما يعتقد المسؤول عن قسم الشؤون الاجتماعية في حكومة بلدية إيمن رولف بورن أن نشاطات المفتش الاجتماعي لها أثر “وقائي” وأنها “ستسمح على المدى البعيد بالتوفير على مستوى نفقات المساعدات الإجتماعية”، انتقد رئيس المؤتمر السويسري لمؤسسات العمل الاجتماعي تجربة مفتش إيمن.
وفي تصريح لوكالة الأنباء السويسرية يوم 29 يونيو، أوضح السيد فالتر شميد أن التوفير الزهيد الذي ستحققه إيمن من تلك التجربة لا يُبرر إنشاء المنصب أصلا. وقال بهذا الصدد: “إن المؤتمر السويسري لمؤسسات العمل الاجتماعي تتفق مع محاربة الانتهاكات، لكن هنالك وسائل أكثر فعالية”.
ويعتقد السيد شميد أنه يتعين الكشف عن الانتهاكات لدى فتح ملف طلب المساعدة، مؤكدا أن تلك المهمة تقع ضمن مسؤوليات العاملين في مكاتب المساعدات الإجتماعية، وإن لم يكن لديهم الوقت الكافي، فهنالك إمكانية تعيين موظفين إضافيين. وصرح في نفس السياق: “إن المفتشين يتدخلون في وقت متأخر، ولا يمكن إلا نادرا استعادة الأموال من الغشاشين لأنهم يتوفرون على إمكانيات زهيدة في كل الأحوال”.
ويرى السيد شميد أن إنشاء منصب “المفتش الاجتماعي” له صدى “يتماشى مع الموضة”، إذ يعتقد أن “الجانب البوليسي يجتذب الناس”. في المقابل، تساهم نشاطات المفتش في وصم المستفيدين من المساعدات الإجتماعية حسب السيد شميد الذي يدعو بالأحرى إلى محاربة العمل غير القانوني. فهل من مستقبل لمنصب “المفتش الاجتماعي” في سويسرا؟
بين 1990 و2001، ارتفعت تكاليف المساعدات الإجتماعية في سويسرا بأكثر من الضعف، أي بزهاء 2 مليار فرنك.
في نهاية عام 2004، بلغت النفقات في هذا المجال حوالي 4 مليار فرنك.
في عام 2003، ارتفع عدد المستفيدين من المساعدات بـ10% أي ما يعادل 300 ألف شخص.
أنشأت بلدية إيمن بكانتون لوسيرن منصب “المفتش الاجتماعي” استجابة لمذكرة تقدم بها حزب الشعب السويسري وصادق عليها برلمان البلدية. تم اختيار المفتش كريستوف أودرمات من بين 197 مرشحا. تسلم المنصب في 1 فبراير 2005. بمناسبة مرور 100 يوم على بداية نشاطاته، أعلن المفتش الاجتماعي يوم 29 يونيو 2005 أنه قام بتحقيق حول 28 ملف، واستنتج انتهاكات في 7 حالات
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.