السفير إيشباخر: “انتخابات مجالس المحافظات في العراق.. محطة مهمة جدا”
تُعدّ انتخابات مجالس المحافظات في العراق المقررة ليوم السبت 24 يناير 2009، فاتحة سنة سياسية فاصلة في تاريخ العراق تشهد فيها البلاد انسحاب المزيد من قوات التحالف الدولي من ناحية، وتنظيم انتخابات تشريعية عامة في ديسمبر القادم من ناحية أخرى.
مارتين إيشباخر، الذي باشر مهامه في بداية ديسمبر الماضي كسفير سويسري لدى العراق مع الإقامة في العاصمة السورية دمشق، عبّر في حوار أجرته معه سويس إنفو عن ارتياحه لهذه التطورات السياسية على الساحة العراقية، لكنه كان أكثر حذرا بخصوص الأوضاع الأمنية في البلاد.
سويس إنفو: العراقيون وبقية العالم يحبسون أنفاسهم في انتظار ما ستسفر عنه انتخابات مجالس المحافظات، ما هي أبرز تمنياتك/ تخوفاتك وعمليات فرز الأصوات لم تكتمل حتى الآن؟
مارتن إيشباخر: هذه الانتخابات تعد محطة مهمة جدا، وهي عملية اختبار تسبق الانتخابات التشريعية العامة التي سيشهدها العراق قبل نهاية هذه السنة. ومن المفترض أن تُصلح الاختلال السياسي الذي أفرزته انتخابات مجالس المحافظات والبرلمان لسنة 2005، والتي قاطعتها جزئيا شرائح مهمة من العراقيين (خاصة من الأقلية السنية والتيار الصدري). وبعبارة أخرى، الأمل الكبير الآن هو تساهم هذه الانتخابات في حسم الخلافات السياسية بطريقة ديمقراطية بدل العنف كما كان الحال وللأسف عقب انتخابات 2005.
سويس إنفو: تحسن الوضع الأمني، منذ انتخابات 2005، مكّن المرشحين لهذا الاقتراع، لأول مرة من وضع أسمائهم على قوائم انتخابية، ووضع صورهم الشخصية على ملصقات دعائية لمن أراد. ما هو تحليلك للوضع الأمني الحالي في العراق؟
مارتين إيشباخر: الوضع الأمني الآن أفضل مما كان عليه قبل سنة. وهو ما لاحظته عندما زرت العراق في شهر نوفمبر الماضي. وعمليا تراجعت أعمال العنف (بطابعها الإجرامي أو السياسي) تراجعا ملموسا، خاصة العنف الطائفي. (لكن الخطر لازال قائما). التحدي على المستوى الأمني في الشهر الجاري أخف بكثير مما كان عليه سنة 2005، عندما وُجّهت تهديدات بالقتل إلى الناخبين وعائلات، إذا هم شاركوا في الاقتراع. لكن الجميع يتذكّر أنه برغم تردي الوضع الأمني آنذاك، وبرغم التهديدات جرت الانتخابات، من دون أحداث أمنية ملفتة للنظر، وهو أمر لم يتصوره أحدا. ومن هنا، فالأمل كبير في أن تجري الانتخابات الحالية في أوضاع عادية من دون إخلال أمني. ومما يبعث على الأمل، هو انه على خلاف سنة 2005، تحظى الانتخابات الحالية بدعم كل الأحزاب السياسية وكل الفاعلين السياسيين (باستثناء أتباع القاعدة).
سويس إنفو: ماذا ينتظر الناخبون من هذه الانتخابات المحلية؟ ما هي ابرز انشغالاتهم؟
مارتين إيشباخر: استنادا إلى ما سمعته، وما قرأته، فإن آمال الناخبين والمرشحين كبيرة. فالمرشحون لهذه الانتخابات يعدون 14.400 من بينهم 3.900 إمراة يتنافسون على الفوز بما مجموعه 444 مقعدا في 14 محافظة من مجموع ثمانية عشر تشكل الوحدات الإدارية الرئيسية للبلاد. وبالمقارنة مع سنة 2005، يبدو التنافس خلال الحملة الانتخابية هذه السنة أشدّ، والمشاركة فيها أوسع. أما بالنسبة لما ينتظره الناخبون، فأتوقع أن يكون: تحسين الخدمات على المستوى المحلي، وتراجع أعمال العنف، ومكافحة الفساد. بالنسبة للأحزاب المشاركة: يطمح الفائزون بانتخابات 2005، الحفاظ على مكتسباتهم، في حين يأمل المشاركون الجدد في تحقيق المزيد من العدل والتوازن على مستوى تقاسم السلطة والنفوذ في البلاد.
سويس إنفو: هل من المرجح أن تسحب الولايات المتحدة قواتها من العراق في غضون 16 شهرا، كما أعلن الرئيس باراك أوباما خلال حملته الانتخابية؟
مارتين إيشباخر: الأولى أن توجه هذا السؤال إلى الامريكيين وليس إلى السويسريين. وإستنادا إلى الاتفاق الثنائي بين الولايات المتحدة والعراق، تنسحب القوات الأمريكية المحاربة من المدن العراقية منتصف سنة 2009، وتغادر العراق نهائيا بموفى 2011. وأعتقد ان الانسحاب سيتم تدريجيا في غضون 16 شهرا، في حده الأدنى، وفي 36 شهرا كما هو منصوص عليه في الاتفاق، مع الأخذ في الاعتبار طبعا تطورات الوضع الميداني.
سويس إنفو: صرح ريان كروكر، المبعوث الأمريكي السابق للعراق أن التقدم الذي تحقق “كبير وهائل”، لكن “لازال أمامنا مسافة يجب قطعها”. بالإضافة إلى إنجاح الإنتخابات الحالية والبرلمانية نهاية السنة، ما هي التحديات الأخرى التي لا تزال تواجه القادة العراقيين؟
مارتين إيشباخر: التحدي الأكبر هو الإبقاء على وحدة البلاد، والسعي إلى التوافقات المطلوبة لذلك. ويعني هذا عمليا، ومن بين أشياء أخرى، إعادة النظر في بنود الدستور، وتنفيذ قانون المحروقات، والتوافق حول ما يسمى “الأراضي” المتنازع عليها، وفي مقدمتها كركوك، وحل المليشيات، وبناء أجهزة أمنية بعيدا عن الطائفية، ومكافحة الفساد والبيروقراطية، وتحديد المعنى الحقيقي للامركزية وللنظام الفدرالي… وكما ترى القائمة طويلة حتى لو لم نذكر التحديات الاقتصادية والاجتماعية الجسيمة.
سويس إنفو: في لقاء أخير مع القناة الفضائية “العربية”، صرح الرئيس الأمريكي باراك اوباما: “رسالتي إلى العالم الإسلامي هي ان الامريكيين ليسوا اعداءً لكم، ولسنا معصومين من الخطأ”. ما هو التأثير الذي يمكن ان يتركه هذا الخطاب على الرأي العام في العراق؟
مارتين إيشباخر: قد أخيب ظنك: عندما كنت في العراق نهاية شهر نوفمبر الماضي 2008، تناقشت مع الكثير من العراقيين في العديد من القضايا. ولكن للمفاجأة، نادرا ما تم التطرق إلى الإنتخابات الامريكية. أعتقد أن عامة العراقيين يتميّزون بالواقعية، والبراغماتية، وأقل أوهاما حول الامريكيين مقارنة ببقية الشعوب. يعاني العراقيين من الكثير من المشاكل اليومية، ومرّوا بالعديد من الأزمات، مما جعلهم اكثر حذرا واكثر براغماتية في ما يطمحون إليه. واستنادا إلى ما سبق، أنا على يقين أن خطاب السيد أوباما وجد الإستحسان لدى العراقيين. وللعلم: نعم العراق جزء من العالم الإسلامي، لكن لا يجب ان ننسى أن في العراق اقلية مسيحية واسعة العدد. العالم الإسلامي عالم يتميّز بالتعدد تماما كما هو “العالم المسيحي”.
سويس إنفو: ما هي التغيرات المنتظرة في الإستراتيجية السويسرية تجاه العراق على المستوى الدبلوماسي والمساعدات الإنسانية؟
مارتين إيشباخر: سيظل التركيز لفترة منظورة على المساعدات الإنسانية، وربما نشاطا أوسع في مجالات كحقوق الإنسان، على مستوى صياغات الدستور، ومجالات أخرى. ومن الأكيد ان تكون هناك تدريجيا نشاطات أخرى مع تحسن الوضع الأمني.
سويس إنفو – أجرى الحوار عبر الهاتف سيمون برادلي
قررت الحكومة السويسرية في شهر سبتمبر 2008 رفع تمثيليتها الدبلوماسية في العراق من مجرد مكتب اتصال إلى سفارة. وكانت سويسرا قد أغلقت آخر سفارة لها ببغداد سنة 2001.
وفي ديسمبر 2008، عينت السيد مارتين إيشباخر سفيرا بالعراق. وكان هذا الاخير تولى مسؤولية مكتب الإتصال السويسري العراقي في الفترة المتراوحة بين 2003 و2006. ونظرا لإستمرار تردي الوضع الأمني في البلاد سيواصل السفير الجديد العمل من مكتبه بدمشق.
السيد مارتين يشغل خطة سفير في سوريا منذ نوفمبر 2007، عمل من قبل سفيرا في كل من القاهرة (1989-1992)، وطرابلس الغرب. وترأس كذلك قسم الشرق الأوسط بوزارة الخارجية السويسرية.
السيد إيشباخر خبير ومتخصص في شؤون العالم العربي، ويتقن جيدا اللغة العربية، تابع الدراسات الإسلامية والأدب العربي في جامعات برن (سويسرا) ودمشق وحلب (سوريا) ما بين 1975 و 1983.
بلغت الصادرات السويسرية إلى العراق مستواها الأعلى سنة 1982، بما قدره 680.4 مليون فرنك سويسري، في مقابل 38.4 مليون فقط سنة 2003.
خلال الثمانينات ، كانت أهم المنتجات السويسرية المصدرة للعراق تتمثل في الأجهزة الإلكترونية، والأجهزة الضوئية وصناعة الفولاذ، والأدوية والمنتجات الكيميائية.
وبحسب كتابة الدولة للشؤون الإقتصادية، من مزايا سويسرا على مستوى السوق العراقية جودة البضائع السويسرية، والدعم الذي تجده الصادرات من الحكومة والمؤسسات المالية.
لازال الوضع الإنساني في العراق بعد إثني عشر سنة من الحصار، وثلاثة حروب مدمّرة، وست سنوات تحت الإحتلال، متدهورا جدا. يضاف إلى ذلك فرار 4 ملايين من السكان إلى البلدان المجاورة، وإلى الملاجئ في البلدان الأوروبية، بحثا عن الامن وهروبا من النزاعات المسلحة. ويوجد في سويسرا لوحدها يزيد عن 5000 لاجئ عراقي.
ومنذ 2003، تموّل الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون برامج دعم ومساعدة لضحايا النزاعات في العراق، خاصة في المجال الصحي وفي مجال التزوّد بالمياه الصالحة للشرب.
وفي سنة 2008 بلغ مجمل المساعدات السويسرية للعراقيين، 3.3 مليون فرنك سويسري. وتنفذ الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون خططها في العراق من خلال العمل بشراكة مع جمعيات الصليب الأحمر، ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالامم المتحدة، وبرنامج الأمم المتحدة لشؤون البيئة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.