السجناء في سويسرا سيبقون خلف القضبان رغم الوباء
قررت فرنسا والولايات المتحدة وبلدان أخرى إطلاق سراح السجناء كإجراء احترازي لمنع انتشار فيروس كورونا في السجون. لكن سويسرا ارتأت غير ذلك، على الرغم من التوتّر المتزايد بين نزلاء السجون. في الأثناء تتم دراسة خيارات أخرى.
البقاء في الداخل ليس بالأمر السهل حتى في أفضل الظروف. ومجرّد التأمّل في جميع هؤلاء الناس الذين يتوقون إلى المشي لمسافات طويلة وممارسة الرياضة في الخارج على الرغم من أن الحكومة طلبت منهم البقاء في المنزل بشكل طوعي. أما الوضع بالنسبة لفئة أخرى، مثل نزلاء السجون السويسرية البالغ عددهم 7000 شخص، فليس لديهم خيار في ذلك. فقد تم تقليص اتصالهم بالعالم الخارجي المحدود أصلا في إطار سعي السلطات للحد من انتشار الفيروس.
مسافة الأمان الإجتماعية
لا زيارات، ولا غياب مشروط، ولا أنشطة رياضية. في نفس الوقت لا تذهب إلى ورشة العمل أو الفصول الدراسية: هذه بعض القيود المعتمدة حاليا في السجون المنتشرة في أنحاء مختلفة من سويسرا.- مع بعض الاختلافات حسب الكانتونات_ لحماية صحة السجناء وحراس السجون.
وقال فرانز فالتر، رئيس مصلحة السجون في كانتون فريبورغ في مقابلة مع صحيفة Freiburger Nachrichten رابط خارجيالمحلية: “نحاول تجنّب التماس الجسدي بين النزلاء، والحفاظ على التباعد الاجتماعي، وتجنّب التجمّع لأكثر من خمسة أشخاص في مكان واحد وفي نفس الوقت – وفي السجن يسهل قول ذلك لكن من الصعب الالتزام بما تقول”.
وفي كانتون تيتشينو، وهي واحدة من المناطق الأكثر تضررا من فيروس كورونا المستجد، لم يعد بإمكان السجناء التمتّع بزيارة أي من أفراد الأسرة بحسب ما أفاد ستيفانو لافرانشيني، رئيس مصلحة السجون في الكانتون الناطق باللغة الإيطالية خلال حديث مع الإذاعة العامة لسويسرا الناطقة بالإيطالية: “فضلا عن التأثير السلبي لهذه الاجراءات على إعادة إدماجهم في المجتمع، فإن هذا يحرمهم من مجموعة كاملة من الدعم العاطفي ومن اتصالات تزداد أهميتها في وقت استثنائي مثل هذا”.
خطر التمرّد والانتفاضات
يعترف الخبراء بأن هذه القيود المفروضة على حقوق السجناء يمكن أن تؤدي إلى انفجار أعمال شغب. ويعترف دينيس فرويدفو، رئيس الأمن العام بكانتون فو الواقع غرب البلاد بأن “هناك توترات ومشاكل كبيرة ومع ذلك يختلف الأمر من سجن إلى آخر”.
لم تشهد سويسرا أي انتفاضات أو عمليات تمرّد داخل السجون، على عكس ما يحدث مثلا في أمريكا اللاتينية، حيث قتلت وأصيبت أعداد كبيرة من السجناء، أو حتى في إيطاليا، الجارة الكبرى. مع ذلك، يشير فالتر إلى “تزايد احتمالات العنف والانتفاضات”.
ويوم الجمعة الماضي، رفض 43 نزيلا في سجن شون- دولون في جنيف العودة إلى زنزاناتهم بعد وقت التمرينات الرياضية. وتكرّر ذلك في اليوم الموالي. وانتهى ذلك بعد تدخّل قوات الأمن من دون أن يسفر تدخلها عن إصابات.
اختيار العزلة.
ويلاحظ مارسيل روف، مأمور السجن في لينزبرغ في كانتون أورغاو، أن ما يحدث داخل جدران السجن يعكس ما يحدث داخل المجتمع في الخارج. وصرّح لصحيفة لوزيرنير تسايتونغرابط خارجي “البعض يؤيّد الخطوات المتخذة، والبعض الآخر يعتقد أنه مبالغ فيها. بدون عمل وبدون زيارات، إن الوضع الذي يجد السجناء أنفسهم فيه ليس من السهل عليهم تحمّله- خاصة بالنسبة لأولئك الذين لديهم أسر في الخارج”.
ثم إن الجدران الخرسانية والبوابات المعدنية لن تجدي نفعا في حماية من هم بداخلها من فيروس كورونا. وخطر العدوى أعلى في المرافق المكتظة بالفعل. وبحسب السلطات القضائية وإدارات السجون، يوجد في السجون السويسرية ما لا يقلّ عن 35 إصابة بالفيروس، 33 منها في صفوف الموظّفين . وفي غياب تعميم الاختبارات، يمكن أن يكون العدد الحقيقي للمصابين أعلى من ذلك بكثير.
ويقول لافرانشيني: “إذا أظهر السجين أعراضا خفيفة، يجبر على البقاء منفردا في زنزانته، كما يتم اخراج أي شخص يحتاج إلى رعاية في المستشفى. كذلك يتم عزل الأشخاص الأكثر عرضة للخطر كالذين تتجاوز أعمارهم 65 عاما”.
فسح مجال أكبر
على الرغم من أن الأزمة الصحية الحالية هي حالة استثنائية، إلا أنه يجب الحفاظ على حقوق السجناء إلى أقصى حد ممكن، كما يقول المدافعون عن حقوق الإنسان، الذين يدعون إلى اعتماد طرق خلاقة وغير تقليدية لضمان رفاه السجناء والعاملين في مرافق السجون.
وقال دافيد موليمان، المتخصص في القضايا المتعلّقة بالأشخاص المحرومين من حرياتهم بمنصة humanrights.chرابط خارجي في حديث إلى swissinfo.ch: “يفرض على السجناء قضاء المزيد من الوقت في زنزاناتهم، ويقيّد اتصالهم فيما بين بعضهم البعض. إنها عزلة مزدوجة. فحريات السجين مقيّدة بطبعها، وبالتالي فإن أي قيود إضافية يجب موازنتها بتدابير تعويضية”.
وللتعويض مثلا عن فقدان الزيارات- آخر قسط من الحرية بقي للسجين، وفرصته الوحيدة للاتصال بالعالم الخارجي- يوصي موليمان باستخدام الاتصال عبر دائرة الفيديو. ويقول يجب الحفاظ على وقت التمارين الرياضية مهما كان الثمن: “يجب احترام المسافات الاجتماعية، لذلك من الضروري تقليل عدد السجناء”.
هل يجب الإفراج عن السجناء؟
يسمح القانون الجنائي السويسريرابط خارجي بالإفراج المشروط عن أولئك الذين قضوا ثلثيْ مدة عقوبتهم، لكن هذا لا يحدث في كثير من الأحيان، وفقا لموليمان الذي يقول: “اللجوء إلى هذا الإجراء ضروري الآن أكثر من أي وقت مضى. بل أذهب إلى أبعد من ذلك. يجب أن يتم الإفراج المشروط على السجناء الذين قضوا نصف مدة عقوبتهم وينتمون إلى المجموعات المعرضة للخطر إما بسبب التقدّم في العمر أو لإصابتهم بأمراض مزمنة لأنه في السجن يوجد أيضا العديد من الشبان الذين يعانون من أمراض خطيرة”.
نداء مماثل أيضا وجّهته منظمة إصلاح 91رابط خارجي، وهي هيئة تساعد وتدافع عن السجناء والأفراد المهمّشين اجتماعيا، وتستشهد بتوصيات مجلس أوروبا والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب.
ويؤيّد جوناس فيبر، أستاذ القانون الجنائي في جامعة برن، فكرة العفو العام. وقال لمجلة Wochenzeitung رابط خارجيالسويسرية الألمانية “إن الحكومة بإمكانها أن تمتّع السجناء بعفو يشمل الشهريْن الأخيريْن من عقوبتهم”.
استجابات متباينة
على الرغم من عدم تسليط الاضواء حول هذه المسألة، إلا أن بعض الكانتونات بصدد اتخاذ إجراءات، يلاحظ موليمان. هناك سجون خصصت المزيد من الوقت للمكالمات الهاتفية، وتدرس بجدية إمكانية السماح بإجراء محادثات عبر دوائر الفيديو.
في شون- دولون في جنيف، وهو السجن الأكثر اكتظاظا في سويسرا، تم وضع حواجز زجاجية بين السجناء وزائريهم للتأكّد من انه لايزال هناك زيارات من أفراد العائلة. وانخفض عدد السجناء هناك مؤخرا من 650 إلى 560 حيث تم اعتماد بدائل لعقوبات الحبس بالنسبة للبعض. وتشمل هذه البدائل الإقامة الجبرية والأساور الإلكترونية والإلتزام بإبلاغ الشرطة في حال مغادرة مقر الإقامة.
بعض الكانتونات اعتمدت طرقا أخرى غير معتادة مثلا أصدرت برن عفوا على 27 سجينا كانوا في سجون مفتوحة أو شبه محتجزين لأنهم ينتمون إلى الفئة المعرّضة لخطر الفيروس أكثر من غيرها. كذلك ألغت سلطات برن أحكاما بالسجن تقل عن 30 يوما بحق أفراد لا يشكلون خطرا على المجتمع.
مع ذلك لا يبدو أن سويسرا ستقتفي أثر فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا، حيث تم إطلاق سراح السجناء بشكل جماعي. هذا الخيار غير مطروح في سويسرا.
إن الإفراج عن سجين بعد أن يقضي نصف مدّة عقوبته لمجرد كونه ينتمي إلى الفئة المعرضة للخطر اكثر من غيرها غير ممكن قانونيا، وفقا لما ذكره آلان هوفر، نائب أمين عام مؤتمر مدراء العدالة والشرطة في الكانتونات، والذي نقلت عنه صحيفة “20 دقيقة”رابط خارجي الناطقة بالألمانية قوله “إن اللجوء إلى تسريح السجناء أو التوقّف عن اعتقال المخالفين بسبب فيروس كورونا المستجد، لن يكون إلا الملاذ الأخير”.
المزيد
كوفيد – 19: هذا هو الوضع في سويسرا
(نقله إلى العربية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.