توجه في سويسرا لمزيد التضييق على “الزيجات البيضاء”
إذا كُـنت أجنبيا ومُـقيما في سويسرا ولم تتزوّج بعدُ، فربّـما من الأفضل لك الزواج اليوم قبل غد، إذ قريبا سيكون من الصّـعب جدا إتمام الزواج لمَـن فقَـد حقّ الإقامة في هذا البلد.
الأمر جدّي وليس هزلا، فقد قرّرت لجنة برلمانية في مُـنتصف شهر أكتوبر أن تعرِض على الاستشارة مشروعيّ قانون يهدِفان إلى تعزيز إجراءات مكافحة “الزواج الأبيض” أو ما يظُـن ضابط الحالة المدنية أنه كذلك.
القانون الأول ذو طابع وقائي ويشترط على الزوج الأجنبي أو الزوجة الأجنبية الاستظهار لدى ضابط الحالة المدنية عند طلب عقد قِـران، ما يُـثبت إقامتهم القانونية في سويسرا، وما لم يحصل ذلك، يتعيّـن على الموظف المدني إبلاغ الجهات المعنية بهويّـة المتقدمين للزواج.
وأما القانون الثاني، وهو على علاقة مباشرة بالمقترح السابق، فيتعلق بتعديل قانون الجنسية وبالتحديد تمديد الفترة المسموح بها للسلطات المعنية لإلغاء الجنسية الممنوحة لأجنبي من خمس سنوات إلى ثمان سنوات، هذا إذا ما ثبت أن حق الجنسية قد مُـنِـح بناءً على عقد زواج مغشوش أو على بيانات كاذبة أو تم إخفاء بيانات مهمة، وهذان المشروعان يعودان في الأصل إلى مقترحات تقَـدَّم بها نُـواب من حزب الشعب السويسري (يمين متشدد).
الأهداف المعلنة للمشروعين
هدف المشروع الأول، بحسب اللجنة المعنية، منع استخدام الزواج من سويسرية أو أجنبية مُـقيمة بالكنفدرالية، بوابة للحصول على حقّ الإقامة، وهو أمر يستهدف على وجه الخصوص طالبي اللجوء الذين رُفِـضت مطالبهم أو الأجانب المقيمين بشكل غير قانوني. فهذه الظاهرة تغطّـي، بحسب الإحصاءات الرسمية، ما بين 500 و1000 حالة في السنة.
وأما هدف المشروع الثاني، فهو تجاوز الواقع الحالي والذي أثبت أن خمس سنوات غير كافية للتأكُّـد من سلامة بيانات المجنّـسين، خاصة وأن أغلب الحالات المثيرة للشكّ تتعلّـق بحالات الجنسية المُـيَـسرة بسبب زواج أو غيره.
والحالة النموذجية الكاريكاتورية، التي يبرِّر بها أصحاب التعديل مقترحهم، هي افتراض إقدام أحد طالبي اللجوء، رُفِـض مطلبه وتقرر طردُه من البلاد، على الزواج بمواطنة سويسرية تتجاوزه في العمر، فيحصل تبعا لذلك على حقّ الإقامة، وبعد ثلاث سنوات من الزّواج وخمس سنوات من الإقامة، يحصُـل على الجنسية المُـيَـسرة ليطلّـق المرأة السويسرية إثر ذلك ويتزوّج امرأة أخرى من بلده الأصلي.
قوانين تنتهك حق الزّواج والحياة الشخصية
أما المعترضون (وهم أساسا الإشتراكيون والخضر) فيرون أن هذين التّـعديلين لن يكون من السهل القبول بهما، حتى لو أقرّهما البرلمان، ويعتبرون أن تأثيرهما سيكون محدودا جدا، لأنهما لن يُـعالجا المشكلة، فضلا عن كونهما “يخالِـفان المبادئ الأساسية الكُـبرى التي ينُـص عليها الدستور السويسري والشرائع الدولية، ومنها حِـفظ الزواج وحِـماية الأسرة، كما أنه يحدُّ من حق التجمّع الأسري”، حسب قول رضا العجمي، محامي وقانوني بجنيف.
فهذان المشروعان يخالفان المادة 14 من الفقرة الثانية من الدستور الفدرالي التي تنُـص على أن “حق الزواج وبناء أسرة، حق يكفله القانون وتحميه الدولة”، وكذلك المادة 13 من الفقرة نفسها التي تنُـص على أن “كل شخص له الحق في احترام حياته الشخصية والعائلية”. فماذا لو أصرّت فتاة أو امرأة سويسرية على أن تتزوّج أجنبيا لا يمتلك وثائِـق تُـثبت شرعية إقامته؟
سيكون الأمر عندئِـذ مَـثارا للجدل بين المشرِّعين والقُـضاة، ويؤكِّـد الأستاذ رضا العجمي أن “هذه الإجراءات لن تصمُـد أمام المحكمة الفدرالية، لأنها تخالف حقا يكفله الدستور”.
حُـكْـم لا يُـشاطره فيه البروفسور إيتيان غريسل، أستاذ القانون بجامعة لوزان، الذي لا يرى وجها للتعارض ويقول: “هذا القانون إذا ما تمّ إقراره ليس فيه ما يُـخالف الدستور، لأن الدستور يضمَـن حق الزّواج الشرعي وليس الزواج المغشوش الذي يُـراد به التحايُـل على القانون”.
وتُـحذّر السيدة سوزيت ساندوز، أستاذة قانون بجامعة لوزان ونائبة في البرلمان سابقا، معروفة بدفاعها المُـستميت على الحقوق المدنية للأفراد، من أن هذه الإجراءات التي تستهدِف مكافحة “الزواج الأبيض”، تحمِـل في طيّـاتها مَـخاطِـر كبيرة، إذ تفتح الباب واسعا أمام مُـمارسات تعسُّـفية وتسمح للسُّـلطات بحشْـر أنفها والتدخّـل في الحياة الخاصة للأفراد، فضلا عن أنها إجراءات تقوم على التّـمييز بين الزواج المختلط والزواج السويسري الخالص”.
الصياغة قانونية والمضمون سياسي
ولا يخفي أن الضحايا الأوائل لهذا الاتِّـجاه المتشدد والمتصاعد للقوانين المنظمة لإقامة الأجانب في سويسرا، هم رعايا بلدان الجنوب، ومن الواضح أيضا أن هذا التوجه محكوم بنسَـق يسعى إلى إيجاد توازُن بين عدد الأجانب غير الأوروبيين والرعايا الأوروبيين.
ولتحقيق ذلك، كان منطِـقيا سعي التيارات اليمينية بوجه خاص إلى سدّ الأبواب التي يحصل عن طريقها غير الأوروبيين على حقّ الإقامة، ومنها الزّواج، وهذا سيؤدّي من دون شك إلى مزيد من التّـضييق، لكن هل سيكون حلا نهائيا للمعضلة؟ لا أحد يعتقد ذلك.
فالسيد غريغوار رابو، رئيس حزب الخُـضر بكانتون فالي يلخِّـص موقِـف أحزاب اليسار، المُـستاءة جدا من المسعى “اللاإنساني”، الذي تنتهجه أحزاب اليمين في مهاجمة الفِـئات الضعيفة في المجتمع ويقول: “يشترك هذان المشروعان في النظر إلى الأوضاع الصّـعبة التي تعيشها فِـئة من المجتمع على أنها أفعال إجرامية تستدعي العقاب، وهما يكرِّسان التّـمييز بين الأجنبي “الجيد” والأجنبي “السيئ”، ويحطان من الأجانب غير الأوروبيين، وكأنهم كائنات غير مرغوب فيها، مما سيدفعهم أكثر نحو الانطواء والانزواء ويضطرهم إلى البحث عن سُـبل أخرى غير مشروعة هذه المرّة للخروج من المصاعب التي يواجهونها”.
وأما بقية مؤسسات المجتمع المدني، فردود أفعالها تبدو خافتة وغير قادِرة على مجاراة مبادرات اليمين المتشدد المتسارعة والمتتابعة، وهذا ما عبّـرت عنه بصراحة السيد مانون شيك، الناطقة الرسمية باسم فرع منظمة العفو الدولية بسويسرا، التي ردت على سؤال لسويس انفو قائلة: “إننا نرى أن هناك انتهاكات لحقوق الإنسان أكبر وأخطر، ونحن مُـنشغلون الآن بمحاربة القانون الذي يسمح للشرطة باستخدام سلاح الصّـدمات الكهربائية خلال تنفيذ عمليات التسفير الإجباري للأجانب خارج البلاد، ولم نُـسْـتشَـر، كما أننا لم نطّـلع بعدُ على القوانين التي تتحدّث عنها”.
المخاطِـر التي أشارت إليها سابقا السيدة سوزيت ساندوز، حقيقية ومزعجة، فهذه القوانين لو كُـتب لها أن تتجاوز عتَـبة المؤسسة التشريعية، لحوّلت الأجانب الذين يفتقِـدون إلى وثائق رسمية وطالبي اللجوء الذين رفضت طلباتهم، إلى متّـهمين حتى تثبت براءتهم، وستنضاف إلى ما سبقها من إجراءات تميِـيزية وتعسُّـفية ضِـد الأجانب، وستتسبّـب في كثير من العوائق لأبناء البلد أنفسهم وستُـمثل تدخلا سافِـرا في حياتهم الشخصية.
عبد الحفيظ العبدلي – لوزان
أثارت الحملة الانتخابية العنيفة والمُـبادرات المتتالية المستهدفة للأجانب، التي أطلق شرارتها حزب الشعب السويسري (يمين متشدد)، تعليقات كثيرة في وسائل الإعلام الأجنبية.
وفي عددها الصادر يوم الخميس 18 أكتوبر، خصّـصت الأسبوعية الفرنسية “Courrier International” افتتاحيتها وخمس صفحات كاملة للوضع السياسي في سويسرا، وتساءلت حول الصورة السيِّـئة، التي أصبحت عليها سويسرا في الخارج، حيث فاجأت رجال الإعلام والرأي العام الدولي، معلّـقات حزب الشعب وما انطوت عليه من إثارة لمشاعر الكراهية ضد الأجانب والأحداث المُـؤسِـفة التي شاهدتها العاصمة الفدرالية برن قبل أسبوعين، وهو ما أنسى الجميع صورة البلد الهادئ الذي يسوده التعايش والتفاهم.
وفي عددها الخاص، اختارت “Courrier International” مجموعة من المقالات التي صدرت أخيرا في صحف بريطانية وإيطالية وإسبانية وألمانية ومصرية أيضا. والمقال الأول مأخوذ من “The Independent ” يؤكِّـد فيه كاتبه على أن سويسرا قد أصبحت “مركز الشر في أوروبا”، كما أن مقال الافتتاحية تحدَّث عن وضع “يتنامى فيه التطرف إلى حدّ أزعج الأمم المتحدة”، وتطرقت افتتاحية الأسبوعية الفرنسية كذلك إلى مُـبادرة حزب الشعب الداعية إلى طرد مُـرتكبي الجرائم من الأجانب وطرد عائلاتهم معهم، وهو قانون، إذا ما تم إقراره، “سيكون الأول من نوعه في أوروبا منذ ألمانيا النازية، حيث كان النظام النازي يُـعاقب العائلات بسبب جرائم أبنائها”.
وفي مقال آخر أكثر اعتدالا هذه المرة، يستغرب المحلِّـل السياسي أوليفيي غيدن في مقال نُـشر بصحيفة ألمانية، قلّـة اهتمام وسائل الإعلام الغربية بما يصدُر من تصريحات عن كريستوف بلوخر، مقارنة باليميني المتطرف النمساوي جورج هايدر.
“كيف يُـمكن محاربة الخطاب العنصري لحزب الشعب” تتساءل من جهتها صحيفة “La Repubblica” الإيطالية في مقال عنونته “صوِّتوا للخرفان السوداء”، في إشارة إلى السويسريين العشرة من أصول إفريقية المرشّـحين في الانتخابات الحالية.
ولإبراز إلى أي حدٍّ الوضع في سويسرا معقّـد، نشرت صحيفة “المصري اليوم”، الصادرة بالقاهرة مقالا لعالم الإجتماع المصري سعد الدين إبراهيم، يعبّـر فيه عن استغرابه من نظام تدوير الرئاسة في سويسرا، خاصة وهو العربي الذي تعوّد على رؤساء دول أقوياء يحكمون بلدانهم مدى الحياة.
وتختم “Courrier International ” ملفّـها بمقال نُـشر بالصحيفة الاسبانية “El Mundo” لكاتب يتأسّـف فيه على أيام خلت كانت تشتهر فيها سويسرا بانفتاحها وكرمِـها، ويكشف في مقاله أيضا عن الخَـيبة والحسْـرة التي بدأ يشعُـر بها منذ أن اعتمدت سويسرا القوانين الجديدة المنظمة لإقامة الأجانب وطالبي اللجوء.
كل سنة، يتم إبرام ما بين 500 و1000 عقد زواج، يكون أحد الطرفين فيه أجنبيا، ويشتبه أن العقد أبْـرِم من أجل التحايُـل على قانون الإقامة (حسب إحصاءات المكتب الفدرالي للحالة المدنية 2004).
هناك حاليا 400 عملية مراجعة لجنسيات مُـنحت إلى أجانب، تبيّـن بعد ذلك أنها مبنِـية على مُـعطيات غير صحيحة أو على زواج أبيض، وتكشف الإحصاءات الرسمية أنه منذ 10 سنوات، تتِـم كل سنة مراجعة ملفّـات 100 جنسية ممنوحة، وتُـلغى منها في النهاية نسبة 1% فقط.
بحسب دراسة جامعية صدرت في شهر أكتوبر 2007 حول الهجرة والاندماج في أوروبا، تحتَـل سويسرا المرتبة العِـشرين في منح الإقامة للأجانب، والمرتبة الثانية والعشرين في السّـماح بالتحاق أفراد العائلة بذويهم، والمرتبة السادسة عشر في السماح للمقيمين الأجانب بالمشاركة في الحياة السياسية.
تُـردد دوائر اليمين المُـعادي للأجانب باستمرار القول بأن طالبي اللجوء، والأجانب بصفة عامة، يمثلون ثِـقلا كبيرا على الاقتصاد السويسري ورفاهية شعبه، لكن الدراسات الاقتصادية أثبتت في السنوات الثلاث الأخيرة أن الميزان التجاري السويسري قد حقّـق أرباحا تُـقدّر بثمانِ مليارات ونصف، وإذا كانت الواردات تُـساوي تماما الصادرات مع البلدان المصنّـعة، فإن الصادرات السويسرية إلى البلدان النامية حقّـقت أرباحا تُـقدّر بما قيمته 16 مليارا، ومن دون هذه الصادرات إلى بلدان الجنوب، فإن سويسرا قد تخسر 150.000 موطن عمل، حسب قول المختصين.
تُـردد ميشلين كالمي- ري، رئيسة الكنفدرالية ووزيرة الخارجية باستمرار أن 50% من الواردات المالية إلى الخزينة السويسرية، تأتي من وراء الحدود.
يشير بعض الخبراء إلى أن الأصول المالية التي تُـديرها المصارف السويسرية تتسبّـب في ضياع حوالي 5 مليارات من الدولارات من صناديق ضرائب بُـلدان الجنوب، وهو مبلغ يفوق خمس مرات حجم المساعدات التي تقدِّمها سويسرا لدعم التنمية في الخارج.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.