“السلطات السويسرية عازمة على إعادة الأموال المنهوبة إلى أصحابها الشرعيين”
في سياق المساعي الجارية لتسريع الإجراءات الرامية إلى إعادة الأموال المنهوبة، وخاصة إلى البلدان التي شهدت ثورات الربيع العربي، نظّمت وزارة الخارجية السويسرية يوميْ 23 و24 يناير 2012 منتدى دوليا حضره خبراء من البلدان والساحات المالية المعنية.
وتؤكد الجهات الرسمية في سويسرا أن مساعي إعادة الودائع المنهوبة الموجودة في مؤسساتها المالية إلى أصحابها الشرعيين تمثل واحدة من الركائز الأساسية لسياسة البلاد الخارجية الرامية إلى حماية ساحتها المالية، ومكافحة الجريمة المالية على الساحة الدولية، والحفاظ على صورتها الناصعة في الخارج.
وفي السنوات الأخيرة، أعادت سويسرا مبالغ مالية هامة تجاوزت 1.7 مليار فرنك إلى البلدان التي نهبت منها تلك الودائع، مما جعلها تحتل المرتبة الأولى عالميا في هذا المجال، على الرغم من أن ساحتها المالية تأتي في الدرجة السابعة من حيث الأهمية على الصعيد الدولي.
وللوقوف على آخر التطوّرات بشأن ملف الأموال المنهوبة من طرف الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، والرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك، والحاشية والمقربين منهما، اتصلت swissinfo.ch بالسفير فالنتان زيللفيغر، مدير قسم القانون الدولي بوزارة الخارجية السويسرية، ورئيس الدورة الأخيرة للمنتدى الدولي الذي احتضنته مدينة لوزان، وأجرت معه الحوار التالي:
swissinfo.ch: أشاد التونسيون والمصريون في العام الماضي، بالمبادرة التي اتخذتها سويسرا والمتمثلة في تجميد الأصول المالية التي تعود بالنظر إلى رئيسهما السابقيْن وللمقربين منهما. لكن إلى حد الآن، هذه الاموال لم تُعد إلى البلديْن. ما هي العوائق التي تمنع إعادة هذه الاموال؟
فالنتان زيللفيغر: ما تأكّد لي من خلال لقاء لوزان هو أن سويسرا كانت أوّل بلد، بل البلد الوحيد الذي قبل بطلب التعاون القضائي الصادر عن تونس. ونحن الآن بصدد الإستجابة لهذا الطلب. وهكذا، وبعد عام من الثورة التونسية انطلقت الإجراءات وباتت تعمل بقوة وبفعالية، وبالتوازي بدأت إجراءات قضائية في سويسرا، وبناءً على نتائجها نأمل أن يتسنى لنا في المستقبل إعادة الودائع المالية التي يثبت أن مصدرها غير مشروع.
ندرك جيّدا أن هذا النوع من الإجراءات قد يستغرق بعض الوقت، وهو وقت قد يصل إلى بضع سنوات، لأنها اجراءات تمر حتما عبر المحاكم، ولا يجب أن ننسى أن الطرف الآخر في هذه القضية ( محامو بن علي والمقرّبين منه) بإمكانهم الإعتراض قانونيا على أي قرار سوف نتخذه. إذن علينا الإلتزام بمعايير وضوابط دولة القانون في البلديْن (في تونس كما في سويسرا). احترام دولة القانون يتطلب بعض الوقت، لكنه يمّكننا في النهاية من اتخاذ قرارات قابلة للتنفيذ.
هذا بالنسبة بالنسبة للأموال التونسية، فماذا عن أموال حسني مبارك وشركائه؟
فالنتان زيللفيغر: نتّبع – في ما يتعلّق بمصر- نفس الخطوات التي بدأناها مع تونس، وإذا كنا بالنسبة لهذه الأخيرة في طور الإستجابة لطلب التعاون القضائي. فقد توصلنا حتى الآن من الجهات المصرية بمطلبيْن، وننتظر أن تكون هناك مطالب اخرى. نحن نحرز تقدما خطوة بخطوة، ولدينا اتصالات وثيقة جدا مع البلديْن، وقد حضر لقاء لوزان الذي انعقد يومي 23 و24 يناير (أنظر النص المُرفق على الشمال) ممثلون عن البلديْن واتفقنا على الإلتقاء مرة أخرى لتقييم الخطوات التي اتخذت حتى الآن، وما الذي يجب علينا فعله لتسريع هذه الإجراءات للوصول على قرار بإعادة هذه الاموال، لأن هذا هو الهدف الاخير والمشترك بين جميع الأطراف.
كيف تردون على الذين يقولون أن ما يعرقل إعادة الاموال المنهوبة هو تمسّك سويسرا بالسرية المصرفية، وخشيتها من ان تؤدي استجابتها للمطالب التونسية والمصرية إلى خلق سابقة، وهو امر تتجنّب سويسرا حصوله؟
فالنتان زيللفيغر: هذا خاطئ تماما، ولا يمكن تصوّر خطإ أفدح منه. إن السرية المصرفية لا تمنع بأي وجه من الوجوه القضاء السويسري من تقديم الدعم القضائي الذي يطلبه أي بلد ارتكبت على أراضيه أعمال إجرامية. إذن ليس هناك أي سرية مصرفية عندما يتعلّق الأمر بأعمال إجرامية ومنها السرقة والإحتيال، والفساد.
وثانيا ليس لدى سويسرا أي خشية من أن تؤدي معالجة هذه الملفات إلى خلق سابقة قانونية، وعلى العكس تماما، فسويسرا هي أوّل بلد في العالم أعاد أكبر مبلغ ماليّ من الأموال المنهوبة خلال السنوات الأخيرة، رغم أن ساحتها المالية لا تحتل إلا المرتبة السابعة، لكنها هي البلد الرائد في مجال إعادة الأموال المسروقة. وتعترف المنظمات الدولية لسويسرا بهذه الريادة.
طلبت سويسرا من تونس ومصر تقديم الإثباتات والحجج التي تؤكّد المصدر الإجرامي لودائع المسؤولين السابقين في البلديْن في المصارف السويسرية. لماذا لا نقلب المعادلة: لماذا لا تطلب سويسرا من أصحاب هذه الودائع تقديم الادلة على أن هذه الودائع ليست مسروقة أو منهوبة؟
فالنتان زيللفيغر: لا تكتف سويسرا بالتعاون الثنائي في المجال القضائي، بل فتحت تحقيقا قضائيا من جانبها وعلى أراضيها، وسيصبح المتهمون مجبرين على إثبات أن الأموال التي بحوزتهم تأتي من مصدر مشروع. هذا ما نحن بصدد فعله الآن. لكن، انتبهوا سويسرا هي البلد الوحيد في العالم الذي أقدم على اتخاذ هذه الخطوة، وكلّنا يعلم أن الأموال التي بحوزة القادة السابقين في بلدان ثورات الربيع العربي لم تكن سويسرا المكان المفضّل لإيداعها، بل هي موجودة بأقدار أكبر في بلدان أخرى، وسويسرا هي البلد الوحيد الذي اتخذ خطوات فعالة وجادة في هذا الإطار لتسريع عمليات التحقيق الجارية، وبالتالي الوصول بسرعة لرد هذه الاموال. هذا دليل على رغبتنا الصادقة في معالجة هذه القضية، فهل البلدان الأخرى تقوم بما تقوم به سويسرا؟ ولماذا لا يسلّط الإهتمام عليها؟. لقد أقرّ مسؤولون من تونس بان بلدنا هي أكثر البلدان تعاونا في هذا المجال.
يبدو أن الرأي العام في البلدان التي نهبت أموالها على يد مسؤوليها السابقين ليس مقتنعا بالمبالغ التي أعلنت سويسرا تجميدها (60 مليون فرنك بالنسبة لتونس، و410 مليون بالنسبة لمصر). لماذا لا توسعوا تحقيقاتكم لتشمل الحسابات المرقّمة (لا تُكشف هوية صاحبها للعموم)، والشركات الوهمية؟
فالنتان زيللفيغر: نتحدث كثيرا عن الشركات الوهمية، وننسى أن سويسرا قامت بتحديد الحسابات التي تعود ملكيتها إلى المقرّبين من زين العابدين بن علي، وإذا كانت هناك إدارات اعمال أخرى لم نتوصّل إلى التعرّف عليها، فهذا يعني أننا لا ندري إن كانت موجودة أصلا ام لا.
يجب ان يعلم الجميع أن مسألة الشركات الوهمية لا تخص سويسرا فقط، وهي منتشرة في العالم أجمع، وربمّا تكون أقلّ انتشارا في سويسرا، وهو ما تؤكدة دراسة صدرت اخيرا عن البنك الدولي، ذلك لأن القانون السويسري في المجال المالي لا يلزم المصارف بالتعرّف عن هوية الشخص الذي طالب بفتح حساب مصرفي فحسب، بل يُلزمها أيضا بالتعرّف على هويّة الجهة المالكة الحقيقية للودائع. ووفقا لما سبق، فنحن لدينا ثقة بأنه لا توجد مبالغ مالية كبرى لم يقع العثور أو التعرّف عليها.
ما دام الأمر لا يخص سويسرا فقط، كيف يمكن لمؤسسات الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي المساعدة في محاربة ظاهرة الأموال المنهوبة؟
فالنتان زيللفيغر: هذه مشكلة دولية لا تخص بلدا دون غيره. الشركات الوهمية ظاهرة تشهد نموا وتوسّعا، وباتت مثار اهتمام كبير في العلاقات الدولية، ولذلك خصها البنك الدولي هذا العام بدراسة، والكثير من البلدان بصدد التفكير في ما يجب فعله لمحاربة هذه الظاهرة.
لو نعود إلى محادثات لوزان، ما هي أبرز الإجراءات التي تم اقتراحها لتسريع عملية استرداد الأموال المنهوبة في تونس ومصر؟
فالنتان زيللفيغر: من هذه الإجراءات، إرسال خبراء لمساعدة البلدان المعنية (تونس ومصر خاصة) في التحقيقات التي تجريها. فعلى سبيل المثال أرسلت سويسرا خبيرا في الشؤون المالية إلى تونس لكي يضع خبرته رهن طلب هذا البلد الذي سوف يستعين به (في إعداد الملفات وتوفير الحجج والبراهين) في التحقيقات التي يجريها القضاء السويسري، وقد رأى المشتركون في ندوة لوزان أن هذه التجربة مفيدة.
ما هي رسالتكم إلى الرأي العام العربي، خاصة في تونس ومصر، بشأن موضوع الأموال المنهوبة خصوصا؟
فالنتان زيللفيغر: نريد أن نؤكد لهم أن الشعب السويسري قد تابع عن قرب مسار ثورتيْ شعبيْهما، وساندهما وانتصر إليهما، وأن السلطات السويسرية عازمة على إعادة الودائع المنهوبة في أقرب الآجال وبأسرع ما يُمكن مع احترام الإجراءات القانونية.
احتضنت مدينة لوزان لقاءً يومي 23 و24 يناير 2012 بدعوة من وزارة الخارجية السويسرية حضره خبراء دوليون وتركزت المحادثات خلال هذا اللقاء على قضية إعادة الأموال المنهوبة من طرف الشخصيات العامة الدولية إلى أصحابها، وتحديدا الأرصدة التي توجد بحوزة القادة العرب السابقين الذين اطاحت بهم ثورات الربيع العربي خلال عام 2011.
تعتبر سويسرا أن إعادة هذه الأرصدة إلى أصحابها الشرعيين إجراء رئيسي لحماية ساحتها المالية، وخطوة لابد منها لمكافحة الجرائم المالية على المستوى الدولي.
خلال عام 2011، كانت سويسرا أوّل بلد يبادر إلى تجميد الأرصدة التي هي على ذمّة زين العابدين بن علي، ومحمد حسني مبارك، والمقربين منهما، وتريد سويسرا اليوم أن تعيد تلك الأرصدة من خلال آليات التعاون القضائي مع الحكومتيْن التونسية والمصرية.
هدفت الدورة السابعة من “مسار لوزان” الذي انطلق في الواقع منذ عام 2001 إلى استخلاص الدروس الأولى من الجهود التي بذلت إلى حد الآن، ورصد الخطوات التي يجب اتخاذها في هذا المضمار في المستقبل، وتعزيز وتمتين التعاون بين جميع الأطراف المعنية بهذا الملف الحساس.
تونس: 60 مليون فرنك سويسري
مصر: 410 مليون فرنك سويسري
ليبيا: 650 مليون فرنك سويسري
سوريا: 45 مليون فرنك سويسري
يقدر البنك الدولي أن حجم الأموال العمومية المهربة من الدول النامية لوحدها يتراوح سنويا ما بين 20 و 40 مليار دولار أمريكي.
يمثل هذا المبلغ ما بين 20% و 40% من قيمة المساعدات من أجل التنمية على المستوى العالمي.
هناك أكثر من 27 تعريف للشخصيات “المُعرّضة سياسيا”، أي الشخصيات التي تتولى مناصب قد تستغلها بطريقة أو بأخرى لتهريب الأموال العامة.
يتراوح حجم الأموال المنهوبة التي تمت استعادتها إلى حد اليوم في العالم حسب تقديرات البنك العالمي ما بين 4 و 5 مليار دولار أمريكي.
تشكل المبالغ التي أعادتها سويسرا إلى البلدان المعنية في السنوات الأخيرة ثلث الأموال المستعادة في العالم أي زهاء 1،7 مليار فرنك سويسري.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.