الرواتب السويسرية… مرتفعة، مستقرّة، وغير كافية

ورقة نقدية من فئة 200 فرنك سويسري في محفظة، زيورخ، سويسرا، في 23 أغسطس 2023. KEYSTONE/© KEYSTONE / CHRISTIAN BEUTLER

ما الذي يمكن فِعله في سويسرا بحوالي 7000 فرنك شهريًّا؟ تُظهر الإحصائيات الجديدة استمرار تحسّن متوسّط الأجور في البلاد. لكنّه بالنسبة لبعض الأسر المعيشية*، لا يكفي لمواكبة ارتفاع التكاليف.

في عام 2022، بلغ متوسط الراتب الإجمالي الخام (قبل اقتطاع اشتراكات الضمان الإجتماعي ) لوظيفة بدوام كامل في سويسرا 6788 فرنكا، بحسب إفادة صادرة عن المكتب الفدرالي للإحصاء يوم الثلاثاء 19 مارس 2024. ويمثل ذلك زيادة قدرها 123 فرنكا سويسريا شهريا مقارنة بعام 2020، و350 فرنكا مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عشر سنوات، وفقا لإحصائيات يتم الكشف عنها كل عاميْن. وظلت الفجوات بين أصحاب وصاحبات الدخل المرتفع والمتوسط والمنخفض “مستقرة نسبيا”، فيما تحصلت جميع فئات الدخل على مكاسب اسمية مماثلة بين عامي 2008 و2022.

لكن خلف ستار الاستقرار، تكمن اختلافات كبيرة. فإذا كنت ترغب.ين مثلا في الحصول على راتب أعلى، مع قبولك بأسعار أعلى في نفس الوقت، فأنت أفضل حالا إذا كنت مقيما.ة في زيورخ مقارنة بمن هم وهن في تيتشينو. كما أنه من شأن الشهادة الجامعية، التي تمكّن حاملها وحاملتها من الحصول على وظيفة سامية، أن تكسبه وتكسبها بضعة آلاف من الفرنكات أكثر من خريجي وخريجات جامعات العلوم التطبيقية أو مؤسسات التدريب المهني.

ويظل العامل الحاسم هو طبيعة المهنة التي يمارسها الفرد: فالقطاعات ذات “القيمة العالية”، مثل التبغ أو البنوك أو الصناعات الدوائية، تتفوّق بكثير على القطاعات ذات الأجور المنخفضة مثل المطاعم والفنادق.

تقلّص بطيء للفجوة بين الجنسين

بعد المهن، يمثّل الجنس عاملا آخر مهمًّا في تفسير التفاوت، وذلك على الرغم من أنه أصبح أقلّ أهمية مع مرور الوقت. ففي عام 2022، حصلت النساء على أجور أقلّ بنسبة 9.5% مقارنة بنظرائهن من الرجال، وأيضا مقارنة بالسنوات السابقة (10,8% في عام 2020، و11.5% في عام 2018). ورغم أن المكتب الفدرالي للإحصاء لم يوضّح أسباب هذا التحسّن في مؤشر المساواة بين الجنسيْن، إلاّ أنه أرجع أسباب هذه الفجوة، بشكل عامّ، إلى التعليم والعمر والسلم الوظيفي والقطاع، حيث يلعب كل منها دورا محددا.

لكن نظرًا لكون الإحصائيات مصممة على أساس الرواتب بدوام كامل، فإنها تغفل حقيقة عملية: إذ تختار النساء في سويسرا العمل بدوام جزئي بنسب تفوق ذلك بالنسبة للرجال. وتذهب صحيفة “لو كورييه” (Le Courrier) اليسارية إلى أن بيانات المكتب الفدرالي للإحصاء “تركّز على وضع الذكور”، و”لا تعكس وضع أجور غالبية النساء”.

علاوة على ذلك، فإن النساء ممثلات تمثيلا أكبر في القطاعات ذات الدخل المنخفض (أقل من 4500 فرنك)، وتزيد نسبتهن في هذه القطاعات عن 62,5%، في مقابل تمثيل محدود لا يتجاوز 24.6% في الوظائف ذات الدخل المرتفع (أكثر من 16000 فرنك).

ومع ذلك، فإن هذيْن الوضعيْن آخذان في التحسّن قليلا لفائدة النساء، وفقا للمكتب الفدرالي للإحصاء. ومن المنتظر، في السنوات القادمة، أن يسرّع في هذا الاتجاه تنفيذُ القانون، الذي يُلزم أكبر الشركات العامة في سويسرا بتمثيلية للنساء لا تقل عن 30% في مجالس إداراتها و20% في لجانها المشرفة على مستوى الإدارة والتسيير.

معاناة الكثير من السكّان من أوضاع صعبة

قد يبدو للوهلة الأولى أن 6788 فرنكا سويسريا مبلغ كبير. وغالبا ما تصنّف سويسرا ضمن البلدان ذات الرواتب الأعلى في العالمرابط خارجي، حتى بالنسبة لمن هم.ن في أسفل السلم الوظيفي.

لكن أبواب إنفاق المال كثيرة. حيث تتصدّر جنيف وزيورخ بانتظام تصنيفات “أغلى المدن”. كما تتصدّر سويسرا بأسرها مؤشر مجلة الإيكونوميست للوجبات السريعة. نضيف إلى ذلك الضرائب، ومتوسط الإيجارات المرتفع (1412 فرنكا سويسريا للشقة الواحدة في عام 2022)، وتكلفة النقل العام والتأمين الصحي المرتفع أيضا (ما معدّله 360 فرنكا سويسريا شهريا)… وإذا ما تمّ دفع كل تلك الفواتير والمستحقّات، فلن يتبقّى من الرواتب المرتفة سوى النزر اليسير.

ورغم أن نسبة التضخّم في سويسرا كانت أقلّ منها في البلدان الأخرى،خلال الأعوام الماضية، إلا أنها عصفت بكل المكاسب المالية التي تحققت للموظفين والموظفات، والتي أشارت إليها الدراسة الإحصائية. فمنذ 2020، انخفضت الأجور الحقيقية بنسبة 0,8%، وفقا لأمانة الدولة للشؤون الاقتصادية. وعلى الرغم من أن هذا الانخفاض أقلّ وضوحا ممّا هو عليه في البلدان الأوروبية الأخرى، إلاّ أن تأثيره بات جليّا للعيان: فقد أظهر استطلاع للرأي نٌشر في مارس الماضي، أن نصف الأسر السويسرية غير قادرة على توفير ما يكفي من المال كل شهر لتغطية نفقات غير متوقعة مثل زيارة عاجلة لطبيب الأسنان. وتقول أربع من كل عشرة أسر أن الوضع المالي بات عنصرا أساسيا في تحديد أي قرار.

ويمثل “الأشخاص المعرضون.ات لمخاطر الفقر”، ممّن يعرّفون.ن دخلهم.ن المتاح بأقلّ من 60% من متوسط الدخل الإجمالي، نسبة 14.5% من سكان سويسرا عام 2021. وتبلغ هذه النسبة 16.8% في البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

الأرقام محايدة، على عكس تفسيرها

تجلّى اختلاف المواقف حول هذا الوضع، من حيث الارتياح والانزعاج، بشكل مباشر في ردود الفعل على الإحصائيات المذكورة.

وكما لو أنه يستبق النقاشات بالخصوص، دعا المكتب الفدرالي للإحصاء كلّا من رولاند مولّر، رئيس الاتحاد السويسري لأرباب العمل، ودانيال لامبارت، كبير اقتصاديي اتحاد النقابات السويسرية، لحضور المؤتمر الصحفي الذي عقده. وقد غطّى التلاسن بين المدعوّيْن على مستجدات الوضع، بما في ذلك تضييق الفجوة بين الجنسيْن، وفق ما نقلته صحيفة “لوتون” الناطقة بالفرنسية.

يرى رولاند مولّر، أنه على الرغم من صعوبة وضع التضخّم، فإن الأمر كان ليكون أكثر سوءًا بسبب جائحة كوفيد-19 وعدم الاستقرار الجيوسياسي. حيث قال إن الاستقرار الملحوظ في الإحصائيات بشكل عام “يبعث على الارتياح”. أمّا دانيال لامبارت، فهو يعتقد أن نسبة 12.5% من القوة العاملة، التي تعيش على “أجر منخفض” (أقل من 4525 فرنكاً شهرياً)، تمثّل نسبة عالية جداً، وأنه يجب تحديد راتب 5000 فرنك راتبًا أدنى.

ولكن، بما أن رابطة أرباب العمل لا تؤيد الزيادة في الأجور بحسب القطاعات المختلفة، فإن النقابات تركّز جهودها حاليا على الترفيع في أجور الحد الأدنى في الكانتونات، وتستخدم سلاح التصويت الشعبي من أجل تعزيز القدرة الشرائية. ويبدو ذلك جليا في نجاح التصويت الأخي،ر الذي أدى إلى إقرار معاش تقاعدي ثالث عشر وسنوي، وكذلك التصويت المرتقب على الحدّ من تكاليف التأمين الصحي.

*يعني مصطلح أسرة معيشية مجموعة من الأشخاص تعيش معًا في منزل واحد وتشترك في النفقات اليومية، وغالبا ما تتكوّن من أفراد لعائلة واحدة أو تجمع بينهم.ن صلات قرابة. يمكن أن تشمل هذه المجموعة الأقارب بالدم أو بالزواج، أو الأصدقاء والصديقات عند العيش معًا بشكل دائم.

تحرير:  بالتس ريغندينغر

ترجمة: عبد الحفيظ العبدلي

مراجعة: أمل المكي

هل نال المقال إعجابك.كِ؟ اشترك.ي في نشراتنا الإخبارية المتنوّعة للحصول على مجموعة مختارة من أفضل محتوياتنا مباشرة عبر البريد الإلكتروني.