“توقيت إصدار قانون عفو عـام في ليبيا.. خــاطئ”
يبدو أن السلطات الليبية الجديدة تتجه إلى إصدار عفو عام بالنسبة لكل التجاوزات التي ارتكبت من قبل الثوار بدون إجراء تحقيقات ومن غير محاكمات.
وفي انتظار تأكيد القرار والإعلان عنه رسميا، كيف تنظر المنظمات الحقوقية المعنية بالملف لخطوة من هذا القبيل وما هي تداعياتها المحتملة على مصداقية السلطات الجديدة في طرابلس؟
هذه الأسئلة يجيب عليها السيد خالد صالح، الأمين العام لمنظمة “التضامن لحقوق الإنسان” في ليبيا في حديث خص به swissinfo.ch شارحا الخطوات التي اتخذت للتدخل لدى المسؤولين في المجلس الوطني الإنتقالي من أجل التحذير من مخاطر الإقدام على مثل هذه الخطوة وانعكاساتها المحتملة على مصداقية المجلس والنظام الليبي الجديد الذي يُفترض أنه قام من أجل إحداث قطيعة مع تصرفات نظام القذافي المُطاح به وخاصة فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان وضمان الحريات الأساسية لكافة المواطنين.
swissinfo.ch: ما طبيعة مشروع العفو العام الذي تنوي السلطات الليبية اتخاذه وما الذي يزعجكم فيه؟
خالد صالح: بالنسبة لهذا المشروع، وصلتنا معلومات بأن المجلس الوطني بصدد إعداد مشروع قانون عفو عام عما ارتكبه الثوار من انتهاكات خلال الثورة. وقد أكدت لنا عدة أطراف من داخل المجلس الوطني هذه المعلومة، وأن المشروع هو نتيجة لضغوط من طرف بعض الكتائب المسلحة للثوار ومن أجل العفو عن كل الجرائم التي ارتكبت من 17 فبراير 2011 حتى تاريخ صدور هذا القانون. بمعنى أن يشمل هذا العفو حتى ما تم بعد إعلان التحرير. وهذا طبعا شيء خطير.
ما الذي تخشونه بالتحديد من خطوة مثل هذه؟
خالد صالح: المخاوف عديدة، لأن الإنتهاكات تشمل التعذيب ، والقتل خارج نطاق القضاء، وتشمل بعض عمليات الاغتصاب، والسرقة والاعتداء. فالثورة التي قامت في ليبيا قامت من أجل رفع الظلم وإرساء العدل. هذا هو المعنى الذي كنا نتمنى أن تحافظ عليه ثورة 17 فبراير، لكن بصدور مثل هذا القرار سيؤدي ذلك الى جوانب سلبية عدة: أولا أنها ستقضي بدون شك على كل شكل من أشكال المصالحة لأنه سيكون هناك معياران، معيار للعفو عن الثوار وعما ارتكبوا من تجاوزات، بينما تتم معاقبة كتائب القذافي. وهذا بالطبع يعتبر كيلا بمكيالين، وهو خطير لأنه سيكون بالنسبة لنا بمثابة لا فرق بين سياسة القذافي والسياسة التي ينتهجها المجلس الوطني الانتقالي في حال إصدار هذا القانون.
الشيء الآخر الخطير هو بمثابة إعطاء ضوء أخضر للمليشيات المسلحة وقادة الثوار لارتكاب المزيد من الإنتهاكات، خاصة وأن عددا كبيرا من هذه الميليشيات ليس خاضعا لسلطة السلطة المؤقتة الحالية سواء التشريعية أو التنفيذية، وبالتالي هي مطلوقة اليد لفعل ما تشاء.
يُضاف الى ذلك أن خطوة من هذا القبيل تعمل على بناء نوع من الشكوك لدى المجتمع الليبي والمجتمع الدولي بخصوص قرارات المجلس، خاصة بعد التعهدات التي أطلقتها الحكومة الليبية المؤقتة ومن بينها ما تفضل به سعادة عبد الرحيم الكيب (رئيس الوزراء الحالي) أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف بمعاقبة كل من ارتكب جرائم سواء من الثوار أو من كتائب القذافي. ونفس الشيء أكده السيد وائل نجم، وكيل وزارة العدل في كلمته أمام مجلس حقوق الإنسان من أنه سيكون هناك تحقيق ومعاقبة لكل من ارتكب انتهاكات في ليبيا. وهذا بالطبع ما طالبت به لجنة التحقيق الدولية والمجتمع الدولي بخصوص قضايا عدة وفي مقدمتها مقتل القذافي وابنه المعتصم. ولا زالت تصل إلينا شكاوى لحد اليوم بحصول انتهاكات واختفاءات قسرية على أيدي الثوار أو المجموعات المسلحة.
لكن هناك من يرى أن الأولوية تتمثل في تحقيق الإستقرار في بلد لا زال مضطربا رغم زوال نظام القذافي؟
خالد صالح: لا نرى في ذلك تعزيزا للإستقرار بل محاولة لخلق نوع من الزعزعة. قد يتم التسامح بخصوص بعض التجاوزات مثل السرقة والإعتداءات ولكن عندما يتعلق الأمر بالقتل العمد أو التعذيب بدرجات خطيرة والإغتصابات، فهذه لا مبرر لها على الإطلاق، بل نرى أنها قد تخلق نوعا من عدم الإستقرار وستعزز مزيدا من الإنتهاكات إذا ما تم إصدار مثل هذا القانون.
هل كاتبتم اعضاء من المجلس الوطني الإنتقالي بهذه المواقف والتحذيرات؟ وما الذي توصلتم به منهم؟
خالد صالح: الحقيقة أنه فور علمنا بهذا المشروع اتصلنا بعدة أعضاء داخل المجلس الوطني. وتقابلنا قبل أيام بالبعض منهم في ليبيا وشعرنا بأن هناك شيئا ما يتم التحضير له. لكن بعد عودتي الى سويسرا قبل أسبوع علمت بأن المشروع تم الشروع فيه، وأنه تم تكليف أحد أعضاء المجلس بصياغة هذا القانون. وعلمنا أن السيد مصطفى عبد الجليل (رئيس المجلس الوطني الانتقالي) هو أحد المتحمسين لمثل هذا القرار. وهذا أمر نأسف له لما للسيد مصطفى عبد الجليل من تأثير في داخل المجلس.
لقد أوضحنا لهم في مبادلات عبر البريد الالكتروني، وبطريقة غير رسمية ووفقا لطلب منهم، ما هي المخاطر المترتبة عن صدور مثل هذا القانون. ولكن اتضح لنا مع الأسف أن مشروع القانون مازال مطروحا وأنهم مستمرون في صياغته وعازمون على إصداره.
ومن خلال ما اطلعنا عليه (من خلال الفايسبوك) حول نظرة الشارع الليبي (للمسألة)، يتضح أن هذا القانون مرفوض لشعور طائفة كبيرة من المجتمع ببداية انتشار انتهاكات من قبل بعض كتائب الثوار. وكون أن المجلس يتغاضى عن ردود فعل الشارع ويصرّ على فعل أشياء بعيدة كل البعد عن رغبة الناس، فهذا يوحي أيضا بالإبتعاد حتى على الجانب الديمقراطي الذي كان ينادي به المجلس ويدعو له خلال الفترة الأولى من إنشائه. فهم لم يلتفتوا لا لمواقف المنظمات الحقوقية الوطنية ولا الدولية ولا إلى رأي الشارع.
هل أشعرتم بعض المنظمات الدولية التي تعمل على مساعدة ليبيا في مرحلتها الإنتقالية، وكيف كانت الردود؟
خالد صالح: مع الأسف الشديد، المنظمات الدولية لها دور استشاري فقط بالنسبة للمجلس وللحكومة، كما أن السلطات تدعي بأنها تتعاون معها لكن لا يُؤخذ رأيها بعين الإعتبار ويظل رأيا استشاريا.
هل لديكم تقييم لموعد إصدار هذا القانون الجديد الخاص بعفو عام في ليبيا؟
خالد صالح: حسب بعض المصادر من المجلس سيكون مشروع القانون جاهزا في وقت قريب. لذلك من المطلوب أن تُمارَس ضغوط من الآن للحيلولة دون صدوره. وقد طلبنا من المجلس تأجيل موعد الإصدار حتى يأخذ النقاش مداه ونرى ما هي المسائل التي يمكن العفو فيها. ويمكن القول أن توقيت إصدار القانون توقيت خاطئ.
ورد في بيان صحفي أصدرته المنظمة الحقوقية الليبية غير الحكومية يوم 13 أبريل 2012 أنها علمت “من مصادر موثوقة، وتم تأكيدها من مصادر داخل المجلس، أن المجلس الوطني الإنتقالي يعمل على إصدار قانون عفو عام عن الجرائم والإنتهاكات لحقوق الإنسان التى تم ارتكابها من طرف مسلحين من أفراد وقادة ينتسبون إلى كتائب الثوار والتشكيلات المسلحة التابعة للمجلس الوطني الإنتقالي والمجالس العسكرية في المدن والمناطق المختلفة في ليبيا”.
وأشارت المنظمة الحقوقية التي تأسست قبل أكثر من 10 أعوام في جنيف أنها “قامت بالإتصال ومراسلة أعضاء من المجلس الوطني الإنتقالي لتحذيرهم من مغبة خطوة كهذه” ، كما شددت على أن “مثل هذه الخطوة في هذه المرحلة سيكون لها أضرار كبيرة منها:
– إعتداء صارخ على العدالة وحق الضحايا وذويهم و إنصافهم.
– ستضعف من فرص نجاح أي محاولات لتحقيق مصالحة وطنية حقيقية.
– ستضر بمكانة ليبيا ومصداقيتها في المجتمع الدولي، لأنه يعتبر نقضا لكل الوعود والتطمينات التي قدمها المجلس الوطني الإنتقالي والحكومة الإنتقالية للمجتمع الدولي بإحترامهم لحقوق الإنسان”.
وجاء في البيان أيضا أن “العدالة الحقيقية تتطلب التحقيق ومحاسبة كل من ارتكب جريمة إنتهاك خلال الحرب من كل الأطراف دون أيّ إستثناء أو حصانة” كما أن “الإخلال بمبدإ عدم الإفلات من العقاب.. قد يترجم من بعض العناصر كضوء أخضر لممارسة المزيد من الإنتهاكات”.
وفي ختام بيانها، توجهت منظمة التضامن لحقوق الإنسان الحقوقية إلى “مؤسسات المجتمع المدني في ليبيا وفي المجتمع الدولي” وطالبتها “بدعوة المجلس الوطني الإنتقالي إلى احترام حقوق الإنسان والوفاء بإلتزاماتها ومسؤوليتها بحكم المواثيق والعهود الدولية التي صادقت عليها وانضمّت إليها الدولة الليبية”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.