الهـُوة بين الأجـداد والأحفــاد في سويسرا ليست سوى “مُـغالطة”!
الخلافات بين الأجيال شبه مُنعدمة في سويسرا، والتعايش بين الأجداد والأحفاد يتسم بقدر كبير من التضامن. هذا ما استنتجه الصندوق الوطني للبحث العلمي في دراسة جديدة قدّمها يوم الثلاثاء 5 أغسطس في برن بعنوان "التقرير حول الأجيال في سويسرا".
وتدخل هذه الدراسة في إطار برنامج البحث الوطني 52 “الطفولة والشباب والعلاقات بين الأجيال في مُجتمع مُتغير” الذي أُطلق عام 2003 وخُصصت له ميزانية قدرها 12 مليون فرنك.
نوه معدو الدراسة إلى أن شيخوخة المُجتمع أحدثت لا محالة تغييرات عميقة على حياة كافة الأجيال، لكنهم أكدوا على أن التعايش بينها يتسم بقدر كبيـر من التضامن.
ويُذَكـِّر “التقريرُ حول الأجيال في سويسرا” بأن المجتمع السويسري يتقدّم في السن: فبينما لم يُنجب فقط سُبـع النساء المولودات في عام 1940، قفزت النسبة إلى الثُّلث بالنسبة لجيل 1965. وفي الوقت نفسه، ارتفع مأمول الحياة بصورة مُذهلة: من 47 عاما في حوالي عام 1900 إلى أكثر من 80 عاما اليوم.
وتُوضح الدّراسة في هذا السياق بأن الأجيال التي رأت النور في فترة تميزت بارتفاع مُعدل الولادات قد بلغت الآن سنا مُتقدما، وهو ما سيُشكل عامل شيخوخة أساسي بالنسبة للمُجتمع خلال العقود القادمة. ويعتقد أصحاب الدراسة بأن الهجرة هي العنصر الوحيد الكفيل بعكس هذا التوجه إلى حدّ ما، بما أن معظم المهاجرين شباب ويُنجبون عددا أكبر من الأطفال.
“منـطقٌ خاطئ”
ولضمان استقرار التـّعداد السكاني لسويسرا على المدى البعيد، وخاصة على مُستوى التأمينات الإجتماعية، كثيرا ما أثيـر الحديثُ عن ضرورة الترفيع من معدل الولادات إلى 2,1 طفل لكل سيدة (مقابل 1,46 اليوم)، لكن الدّراسة الجديدة تؤكد أن “هذا المنطق خاطئ”، إذ أن الباحثين يعتقدون أن المزيد من الولادات يعني أيضا المزيد من التكاليف الاجتماعية بالنسبة للسـُّكان النـّشطين الذين سيتوجب عليهم الاستجابة، ليس لاحتياجات المُسنين فحسب، بل الأطفال أيضا.
كما يُشيرون إلى أنه غالبا ما يتم نسيان أن كبار السن، بحـُكم الرعاية الطبية التي يتطلبونها، يـُساهمون أيضا في خلق مواطن عمل ورواتب للشباب.
ولوضع “حصيلة جـيليـة”، لا يكفي احتساب الفرق بين ما يدفعه جيلٌ ما للدّولة (من ضرائب، وأقساط التأمين، وما إلى ذلك) وما يتلقاه منها (معاشات تقاعدية ومعُونات عائلية ونفقات على التعليم والصحة، إلخ)، بل يجب أيضا الأخذ بعين الاعتبار “التحويلات الخاصة بين الأجيال” (أي الميراث والهبات)، مثلما شدد على ذلك كاتبو التقرير: باسكالينا بيريغ-شييلو، وفرونسوا هوبفلينغر، وكريستيان سوتر.
وقد استنتجت الدّراسة أن الميراث يزداد أهمية، بحيث أن الأسر السويسرية ترث أكثر مما تُوفر. ففي عام 2000، على سبيل المثال، تمت إعادة توزيع مبلغ 28,5 مليار فرنك (أي حوالي 7% من إجمالي الناتج الداخلي) في مختلف أنحاء التراب السويسري في شكل مواريث.
وإن كانت هذه الثروات تُسهـّل حياة معظم الأسر التي تتلقاها، فإنها تعمل أيضا على تفاقـم عدم المُساواة من حيث التوزيع؛ إذ أن أكثر من نصف الورثة يحصلون على أقل من 50000 فرنك، بينما يتسلم 0,6% منهم أكثر من 5 مليون فرنك، ليتقاسموا بالتالي قرابة ثُلث الكعكة. وتضيف الدّراسة أن الإرث يزيد من حدة عدم المُساواة الموجود أصلا ضمن كبار السن، والذين أصبحوا يرثون أكثر فأكثر في سن مُتأخرة.
رعايـة ثمـينة للأطفال.. بالمـجان!
أما “التحويلات غير المالية” بين الشـُّبان وكبار السن فهي عامل لا يُستهان به، بحيث أن الأجداد يتولون رعاية الأحفاد بدون مُقابل لـمدة زمنية تصل إلى 100 مليون ساعة في العام، أي ما يُعادل زهاء 2 مليار فرنك إذا ما توجب دفع مقابل لهم على هذه الخدمة. وتـحملُ الجدّات على عاتقهن 80% من هذه المُهمة.
في المقابل، يستفيد المُسنون في كثير من الأحيان من رعاية خاصة تُقدمها لهم أسرهم، بحيث لا يعيش في دُور التقاعد والعجزة المعروفة في سويسرا باسم “المؤسسات الطبية-الاجتماعية” سوى خُـمس كبار السن في البلاد، إذ تتولى الأسر رعاية سُدسَ عُشْرِِ الأشخاص الذين يحتاجون إلى الرعاية. وتُقدّر الخدمات التي تُوفرها العائلات في هذا الإطار بمبلغ يتراوح بين 10 و12 مليار فرنك في العام. وهنا أيضا تتكفل النساءُ بالسهر على 80% من الحالات.
ويُوصي “التقرير حول الأجيال في سويسرا” بإطلاق مجموعة كبيرة من المبادرات بين الأجيال تشتمل، مثلا، على تمـويل أوسع لصناديق التقاعد، وتمـديد فترة الحياة النشطة للأشخاص الراغبين في ذلك. ويعتقد الباحثون أن زيادة الأعباء الاجتماعية-السياسية للأجيال القادمة قد تتباطئ أو حتى تُلغى بفضل تلك التوصيات. كما يَدعون إلى التدقيق في أيّ مشروع إصلاحي سياسي كبير مع مراعاة تأثيره على الأجيال المُختلفة.
سويس انفو مع الوكالات
شهدت الأسرة السويسرية تحوّلات عميقة منذ القرن الثامن عشر. ونتيجة تدخل عوامل كثيرة، تراجع عدد أفراد الأسرة الواحدة من 4 أفراد سنة 1750 إلى 3.5 سنة 1934، ثم إلى فرديْن فقط سنة 2000.
كما عرفت وتيرة نسب الطلاق تسارعا كبيرا، فبعد أن كان معدل الطلاق في المجتمع السويسري 2.5 % فقط سنة 1866، إرتفع إلى 11% سنة 1964، ثم بلغ 26.5% عام 2000، ولكن تلك النسبة تضاعفت مرتيْن خلال السنوات الستة اللاحقة لتصل سنة 2006 إلى 52%.
وبفضل تحسن الخدمات الصحية، ونظام التأمين الصحي، تراجعت نسبة وفايات الأطفال في سويسرا من 27% سنة 1840 إلى 17% سنة 1900، لتتقلص إلى أدنى مستوى سنة 2000 بمعدل وفايات يبلغ 0.7%.
في عام 2004، بلغت قيمة الخدمات غير المدفوعة الأجر المقدمة من طرف أفراد العائلة لأقاربهم 164،6 مليون ساعة عمل.
تنشط النساء بشكل أكبر من الرجال في هذه النوعية من الخدمات، وفي هذا الإطار خصصت 100 مليون ساعة عمل لرعاية الأحفاد.
أكد معدو الدراسة الجديدة للصندوق الوطني للبحث العلمي أن صدور “التقرير حول الأجيال في سويسرا” يعني أن الكنفدرالية “باتت تتوفر لأول مرة على تأليف كامل حول الأوضاع المعيشية للأطفال والشباب والبالغين”.
ويُعد هذا العمل الذي يحتوي على إحصائيات كثيرة ومجموعة كبيرة من المواضيع “مرجعا حقيقيا يسمح بالقيام بمقارنات دولية حول مختلف فترات الحياة، وقضايا الرعاية التي يحتاجها كبار السن، وإعادة التوزيع المالي بين الأجيال، وأيضا العلاقات بين الأجيال والتحديات التي تطرحها على مستوى سوق العمل”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.