جنيف الدولية تبحث عن هوية
مدينة جنيف الدولية، التي تفتح أبوابها للجميع وتستضيف بين جنباتها العديد من المُنظمات الدولية والشركات العالمية، "تعاني من أزمة هوية!" هذا ما خرج به عُلماء الاجتماع السويسريون، وِفق دراسة قامت بها جامعة جنيف وعرضت نتائجها في مؤتمرٍ نظمته جمعية عِـلم الإجتماع السويسري.
وحسب الدراسة التي قامت بها جامعة جنيف، قال 92.7% من سكان المدينة، إنهم يُحبّون العَـيش فيها، غير أن غالبيتهم ليست مُهتمّـة بالاستثمار في سياسة المدينة ولا في الأشغال العامة أو في المشهد الثقافي.
وكانت هذه الدراسة، واحدة من مجموعة من المواضيع التي تَمّـت مناقشتها في مؤتمر “تغيّـرات أسلوب الحياة والهويات”، الذي افتُتِح في السابع من شهر سبتمبر الجاري في جامعة جنيف واستمر لمدة ثلاثة أيام. وقد قامت جمعية عِـلم الاجتماع السويسري بتنظيم هذا المؤتمر.
وقد أخبَرَ ساندرو كاتاسين، أستاذ عِـلم الاجتماع في جامعة جنيف swissinfo.ch أن “سكان مدينة جنيف يُحبّـون العيش فيها، لكونها مدينة لطيفة ذات ظروف معيشية جيدة، لكنهم لا يفعلون شيئا للإستثمار فيها”، وأضاف :”هذه المدينة هي مركز يتمتّـع بمستوى عالٍ جداً من الخدمات، غير أنها تفتقد إلى الهوية”.
وقد أجرى عالم الاجتماع كاتاسين مع فريقه، استطلاعاً شمِل 425 شخصاً من السكان المَحليين للإجابة على السؤال التالي: “هل جنيف موجودة حقا؟
ومن بين الرُدود التي وردت من المشاركين في هذه الدراسة، لم يعرف سوى 30% منهم، المكان الذي وُلِد فيه المُصلح البروتستانتي جون كالفان (مصلِح ديني ولاهوتي فرنسي، أسّـس المذهب الكالفيني المُنتشِـر في سويسرا وفرنسا، كما عَـرف واحد فقط من بين كل خمسة أشخاص عدد الساسة الذين يُشكِّـلون الحكومة المَحلية للكانتون، ولم يعرف سوى 2% منهم اسم الرئيس الحالي لكانتون جنيف.
وقال كاتاسين: “يعيش الناس في جنيف، غير أنهم لا يعرفون المدينة، وقد تُشكِّـل سُمعة الانفتاح، التي تَتَمتع بها المدينة، مشكلة”، وأضاف: “من السهل جداً الدّخول إلى جنيف، فأنت مواطن تنتمي إلى جنيف حال وصولك إليها، حيث لا يسألك أحد عن شيء”، وأضاف قائِلاً: “ولكن هذا الإنفتاح، يخلق نوعاً من المسافة بين الناس”.
“بدون رُوح”
وأكّـد الاستطلاع أيضا مدى صعوبة الإلتقاء بأشخاص جُدُد في جنيف وخلق روابط اجتماعية جديدة. وقد أجاب 50% من المشاركين بهذا المَـسح، بأنَّ جنيف “مدينة بارِدة”.
وكتب كاتاسين: “وبدون وجود مركز حضاري أو أماكن لإلتقاء السُكان المحليين أو إقامة احتفالاتهم، فإن جنيف لا روح لها ولا يوجد لديها قلب ينبُـض من أجل مصيرٍ مُـشترك”.
وقد وُجِدَ أنّ ما نسبته 29.1% فقط من السكان المَحليين يشاركون في أي نوع من العمل التطوعي – وهذه النسبة أقلّ بكثير من كانتون بازل (حيث تبلغ 38.2%) وزيورخ (حيث بلغت النسبة 40.4%)، كما أنها أقل من المُعدّل السويسري العام البالغ 40.8%.
كذلك، فإنَّ النشاط السياسي مُنخفِـض أيضاً في جنيف. وقد أجابت نسبة 42.2% فقط من الذين شملهم الاستطلاع، باهتمامهم بالسياسة: وهم في الغالب من كِـبار السن ومن ذوي المِـهن والحرفيين. وفي عام 1999، كانت نسبة إقبال الناخبين على المشاركة في الإستفتاءات والإنتخابات تشكِّـل 37% فقط، وهذه أدنى نسبة إقتراع في سويسرا.
وقال السيد كاتاسين: “على الرغم من وجود أكثر من 300 جمعية محلية، إلا أنّها مُحَولة إلى أداة مِـن قِبل الدولة، كما تتكوّن جنيف من العديد من المُجتمعات المُنغَلِقة، التي لا تَتفاعل مع بَعضِها البعض”.
وأضاف كاتاسين شارِحاً: “أما النُخبة في جنيف، فهم مُنعزِلون تماماً في الأماكن التي يعيشون ويعملون فيها، فلو ذهبتَ إلى [حي الأثرياء] في “كولوني” Cologny، فإنك لن ترى جيراناً يتحدّثون فيما بينهم، أما في [حي الطبقة العاملة] “جونكسيون” Jonction، فسترى الناس يتبادلون أطراف الحديث مع بعضهم البعض، ولكنك سوف ترى دائماً نفس المجتمعات معا: السود مع السود والعرب مع العرب والطلاّب مع الطلاّب. نحن جميعاً في المدينة نفسها، ولكننا لا نعرف شيئاً عن الآخرين”.
المدينة السويسرية الوحيدة؟
وقالت كارين باخمان، المسؤولة عن التنظيم الإقليمي والعلاقات الخارجية لمدينة جنيف، إنها فوجئت بالتبايُـن بين حُبّ الناس لجنيف من جِهة، وانعدام الرّغبة لديهم في الإستثمار الشخصي في المدينة.
وأضافت: “لكن جنيف كانت دائما مكانا فَوضوياً ومَعْبراً يَمُر من خلاله الكثير من الأفراد، وهي مكوّنة من عوالم متوازية مليئة بالمُتناقِـضات، كما تصعب إدارتها”. واستطردت قائلة: “لربّما كانت جنيف هي المدينة الكبيرة الوحيدة في سويسرا”.
وهناك نحو 50.000 شخص يأتي إلى أو يرحل من جنيف في كلِ عام، وفي كل يوم يَعبُر حوالي 500,000 شخص حدود مدينة جنيف من فرنسا المجاورة أو من كانتون فو. وأضافت السيدة باخمان: “أشعر دائماً بِأنني غريبة هنا، وهذا شيء أقدِّره”.
“الخطاب الموازي”
ويقول الباحثون، إن مشكلة هوية المدينة لا تتِـم مساعدتها عن طريق “خِـطاب موازي” بين صورتها السياحية، التي تبُاع وتروَّج في الخارج – كموقعها على بحيرة ليمان ونافورتها الشهيرة، التي تشكل علامة المدينة الفارقة، أو جدار الإصلاحيين (هو نصب تذكاري يُخلّـد العديد من الأفراد الذين لعِـبوا أدواراً رئيسية في جنيف ويَذكر أحداثها ويُظهر وثائق من الإصلاح البروتستانتي عن طريق نحت تماثيل لهؤلاء الإصلاحيين ولأحداث ذلك الوقت) أو البنوك والمتاجر الفاخرة وجنيف الدولية – وبين واقعها المحلّي واليومي.
وِفقًا لهذا الاستطلاع، فقد كان أهمّ جانب بالنسبة للمُقيمين في مدينة جنيف، هي أحياءهم السكنية (34%) والبحيرة (19%) والمنازل الخاصة (18%).
ويقول كاتاسين، إن جنيف عليها أن تُـطوّر “تسويقا وإعلاناً حَضَرياً” للسُكان المحليين، لمحاولة حَلّ هذا التناقض، كما حدث في مدينة بازل (شمال سويسرا)، التي يبدو أنها قد تفهّـمت الفكرة بشكلٍ أفضل.
وقال كاتاسين: “لقد استثَمرَت بازل في عملية التسويق (الإعلان) للمدينة وللمُبادرات المحلية، وهي تخلق فضاءً يجعلك تشعر بالرّاحة، كما وأنك سوف تستثمِر في المدينة، لإنك تشعر بأنها مدينتك. فأنت لا تَرمي القُمامة على الأرض – وهو أمر طبيعي في جنيف – كما أنك تحترم وتقدر أشياء مُعيّـنة، كوسائل النقل العامة”.
وفي النهاية قال كاتاسين: “في المستقبل، إن كنت تريد مدينة مبتكرة ومُبدعة، فإنك تحتاج إلى أشخاصٍ يعتقدون بأنه من المُـهم أن يقوموا بالإستثمار في هذه المدينة وأن يُـعطوا لها أيضاً، لا أن يستخدموها وينتفعوا منها فقط”.
سايمون برادلي – جنيف – swissinfo.ch
تقع مدينة جنيف السويسرية الناطقة باللغة الفرنسية في النهاية الغربية لبحيرة ليمان(تسمى أحيانا بحيرة جنيف) وتحيط بها فرنسا من كل الأطراف تقريبا، و يبلغ طول حدود كانتون جنيف مع جارتها فرنسا 103 كيلومترا، في حين يبلغ طول حدودها مع سويسرا 4.5 كيلومترا فقط.
يبلغ عدد السكان في المدينة نفسها 185.000 شخصا، بينما يسكن في كامل الكانتون 453,439 شخصا. أما التَجَمّع الحضري لمدينة جنيف (التي يشمل تسعة بلدات أخرى)، فتُغطي معظم الكانتون وتنتشر إلى داخل فرنسا ويبلغ عدد السكان فيها 730,000 نسمة.
تبلغ نسبة الأجانب في جنيف حوالي 40% من سكانها، وينتقل نحو 50،000 شخص من أو إلى جنيف في كل عام.
تُضَيف جنيف مقرّات 22 منظمة دولية، مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمة التجارة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
تبلغ قيمة “جنيف الدولية”، كما يجري تعريفها، 5 مليارات فرنك سويسري (أي ما يعادل 4 مليارات دولار) سنويا للكانتون.
بالإجمال، هناك 40،000 شخص من الدبلوماسيين الدوليين وموظفي الخدمة المدنية، الذين يسكنون في جنيف، بالإضافة إلى ذلك، هناك حوالي 2،400 موظف يعملون في منظمات غير حكومية. ويعمل حوالي 8،500 موظف في منظمة الأمم المتحدة في جنيف، والتي تُعتبر أكبر تجمّـع لأفراد الأمم المتحدة في العالم.
تصنّف جنيف بصورة مُنتظمة من ضمن المُـدن العشرة الأولى الأعلى جودة ومستوى المعيشة من قِبل شركات، مثل شركة “ميرسر” Mercer (وهي شركة عالمية موثوق بها تقوم بتقديم المشورة المتعلّـقة بالموارد البشرية والمالية والمُنتجات والخدمات في دول ومدن العالم المختلفة).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.