تبنّـي يتامى هايتي: “خيار ينبغي أن يظل آخر الحلول”
أسفر الزلزال المُـرعب الذي وقع في هايتي يوم 12 يناير، إلى تَحوّل عدد كبير من الأطفال إلى أيتام، وبدأت مسألة تَبَنّي هؤلاء تظهر إلى الوجود.
وفي مقابلة مع swissinfo.ch، تحدّثَت مارلين هوفشتيتير، رئيسة دائرة خدمات التبنّـي لمؤسسة مساعدة الأطفال “أرض البشر” عن مسألة تبنّـي الأطفال على الصعيد الدولي.
swissinfo.ch: بعد الزلزال المُدَمِّـر في هايتي، هل تتوقّعون حدوث َطفرة في عمليات تبنّـي الأطفال من هايتي؟
مارلين هوفشتيتير: تَرِدْ هناك أسئلة من الأشخاص الذين يودّون معرفة الكيفية التي تُمَكّـنهم من تَبَنِّـي طفل من هايتي، أما الدول التي قامت بالفعل بِتَبَنّـي أطفال من هايتي سابقاً، فالطلب منها كبير.
بعد وقوع كارثة من هذا النوع، ألن يكون الوضع مُـواتيا وإيجابياً بالنسبة للأيتام أو نصف الأيتام في هايتي بالابتعاد عن الفقر والتشرّد والعنف واللجوء إلى كنف أسرة سويسرية؟
مارلين هوفشتيتير: قبل كل شيء، ينبغي التَحَقّـق مما إذا كان هؤلاء الأطفال أيتام حقاً، ومن عدم وجود أفراد أحياء من أُسرِهم، كالعم أو الخالة أو أفراد من الأسرة المُمتدة التي يُمكن أن تَرعى هذا الطفل.
كما يجب على المرء أن ينظر أيضاً إلى الحالة النفسية لهؤلاء الأطفال، وإذا ما كانوا مُصابين بصدمات نفسية، فليس من الضرورة أن يكون نقل الطفل إلى خارج البلاد ووضعه في أسرة جديدة حالة ملائمة للوضْـع النفسي للطفل.
قامت منظمة هولندية مختصّـة بالتوسط للأطفال الأيتام ونقلت 109 طفل منهم يوم الخميس 21 يناير الجاري إلى خارج هايتي، للعثور على حياة وأسرة جديدة في هولندا…
مارلين هوفشتيتير: من وجهة نظري، فإن تَسيير رحلات بطائرات مليئة بالأطفال من هايتي، حالة تستحق الشجب! وحسبما تناهى إلى سمعي، لم يلق جميع هؤلاء الأطفال المُتضرِّرين عوائل مستعدّة لتَبنّـيهم، بل كان عددهم 55 طفلاً فقط! أما بقية الأطفال فلم تظهر للعديد منهم عوائل راغبة في تَبَنِّـيهم إلى حدِّ اليوم.
تريد بلجيكا أن تُسَهّل للأُسَـر البلجيكية تبنِّـي أطفال الأسَـر الهايتية، وخاصة تلك الأسَـر التي بدأت بالفعل بالإجراءات القانونية المُـناسِـبة قبل وقوع الزلزال. كذلك أبدت سويسرا استعدادها لتسريع اعتماد عمليات التَبَنِّـي التي بدأت بالفعل قبل حدوث الزلزال. هل تعتبرون هذه خُـطوة صحيحة؟
مارلين هوفشتيتير: يعتمِـد الأمر دائماً على ما هو المقصود بالتّـسريع. ينبغي في جميع الأحوال وضع حالة كلّ طفل تحت المجهر – والآن مرة ثانية بعد وقوع الزلزال.
كما يجب التعاون مع السلطات الهايتية أيضاً. فمن غير المقبول أن يكون الأمر مِـثلما عمل الهولنديون الآن، وأن يُغادر الأطفال وطَـنهم هكذا كما حدث بالفعل.
يجب أن تَعطي السلطات موافقتها على اعتماد كل عملية تَبَني لكي يكون للطفل حقاً جميع الأوراق اللاّزمة لعملية تَبَنّيه.
حذَّر وزير الخارجية الفرنسي بيرنارد كوشنير من التَسَرُّع في تبنّـي الأطفال من هايتي كي لا تُتَّـهم السلطات الفرنسية “بالاختطاف”، حتى وإن كانت العملية تتِـم تحت ذريعة “جيِّـدة”..
مارلين هوفشتيتير: في فرنسا، هناك حديث عن أكثر من 1000 حالة تبنِّـي تم اعتمادها، ومن المفهوم هناك بأنه ليس بالإمكان أن يَترُك هذا العدد الكبير من الأطفال هايتي مرّة واحدة. كما قالت السلطات الفرنسية بوضوح تامّ إنهم يريدون العمل مع السلطات الهايتية، مما سيُـطيل فترة الإجراءات لبعض الوقت.
ولكن الضّـغط على الحكومة الفرنسية لأجْـل تمكين الأطفال من ترْك هايتي كبير جداً من قِبَل الجهات الراغبة بالتبنّـي. وقد قالت فرنسا في البداية بأن جميع عمليات التبنِّـي ستتوقّـف في الوقت الحالي، غير أنَّ وجهة النظر هذه قد تغيّـرت الآن بعض الشيء.
بشرة الأطفال الهايتيين المُتبنّـون سوداء اللون في الغالب، هل يسبِّـب هذا مشكلة في سويسرا؟
مارلين هوفشتيتير: لا أعتقد ذلك. لكن كيف سيكون عليه حال هؤلاء الأطفال عند بلوغهم، فهذا أمر آخر. بالطبع لن يكون مكتوب على جِباهِهُم بأنهم مُتبنّـون وبأنهم يحملون الجنسية السويسرية، كما يجب أن يحسبوا حساب التصريحات المعادِية للأجانب، ولكن هذا الفَـرق يعود بالأساس إلى أنهم “آخرون”، ويمكن أن يحدُث هذا الشيء للطفل القادِم من النيبال أوالهند أو تايلاندا أو غيرها. وليس من الضروري أن يكون الأمر مُتعلِّقاً بلون بشرتهم فقط، ولكن من الواضح أنَّ كل رجل مُـلوّن يُـواجه العُنصرية، سواء تم تَبَنّيه أو كان من المهاجرين أو من طالبي اللجوء.
ألا ينبغي لنا أن نَغُضّ النظرعن تبنِّـي اطفال من لَـون آخر أو من ثقافات أخرى؟
مارلين هوفشتيتير: إنّ التبنِّـي حلٌ جيِّـد وينبغي العمل به لحماية الطفل من حيث المبدأ، إذا لم يكن هناك فعلاً أيّ حل آخر في الوطن الأصلي، حيث لا يوجد بديل لهذا الطفل سوى النّـشوء في ملجإ للأيتام. حينذاك، يكون التبنِّـي الدولي حلّ جيِّـد، ولكن كبديل أخير فقط.
من المُـهم أن يُـؤخذ عمر الطفل بعين الاعتبار أيضاً، وفيما إذا كان يُـعاني من صدمات نفسية شديدة. فليس من المناسب في حالة كهذه إخراج الطفل من وطنه وجلبه إلى سويسرا “المُنظَمة”، حيث ليس بإستطاعة أحد أن يفهَـم ما الذي شهده وعاناه هذا الطفل في وطنه.
هل تكفي المُتطلّـبات السويسرية للآباء الذين ينوُون تبنِّـي طفل في المستقبل؟
مارلين هوفشتيتير: كلا. في بلدان أوروبية عديدة، يجب على الآباء الذين ينوُون تبنّـي طفل حضور دورات تحضيرية في البداية قد تستغرق عدّة أشهر أحياناً. وفي هذه الدورات، يُشرح لهؤلاء الآباء بالتفصيل ما هو التبنِّـي وما هي المسؤوليات التي ستُلْـقى على عاتقهم، والتي سيَتَحَتّـم عليهم مُـواجهتها.
هذا غير موجود في سويسرا. هناك في الواقع القليل من الإعداد و التحضير، وهذه تجري في العادة خلال عمليات التحقيق التي تتِـم عن طريق الكانتونات، ولكن هذه الإجراءات مُختلفة جداً أحيانا من كانتون إلى آخر. وفي حقيقة الأمر، لا تجري هنا عملية تحضير أو تأهيل بصورة تفصيلية.
ماذا يحدث لو أراد الطِّـفل المُتبنِّـى البحث عن والديْـه الحقيقيين بعد أن يكبُـر؟
مارلين هوفشتيتير: هذا جزءٌ من عملنا أيضاً. لدينا الكثير من البالِـغين الذين تمّ تبنِّـيهم قبل 20 أو 30 عاماً والذين يُـحاولون الآن أن يستشفوا شيئا عن عوائلهم البيولوجيين.
هل الأطفال المُتَبَنِّـون سُعداء على العموم في سويسرا؟
مارلين هوفشتيتير: لا يمكن الإجابة على هذا السؤال بنعم أو لا، لإن ذلك يعتمِـد كثيراً على الكيفية التي يستطيع بها الطفل استيعاب كونه قد “تَعَرَّض للترك” في مسيرة حياته.
هناك أطفال مُتَبنون يستطيعون التعامل مع هذا الواقع بصورة جيدة، ولكن يوجد أيضاً أولئك الذين لا يمكنهم التعامل مع حقيقة كونهم قد تَمَّ التخلي عنهم، وهذا يؤدي إلى مشاكل، حتى لو بَذَلَت الأسرة بالتبنِّـي أقصى المُستطاع وكانت تُحِبُ هذا الطفل.
جون ميشيل بيرتو – swissinfo.ch
تعمل المُرشِـدة الإجتماعية مارلين هوفشتيتير، البالغة من العمر (55) عاماً، كمديرة لدائرة تبنِّـي الأطفال في مؤسسة مساعدة الأطفال “أرض البشر”، وهي تُـدير مجال التبنِّـي منذ 25 عاما.
زارت هوفشتيتير هايبتي أربع مرات، منها مرتان بتفويض من منظمة الأمم المتحدة لرعاية الأمومة والطفولة (يونيسيف)، التي كتبت إليها بداية تقريرا عن التبنِّـي في هايتي، وفي وقت لاحق، شاركت في إعداد تشريع جديد.
تستجيب عملية التبني إلى رغبة الطفل بالانضمام إلى أسرة وإلى رغبة زوجيْـن ما بأن يصبحوا آباء.
تعمل مؤسسة “أرض البشر” (Tdh) في عملية التبني الدولية للأطفال، كتقليد لأكثر من 40 سنة. وكمؤسسة تَبَنّي مُعتمدة، فهي تضمن الجوانب القانونية والأخلاقية والصحيحة لهذه العمليات. والهدف الأول والنهائي، هو الحِـفاظ على مصلحة الطفل.
وتقف هذه المنظمة في الوقت نفسه ضدّ الممارسات الاحتيالية، كما تقدّم خِـبرتها في هذا المجال على الصعيد الوطني والدولي.
تُدير مؤسسة “أرض البشر” عملية التبني من الألف إلى الياء، حيث تقوم بتحضير المعلومات الأولية مع الوالديْـن بالتبنّـي، وأي من الأطفال يتِـم اقتراحهم لأي الآباء. كما تقوم بإعداد الوثائق الخاصة بموطن الطفل وتقديم المشورة للآباء، قبل الرحلة، وتقديم الدّعم للوالدين، إذا وصل الطفل المُتبنِّـى إلى سويسرا.
الاتحاد الدولي لأرض البشر (TDHIF)، هو عبارة عن شبكة من 11 منظمة وطنية، مهمّـتها تقديم الدّعم الفعّال للأطفال وأسَـرهم ومجتمعاتهم المحلية، دون تمييز عُـنصري أو دِيني أو سياسي أو ثقافي أو التّـمييز القائم على الجِـنس، في إطار اتِّـفاقية الأمم المتحدة المُتعلَّقة بحقوق الطفل.
وتعد منظمة أرض البشر – إغاثة الطفل (Tdh)، أكبر شركة خاصة للأطفال لمُنظمة المَـعُـونة الدولية في سويسرا. ومن خلال وجودها في 30 بلداً، قامت هذه المنظمة بخلق حلول َملموسة لتحسين حياة الأطفال ومُجتمعاتهم.
في إطار الحملة الدولية لمكافحة الاتِّـجار بالأطفال (ICaCT)، قامت مؤسسة “أرض البشر” بإثارة مسألة التَبَنِّـي على الصعيد الدولي، باعتبارها شكلاً مُحتملاً من أشكال الإتِّـجار بالبشر.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.