ثورة تونس تطلق حرية المبادرة لدى أبنائها المهاجرين
وعيا منهم بجدية الصعوبات الإقتصادية التي تمر بها بلادهم عقب ثورة 14 يناير، ورغبة في الإسهام في بناء مستقبل واعد ينعم بالرفاه الإجتماعي والإستقرار السياسي، أطلقت مجموعة "عشاق الخضراء" بسويسرا خلال الأسبوع الأول من شهر مارس الجاري مبادرة شعبية حرة للترويج لبلادهم كمقصد سياحي.
هذه المبادرة التي لقيت استحسان السفارة التونسية والمكتب التونسي للسياحة بزيورخ انتشرت بسرعة بين أبناء الجاليات التونسية عبر القارات المتباعدة وعبأت طاقات وإرادات الآلاف من المهاجرين.
وتقول وفاء القاسمي، طالبة تونسية بجامعة جنيف: “علمت بهذه المبادرة خلال تصفحي لمواقع تونسية على الفايسبوك، وتحمّست للإنخراط فيها لأنها فكرة بسيطة، ومبادرة مستقلة، ولتأثيرها الإيجابي جدا على السياحة وعلى الإقتصاد بصفة عامة”.
أما فاروق الشامخي، هو الآخر طالب تونسي بإحدى الجامعات السويسرية فيضيف: “هي مبادرة بعيدة كل البعد عن التجاذبات الفكرية والسياسية القائمة في تونس، وأجمل ما فيها انها تقوم على تجميع التونسيين من أجل المصلحة العليا لبلادهم”.
وردا عن سؤال تقدمت به swissinfo.ch إلى السيد حافظ بيجار، سفير الجمهورية التونسية بسوسرا، قال: “لايسعنا إلا أن نبارك مبادرة “عشاق الخضراء” ونشجّعها، وهي بالفعل جديرة بالتنويه، ونتمنى ان تعمّم باعتبار ما تمثله من دعاية ذكية وهادفة تساند المجهود الذي تبذله الجهات الرسمية”.
في البدء كانت الفكرة
أطلقت هذه الفكرة في البداية على يد نخبة صغيرة من التونسيين المقيمين بمدينة لوزان الذين شعروا ومن خلال متابعتهم لتطوّر الأوضاع في بلادهم أن التحدي الحقيقي الذي تواجهه تونس والذي قد يذهب بكل المكاسب التي تحققت لها خلال العام الماضي هو التحدي الإقتصادي، وفي مقدمته تراجع الإقبال السياحي على تونس.
ويوضّح محمّد الجريبي، تونسي مقيم بلوزان، منطلقات هذه الفكرة، فيقول: “أحسسنا كتونسيين أن السياحة في تونس تعيش وضعا متدهورا، وأن الترويج لها يكلّف ميزانية الدولة مبالغ طائلة من العملة الصعبة، مبالغ كان يمكن أن تصرف لتشجيع التنمية في المناطق الفقيرة”.
وتنفيذا لهذه الفكرة، قررت هذه المجموعة اتخاذ شعار “من أجل إعادة اكتشاف تونس” عنوانا لهذه الحملة، فطبع هذا الشعار على عدد كبير من سيارات الاجرة. وبعد الإعلان عن انطلاق هذه الحملة من خلال الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي، يضيف الجريبي: “دهشنا من التجاوب الكبير الذي وجدناه من عامة التونسيين في سويسرا وخارجها”. وتجاوز خلال أسبوع واحد عدد المعجبين بهذه الحملة على صفحات فايسبوك 1600 معجب، وتؤكّد جميع التعليقات التي يتركها زوار الصفحة على رغبتهم في الإنخراط في هذه المبادرة، ونشرها على نطاق واسع.
توسع الحملة
لئن انطلقت هذه لمبادرة من خلال وضع ملصقات إشهارية على السيارات المتجوّلة في المدن السويسرية، فإنها اتخذت لاحقا اشكالا أخرى، حيث بادر طلاب جامعيون تونسيون في سويسرا إلى طباعة نفس الدعاية على قمصان بيضاء كتب عليها من الامام “من اجل إعادة اكتشاف تونس”، ومن الوراء “أحبّك يا تونس”. وقام حوالي 50 طالبا بجامعة جنيف بارتداء هذه القمصان طيلة يوم 8 مارس الماضي، داخل الحرم الجامعي وخارجه”.
وتقول وفاء القاسمي التي شاركت في إحياء هذا اليوم: “لقد فوجئت بسهولة إقناع زملائي بهذه الفكرة، ولم يقتصر الأمر على الجالية التونسية حيث شاركنا في هذه الحملة طلبة من المغرب والجزائر وليبيا، والسؤال الوحيد الذي كان يطرح علينا بإستمرار: من يقف وراء هذه الفكرة؟ ولصالح من؟”.
ونظرا لهذا النجاح الملفت، كشف محمد الجريبي في حديث إلى swissinfo.ch: “أن دعوة وجهت إلى جميع الطلبة التونسيين في العالم لإرتداء قمصان بيض تحمل شارة الدعاية لتونس يوم 15 مارس حيثما كانوا، وذلك طيلة يوم الدراسي”.
وحتى لا تبقى هذه المبادرة محصورة في فئة دون أخرى، تقرر أيضا أن يكون يوم 20 مارس، الذي يوازي عيد إستقلال تونس عن المستعمر الفرنسي، اليوم الذي تروّج فيه الجالية التونسية بكل فئاتها المهنية وشرائحها العمرية في كل بلدان العالم لتونس كمقصد سياحي (الأطفال في المدارس، والموظفون في اماكن العمل، والمسؤولون في إداراتهم..).
ولا يراود القائمون على هذه المبادرة أي شك في جدوى وأهمية هذه الحملة، حيث يقول محمد الجريبي، واحدا من الذين أطلقوا هذه المبادرة: “لقد أبهرنا تفاعل المهاجر التونسي ووطنيته… وترد علينا رسائل إلكترونية، ورسائل قصيرة، واتصالات عبر الهاتف، وتعليقات عبر الفايسبوك، جميعها تنوه بهذه الخطوة، ومتحمّسة لإنجاحها، والجميع يقوم بذلك بمبادرة حرة منه وعلى تكلفته الخاصة”.
تحرير المبادرة
تكمن عناصر القوة في هذا التحرك في أنه يصدر عن مبادرة حرة، يشعر كل من انخرط فيها أنه يقوم بذلك بمحض إرادته، وحتى الذين أطلقوا الفكرة في البداية، فوّتوا فيها لكل من يقتنع بها، وتركوا للجميع الحرية المطلقة في اختيار اشكال تنزيلها في واقعه، مع التأكيد دوما على الإحتفاظ بطابع البساطة الذي يميّزها، وقلة التكلفة أثناء الاداء، لأن الأولى بالنسبة لهم هو توجيه أي موارد مالية إلى الإستثمار في داخل البلاد.
وبالنسبة للطالبة وفاء: “مرد هذا الإقبال الكبير وهذه التعبئة الواسعة هو شعورنا كتونسيين بانه لم يعد هناك أي حاجز يستطيع إيقافنا. ومع ثورة 14 يناير، وجد لدينا إحساس خلاق بالإنتماء إلى الوطن، لان تونس قبل 2011، كانت مفكوكة، وكانت ملكا لعائلة ولفئة دون أخرى”.
اما فاروق، فيؤكد على ان “روح المبادرة كانت حاضرة دائما لدى التونسي، لكنها كانت إرادة مقموعة، والآن فقط أصبحت ممكنة”. وبالفعل ليست هذه المبادرة الوحيدة التي أطلقتها الجالية التونسية في سويسرا. ويؤكد هذا السيد حافظ بيجار، سفير الجمهورية التونسية ببرن الذي يضيف: “المبادرات متعددة ومتنوعة، شملت عديد القطاعات كالنقل والأدوية والألبسة والأغذية والثقافة والمساعدة على إحداث مواطن شغل بالجهات المحرومة”، وعلى حد قوله: “قامت السفارة بتشجيع ومساعدة العديد من هذه المبادرات”.
“تونس مسؤولية الجميع”
اطلاق هذه المبادرات في حد ذاته يعبّر عن تفهّم ابناء الجالية التونسية في الخارج للوضع الانتقالي الحساس والصعب الذي تمر به بلادهم، وعن إدراكهم لثقل التركة التي تركها النظام السابق، فأراد أصحابها أن تكون جهدا تكميليا، وإسهاما من المجتمع المدني ومن المواطنين في تحمّل جزءً من تبعات المرحلة .
في المقابل، يأمل هؤلاء المهاجرين ، بحسب محمد الجريبي أن “تسود العلاقة بين ابناء تونس في المستقبل رؤية وطنية بعيدة عن كل التجاذبات، وان يكون العمل الحكومي والرسمي منفتحا على التعاون مع جميع قوى المجتمع المدني”. وهو الأمر نفسه الذي يشدد عليه سفير الجمهورية التونسية ببرن خلال حديث إلى swissinfo.ch: “نحن نسعى بكل صدق وعزم لتطوير هذه الشراكة، والتقينا لاجل ذلك عددا من مكوّنات المجتمع المدني التونسي بسويسرا، وغايتنا في ذلك إرساء أسس متينة لشراكة جديدة تقوم على الثقة المتبادلة والغلتقاء حول خدمة مصالح تونس والتونسيين في سويسرا”.
ويأتي ترحيب أنس رزقي، رئيس المكتب السياحي التونسي بزيورخ كذلك بهذه المبادرة ليؤكد بداية ظهور علاقة جديدة من التعاون بين الجهات الحكومية وقوى المجتمع المدني، وهو ما يمكن ان يشجّع في المستقبل على المزيد من هذا النوع من المبادرات. وهناك فعلا من يفكّر في إطلاق مبادرة للتسويق للمنتجات التونسية في الخارج، ومن يدعو إلى ألتزام المهاجرين التونسيين طوعيا بتحويل مبالغ مالية من العملة الصعبة إلى الداخل بشكل دوري، ومن يدعو إلى تكثيف زيارة المهاجرين إلى تونس مرة واحدة على الأقل في السنة، وكل ذلك من اجل الارتقاء بالوضع الاقتصادي.
في حوار خاص مع swissinfo.ch شرح السيد أنيس الرزقي، مدير المكتب طبيعة نشاط هذه المؤسسة:
المهمة الأساسية لهذا المكتب التعريف المنتوج السياحي التونسي وثراء الخزان الثقافي والحضاري للبلاد التونسية في السوق السياحية التونسية.
يوجد هذا المكتب في مدينة زيورخ لأن معظم وكلاء الأسفار صوب الوجهة التونسية موجودين في هذه الجهة من سويسرا.
لجلب السياح السويسريين، يقوم المكتب بحملات إشهار على المستوى الوطني في فترتيْن من السنة (الفترة الصيفية والفترة الشتوية)، وكذلك المشاركة في المعارض والصالونات وخلال عام 2012، شاركنا إلى حد الآن في سبعة صالونات سياحية من مختلف المدن الكبرى (جنيف، زيورخ، لوتسرن، سانت غالن،..). كذلك نقوم بحملات علاقات عامة، كدعوة الصحافيين السويسريين للتعرّف على المنتوج السياحي التونسي.
عرفت الإدارة السياحية، مثلها مثل بقية القطاعات في تونس ثورتها بعد 14 يناير. وفعلا حدثت ثورة من خلال التعيينات التي وقعت أخيرا، وقبل الثورة كانت الوظائف السامية في هذا القطاع تسند إلى أشخاص في نهاية مشوارهم الوظيفي، واما الآن، فقد منحت هذه الثقة إلى شبان حاصلين على شهادات علمية من كبرى الجامعات التونسية والعالمية. وكان الخطاب الرسمي يؤكد على اهمية السياحة بالنسبة للإقتصاد التونسي، لكن الآن فقط رصدت الميزانيات اللازمة لذلك.
بالإمكان التأكيد أن السوق السياحية التونسية بصدد استعادة عافيتها، وانتعاشها، ولا يتعلق الأمر هنا بالسوق السياحية السويسرية فقط، وهذا يؤكده ايضا أصحاب وكالات الأسفار، فالأرقام جيدة جدا، ونأمل أن نستعيد النسق الذي كان خلال 2010 خلال هذا العام او العام القادم.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.