مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المساعدات الاجتماعية بين مطلب الشفافية وتوظيف الساسة

Keystone

قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الفدرالية، أجج حزب الشعب السويسري الجدل حول الانتهاكات في مجال المساعدات الإجتماعية، داعيا إلى تسهيل تبادل المعلومات بين الجهات المختصة، وإلى طرد المتحايلين على المؤسسات الاجتماعية من البلاد.

ووجد هذا النقاش أرضية أكثر خصوبة في المناطق السويسرية المتحدثة بالألمانية التي يحظى فيها الحزب بشعبية أوسع، كما غذى جدلا متناميا حول حماية المعطيات.

عادت مُحاربة التحايل على نظام المساعدات الاجتماعية في الكنفدرالية إلى واجهة الأحداث في الآونة الأخيرة بعدما أطلق فرع حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) في زيورخ الشهر الماضي مبادرة تهدف إلى جعل تبادل المعلومات بين السلطات المعنية أمرا إجباريا لدى استنتاج مخالفات في هذا المجال، وبعدما دعت المبادرة الشعبية التي أطلقها التمثيل الوطني لنفس الحزب في نفس الشهر إلى طرد الأجانب الذين يتقاضون المعونات الاجتماعية من دون وجه حق من التراب السويسري.

وقد كان شهر يوليو الماضي غنيا بالبرامج التلفزيونية والإذاعية والمقالات الصحفية حول هذا الموضوع خاصة في المناطق السويسرية المتحدثة بالألمانية حيث يحظى حزب الشعب بحضور أقوى وشعبية أوسع. وكشفت وسائل الإعلام في هذه الجهة عن حالات بعض الأجانب الذين يستفيدون من المساعدات الإجتماعية في حين يتاجرون بالمخدرات، ويمتلكون سيارات فاخرة من نوع “ليموزين” أو “بي إيم دوبل في”. مما يثير بالتأكيد صدمة المواطنين، وخاصة دافعي الضرائب الذين يرفضون بطبيعة الحال المساهمة في رفـاهية المُحتالين على نظام التضامن الاجتماعي.

توقيت تفجـّر هذا الجدل لا يخلو من أهمية، فهو جاء قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الفدرالية التي ستشهدها البلاد في 21 أكتوبر القادم. وقد أثبت حزب الشعب السويسري منذ فوزه بالانتخابات الفدرالية الأخيرة عام 2003 أنه يتقن اختيار القضايا التي تحرك الناخبين ويتفنـّن في استقطاب الأصوات الحائرة.

حماية المعطيات في الميزان

مطالبة فرع حزب الشعب في كانتون زيورخ بضرورة تسهيل تبادل المعلومات بين الجهات والسلطات المعنية بالمساعدات الاجتماعية في حال استنتاج مخالفات طرح من جديد مسألة حماية المعطيات، ووضع مكاتب الخدمات الاجتماعية تحت ضغط أقوى نظرا لتكاثر الحديث في وسائل الإعلام عن حالات التحايل والاستغلال.

وينحصر حاليا تبادل المعلومات في حالات محددة في كانتون زيورخ، وفقا لـقانونه حول حماية المعطيات. وقد أعرب السيد بيدا هارْب، نائب مسؤول حماية المعطيات في الكانتون، في تصريحات لصحيفة “لوتون” الصادرة في جنيف (عدد 31 يوليو الماضي) عن وجوب التحلي بالحذر أمام مقترح حزب الشعب إذ قال: “في مجال المساعدات الإجتماعية، ما يهم فقط هو الوضع الاقتصادي للشخص، ويجب بالتالي التحلي بالحذر فيما يخص المعلومات المتبادلة والأقسام التي يتم تبادل المعلومات بينها، خاصة وأنها ممكنة بعدُ في حالات خاصة تقتضي ذلك”.

ونوه السيد هارْب إلى أنه يمكن للخدمات الاجتماعية في زيورخ، في حال الضرورة، الحصول على معلومات حول المعطيات الضريبية للمستفيد من المساعدات الاجتماعية، مضيفا في المقابل أن هذا “الموضوع حساس لأن الأمر يتعلق بمعطيات شخصية يجب حمايتها”.

من جهته، أوضح رئيس مجموعة حزب الشعب في زيورخ ألفريد هير، في تصريحات لنفس الصحيفة، أن المقترح يهدف إلى المساهمة في كبح جماح حالات الاستغلال “الناجمة عن سياسة يسار تسامحية خلال سنوات عديدة”، على حد قوله.

لكن اليسار، رد في نفس المقال، على لسان نائب الحزب الاشتراكي وأستاذ القانون الجنائي دانييل جوزيتش “نحن نوافق في حزبنا أيضا على إدانة أي شكل من سوء الاستغلال، وعلى إعادة النظر في تبادل المعلومات عندما تـُكشف هذه الحالات. لكن يجب أن نتذكر أنه مهما كان النظام، يظل سوء الاستغلال موجودا. ويتعين بعد ذلك إدارة المعلومات بحذر وعدم وصم بعض الأشخاص (بالتحايل)”.

المزيد

المزيد

حزب الشعب السويسري

تم نشر هذا المحتوى على يقف حزب الشعب السويسري على يمين الخارطة السياسية السويسرية. ظهر للوجود في عام 1971 إثر اندماج حزبين مدافعين عن مصالح المزارعين والحرفيين، ثم شهد نموا كبيرا من بداية التسعينات. تحوّل حزب الشعب السويسري، الذي يدعو إلى انتهاج سياسة اقتصادية ليبرالية وإلى تعاون محدود مع الاتحاد الأوروبي وإلى ممارسة المزيد من التشدد تجاه الأجانب واللاجئين، إلى…

طالع المزيدحزب الشعب السويسري

الشرطة تؤيد المقترح

من ناحيته، أيد وزير الشؤون الاجتماعية في الحكومة المحلية لكانتون فو، الاشتراكي بيير ايف مايار، في تصريح لإذاعة سويسرا الروماندية الأولى (الناطقة بالفرنسية) يوم الأحد 29 يوليو، مقترح تحسين تبادل المعلومات بين المكاتب الإدارية لضمان قدر أكبر من الصرامة إزاء المتحايلين على نظام المساعدات الاجتماعية. أما السيد كريستوف داربولي، رئيس الديمقراطيين المسيحيين (وسط يمين)، فيُشجع “تصورا براغماتيا” لا يجب أن “يتجاهل الحقائق”، قائلا في هذا السياق “إذا وضع حزب الشعب الأصبع على إشكالية ما، فيحب على الأحزاب التقليدية التفكير في الحلول، وعدم نسيان محاربة الانتهاكات في ميادين أخرى، مثل العمل الأسود”.

وكانت الرابطة السويسرية لموظفي الشرطة قد طالبت برفع حماية المعطيات للتمكن من إبلاغ مؤسسات المساعدات الإجتماعية لدى الاشتباه بوجود حالات تحايل، إذ أوضح رئيس الرابطة هاينز بوتاور، في تصريح للإذاعة السويسرية الناطقة بالألمانية يوم 27 يوليو الماضي، أنه لا يحق للشرطة في الوقت الحالي إرسال معلومات لمكاتب المساعدات الاجتماعية بسبب حماية المعطيات، إذ يتعين على موظفي الشرطة كتمان المعلومات لدى استنتاج حالات الغش. وأشار رئيس الرابطة إلى غياب قواعد قانونية لإحالة مثل هذه البلاغات إلى الجهات المعنية، مؤكدا أن الشرطة تشعر بالإحباط من هذا الوضع، خاصة وأن هنالك عددا هاما من الأشخاص المتورطين في المتـاجرة بالمخدرات ضمن المستفيدين من المساعدات الاجتماعية.

نفس مطلب تخفيف حماية المعطيات جاء على لسان فالتر شميد، رئيس المؤتمر السويسري لمؤسسات العمل الاجتماعي في حوار نشرته سونتاغس تسايتونغ الصادرة في زيورخ (عدد 29 يوليو الماضي)، إذ شدد على ضرورة تمكن مكاتب الخدمات الاجتماعية من الحصول بسهولة أكبر على المعطيات الضريبية للتدقيق في الحالة المادية للمستفيدين وأقاربهم، مؤكدا أن عددا من الإدارات الضريبية تُعقد الإطلاع على هذه المعلومات.

يبحثون عن “كبش فداء”؟

ولم يبد رئيس المفتشين السويسريين لحماية المعطيات، برونو باريسفيل، ترددا حول إحداث تغيير في ممارسات تبادل المعلومات، غير أنه شدد على ضرورة تحديد المعلومات التي ستنتقل من مكتب إلى آخر بشكل واضح، واشترط وجود صلة مباشرة مع الحالة التي تخضع للتدقيق. وأضاف السيد باريسفيل في تصريحاته لوكالة الأنباء السويسرية أن “الرفع الجزئي لحماية المعطيات يظل ضمن صلاحيات سلطات الكانتونات”.

لكن المسؤول الفدرالي عن حماية المعطيات هانسبيتر تور، كان له رأي آخر، إذ أعرب عن قناعته بأن حماية المعطيات لا تشجع الانتهاكات في مجال المساعدات الاجتماعية وأن الشرطة والخدمات الاجتماعية تبحث عن “كبش فداء” لتحمله “تقصيرها” على حد تعبيره.

وأوضح السيد تور في حوار نشرته صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” الصادرة في زيورخ (عدد 2 أغسطس الجاري) أنه من واجب الشرطة توضيح الوضع والاتصال بمكاتب المساعدات الاجتماعية في حال الاشتباه بوقوع انتهاكات في هذا المجال، قائلا: “ليس هنالك أي قانون يعارض ذلك على مستوى حماية المعطيات”.

كما أشار إلى وجود معاهدات كافية اليوم في الكانتونات تخول للخدمات الاجتماعية الحصول على المعلومات التي تحتاج إليها. وأعرب أيضا عن دهشته من الاتهامات التي مفادها أن الشرطة تكتشف مخالفات ولا تستطيع نقل المعلومات إلى المساعدات الإجتماعية. وقال بهذا الشأن: “ليست هذه المرة الأولى التي يتم البحث فيها عن كبش فداء لينتهي الأمر بتحميل مكتب حماية المعطيات المسؤولية”.

وبرر موقفه بالتذكير بأنه يحق بعد لأية سلطة ضريبية تشك في إعلان ضريبي ما المطالبة بالحصول على معلومات إضافية، مضيفا “لا يوجد أي مُبرر كي لا يُطبق نفس المبدأ هنا (في مجال المساعدات الإجتماعية).

وضع مختلف في سويسرا الروماندية

وبينما يجد الجدل حول استغلال المساعدات الاجتماعية صدى قويا في المناطق السويسرية المتحدثة بالألمانية، يظل النقاش هادئا في سويسرا الروماندية الناطقة بالفرنسية. فهذه المنطقة تحظى بتجربة أطول في مجال محاربة التحايل على النظام الاجتماعي، خاصة في جنيف ولوزان. وتتعامل كبريات الكانتونات الروماندية مع هذه القضية بشكل عادي حرصا على عدم إعطاءها حجما أكبر منها.

فعلى سبيل المثال، يتوفر كانتون جنيف منذ ما لا يقل عن 15 عاما على مراقبين اجتماعيين مكلفين بإجراء تحقيقات ميدانية لكشف الغش والتحايل في هذا المجال، بينما بدأ الحديث عن المراقبين الاجتماعيين والمحققين الخواص في سويسرا الناطقة بالألمانية في عام 2005 فقط.

وقد بلغ حاليا عدد المكلفين بالتحقيقات التمهيدية حول كل طلب مساعدة اجتماعية جديد في كانتون جنيف 16 شخصا لديهم الحق في الإطلاع على معطيات الهيئات الضريبية.

رئيس قسم التحقيقات في جنيف مارك بيغي، أوضح في لقاء مع صحيفة “لوماتان” الصادرة في لوزان (عدد 1 أغسطس الجاري) أن المحققين يقومون بفحص جملة من المعطيات فور استلام طلب مساعدة: هل يستفيد طالب المعونة من التأمين على البطالة؟ هل له أملاك شخصية؟ هل يعيش لوحده؟…، إلخ. كل طالب مساعدة يخضع لتحقيق دقيق. ويشدد السيد بيغي على ضرورة امتلاك الوسائل الكافية لتعقب الغشاشين بصرامة “لكي لا يـُشتبه الناس الذين يحتاجون حقا المساعدات باستغلال النظام”.

ومن الأساليب التي يتبعها محققو جنيف في حال شكهم في صدق طالب المعونة القيام بزيارات مفاجئة لبيت المستفيد، أو تفتيش حساباته البنكية، أو بحث ملفات يتم اختيارها بشكل عشوائي. وقد أتت هذه الأساليب ثمارها إذ اكتشف المحققون الاجتماعيون في جنيف في عام 2006، على سبيل المثال، زهاء 200 حالة غش من بين 500 تحقيق (علما أن الخدمات الاجتماعية درست في نفس العام حوالي 8000 ملف)، حسب السيد بيغي.

وينوه فرانسوا لونشون، نائب دويلة جنيف المكلف بقسم التضامن والشغل، إلى أن الاختلاف بين سويسرا الألمانية وسويسرا الروماندية لا يكمن فقط في عمر التجربة في مجال محاربة سوء استخدام المساعدات الاجتماعية، بل في التوظيف السياسي لهذه القضية، إذ قال لنفس الصحيفة: “إن المساعدات الاجتماعية موضوع سياسي بارز في سويسرا المتحدثة بالألمانية. أما هنا فقد تجاوزنا الشقاق بين اليسار واليمين، بحيث تتفق كافة الأحزاب على القول بأن (التحايلات) يجب أن تـُحارب”.

الأن، باتت تفصلنا أقل من ثلاثة أشهر عن الانتخابات الفدرالية. ولا يبدو أن حملة حزب الشعب ضد فئة الأجانب المجرمين والمستغلين لنظام المساعدات الإجتماعية ستهدأ قريبا. الخوف الحقيقي لا ينبع من طرد هذه الفئة بالذات من التراب السويسري لأن مُبررات “التخلص” منهم تظل مُقنعة إلى حد ما، لكن الخوف الحقيقي هو إثارة الخلط – عبر خطب وأرقام ونسب تستدعي التأمل والتريث – بين هؤلاء والمُستحقين الحقيقيين للمساعدات سواء كانوا أجانب أو سويسريين. الخوف من أن يدفع المحتاجون الحقيقيون ثمن خداع المحتالين.

سويس انفو – إصلاح بخات 

يمكن الاعتماد مثلا على الأوضاع الأسرية والمهنية والحظوظ الأقل للاجانب في سوق العمل.

الأجانب الذين يتلقون المساعدات الإجتماعية لا يتوفرون في الغالب على تكوين مهني جيد أو على أي تكوين على الإطلاق، أو لا يُعترف بتكوينهم في سويسرا.

يعمل الأجانب أكثر من نظرائهم السويسريين في قطاعات ذات أجور منخفضة (مثل المطاعم) ويعيشون أكثر من السويسريين في أسر متعددة الأفراد. وبالتالي فإن أجورهم لا تكفي دائما لتغطية حاجياتهم ويتعين عليهم بالتالي اللجوء إلى المساعدات الاجتماعية لتكملة دخلهم.

(المصدر: المكتب الفدرالي للإحصاء)

استفاد 237000 شخصا من المساعدات الاجتماعية في سويسرا، أي بزيادة 8% مقارنة مع عام 2004.

الأطفال والراشدون الشباب والأسر ذات العائل الواحد فئات مُمثلة بشكل أكبر من حجمها ضمن المستفيدين من هذه المساعدات.

الأجانب يمثلون 43,8% من مجموع المستفيدين، في حين يشكلون 20,5% من مجموع سكان الكنفدرالية. في كانتونات جنيف وفو، تتجاوز نسبة الأجانب المدعومين من قبل المؤسسات الاجتماعية نسبة 50%.

المساعدات الاجتماعية (التي تختلف عن التعويضات عن البطالة أو التأمين على العجز AI أو التأمين على الشيخوخة والباقين على قيد الحياة AVS) تخص 3,3% من مجموع سكان سويسرا.

هنالك هوة واضحة بين المدن والقرى: 5,3% من المستفيدين يقيمون في المراكز الحضرية، وتنخفض هذه النسبة إلى 1,4% في البلديات القروية. رُبع متلقي المساعدات يعيشون في المدن الرئيسية الخمس في سويسرا (زيورخ، جنيف، بازل، برن، لوزان).

إذا كان المتقاعدون في مأمن نسبيا من الحاجة إلى المساعدات الاجتماعية، ذلك ليس حال الأطفال والمراهقين (0إلى 17 عاما)، فينما لا يمثلون سوى 21% من مجموع السكان، يمثلون 31% من المستفيدين. معظم هؤلاء الأطفال يعيشون في أسر ذات عائل واحد. وكلما كثر عدد الأطفال كلما ارتفع خطر الاعتماد على المساعدات الاجتماعية.

الراشدون الشباب (18 إلى 25 عاما) يمثلون 4,5% من المستفيدين، ويمكن أن ترتفع هذه النسبة في المدن إلى 7,3%. قرابة 70% من الشباب الذين يتلقون المساعدات الاجتماعية لم يكملوا تكوينهم المهني.

الهدف الذي يحظى بالأولوية لدى المؤسسات الاجتماعية يظل إعادة الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للأشخاص في الحاجة.

أكثر من نصف المستفيدين (52,3%) يتلقون مساعدات منذ أكثر من عام وقرابة 15% منذ أكثر من أربعة أعوام.

(المصدر: المكتب الفدرالي للإحصاء)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية