بحثا عن احترام التعددية اللغوية والتعايش بين الأقليات
تحتل قضية التعدد اللغوي في سويسرا عموما، وفي كانتون غراوبوندن، الذي تتعايش فيه الألمانية والإيطالية والرومانش، أهمية خاصة.
يوم 17 يونيو 2007، سيصوت الناخبون في هذا الكانتون، جنوب شرق سويسرا، على قانون حول اللغات أثار جدلا واسعا في صفوف الرأي العام.
القانون المعروض على تصويت الناخبين، تمّـت الموافقة عليه بدون معارضة في البرلمان المحلي لكانتون غراوبوندن، ومع أنه يرمي إلى تقديم دعم للّـغات المحدودة الانتشار، وخاصة للرومانش (وهي اللغة الوطنية الرابعة في الكنفدارلية)، إلا أن المعارضين يتهمونه بالتمييز تجاه الأشخاص الذين تـُعتبر الألمانية لغتهم الأمّ.
عندما يدور الحديث في سويسرا عن اللغات، عادة ما يُـعتبر هذا الكانتون الجبلي المحاذي للنمسا وإيطاليا، أنموذجا لسويسرا مصغرة، فهو الكانتون الوحيد ثلاثي اللغة في الكنفدرالية، حيث يتحدث سكانه اللغات الألمانية والإيطالية والرومانش. ومع أنه يستفيد من تلاقح ثلاث ثقافات، إلا أنه يواجه في الوقت نفسه، المشاكل الناجمة عن عدم وجود توازن في علاقات القوة بين اللغات.
القانون المتعلق باللغات في هذا الكانتون (مثلما هو الحال بالنسبة للقانون الفدرالي حول اللغات، الذي سينظر فيه البرلمان يوم 20 يونيو الجاري)، يأتي استجابة للفصل 70 من الدستور الفدرالي، ويُـفترض أن يقترح وسائل ملموسة لحماية الأقليات وضمان ما يُـمكن تسميته بـ “السِّـلم اللغوي”.
المشكلة تتلخّـص في وجود مخاوف من أن يتحول هذا السِّـلم المنشود إلى سراب خادع، كلما تعلق الأمر بالانتقال من الأقوال إلى الأفعال.
فعلى المستوى الفدرالي، يناقش البرلمان القانون المتعلق باللغات، على عكس رغبة الحكومة، التي لا ترغب في استصداره، لأنها ترى فيه مصدرا لنفقات لا يمكن تحمّـلها.
أما في كانتون غراوبوندن، فإن الحكومة والبرلمان أيدوا القانون، دون أية معارضة، لكن محاميا رأى أن النص “يمارس التمييز تجاه من يتحدث الألمانية”، أطلق استفتاءً لمعارضته وتمكّـن في ظرف وجيز جدا من جمع أكثر من ضعف التوقيعات الضرورية لفرض إجراء استفتاء شعبي حول القضية.
أغلبية وأقليات وتمييز
تنتقد اللجنة، التي أطلقت الاستفتاء، ما جاء في القانون على اعتبار أنه يحمي الأقليات على حساب حقوق الآخرين، ويؤكّـد بيتر شنايدر “أب الاستفتاء” أنه “يجب دعم الرومانش، لكن من خلال إجراءات طوعية وليس بواسطة قانون”.
فعلى سبيل المثال، يجد شنايدر أنه من غير المقبول أن يُـفرض على الإدارة “في العادة”، توظيف الأشخاص الذين يجيدون عدة لغات متداولة في الكانتون، نظرا لأن معظم السكان لا يتعلمون في “العادة”، الرومانش (ولا الإيطالية في أغلب الحالات)، لذلك، فإن هذا الإجراء سيكون مفيدا بشكل خاص للمتحدثين بالرومانش، الذين يجيدون كلهم تقريبا الألمانية أيضا، في حين لا تمثل اللغة الإيطالية (وهي ذات أصول لاتينية، مثلما هو الحال للرومانش) بالنسبة لهم، عقبة كبيرة.
ويرى الداعون إلى الاستفتاء أنه من الظلم عدم الأخذ بعين الاعتبار القدرات في لغات أخرى، كالإنكليزية والفرنسية، ويعكس هذه المأخذ، الذي يعتبرونه شكلا من أشكال التمييز، الصعوبة الكامنة في العلاقات بين الأغلبية والأقليات في كانتون غراوبوندن.
فبالنسبة للأقليات، يُـعتبر تعلّـم لغة الجار، أمرا ضروريا، أما بالنسبة للأغلبية، فالأمر لا يتعدى الاختيار الحر، الذي قد يتم التخلي عنه، إذا ما كانت اللغة المعنية “غير مجدية”.
ومن وجهة النظر هذه، فإن اللغة الإيطالية تجد صعوبة كبيرة في خوض الصراع مع الإنكليزية أو الفرنسية، في حين أن اللغة الرومانشية، التي لا يُـتحدث بها إلا في كانتون غراوبوندن من طرف أشخاص يجيدون الألمانية في كل الأحوال، تبدو خاسرة منذ البداية.
في الواقع، يحاول القانون الجديد من خلال إيجاد أوضاع إيجابية للذين يجيدون الرومانش، تعزيز قيمة هذه اللغة وتوفير حوافز، حتى لا يتخلى عنها من تعلمها في طفولته وحتى يُـقدم من لا يعرفها على دراستها.
هذه النوايا الطيبة، هل ستكون كافية كي يوافق سكان الكانتون على القانون الجديد؟ لا يبدو أن الأمر سيكون سهلا، إذ على الرغم من تأييد أغلبية الأحزاب (باستثناء حزب الشعب السويسري – يمين متشدد، الذي يدعو إلى التصويت بلا)، فإن نتيجة التصويت لم تُـحسم بعدُ.
نِـسب مائوية
على جانبي المواجهة القائمة هذه الأيام في الكانتون، اصطف خبراء في القانون واللغة. فهناك من يعتبر القانون المقترح “مثالا لكل أوروبا”، وهناك من يصفه بـ “الجائر”، وهناك أيضا من يؤيده، لكنه يعتقد أنه من الأفضل بلورة مشروع جديد، لأن النص الحالي قد يكون أفضل من لا شيء، لكنه لا زال غير كافيا.
فعلى سبيل المثال، لن تستفيد الأقلية المتحدثة بالإيطالية من النِّـسب المئوية التي وردت في القانون للحد من حضور اللغة الألمانية في البلديات الواقعة على الحدود اللغوية، لذلك يرفض الداعون إلى الاستفتاء أن يُـفرض على بلديات كانت ناطقة بالرومانش تقليديا وأصبحت اليوم تقطنها أغلبية تتحدث الألمانية، أن تعتمد مجددا الرومانش، لغة رسمية ومدرسية، إذا ما كان 40% من السكان ناطقين به في الوقت الحاضر، إضافة إلى ذلك، ستكون نسبة 20% من المتحدثين باللغة المحلية كافية كي تُـعتمد كلغة تدريس.
من ناحيتها، تلاحظ لجنة Triling، التي تؤيد القانون وتضم في صفوفها العديد من الشخصيات السياسية والثقافية في كانتون غراوبوندن، أن هذا الإجراء لا يشمل إلا عددا قليلا من البلديات، كما أنه لا يمس بأي شكل من الأشكال أكثر من 100 بلدية متحدثة بالألمانية.
في المقابل، ترى اللجنة أن الإجراءات التي “تمنح قيمة للغات الأقليات”، لا مندوحة عنها لإنقاذ التعدد اللغوي الثلاثي المميز للكانتون وللسماح في المستقبل بتعايش “قلوب ثلاثة في كوخ واحد”.
أثارت ثلاث نقاط وردت في القانون المتعلق باللغات في كانتون غراوبوندن، سجالات حامية.
تتمثل النقطة الأولى في “النسب المئوية”، التي تتعامل بأسلوب تاريخي مع مبدإ المناطقية، وهو ما يعني أنه إذا ما كانت اللغات التقليدية في بلدية ما، الرومانش أو الإيطالية، وإذا ما كان عدد المتحدثين بهما لا زال يفوق 40% من إجمالي السكان، فإن البلدية تعتبر متحدثة بلغة واحدة، وبالتالي، تكون الإيطالية أو الرومانش، اللغة الرسمية الوحيدة المستعملة في الدوائر الرسمية ولغة التدريس فيها.
أما النقطة الثانية، فتنص على أنه، إذا ما كانت اللغات المحلية يُتحدث بها من طرف 20% من السكان على الأقل، فإن البلدية تعتبر ثنائية اللغات، وتبعا لذلك، يكون الرومانش أو الإيطالية، إحدى اللغات الرسمية للبلدية ولغة التدريس الأولى.
النقطة الثالثة تتمثل في أن القانون ينص أيضا على أنه في حال تساوي المؤهلات لدى المترشحين لشغل وظائف عمومية، فإن الإدارة المحلية للكانتون تنتدب “في العادة” المرشحين الذين يجيدون عددا أكبر من اللغات الرسمية في الكانتون.
أخيرا، ينص القانون على أن المداولات في المحاكم يجب أن تتم “في العادة” بلغة الشاكي، (شريطة أن تكون لغة رسمية معتمدة).
الألمانية: 68،3% (1970: 67،6%)
الرومانش: 14،5% (1970: 23،4%)
الإيطالية: 10،2% (1970: 15،8%)
لغات أخرى: 7% (1970: 3،3%)
أخذت هذه المعطيات من الإحصاء الفدرالي لعام 2000، وهي تأخذ بعين الاعتبار اللغة التي أشار إليها الشخص على اعتبار أنها “اللغة الأفضل إجادة”، أما إذا ما تمت إضافة “اللغة المستعملة عادة”، فإن نسبة المتحدثين بالرومانش ترتفع إلى 21،5%، أي حوالي 40100 شخص.
(ترجمه من الإيطالية وعالجه: كمال الضيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.