مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“العفو الدولية” تتهم سويسرا بارتكاب انتهاكات في مجال حقوق الإنسان

Keystone

"العالم يواجه قنبلة موقوتة حقيقية"، يحذّر التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية الذي كشف عن مضمونه الأربعاء 27 مايو 2009 والذي يقدّم نظرة شاملة على أوضاع حقوق الإنسان على الساحة الدولية والتأثيرات السلبية للازمة الاقتصادية العالمية عليها.

وفي مورد إشارته إلى حصيلة سويسرا في مجال حقوق الإنسان، انتقد التقرير على غرار السنة الماضية ما اعتبره: “سوء معاملة للاجئين وتمييزا عنصريا ضد الأجانب”.

وشدد دانيال بولوماي، المسؤول بالفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية خلال ندوة صحفية قدم فيها التقرير في برن على ضرورة انتهاز فرصة الأزمة الاقتصادية الحالية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان.

وقال محذّرا من الانعكاسات السلبية لهذه الأزمة: “إذا كانت الحرب على الإرهاب قد أدت إلى التعامل بانتقائية مع حقوق الإنسان بدعوى حماية الأمن، فإن الخوف اليوم هو أن تؤدي الأزمة الاقتصادية إلى تمييعها وإضفاء النسبية على أحكامها”.

ولفت هذا المسؤول في الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية الأنظار إلى أن “الأوضاع الحالية الصعبة تخفي وراءها أزمة مستحكمة في مجال حقوق الإنسان”.

الكرامة لضحايا البؤس

التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية يشير إلى أنه مع تزايد أعداد الفقراء، تتفاقم انتهاكات حقوق الإنسان، ويزداد اضطهاد الحكومات ضد شعوبها التي ضاقت ذرعا من الحرمان والفاقة. ويذّكر التقرير في هذا السياق بالأحداث المؤلمة التي شهدتها منطقة الحوض المنجمي في تونس، والمظاهرات التي عمت الكامرون السنة الماضية وأودت بحياة العشرات من الأشخاص.

وارتباطا دائما بالأزمة الاقتصادية الحالية، رصدت منظمة العفو الدولية تزايدا ملفتا لمشاعر الكراهية وللتمييز العنصري في العديد من البلدان، وضربت مثلا على ذلك العشرات من المهاجرين الأفارقة الذين قتلوا في جنوب إفريقيا السنة الماضية.

هذا الوضع يستوجب بحسب السيد بولوماي “اعتماد ميثاق عالمي جديد لحقوق الإنسان، ينص صراحة على أهمية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، ويعتبرها جزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان”.

وفي هذا الاتجاه ايضا، أطلقت المنظمة حملة تحت شعار “المطالبة بالكرامة” ترتكز على أربع نقاط أساسية: الحقوق لقاطني مدن الصفيح (او الأحياء العشوائية على مشارف المدن الكبرى)، ومكافحة وفايات الأطفال، وتثبيت مسؤولية الشركات في حماية حقوق الإنسان الأساسية، وجعل هذه الحقوق ضمن الأهداف الإنمائية للألفية التي تسهر الأمم المتحدة على تحقيقها.

تمييز عنصري وسوء معاملة

بالنسبة لسويسرا، توصّل التقرير إلى أنه “بسبب قصور في التشريعات، فشل هذا البلد في توفير حماية فعالة ضد التمييز العنصري”، واستند في ذلك إلى خلاصة التحقيقات التي أجرتها سابقا “لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري”، التي أشارت في ختام تحقيقها إلى “افتقار سويسرا على المستويين الوطني والكانتوني إلى تشريعات كافية تحظر التمييز، أو اللجوء إلى التحري ذي الطابع العنصري على أيدي هيئات معنية بتنفيذ القانون”. كما أعربت تلك اللجنة عن قلقها “إزاء التمييز المستمر ضد فئات بعينها في مجالي الإسكان والتعليم”.

ولابد من الإشارة هنا أيضا إلى أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد دعا سويسرا خلال مراجعاته الدورية هذه السنة إلى “اتخاذ مزيد من الإجراءات ضد العنصرية وكراهية الأجانب”.

هذا الأمر يشغل كذلك “المنظمة السويسرية لمساعدة اللاجئين”، وسيكون هذا الفراغ التشريعي محور “يوم اللاجئ” الذي تنظمه في شهر يونيو من كل سنة هذه المؤسسة المعنية بشؤون اللاجئين، والتي تعتقد ان الخطوة الأولى في مكافحة التمييز ضدهم تبدأ بمحاربة الأفكار السلبية التي تروج حولهم، وفي هذا السياق أكد غولاي يان، الناطق بإسم هذه المنظمة في حديث إلى سويس إنفو أمر “إطلاقهم حملة ضد الأفكار السلبية الشائعة حول طالبي اللجوء، ومن هذه الافكار اتهامهم بالسلبية والخمول، والإتكال على المساعدات الإجتماعية، وانهم جميعا تجّار مخدرات”.

من ناحية ثانية، تشير منظمة العفو الدولية إلى استمرار ما تسميه “الإفراط في استخدام القوة على أيدي الموظفين المكلفين بتنفيذ القانون، وتقاعس الشرطة السويسرية في تقديم معلومات كافية عن أسباب اعتقال بعض الأشخاص، وعدم إبلاغ أهالي المعتقلين، بما في ذلك آباء المعتقلين القصّر عن مصير ذويهم”.

ويشير التقرير أيضا وبدون ذكر تفاصيل إلى “ممارسة واسعة النطاق للإحتجاز التعسّفي، وحرمان المحتجزين من الحصول على الطعام والماء في بعض الحالات”.

لكن العنصرية والتمييز في سويسرا على حد قول دنيس غراف المسؤولة عن ملف اللجوء بالفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية “ليسا نتيجة قصور في التشريعات فقط، بل تشجعها بعض التصريحات السياسية”، وفي هذا السياق تضيف السيدة غراف “نخشى أن يساء استخدام النقاش السياسي الذي سيتجدد في الأشهر القادمة حول مبادرة حظر المآذن لتغذية الكراهية والإسلامافوبيا”.

غير أن السيد يان الناطق بإسم المنظمة المدافعة عن حقوق اللاجئين لايشك في أن “مشكلة التمييز العنصري ضد اللاجئين والاجانب مثار إهتمام وقلق لدى السلطات أيضا”، وذكر بان “المكتب الفدرالي للهجرة سيشارك بفعالية في تظاهرة “يوم اللاجئ” المناهضة للعنصرية، إلى جانب قسم مكافحة العنصرية بوزارة الشؤون الداخلية أيضا”.

المشكلة بالنسبة للسيد غولاي يان لا تكمن في المؤسسات الحكومية بل “في طبيعة الخطاب السياسي الذي ترّوج له بعض الأطراف السياسية كحزب الشعب (يمين متشدد)، مما يشوه صورة اللاجئين، ويسمم الأجواء من حولهم”.

انتهاك لحقوق اللاجئين والمهاجرين

بالإضافة إلى كل ذلك، يتوقّف التقرير عند إقرار البرلمان السويسري في 18 مارس 2008 لتشريع يسمح للشرطة السويسرية باستعمال المسدس الصاعق في حالات محددة، من بينها عمليات الطرد القسري للأجانب.

وسبق أن قوبلت هذه الخطوة بانتقاد منظمة العفو الدولية في حينه، حيث اعتبرت موقف البرلمان “تصرفا غير مسؤول تماما”. وكان معارضو هذه الخطوة قد أثاروا حينئذ أيضا مخاطر هذا السلاح، وقدروا ضحاياه في العالم بالمئات، كما أن لجنة مختصة من لجان الامم المتحدة اعتبرته “شكلا من أشكال التعذيب”.

ويصبح الأمر أكثر خطورة عندما يتم تقنين ما تعتبره المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان انتهاكات للحقوق الإنسانية الأساسية، وبالنسبة لمنظمة العفو الدولية: “القوانين السويسرية التي تحجب المساعدات الطارئة عن المحتاجين، وتعتبر طالبي اللجوء الذين رُفضت مطالبهم من دون أن يكون بالإمكان إرجاعهم لبلدانهم، فئة خارجة عن القانون، وتمنع كل أجنبي لا يمتلك رخصة إقامة في البلاد من حق الزواج، والعمل، إنما تقود إلى تهميش هذه الفئات، وتحشرها في أوضاع مهينة، تفقد فيها أي أمل في المستقبل”.

هذه الإتهامات يرفضها مونتاني جوناس، الناطق الرسمي للمكتب الفدرالي للهجرة الذي يؤكد “حق طالبي اللجوء في العمل، ثلاثة اشهر فقط بعد حلولهم بالتراب السويسري، وحتى قبل حصولهم على صفة اللاجئ المعترف به”.ثم يضيف السيد جوناس: “اما اللاجئون الذين قبلت مطالبهم، فيمنحون رخص إقامة، ولهم الحق في العمل والإقامة، وبإمكان عائلاتهم الإلتحاق بهم”.ولا يقتصر هذا الأمر على اللاجئين المعترف بهم فقط، بل حتى بالنسبة للذين رفضت مطالبهم، لكن ليس بالإمكان إرجاعهم إلى بلدانهم لغياب الأمن أو انعدام الإستقرار فيها على حد عبارة المسؤول الحكومي.

كذلك يرفض الناطق الحكومي القول بان القواعد المنظمة لميدان الهجرة واللجوء تتسبب في تهميش الأجانب، ويرد على ذلك: “إذا كان الامر يتعلق بالمقيمين غير الشرعيين، فمن المنطقي ألا يكون بإمكانهم العمل، لأنه ليس لهم الحق في دخول التراب السويسري من الأصل، وهم في وضع غير قانوني”.

الخطاب الرسمي لايبدو مقنعا للمدافعين على حقوق الإنسان، فقد وجهت دنيس غراف المسؤولة عن ملف اللجوء بالفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية نداءً صريحا إلى الحكومة السويسرية تحثها فيه على “التوقف عن تنفيذ معايير مزدوجة في مجال حقوق الإنسان. فالحقوق الاجتماعية والسياسية والثقافية، هي كُـلّ لا يتجزأ، ويجب ان تتوفّر للجميع”، وتذكّرها بأن “التقسيم (على أساس الإنتماء الإجتماعي)، والإقصاء والتمييز، لا يمكن أن تكون المعاملة المثلى لأشخاص جاؤوا إلى سويسرا طالبين للحماية”.

عبد الحفيظ العبدلي – swissinfo.ch

الطلبات: خلال العام الماضي، تقدم 16606 شخص بطلب اللجوء إلى سويسرا، أي بزيادة 53,1% مقارنة مع عام 2007.

نهاية العام: ارتفع عدد طالبي اللجوء بنسبة 42% في الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2008 مقارنة مع الثلاثي الذي سبقها.

صدارة الترتيب: على غرار تصنيف عام 2007، تصدرت إريتريا قائمة طالبي اللجوء بـ 2849 طلبا.

تلاها: الصومال (2014) والعراق (1440) وصربيا وكوسوفو (1301) وسريلانكا (1262) ونيجيريا (988).

معدل منح اللجوء: في عام 2008، بلغت نسبة منح حق اللجوء في سويسرا 23%، أي بزيادة قاربت 20% عن العام السابق.

شهدت الأشهر الأولى من عام 2009، تغيرا طفيفا في النمط العام لاوضاع حقوق الإنسان في المنطقة العربية بسبب الأزمة الإقتصادية. وبدات السنة بتسجيل انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في قطاع غزة حيث قصفت الطائرات الحربية والمدفعية الإسرائيلية القطاع من دون تمييز بين اهداف مدنية وأخرى عسكرية.وقتل بسبب تلك الغارات نحو 1400 فلسطيني.

وفي البحرين، تبيّن ان مجموعة من الشباب الذين قبض عليهم في اواخر سنة 2008، قد تعرضوا لللتعذيب أثناء احتجازهم على يد مسؤولين أمنيين.

وفي المملكة المغربية، ذكر احد الذين كانوا معتقلين بغوانتنامو رواية مفصلة لافعال التعذيب وإساءة المعاملة التي يقول انه كابدها أثناء خضوعه للتحقيق والإستجواب في سجن سري هناك.

وفي الجزائر، يبدو أن ظاهرة الإفلات من العقاب قد استحكمت. وافلت من العقاب الأشخاص الذين ارتكبوا أعمال مخالفة للقانون في التسعينات، زمن الصراع الأهلي الذي أودى بحياة المئات من الآلاف، ويحال دون الاشخاص الذين يصرون على التوصل إلى حقيقة ما جرى، أو إدانة أعوان رسميين.

وفي مصر ، قامت السلطات هناك باعتقال المعارضين، ومحاكمتهم كأنصار “كفاية” أو “الإخوان المسلمين” في مصر، وكذلك تم اعتقال أشخاص حاولوا التظاهر دعما لسكان غزّة الذين كانوا يتعرضون للقصف والحصار.

وفي سوريا، سجن ناشطون مدافعون عن حقوق الإنسان، وكذلك مدوّنون وكتاب.وما برحت حالة الطوارئ السارية في البلاد منذ 1963، تمنح قوات الامن سلطات مطلقة في الإعتقال والإحتجاز، وسوء المعاملة.

وفي تونس، ألقي القبض على العديد من المعارضين، وعلى مئات الأشخاص على إثر مظاهرات عمت منطقة الحوض المنجمي بالجنوب الغربي للبلاد، وذلك احتجاجا على أوضاع البطالة والفقر، وارتفاع تكاليف المعيشة.

وفي ليبيا، استمرت انتهاكات حقوق الإنسان، وظلت حرية التعبير وحرية الإجتماع وتكوين الأحزاب تخضع لقيود مشددة، ولا تزال التركة الماضية في مجال حقوق الإنسان في انتظار التسوية كحادثة سجن أبي سليم.

في المقابل، حصلت المرأة على مزيد من الحرية في المملكة العربية السعودية، وتم لأوّل مرة تسمية إمرأة برتبة وزيرة، وشهدت الكويت انتخابات برلمانية حازت على المصداقية الدولية، وحصل العمال الاجانب في بلدان خليجية على بعض الإمتيازات على مستوى القواعد المنظمة للإقامة والعمل.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية