“السلطات السويسرية لا تفهم الإرهاب جيّـدا”
برّأت المحكمة الجنائية الفدرالية سبعة مسلمين اتُّـهموا بإقامة علاقات مع تنظيم القاعدة، هذا الحكم لا يُـثير اندهاش الخبير في شؤون الإرهاب جاك بو.
في حديث خاص مع سويس انفو، اعتبر بو أن سويسرا والبلدان الغربية الأخرى تجد صعوبة في فهم الإرهاب الأصولي وفي الإحاطة بملامح شبكة القاعدة.
بعد طول انتظار، تمخّـض جبل أول محاكمة في سويسرا لأشخاص يـُشتبه بدعمهم لتنظيم القاعدة.. فولد فأرا. فقد أصدرت المحكمة الجنائية الفدرالية في بلّـينزونا، جنوب سويسرا، يوم 28 فبراير 2007 قرارا بتبرئة المتّـهمين السبعة (خمسة يمنيين وعراقي وصومالي)، واكتفت بتسليط عقوبات خفيفة على ستة من المتهمين، أدينوا بانتهاك القانون الفدرالي حول إقامة واستقرار الأجانب، تمثلت في غرامات مالية وعقوبات بالسجن المؤجّـل، تتراوح ما بين 8 و11 شهرا.
المحكمة، التي ترأسها المدعي العام السابق لكانتون جنيف بيرنار بيرتوسا، قررت أيضا منح تعويضات للمتهمين السبعة، تتراوح ما بين 9000 و93 ألف فرنك عن الفترة التي قضوها في الإيقاف التحفّـظي (زادت عن العام بالنسبة للبعض). من جهة أخرى، سيتوجّـب على السلطات الكنفدرالية التكفـّل بمصاريف المحامين، التي تصل بنسبة لبعض المتهمين إلى أكثر من 100 ألف فرنك.
للتعليق على أبعاد هذا القرار، استجوبت سويس انفو جاك بو، الخبير في شؤون الإرهاب ومؤلّـف العديد من الكتب حول الموضوع.
سويس انفو: ما هو تحليلكم لهذا الحكم؟
جاك بو: إنه لا يفاجئني، وهذا لعدة أسباب. إن مفهوم القاعدة لا زال غامضا جدا في أذهان كثير من الناس، وفي الواقع، من الصعب تحديد ملامح التهديد وبالتالي، معرفة ما الذي نبحث عنه، وهذه التبرئة تعكِـس بطريقة ما الشكوك المحيطة بهذا التهديد”.
سويس انفو: هل يعني هذا أن الاتهامات التي وجّـهها المدعي العام للكنفدرالية لم يكن لها أي أساس؟
جاك بو: دون معرفة تفاصيل الاتهامات، لا يمكن لي أن أدلي برأيي حول الأسس التي استندت إليها. في المقابل، أستنتج أن غياب تعريف دقيق للقاعدة وللشبكة المرتبطة بها، يدفع إلى الاشتباه في أنشطة تكون عادية في معظم الأحيان.
لنأخذ مثلا إرساليات المبالغ المالية إلى عناوين لا يمكن التعرف عليها بسهولة. هذا الأمر يُـعطي الانطباع بوجود نشاط إجرامي، في حين أن الناس في جميع أنحاء الشرق الأوسط يبعثون لبعضهم البعض بالأموال عن طريق “الحوالة”، وهو أسلوب قديم جدا وغامض بالنسبة لأشخاص غربيين.
سويس انفو: هل تفسِّـر قلّـة المعرفة هذه بالعالم العربي والإسلامي، أن العديد من القضايا التي رفِـعت ضدّ إرهابيين محتملين تنتهي بالتبرئة أو بعدم سماع الدعوى؟
جاك بو: بالفعل. يجب الإشارة أيضا إلى الحساسية الهائلة التي تطورت تجاه كل ما يمكن أن يُـشبه أشكالا للتشدد، وخاصة ضمن الديانة الإسلامية. في المقابل، ليس كل الأصوليين المسلمين ولا كل الإسلاميين إرهابيين، نسبة ضئيلة منهم ينطبق عليها هذا الوصف.
إضافة إلى ذلك، لقد قامت الولايات المتحدة بكل شيء، وخاصة منذ عام 2001، لإقناعنا بأن التهديد الإرهابي كان موجّـها ضد الغرب، في حين أن العمليات الإرهابية الرئيسية، التي جدّت ما بين 1991 و2001، كانت موجّـهة ضد الأمريكيين فقط، وبعد 11 سبتمبر 2001، ضد الأمريكيين وحلفائهم في الحرب في أفغانستان والعراق.
إذن، ليس هناك حرب ضد الغرب، ولكن حرب بين الولايات المتحدة والإسلاميين، حتى ولو تحركوا في أوروبا أيضا.
في الواقع، توصلت الولايات المتحدة بسرعة كبيرة إلى أنها تحتاج للتعاون الدولي لإفشال عمليات إرهابية وللحصول على تعاون أفضل، دفعوا بالحجّـة القائلة بأن الأمر يتعلق بتهديد ضد الغرب. من هنا، جاءت مخاوف البلدان الأوروبية من أن تُـستعمل أراضيها لإعداد وتنفيذ هجمات إرهابية. هذه المخاوف لا تتأتّـى من مجرد ذُهان هذَياني (Paranoia)، نظرا لأن شركات أو مصالح أمريكية موجودة أيضا عندنا.
إنه من الطبيعي إذن أن نكون قد طوّرنا في سويسرا يقظة خاصة بوجه هذا التهديد فوق أراضينا، وحتى لو أن سويسرا وأراضيها ليست مستهدفة، فمن الطبيعي أيضا العمل لمنع استعمال بلدنا للإعداد لهجوم وملاحقة القائمين باستعدادات من هذا القبيل.
سويس انفو: برأيك إذن، يجب على السلطات القضائية والأمنية لسويسرا تغيير رؤيتها تجاه الإرهاب الأصولي؟
جاك بو: بلا شك. إن الشرطة، من خلال مراقبة مشبوهين وبإيقافهم أحيانا، تقوم بعملها، لكن التغييرات يجب أن تتم على مستوى الفهم. إن الأمر يتعلق بالفعل بوضع سياسة منسجمة تجاه الإرهاب انطلاقا من أسبابه، لكن هذه الآليات لا زالت غير مفهومة بشكل جيّـد من طرف السلطات السويسرية.
أجرى الحديث في جنيف فريديريك بورنان
(ترجمه من الفرنسية وعالجه كمال الضيف)
في سويسرا، افتتحت خمس تحقيقات ضد أشخاص يُـشتبه في ارتباطهم بالقاعدة. أما محاكمة الأشخاص السبعة، التي جرت مؤخرا في لوغانو، فهي تمثل أول قضية تتعلق بالإرهاب تنظر فيها المحكمة الجنائية الفدرالية.
في الوقت الحاضر، لا زالت قضيتان (من بين الخمس) محل نظر قضاة تحقيق فدراليين.
تتعلق القضية الأولى بخلية إرهابية محتملة تمّ تفكيكها في شهر يونيو 2006. يُـشتبه في أن أعضاءها حاولوا التخطيط بهجوم ضد شركة الخطوط الجوية الإسرائيلية “العال” في جنيف، وأنهم مورّطون في سلسلة من السرقات كان يتم تحويل محصولها إلى منظمات إرهابية. في هذه القضية، لا زال شخصان رهن الإيقاف التحفظي.
القضية الثانية تتعلق بتحويلات أموال مشتبه فيها لشخص سعودي كان الرئيس السابق لمؤسسة “موفّـق” الخيرية. المدعي العام للكنفدرالية قام بتجميد أكثر من 20 مليون دولار في مصرف في جنيف، أما الأشخاص المعنيون بهذه القضية، فهم في حالة سراح.
تتراوح أعمار المتهمين بين 24 و59 سنة، 5 منهم يحملون الجنسية اليمنية وعراقي وصومالي.
اشتملت لائحة الاتهام على 17 صفحة مخصصة للمتهم الرئيسي.
بلغت تكاليف القضية حتى الآن مليون و50 ألف فرنك سويسري.
(ترجمه من الفرنسية وعالجه: كمال الضيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.