مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

برلمانيون: “على سويسرا أن تُخصّص المزيد من الموارد للمساعدات التنموية”

مركز للهاتف العمومي في إحدى قرى بوركينا فاسو، إحدى البلدان التي تتركز فيها جهود الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون Keystone

حثّـت المجموعة البرلمانية "سويسرا – التضامن الدولي"، التي تضمّ نوابا من مختلف الأحزاب، الكنفدرالية على تحمّـل مسؤوليتها الدولية والترفيع في النسبة المخصصة للمساعدات من أجل التنمية من إجمالي الناتج الداخلي، لتصل بها إلى 0.5%.

ولا زالت سويسرا، مثلما هو الحال بالنسبة للعديد من البلدان الأخرى، بعيدة عن الهدف الذي حدّدته الأمم المتحدة منذ عام 1970 والقاضي بأن تُـخصص الدول الصناعية ما لا يقِـل عن 0.7% من أجمالي الناتج الداخلي، لفائدة المساعدات العمومية من أجل التنمية. ففي عام 2008، لم تتجاوز النسبة في سويسرا 0.41%، أي ما يقدّر بحوالي 2.2 مليار فرنك.

وكان البرلمان السويسري قد وافق في موفى العام الماضي من حيث المبدإ، على الوصول بهذه النسبة إلى 0.5% وكلّـف الحكومة بتقديم بيان يُـحدِّد التأثيرات المالية المترتِّـبة عن إجراء من هذا القبيل. وقبل شهر من الآن، أشارت الحكومة الفدرالية إلى أنها تريد الاكتفاء حاليا بتقديم مجرّد تقرير عن الوضع القائم في مجال المساعدة من أجل التنمية، سيُـعرض على البرلمان قبل موفى سبتمبر القادم.

“يكفي من التردّد”

هذا القرار أثار امتعاض العديد من البرلمانيين، حيث بدا أن الحكومة – بقرارها عدم الالتزام بالتكليف الواضح الصادر عن غرفتَـي البرلمان – تسعى للحيلولة دون إقرار ترفيع في المساهمة السويسرية للمساعدة من أجل التنمية، مثلما ورد على لسان فيليكس غوتسفيلّـر، عضو مجلس النواب عن الحزب الليبرالي الراديكالي، في ندوة صحفية عُـقدت يوم الخميس 25 يونيو في برن.

كما ينتمي غوتسفيلّـر إلى المجموعة البرلمانية المتعدِّدة الانتماءات الحزبية “سويسرا – التضامن الدولي”، التي تتشكّـل من حوالي 70 برلمانيا ينتمون إلى كل الطيف السياسي تقريبا، وهو يرى أن عدم تقديم الحكومة لبيان مفصَّـل مرفوقا بطلب تمويلات إضافية، سيؤدّي إلى تأجيل الترفيع في حجم المساعدات التنموية إلى أجل غير محدود.

وصرّح غوتسفيلّـر بشيء من الحِـنق “لقد آن الأوان لوضع حدٍّ للتردّد”، مشدِّدا على أن الأمر لا يتعلّـق بأن تُـصبح سويسرا الأولى في الفصل، ولكن بالالتحاق بالمعدّل الدولي، بكل بساطة. فعلى سبيل المثال، تُـخصِّـص كلٌّ من السويد واللوكسمبورغ 1% من إجمالي الناتج الداخلي لفائدة هذا الصنف من المساعدات.

الأزمة أشدّ في بلدان الجنوب

من جهتها، صرّحت النائبة كاترين أماكر (من الحزب الديمقراطي المسيحي)، أنه “في وضعية الأزمة هذه، فإن خطر استجابة دول الشمال لإغراء التقليص في الميزانيات المخصصة للمساعدة من أجل التنمية، حقيقي”.

في المقابل، يجب بذل كل الجهود الممكنة لاستبعاد هذا التهديد، نظرا لأن المؤشرات القائمة، تُـفيد بأن انعكاسات الأزمة قد تكون أشد وطءً في بلدان الجنوب. وطِـبقا لتقديرات البنك الدولي، فإن 90 مليون شخص إضافي مهدّدون (هذا العام فحسب) بالانحدار إلى وضعية فقر مُـدقعٍ، مثلما ذكّـرت بذلك النائبة بريجيتا غاديانت (من الحزب البورجوازي الديمقراطي).

وفيما يُـشبه رجع الصدى لكلامها، قالت كاترين أماكر “إن الأزمة تعني عندنا في بعض الأحيان، فِـقدان موطن العمل، وهذا أمر مأساوي، لكن لا يجب أن ننسى أن الأزمة تعني في بلدان العالم الثالث، في معظم الأحيان، الجوع والموت”. وبكلمة أخرى، لخّـص غوتسفيلّـر الموقف بقوله “لا يجب علينا أن نُـرفِّـع النسبة إلى 0.5%، رغما عن الأزمة، بل جرّاء الأزمة”، ذلك أن تخفيض حجم المساعدات، ستكون له نتائج كارثية، خصوصا وأن هذه البلدان لا تستفيد أصلا من خُـطط الإنعاش، التي خصّـصت لها البلدان المصنّـعة مليارات الدولارات أو من الجهود الهائلة المبذولة لإنقاذ الأنظمة النقدية.

المُـلفت في هذا السياق، أن العديد من الدول استوعبت هذه الإشكالية، حسب ما يبدو. فعلى الرغم من ضخامة العجز المسجّـل في الميزانيات، أكّـد الاتحاد الأوروبي في مؤتمر الدوحة، اعتزامه الوصول إلى هدفه المُـتمثِّـل في الترفيع في النسبة المخصصة للمساعدة التنموية، لتصل إلى 0.56% في عام 2010 وإلى 0.7% في عام 2015. أما في الولايات المتحدة، فقد اقترح الرئيس باراك أوباما في شهر مايو الماضي من جانبه، على الكونغرس تخصيص مبلغ 1.4 مليار دولار، أي بزيادة بنسبة 63% مقارنة بالموارد الحالية.

حوالي 340 مليون إضافية

الكنفدرالية لا تحتاج إلى البحث عن مبلغ بمثل هذا الحجم، لأن تخصيص 343 مليون فرنك، سيكون كافيا لبلوغ نسبة 0.5% من إجمالي الناتج الداخلي. وتؤكّـد النائبة كاترين أماكر “أنها مسألة إرادة سياسية، ولا تتعلّـق بالقدرة المالية لسويسرا”، ذلك أن المرجِـع في احتساب المساهمة المالية من أجل التنمية، يظلّ إجمالي الناتج الداخلي، وهو ما يعني أنها تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الاقتصادية لكل بلد، مثلما أوضحت النائبة الديمقراطية المسيحية.

من جهته، يرى جو لانغ، النائب عن حزب الخًـضر، أن ما تتم المطالبة به “يُـمثِّـل قطرة ماء مقارنة بالمليارات التي وفّـرتها الكنفدرالية لإنقاذ مصرف يو بي إس أو بحوالي 12 مليار فرنك ستُـدفع إلى صندوق النقد الدولي”. في المقابل، قال كارلو سومّـاروغا “لدينا مسؤولية سياسية واجتماعية تُـجاه البلدان الأكثر فقرا، التي ألحقت الأزمة ضررا شديدا”.

ويرى النائب الاشتراكي والرئيس المشارك لمجموعة “سويسرا – التضامن الدولي”، أن الحكومة الفدرالية لم تفهم إلى حدّ الآن الأهمية التي تتّـسم بها قضية المساعدة من أجل التنمية، بالنسبة لصورة سويسرا، خصوصا وأن هذا الملف يعالَـج اليوم داخل الهيئات الدولية الكُـبرى، مثل مجموعة العشرين أو منظمة التعاون والأمن في أوروبا أو الأمم المتحدة، إلى جانب أو بموازاة قضايا مهمّـة، مثل الدعم المطلوب تقديمه للاقتصاد أو الشفافية المالية أو الترتيبات المالية الدولية.

ويقول سومّـاروغا “إن الحكومة الفدرالية لا زالت تعتبر إلى الآن المساعدة من أجل التنمية، مسألة ثانوية ضِـمن السياسة الداخلية، أما اليوم، فيجب أن يُـتعامل معها، على العكس من ذلك، باعتبارها قضية أساسية وذات أولوية لجهة تموقُـع سويسرا على المستوى الدولي”.

دانييلي مارياني – swissinfo.ch

تحتلّ سويسرا المرتبة الثانية عشرة ضِـمن البلدان الـ 22، الأعضاء في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، كما تشارك في اللجنة الخاصة بالمساعدة من أجل التنمية.

في عام 2007، دفعت برن 1.7 مليار دولار (0.37% من إجمالي الناتج الداخلي)، لدعم البلدان الأكثر فقرا، أما في عام 2008، فقد ارتفع المبلغ إلى 2.2 مليار فرنك (0.41%).

لا زالت سويسرا – على غِـرار العديد من البلدان الأخرى – بعيدة عن تحقيق الهدف الذي رسمته الأمم المتحدة والمتمثِّـل في تخصيص البلدان الصناعية ما لا يقِـل عن 0.7% من إجمالي الناتج الداخلي لفائدة المساعدات التنموية.

باعتبار النسب المئوية، تحتلّ البلدان الاسكندينافية واللوكسمبورغ وهولندا، قمّـة الترتيب بنسب تتراوح بين 0.8 و1%.

بالأرقام الصافية، يكون ترتيب البلدان التي دفعت الحجم الأكبر من الأموال، كالتالي: الولايات المتحدة (26 مليار)، ألمانيا (13.9)، بريطانيا (11.4)، فرنسا (10.9)، ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة هي الدولة التي تدفع أقل نسبة من إجمالي ناتجها الداخلي، حيث أنها لا تزيد عن 0.18%.

إجمالا، خصّـصت الدول الـ 22 في عام 2008 حوالي 120 مليار (بزيادة 10.2% عن العام السابق) لفائدة المساعدات من أجل التنمية، وهو رقم لم يُـسجّـل بتاتا قبل الآن.

في الأشهر الأخيرة، عبّـرت العديد من الأطراف العاملة في المجال التنموي عن مخاوفها من تراجُـع الموارد المالية المخصّـصة للمساعدات، نظرا للأزمة الاقتصادية المستفحلة في العالم.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية